يبدو أن توالي «الهدن» اليومية في غزة، لا يزال غير كافٍ للإعلان عن اتفاق نهائي بوقف الحرب، إذ ثمة «عراقيل إسرائيلية»، و«لاءات حمساوية»، تُبعد الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار في القطاع، الذي يعاني دماراً واسعاً ومأساة إنسانية، جراء قصف وحصار إسرائيلي، دام نحو شهر ونصف، منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ولا يعد إنهاء الحرب في غزة هدفاً إسرائيلياً راهناً، حسب مراقبين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، عدّوا مثل هذا الإعلان قد يوصف داخلياً في إسرائيل بأنه «هزيمة»، بينما صيغة «الهدن»، هو التعبير «الأكثر ملاءمة» لجميع الأطراف.
وفي الساعات الأولى من صباح الخميس، توصلت إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) إلى اتفاق على تمديد وقف إطلاق النار ليوم سابع. فيما لا يزال مفاوضون مصريون وقطريون يضغطون من أجل تمديد جديد، سيصبح الرابع من نوعه، ويشمل الإفراج عن مزيد من المحتجزين، وزيادة إيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، حسب «الهيئة العامة للاستعلامات» في مصر.
ومنذ بداية الهدنة يوم الجمعة الماضية، أطلق مقاتلو «حماس» حتى الآن سراح 97 رهينة، منهم 70 امرأة وطفلاً إسرائيلياً، في مقابل إطلاق سراح ثلاث نساء وفتيات فلسطينيات لكل رهينة إسرائيلية، بالإضافة إلى 27 من الرهائن الأجانب الذين أُطلق سراحهم في اتفاقيات موازية مع حكوماتهم.
ووفق وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي وصل إسرائيل، الخميس، فإن الهدنة، بين إسرائيل و«حماس»، «تؤتي نتائج»، وأعرب عن أمله في أن «تستمر».
وتضغط مصر، ومعها قطر، من أجل التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار في غزة، يعقبه بدء ترتيبات أكبر من أجل إحلال السلام، لكنَّ هذه المساعي «تتعارض مع أهداف إسرائيل»، حسب السفير محمد العرابي، رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، الذي أكد لـ«لشرق الأوسط»، أن «إعلان وقف إطلاق النار حالياً في الداخل الإسرائيلي، هو بمثابة إعلان الهزيمة».
ويوضح العرابي أن «الهدن المتوالية تمنح الجيش الإسرائيلي فرصة لالتقاط الأنفاس، كما تخفف الضغط الشعبي عليه بالإفراج عن الأسرى، وفي نفس الوقت تحميه من ردة فعل غاضبة لدى المتشددين الذي يرفضون وقف الحرب».
واستضافت العاصمة القطرية الدوحة، الثلاثاء الماضي، اجتماعات أمنية رفيعة بمشاركة رئيس الموساد ديفيد برنياع، ومدير وكالة الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل. ونقلت «وول ستريت جورنال»، عن مسؤولين مصريين قولهم إن هدف المباحثات كان «نقل المناقشات إلى ما هو أبعد من تمديد اتفاق الهدنة»، لكن يبدو أن الهدف تعذر تحقيقه حتى الآن.
وخلال المحادثات أُثير مقترح يقضي بإطلاق سراح كل الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح عدد ضخم من الأسرى الفلسطينيين، ووقف طويل لإطلاق النار في قطاع غزة. لكنَّ الرد الإسرائيلي جاء علنياً، خلال جلسة مجلس الأمن الدولي، الأربعاء، بعدما حدد غلعاد إردان، مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، شروط إنهاء الحرب في غزة، قائلاً إن «السلام يمكن تحقيقه في قطاع غزة على الفور إذا أطلقت (حماس) سراح جميع المحتجزين وسلَّمت جميع المشاركين في هجوم 7 أكتوبر».
ولا يستبعد العرابي، وهو وزير خارجية وسفير أسبق لمصر في تل أبيب، أن «تستأنف إسرائيل الحرب من جديد في غزة عقب انتهاء الهدن، التي ما زالت حالياً في مصلحة الجميع، لكن كلما اقتربت قوائم الأسرى من التقلص زادت فرص اشتعال الحرب مرة أخرى».
ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، انتقادات داخلية شديدة في ما يتعلق بوقف إطلاق النار. حيث هدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، بحل الحكومة في حال التوصل لوقف شامل للحرب في غزة. كما عدّ وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وقف الحرب مقابل إطلاق سراح جميع المحتجزين في غزة «خطة للقضاء على إسرائيل»، مؤكداً ضرورة «القضاء على (حماس)».
وتسعى «حماس» إلى الحفاظ على بعض «الأسرى العسكريين» كورقة رابحة في المفاوضات، فيما قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط»، إنه إلى جانب «حماس» فإن «ما يُعقّد أي صفقة هو وجود أسرى أيضاً لدى حركة الجهاد الإسلامي، التي لديها مطالب أكثر تشدداً من (لاءات حماس) تتعلق بإنهاء الاحتلال».
ووفق المصدر، ترفض الفصائل الفلسطينية مطالب إسرائيلية بتفكيك قدراتها العسكرية من أجل وقف الحرب، حيث تخشى تل أبيب من تكرار هجوم 7 أكتوبر الماضي.
والخميس، طلب الجناح العسكري لحركة «حماس» من مقاتليه في غزة، الاستعداد لاستئناف المعارك مع إسرائيل إذا لم تُمدَّد الهدنة المؤقتة. وقالت الحركة في بيان، إن «كتائب القسام تطلب من قواتها العاملة البقاء على جاهزية قتالية عالية في الساعات الأخيرة من التهدئة».
وسمحت الهدن المتتالية بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة الذي يقطنه 2.3 مليون نسمة، ويواجه «كارثة إنسانية ملحمية»، حسب أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، الذي طالب –ومعه آخرون- بأن «يحل وقف إطلاق النار محل الهدنة المؤقتة».