آبار المياه في صنعاء... منجم حوثي للإثراء غير المشروع

عناصر الجماعة حفروا في باحات المؤسسات والمساجد والمنازل

يُصنف اليمن من بين أكثر دول العالم شحة في المياه (الشرق الأوسط)
يُصنف اليمن من بين أكثر دول العالم شحة في المياه (الشرق الأوسط)
TT

آبار المياه في صنعاء... منجم حوثي للإثراء غير المشروع

يُصنف اليمن من بين أكثر دول العالم شحة في المياه (الشرق الأوسط)
يُصنف اليمن من بين أكثر دول العالم شحة في المياه (الشرق الأوسط)

حولت الجماعة الحوثية باحات مؤسسات رسمية ومساجد ومنازل في العاصمة صنعاء وضواحيها إلى أماكن للتكسب وجني الأموال غير المشروعة من خلال القيام بعمليات حفر عشوائي لعشرات الآبار، وتركيب مضخات بهدف بيع المياه للسكان بأسعار مضاعفة.

يأتي ذلك في وقت تستمر فيه معاناة آلاف الأسر في صنعاء من جراء النقص الحاد بمياه الشرب، بفعل استمرار انقطاعها من المؤسسة العامة للمياه، نتيجة فساد الجماعة الذي قاد إلى ارتفاع أسعار صهاريج المياه المنقولة إلى المنازل، ما أدى إلى مضاعفة هموم السكان في ظل استمرار رفض الجماعة دفع رواتب الموظفين بمناطق سيطرتها.

استحدث الحوثيون بئر مياه في منزل الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي بشارع الستين بصنعاء (الشرق الأوسط)

مصادر مطلعة في صنعاء كشفت لـ«الشرق الأوسط»، عن استهداف الجماعة باحات كثير من المقار الحكومية والمنازل من خلال تأسيس مضخات مياه داخلها بعد أن طال أسوار الكثير منها أعمال التعدي والهدم.

ومن بين الآبار التي استحدثتها الجماعة بئران في باحات المعهد البيطري الزراعي والمعهد التقني الصناعي بوسط العاصمة وشمالها، و6 آبار أخرى في معسكري الفرقة الأولى مدرع (سابقا) و«الأمن المركزي» و4 آبار أخرى في معسكر «الحفا» ومعسكر «ضبوة» جنوب العاصمة.

وأوكلت الجماعة للقيادي خالد المداني المشرف على صنعاء تولي مهام الإشراف المباشر على تلك المضخات، وكذا العائدات المالية التي تجنيها من ورائها.

إهدار وعبث

إلى جانب ما تتعرض له آبار المياه التي خٌصّصَت بعهد حكومات يمنية سابقة لـ«جامع الصالح» بمنطقة السبعين وسط صنعاء من إهدار وعبث حوثي، لا يزال جامع «جامع الشهداء» هو الآخر في باب اليمن يتعرض للاستهداف، إذ استحدثت الجماعة فيه بئر مياه لبيعها للسكان.

بئر مياه خاصة في إحدى المناطق في العاصمة اليمنية صنعاء (الشرق الأوسط)

سبق ذلك قيام الجماعة بإيقاف ضخ المياه إلى جامع الشهداء الكائن بجانب مقبرة شهداء «الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962»، بالإضافة إلى مصادرة ميزانيته الخاصة التي سبق أن خصصتها بصورة شهرية وزارة الدفاع في حكومات يمنية سابقة، وفق ما ذكرته المصادر.

وفي حين يشكو اليمنيون من قلة مياه الشرب النظيفة وارتفاع أسعار الصهاريج، تصل الأموال التي تجمعها جماعة الحوثي من موارد مياه الآبار المستحدثة والمنهوبة في صنعاء إلى مليارات الريالات، يُخصص معظمها لما تسميه «المجهود الحربي» والإنفاق على قادتها.

ويؤكد سكان صنعاء أنهم باتوا نتيجة استمرار انقطاع مياه المشروع الرسمي عن منازلهم عاجزين عن توفير مياه الشرب لأسرهم أو حتى إيجاد بدائل أخرى، وذلك نظراً لتدهور أوضاعهم المادية والمعيشية.

تكسب غير مشروع

أقدمت الجماعة الحوثية في أوقات سابقة على حفر آبار مياه وتركيب مضخات بباحات منزل الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي بشارع الستين، ومنزل الرئيس الراحل علي عبد الله صالح بمنطقة «الثنية»، ومنزل نجله أحمد علي في «فج عطان»، ومنزل عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق صالح في شارع الجزائر، ومنزل توفيق صالح في «بيت بوس».

تعد مهمة الحصول على المياه همّاً يومياً لآلاف الأسر اليمنية (إ.ب.أ)

ولم تكتف الجماعة ببيع المياه من الآبار المنهوبة لملاك الصهاريج فحسب، بل عمدت، وفق السكان، إلى ربط شبكات خاصة إلى بعض المطاعم والفنادق ومنازل المواطنين المجاورة، لإجبارهم على الاشتراك قسراً بالخدمة ودفع مبالغ تعادل بين 155 و195 دولاراً، عن كل شخص بوصفها رسوم اشتراك، غير قيمة العداد والمياه التي تصلهم كل نصف شهر.

ويوضح ملاك آبار مياه في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن توجه الجماعة الحوثية صوب التكسب من ريع هذا القطاع يأتي في سياق مواصلة حربها المتكررة ضدهم.

وفي تعليق له، شنّ القيادي محمد المقالح هجوماً ضد جماعته، متهماً إياها بتوسيع حجم فسادها وصولاً إلى حد بيع المياه من منازل الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

وكانت تقارير دولية ذكرت أن نحو 4.5 مليون طفل يمني يعيشون في منازل لا يتوفر فيها مصدر مياه محسن، وصنّفت بعض تلك التقارير اليمن كإحدى أربع دول هي الأشدّ فقراً في الموارد المائية. مؤكدة أن الحصول على مياه الشرب الآمنة يشكل تحدياً يومياً لملايين اليمنيين.

وسبق ذلك إعلان منظمة الهجرة الدولية قبل فترة حاجة 15 مليون يمني إلى دعم في المياه والصرف الصحي خلال 2023، في حين حذر البنك الدولي هو الآخر - بتقرير سابق له - من أن توفير مياه الشرب سيكون أكبر المشاكل التي يواجهها اليمن خلال السنوات المقبلة.

تهدد شحة المياه الصالحة للشرب ملايين اليمنيين (إ.ب.أ)

وأكد البنك الدولي أن 18 مليون يمني يعانون عدم القدرة على الحصول على مياه الشرب المأمونة، مقترحاً مواجهة هذه التحديات من خلال تخزين مياه الأمطار للاستفادة منها.

وأضاف البنك أن الصراع الدائر «ترك آثاراً شديدة على البنية التحتية للمياه، ناهيك عن التفاوت في متوسط تساقطات الأمطار السنوية، حيث تعرضت بعض مناطق البلاد بالفعل لنوبات الجفاف، وهما يمثلان مشكلتين أدى تغير المناخ إلى تفاقمهما».


مقالات ذات صلة

اتهامات للحوثيين بعرقلة مساعدات الفقراء

العالم العربي جانب من عملية صرف مساعدات نقدية للفقراء في إحدى مناطق سيطرة الجماعة الحوثية (فيسبوك)

اتهامات للحوثيين بعرقلة مساعدات الفقراء

الجماعة الحوثية توقف صرف المساعدات النقدية للحالات الأشد فقراً في مناطق سيطرتها، وتستقطع منها لصالح جبهاتها، متسببة بمزيد من المعاناة الإنسانية للسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي معدل انعدام الغذاء الكافي انتشر بين 62 ‎%‎ من سكان اليمن (الأمم المتحدة)

برنامج أممي يحذر من خطر سوء التغذية الحاد في اليمن

حذر برنامج الأغذية العالمي من أن سوء التغذية الحاد في اليمن لا يزال يشكل تهديداً خطيراً لحياة الأشخاص مع وجود 17.6 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي دُشنت المشروعات التنموية برعاية عدد من الوزراء والمسؤولين (الشرق الأوسط)

«البرنامج السعودي» يضع حجر الأساس لمشروعات تنموية في مأرب

وضع «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» حجر الأساس لحزمة مشروعات تنموية في محافظة مأرب.

«الشرق الأوسط» (مأرب)
العالم العربي آثار عميقة تسببت بها الفيضانات في اليمن وأدت إلى تفاقم الظروف الإنسانية المتردية (أ.ف.ب)

تحذيرات من استمرار تأثير الفيضانات على الوضع الإنساني في اليمن

على الرغم من اقتراب موسم الأمطار في اليمن من نهايته مع رحيل فصل الصيف، تواصلت التحذيرات من استمرار هطول الأمطار على مناطق عدة، مع تراجع حدتها وغزارتها.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

العليمي: لا خيار سوى الانتصار على المشروع الإيراني في اليمن

وسط احتفالات واسعة بذكرى «ثورة 26 سبتمبر» أكد رئيس مجلس الحكم اليمني رشاد العليمي أنه لا خيار في بلاده إلا الانتصار على المشروع الإيراني المتمثل في الحوثيين

علي ربيع (عدن)

كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
TT

كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)

يتوقف بدء سريان المفاعيل السياسية للنداء الأميركي - الفرنسي، المدعوم أوروبياً وعربياً، للحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، على الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية على رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، لمنعه من التفلُّت من مسؤوليته بتوفير الأجواء السياسية المواتية لتطبيق مضمون هذا النداء، بعد أن كان قد التزم بمضامينه، لينقلب عليه لاحقاً بذريعة أن مجرد التلازم في وقف إطلاق النار ليشمل جبهتي جنوب لبنان وغزة يتيح لـ«حزب الله» تبرير مساندته لـ«حماس»، على نحو يرتد عليه سلباً، ويتسبّب له بإشكالات داخل حكومته المناوئة بأكثريتها للربط بين الجبهتين، فيما يلقى فصل الجبهتين معارضة من «حزب الله»، كونه يشكل له إحراجاً أمام بيئته بعدم الجدوى من انخراطه في إسناد غزة، وما ترتب عليه من أكلاف باهظة كان في غنى عنها.

«فيتوات» متبادلة بين إسرائيل والحزب

لكن صدور النداء الأميركي - الفرنسي بصيغته الراهنة قوبل بتبادل «الفيتوات» بين إسرائيل و«حزب الله»، الذي يتمسك بتطبيق التلازم بوقف إطلاق النار على جبهتي غزة والجنوب، بخلاف نتنياهو المعترض عليه، وهذا ينسجم مع ما طرحه الوسيط الأميركي، أموس هوكستين، في مفاوضاته مع رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، بتفويض من قيادة «حزب الله» لتهدئة الوضع جنوباً ونزع فتيل التفجير ومنع توسعة الحرب.

وكان الرئيس بري يعد العدّة لاستئناف التفاوض مع هوكستين لاستكمال البحث بينهما في الورقة التي أعدها الأخير لتهدئة الوضع جنوباً، للبدء بالتفاوض غير المباشر والتوصل إلى وقف إطلاق النار على قاعدة تهيئة الأجواء لتطبيق القرار رقم (1701) كونه الناظم الدولي لتحديد الحدود بين لبنان وإسرائيل.

لكن الرئيس بري، الذي كان قد تواصل مع هوكستين فور صدور النداء، فوجئ، كما يقول مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط»، بمبادرة نتنياهو إلى سحب تأييده له باعتراضه على التلازم بتطبيق وقف إطلاق النار على الجبهتين الغزاوية والجنوبية، ومطالبته بعدم الربط بينهما بذريعة أنه يشكل انحيازاً لوجهة نظر «حزب الله» بإسناده لـ«حماس».

انقلب نتنياهو فألغى هوكستين زيارته

ويؤكد المصدر النيابي أن هوكستين كان يتحضر للعودة إلى بيروت لمواصلة البحث في الورقة التي أعدها لتطبيق القرار رقم (1701)، وسبق لبري أن سجّل ملاحظاته على بعض بنودها، لكنه عدل عن المجيء، بعد أن انقلب نتنياهو على موافقته المبدئية على ما ورد في النداء الذي يحظى أيضاً بتأييد إيران، انسجاماً مع توافقها والولايات المتحدة على استيعاب التأزم لمنع توسعة الحرب في الإقليم.

وينفي المصدر نفسه كل ما أُشيع عن أن هوكستين بحث في اتصاله ببري وجوب انسحاب الحزب إلى ما وراء جنوب الليطاني، ويقول إن الاتصال بينهما بقي في العموميات، ولم يتطرقا إلى أي تفصيل يتعلق بالورقة، طالما أن للبحث بينهما صلة.

ويبقى السؤال: هل ينجح الرئيس الأميركي جو بايدن في إقناع نتنياهو بتعديل موقفه بما يسمح بتعبيد الطريق لتنفيذ ما ورد في النداء؟ أم أن محاولته، وقد تكون الأخيرة، لن تلقى التجاوب المطلوب؟ وهذا ما يفتح الباب لسؤال آخر: كيف سيتصرف «حزب الله» في حال أصر نتنياهو على المضي في اجتياحه الجوي للبلدات الجنوبية والبقاعية، وفي اغتياله لأبرز قياداته وكوادره العسكرية؟

فلدى الحزب، كما تقول أوساط مقربة منه، القدرات العسكرية والقتالية للتعويض عن تراجع حدة المواجهة في القطاع، كما يشيعه بعضهم، وتقول إنه جاهز لمواجهة كل الاحتمالات، وسيمضي في دفاعه عن النفس ضد العدوان الإسرائيلي، ولن يرضخ لضغوط نتنياهو النارية باستهدافه المدنيين من دون أن يستدرج لتوسيع الحرب، مع احتفاظه بحق الرد على تجاوز نتنياهو الخطوط الحمر باغتياله لأبرز قيادات الحزب العسكرية والميدانية.

مخزون «حزب الله» الصاروخي

لكن الأوساط نفسها لا تعلق على ما يتردد بأن القتال في غزة بدأ ينحسر، وأن القطاع تحوّل إلى جبهة مساندة، ما يجعل الحزب منفرداً في حربه مع إسرائيل، وأنه أصبح يختصر بنفسه وحدة الساحات بتراجع منسوب الانشغال الذي تتولاه أذرع محور الممانعة في المنطقة، كما تفضّل عدم التعليق على تحليلات سياسية تتحدث عن التفاوض بين طهران وواشنطن، وتتهم إيران بترك الحزب وحيداً، وتحمله القسط الأكبر في المواجهة، بذريعة أن لديها حسابات وأوراق سياسية لا تريد التصرف بها في غير أوانها، وتحتفظ بها لتحسين شروطها في المفاوضات.

وتؤكد هذه الأوساط لـ«الشرق الأوسط» أن لدى الحزب مخزوناً صاروخياً، يعود له وحده استخدام الصواريخ الدقيقة منه في الوقت المناسب، وتقول إن استخدامه لصاروخ من نوع «قادر-1» لن يكون الأول والأخير، وأريد منه تمرير رسالة يجب أن يأخذها العدو على محمل الجد، بأن الحزب قادر على تجاوز ما بعد حيفا باستهدافه مواقع إسرائيل العسكرية والمخابراتية، وهذا ما أصاب إحدى قياداته الواقعة على تخوم تل أبيب.

متى تتدخل إيران؟

لذلك، هل يبقى الحزب وحيداً في المواجهة لتراجع وحدة الساحات كما يقول خصومه في الداخل والخارج؟ أم أنه لا يزال يراهن، تبعاً لحساباته، على تدخل إيران في الوقت المناسب في حال تمادت إسرائيل في عدوانها بما ينذر باندلاع حرب شاملة؟ وهذا ما أكده وزير خارجيتها عباس عرقجي بقوله إن بلاده لن تبقى مكتوفة الأيدي في حال قيام إسرائيل بتوسيع الحرب لتشمل الإقليم، مع أن طهران تتمهل لأسباب خاصة بها في الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، في عقر دار الحرس الثوري.

في المقابل فإن تل أبيب تواصل اجتياحها الجوي لتفريغ البلدات الجنوبية والبقاعية والضاحية الجنوبية لبيروت من سكانها، كونها مدرجة على بنك أهدافها، بغية تكبير أزمة النزوح بما يشكل إحراجاً للحزب أمام بيئته الحاضنة، والتحريض عليه بذريعة عدم قدرته على توفير الاحتياجات الضرورية لمئات الألوف من النازحين، في ظل عدم استطاعة الدولة على تلبيتها كما يجب، وهذا ما يفسر إصرار إسرائيل على تحييد الطرقات الدولية والفرعية المؤدية إلى هذه القرى لتسهيل عملية النزوح منها.