رحيل كاتم أسرار رؤساء اليمن

العميد علي الشاطر (تويتر)
العميد علي الشاطر (تويتر)
TT

رحيل كاتم أسرار رؤساء اليمن

العميد علي الشاطر (تويتر)
العميد علي الشاطر (تويتر)

غيب الموت العميد علي الشاطر، أحد أبرز رجال الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، والصندوق الأسود لثلاثة من الرؤساء الذين حكموا شمال البلاد، حيث عمل معهم من خلال دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة، وهي الذراع الإعلامية لكل من كان يحكم هذا الجزء من اليمن قبل توحيدها في عام 1990.

وحسب إفادة معاصريه، فقد كان الشاطر الدينامو المحرك لدائرة التوجيه المعنوي بعد وصول الرئيس الحمدي إلى السلطة في صنعاء عام 1974، وصحيفة «13 يونيو» التي كانت تصدر عن الدائرة. قبل أن يتم تغيير اسمها في عهد صالح إلى صحيفة «26 سبتمبر»، لكن الشاطر عانى خلال السنوات الأخيرة من الإجراءات التي طالته من قبل ميليشيات الحوثي، التي وصلت حد إحالته إلى محاكمة عسكرية في دعوى زائفة أنه كان عضواً بحكم موقعه في الجيش ضمن لجنة عسكرية يمنية أميركية تولت شراء الأسلحة الثقيلة من أيدي القبائل، وتدميرها، خصوصاً الصواريخ الحرارية المحمولة على الكتف خشية وقوعها بيد جماعات إرهابية، حيث كان تنظيم «القاعدة» ينشط في البلاد.

هذا الرحيل الذي حدث في العاصمة الأردنية عمّان، يوم الأربعاء، يطوي صفحة من الصفحات المهمة في اليمن، إذ كان الرجل شاهداً على فترة من الصراع التي شهدها شمال البلاد، وخلالها اغتيل الرئيسان إبراهيم الحمدي ومن بعده الرئيس أحمد الغشمي في ظروف غامضة، وكان مطلعاً على تفاصيل ما دار في تلك الفترة، ورافق الرئيس صالح منذ تسلمه الحكم إلى أن غادره وظل وفياً له بعد ذلك حتى اغتياله على يد ميليشيات الحوثي بعد أن دعا لانتفاضة شعبية ضد مشروعهم الطائفي السلالي. ولكنه لم يدون مذكراته عن فترة حكم الحمدي والغشمي ولا تفاصيل اغتيالهما، كما أنه أو من خلال قربه الكبير من الرئيس صالح يعرف تفاصيل دقيقة ومكتملة عن ثلاثة عقود من تاريخ البلاد، وهو ما سيفقد المؤرخين والباحثين والمهتمين شهادة واحد من أهم المقربين جداً من صناعة القرار.

 

بصمات مهنية

يقول الكاتب الصحافي حسن العديني، إن الشاطر رجل من النادرين، تختلف معه وتصادمه، ثم لا تجد إلا أن تصادقه، ويذكر أنه رجل لا يقطع حبال الود، ويصفه بأنه إداري من طراز فريد وخبير مدهش في الأمور الفنية بالعمل الصحافي من المطبعة إلى الإخراج، وكذلك في القراءة وتقييم الأعمال، ويؤكد العديني أن أرشيف صحيفة «26 سبتمبر» التي كان الشاطر يرأسها من أدق الأرشيفات في الصحافة والسياسة، وتمنى ألا يضيع هذا الأرشيف.

العميد علي الشاطر (تويتر)

فيما يقول عبد الرحمن بجاش رئيس تحرير صحيفة «الثورة» الحكومية سابقاً، إن الشاطر كان في إدارة التوجيه المعنوي قاسياً، حيث تستدعي الوظيفة القسوة، فلا فصال في هذا، لأن أي عمل مرتبط بالإعلام يضعك أمام خيارين، إما أن تكون هنا أو تكون هناك.

ويقول بجاش إنه في التوجيه المعنوي يمكنه أن يشهد أن الشاطر أسس وبنى مؤسسة قوية مالياً وإدارياً، وأنه حوّل صحيفة «سبتمبر» إلى مقصد يذهب إليه من اهتم بمعرفة أسرار الحكم في هذه البلاد وكذا النخبة الحاكمة، وأنه كان ذكياً واستفاد، لكنه ترك التوجيه خزانته ممتلئة وإمكاناته كبيرة، في وقت ترك غيره مكانه وقد باع حتى الصحون.

ولم يقتصر تأثير الشاطر على جوانب العمل الإعلامي العسكري بل إنه أهل كادراً كبيراً من الفنيين كانت معظم، إن لم تكن كل الصحف اليمنية المستقلة والحزبية، تستفيد من هذا الكادر في الإخراج الصحافي وفي التصوير، وأسس الفرقة الفنية العسكرية وفرق الرقص الشعبي، وأسس قناة تلفزيونية عسكرية، كما عمل من خلال موقعه والإمكانات المتوفرة لدى دائرة التوجيه المعنوي على إصدار المئات من الكتب، لعل أهمها كتب وثائق الثورة في اليمن 26 سبتمبر (أيلول)، و14 أكتوبر (تشرين الأول)، إلى جانب الموسوعة الموسيقية التي هي أحد أهم المراجع للموسيقى في اليمن.

نعي واسع

القيادة اليمنية نعت الشاطر، وأثنت على أدائه طوال سنوات خدمته في الجيش، وأشادت بالتزامه الصارم بالنظام الجمهوري حتى آخر أيام حياته، حيث أكد رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أن الرجل ترك بصمة واضحة في مسار بناء المؤسسة العسكرية، وجهازها الإعلامي بصفته مديراً لدائرة التوجيه المعنوي في القوات المسلحة اليمنية على مدى سنوات طويلة من عمر النظام الجمهوري، وظل مخلصاً للنظام الجمهوري حتى آخر رمق من حياته.

فيما قال العميد طارق صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي، إن اليمن فقد برحيل الشاطر هامة وطنية وعَلماً من أعلام جيل الثورة والجمهورية، الذين كانت لهم بصمات في تاريخنا المعاصر. ووصفه بأنه كان قائداً عسكرياً محنكاً وإدارياً متميزاً، جعل من دائرة التوجيه المعنوي قلعة من قلاع الجمهورية تتصدر قيادة المعركة الفكرية لمواجهة قوى التخلف والظلام. ورأى فيه مدرسة إعلامية متميزة وكاتباً مرموقاً كرس فكره وقلمه لخدمة قضايا شعبنا، ولديمومة الثورة وانتصار الجمهورية، وظل على العهد وباراً بشرف القسم الذي قطعه على نفسه إلى أن وافاه الأجل.

بدوره، عدَّ وزير الإعلام والثقافة اليمني معمر الإرياني رحيله خسارة لأحد أبطال اليمن الميامين الذين خدموا الوطن بكل جهد وتفانٍ وإخلاص، وقال إنه كان نموذجاً لرجل الدولة والعسكري المنضبط والإداري الناجح والسياسي الفذ والمثقف والأديب والكاتب الموسوعي.

‏ وحسب الإرياني، فإن الشاطر عانى في آخر سنوات حياته كباقي أبناء الشعب اليمني وقيادات الدولة والنخب السياسية والثقافية من بطش وإجرام ميليشيا الحوثي، حيث وضع تحت التهديد الدائم وقيد الإقامة الجبرية في منزله بالعاصمة المختطفة ⁧‫صنعاء‬⁩، ومنع من السفر وتلقي العلاج اللازم حتى تفاقمت حالته الصحية.


مقالات ذات صلة

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

العالم العربي المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

فيما طالبت الأمم المتحدة بأكبر تمويل إنساني في اليمن للعام المقبل أفاد تقرير دولي بوجود 3.5 مليون شخص من فئة المهمشين لا يمتلكون مستندات هوية وطنية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

يشهد اليمن موسماً جديداً للأمطار الغزيرة التي تتسبب في أضرار كبيرة للسكان والبنية التحتية، في حين لا تزال البلاد وسكانها يعانون تأثيرات فيضانات الصيف الماضي.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.