الفساد يرفع معدل الجرائم في إب اليمنية

اتهمت مصادر حقوقية يمنية الميليشيات الحوثية بالتسبب في تصاعد الجرائم والانتهاكات في محافظة إب (193 كلم جنوب صنعاء)، وهو الأمر الذي أجج سخط السكان ضد عناصر الجماعة الانقلابية بالتزامن مع تزايد نسب الجوع والفقر والبطالة وانتشار عدد من الأمراض والأوبئة.

وشكا سكان في المحافظة لـ«الشرق الأوسط»، من ارتفاع منسوب الجرائم بمختلف أنواعها وانتشار الفوضى جراء أنشطة العصابات المدعومة من قبل قادة الجماعة الحوثية، الأمر الذي أسفر عن قتل 39 شخصا وإصابة 32 آخرين في أبريل (نيسان) الماضي.

جاء ذلك في وقت وثق فيه تقرير حقوقي أكثر من 3519 انتهاكا حوثيا بحق المدنيين في مركز المحافظة (مدينة إب) و22 مديرية تابعة لها.

وتنوعت الانتهاكات بين أعمال القتل والإصابات والسرقات والاختطاف والاقتحامات وغيرها، فيما تواصل الجماعة منذ الانقلاب واجتياح مسلحيها المحافظة مساعيها الرامية لإحداث مزيد من الفوضى الأمنية والاجتماعية العارمة.

يمني يقود دراجة نارية في مدينة إب (الشرق الأوسط)

ويؤكد بشير وهو اسم مستعار لموظف أمني متقاعد (مناوئ للانقلاب) أن محافظة إب ومديرياتها تحولت في ظل استمرار سيطرة وحكم الانقلابيين، إلى مرتع لعصابات السرقة والاختطاف والنهب وأعمال القتل والإصابة والاعتداء.

ويشير إلى أن جميع المناطق تحت قبضة الميليشيات لا تزال تشهد بالوقت الحالي «انتكاسة حقيقية وشاملة» – بحسب تعبيره - في شتى مجالات الحياة، وعلى رأسها المجالين المعيشي والأمني.

وفي حين تعاني المحافظة وبقية مدن سيطرة الجماعة تدهوراً وفلتاناً أمنياً غير مسبوق، يرافقهما تصاعد كبير بمعدل الجريمة بمختلف أشكالها، سجَّلت إب خلال شهر أبريل(نيسان) الفائت، وقوع 600 جريمة راح ضحيتها أكثر من 70 قتيلاً وجريحاً غالبيتهم من المدنيين.

وبحسب تقرير أمني اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، تنوعت الجرائم بين القتل والإصابة والسرقة والاعتداء والنهب وجرائم النصب وحيازة وتعاطي وترويج المخدرات وجرائم أخرى مختلفة.

ولفت التقرير إلى أن من بين الجرائم التي تم الكشف عنها 51 جريمة سرقة (منازل ومحلات تجارية وسيارات ودراجات نارية وغيرها)، فضلا عن تسجيل 150 جريمة نصب واحتيال وجرائم نهب ممتلكات وأخرى، بينما توزعت البقية ما بين الإيذاء العمدي الخفيف وجرائم تزوير محررات عرفية، والنشل والسرقة بالإكراه وخيانة الأمانة والإضرار بالمال العام والاعتداء على أملاك الغير.

في السياق نفسه، كشفت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات عن ارتكاب الانقلابيين أكثر من 3519 جريمة وانتهاكا بمحافظة إب في الفترة من 1 يناير (كانون الثاني) 2020 وحتى 30 مارس (آذار) 2023.

أحد الشوارع وسط مدينة إب اليمنية (الشرق الأوسط)

وأوضحت الشبكة الحقوقية أن معدلات الجريمة والقتل اليومي وأعمال النهب والسطو في أوساط السكان ارتفعت بشكل غير مسبوق، نتيجة تفشي حالة الفقر المدقع وانعدام مصادر الدخل. لافتة إلى أن بعض تلك جرائم بحق سكان إب ترتقي إلى جرائم حرب ضد الإنسانية.

وتورطت الميليشيات في مقتل 213 مدنياً من مختلف مديريات المحافظة بينهم أطفال ونساء وكبار في السن، وإصابة 189 شخصا بينهم 9 أطفال و8 نساء، فضلا عن الاعتداء بالضرب على 121 آخرين بينهم 26 طفلا و21 امرأة و18 مسنا.

ووثق التقرير 13جريمة اغتيال، و9 جرائم إعدام وتصفية لقيادات سياسية ووجاهات اجتماعية، ومثلها جرائم قتل تحت التعذيب لمختطفين في سجون الجماعة. كاشفا عن خطف الانقلابيين 582 مدنيا، بينهم نساء وأطفال، فيما لا يزال 123 مختطفاً ومعتقلاً من إب في أقبية الميليشيات.

جشع الحوثيين في إب اليمنية يمتد إلى نهب المقابر العامة

صعّدت قيادات نافذة في ميليشيات الحوثي بمحافظة إب اليمنية من انتهاكاتها، وصولاً إلى التعدي على حرمة عشرات المقابر العامة الواقعة في قرى ومديريات متفرقة تعيش في ظل فوضى أمنية. وبالتزامن مع توثيق تقارير حقوقية محلية حديثة أكثر من 6 آلاف جريمة وانتهاك شهدتها المحافظة خلال العام المنصرم.
وحسب تأكيد مصادر محلية في إب لـ«الشرق الأوسط»، فقد شهدت المحافظة ذات الكثافة السكانية الكبيرة في الأيام الأخيرة موجة جديدة من الاعتداءات والاستحداثات، يقودها نافذون في الميليشيات الحوثية بحق عدد من المقابر في المحافظة.
وشكا سكان في إب من سلسلة اعتداءات وأعمال نبش واستحداث وصفوها بـ«الهمجية»، قام بها مشرفون بارزون في الجماعة، وقيادات، طالت عشرات المقابر، بعضها في مركز المحافظة (مدينة إب) وأخرى بنطاق مديريات العدين، وريف إب، وجبلة.
وقال السكان إن قادة الميليشيات في إب يتصدرهم القادمون من ريف صنعاء وعمران وصعدة (معقلها الرئيسي) يتنافسون يومياً في التعدي على عشرات المقابر في إب، تارة بمبرر البحث عن «كنوز» و«قطع أثرية»، وأخرى بغرض السطو على أراضي المقابر للبناء عليها وتحويلها إلى مشروعات استثمارية.
ويؤكد «محمد» -وهو اسم مستعار لموظف بمكتب الأوقاف في مدينة إب- أنه لا يكاد يمر يوم إلا وتتعرض المقابر بمناطق متفرقة من المحافظة لأعمال تعدٍّ ونبش وهدم لأسوارها وإجراء استحداثات فيها، على أيدي عناصر الجماعة.
وفي مقابل ذلك الاعتداء على المقابر العامة، أكد «محمد» أن قادة الميليشيات يولون جل اهتماماتهم بمقابر قتلاهم فقط، من جهة تسويرها وتشجيرها وإغراقها بالصور والشعارات ذات الصبغة الطائفية.
وعزا السكان أسباب تركيز الجماعة على الاعتداء على المقابر، وإجراء استحداثات في بعضها، إلى الارتفاع الكبير في أسعار الأراضي والعقارات؛ خصوصاً بعد تصاعد أعمال النهب والمصادرة الحوثية لكثير منها، إضافة إلى كون المحافظة تعد العاصمة السياحية لليمن، حسب قرارات سابقة أصدرتها حكومات يمنية متعاقبة.
وجاء أحدث انتهاكات الميليشيات في إب متمثلاً بإقدام قيادي حوثي يدعى فيصل أمير، برفقة مسلحين، على هدم سور إحدى المقابر في مديرية العدين جنوب غربي إب.
وأوضحت مصادر محلية أن النافذ الحوثي باشر بالاعتداء على المقبرة المسماة «مقبرة المقابر» في عزلة السارة في المديرية ذاتها، تمهيداً للاستيلاء عليها.
وحسب المصادر، فإن هذا الاعتداء يعد الرابع خلال أقل من شهرين؛ حيث يواصل النافذ الحوثي إجراء بعض الاستحداثات بتلك المقبرة، في حين تداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي صوراً توثق جرائم التعدي بالهدم والاستحداث بحق سور المقبرة، مطالبين بوقف الانتهاكات الحوثية ضد أراضي ومقابر وأوقاف المديرية.
تأتي هذه الحادثة بعد فترة قصيرة من وقوع 3 حوادث أخرى مماثلة طالت مقابر موتى بالمحافظة، إحداها بمنطقة وراف بمديرية جبلة، والأخرى في مديرية حبيش، والثالثة بمديرية ريف إب، من قبل نافذين ومشرفين حوثيين.
إضافة إلى ذلك، أفادت مصادر محلية «الشرق الأوسط»، بأن نافذاً حوثياً يدعى مروان حسين صبرة، من ريف صنعاء، حاول غير مرة مستعيناً بقوات أمنية الاستيلاء على مقبرة «أكمة الصعفاني» القريبة من شارع الثلاثين غرب مدينة إب، بهدف بناء منزل خاص به وأسرته على مساحة من الأرضية التابعة للمقبرة؛ لكن ذلك قوبل بموجة استنكار وتنديد ورفض واسع من قبل الأهالي.
وأشارت المصادر إلى أنه سبق أن تصدى الأهالي أكثر من مرة للنافذ الحوثي ومشرفين حوثيين آخرين خلال شروعهم في محاولة الاستيلاء على المقبرة ذاتها؛ حيث اندلعت عدة اشتباكات فيما بينهم، ليتم في أعقاب كل مرة إجبارهم على المغادرة.
وكانت تقارير حقوقية محلية قد اتهمت مشرفين وقيادات انقلابية بممارسة جرائم تعد على حرمة المقابر في مناطق يمنية عدة تحت سيطرتهم، وشروعهم ببناء عمارات سكنية ومباني استثمارية أخرى عليها.
وكشفت منظمة رصد للحقوق والحريات في اليمن، في أحدث تقرير لها، عن توثيق أكثر من 6 آلاف و200 انتهاك وجريمة شهدتها محافظة إب، الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، خلال 2022.
وأكدت المنظمة أنها رصدت 6296 جريمة وانتهاكاً وقعت في مختلف مديريات المحافظة، خلال العام الماضي، تنوعت بين القتل والإصابة والاختطاف والنهب والاقتحام والسطو على الممتلكات العامة والخاصة، وغيرها من الجرائم.
وحسب التقرير، فقد تم توثيق 241 جريمة قتل، و310 جرائم شروع بالقتل، في حوادث قتل مباشرة وأخرى بدعم من الميليشيا، فضلاً عن جرائم الفوضى الأمنية التي خلقتها الميليشيا في المحافظة.

كما وثق الفريق الميداني للشبكة 65 حالة تعذيب لمختطفين في سجون الميليشيات. إضافة إلى 532 حالة تضرر لحقت بالممتلكات العامة والخاصة جراء الدهم الحوثي، بينها 492 منشأة سكنية تعرضت للاقتحام والتفتيش والعبث بالمحتويات وترويع ساكنيها بمن فيهم النساء والأطفال، وتفجير 12 منزلا، وتشريد حوثي لنحو 278 أسرة من مناطق متفرقة بالمحافظة.

وبحسب التقرير، نهبت الميليشيات 65 مزرعة وأتلفت 12 مزرعة أخرى كليا، فضلا عن نهب 38 مركبة، وتدمير خزانين لتجميع المياه.

ورصد التقرير اقتحام الميليشيات 33 مدرسة حكومية وأهلية وتحويل تسع مدارس أخرى سجونا خاصة لاحتجاز أبناء المحافظة.

كما وثق التقرير تجنيد الميليشيات بتلك الفترة 1322 طفلاً تحت سن 17 سنة، دفعت بهم الميليشيات دون معرفة ذويهم إلى جبهات القتال المختلفة.