رحيل محسن إبراهيم آخر الشهود الكبار على الحرب اللبنانية

محسن إبراهيم (إلى اليمين) مع عرفات ووليد جنبلاط ونبيه بري في بيروت خلال الاجتياح الإسرائيلي في 1982 (غيتي)
محسن إبراهيم (إلى اليمين) مع عرفات ووليد جنبلاط ونبيه بري في بيروت خلال الاجتياح الإسرائيلي في 1982 (غيتي)
TT
20

رحيل محسن إبراهيم آخر الشهود الكبار على الحرب اللبنانية

محسن إبراهيم (إلى اليمين) مع عرفات ووليد جنبلاط ونبيه بري في بيروت خلال الاجتياح الإسرائيلي في 1982 (غيتي)
محسن إبراهيم (إلى اليمين) مع عرفات ووليد جنبلاط ونبيه بري في بيروت خلال الاجتياح الإسرائيلي في 1982 (غيتي)

رحل الأمين العام لـ«منظمة العمل الشيوعي» محسن إبراهيم في غير زمانه. شعر بأن التغيرات أصبحت أقوى من أن يجاريها، فبدأ بالانسحاب منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، وقد أخذت السطوة السورية على لبنان تكبر.
ومع انتهاء الحرب الأهلية في مطلع تسعينات القرن الماضي، وبعد «اتفاق الطائف»، انكبّ على مراجعات عامة، ونقد تجربته الشخصية، ومسار «الحركة الوطنية اللبنانية» التي كان أحد أبرز رجالاتها الكبار، عادّاً أنها حمّلت لبنان أكثر مما في مقدوره أن يحتمل، وهو الذي كان أميناً عاماً لها.
شغل أيضاً منصب أمين عام «منظمة العمل الشيوعي» في لبنان حتى وفاته عن 85 عاماً. قائد لبناني، يساري، قومي، عروبي، فلسطيني الهوى، وحْدوي النزعة، لا بل هو أبرز القادة اليساريين اللبنانيين في السبعينات والثمانينات. كان من ذاك الجيل الذي حمل القضية الفلسطينية في قلبه، وكل معارك التحرير العربية من الاستعمار على كتفيه، وكذلك، كما أبناء جيله من العروبيين، كان ناصرياً، لكنه كان فلسطينياً بالدرجة الأولى؛ بمعنى التصاقه بهذه القضية التي جعلها ميزاناً في علاقاته مع الآخرين، فابتعد عن النظام السوري بسببها، واقترب من ياسر عرفات، كما تباعد عن «حزب الله» عندما بدأ الأخير باعتقال مقاتليه الذين كانوا يحاولون القيام بعمليات ضد الإسرائيليين في جنوب لبنان في نهاية الثمانينات.
كان إبراهيم «صمام أمان» للجبهة الوطنية التي ضمت أحزاب اليسار اللبناني، وكان مسؤولاً عن ضبط أوضاعها بعد اغتيال شريكه فيها كمال جنبلاط، كما كان ساعي خير في العلاقات بين أطراف منظمة التحرير الفلسطينية، وبقي وفياً لها بعد وفاة شريكه الآخر ياسر عرفات، الذي يقال إن إبراهيم هو أول من رتّب لقاء بينه وبين جمال عبد الناصر.
ولد عام 1935 في قرية أنصار، جنوب لبنان، وانخرط في مرحلة مبكرة بتأسيس «حركة القوميين العرب»، ثم أسس «منظمة الاشتراكيين اللبنانيين» سنة 1968، ليصبح هذا التنظيم مع «لبنان الاشتراكي» نواة «منظمة العمل الشيوعي». أحد مؤسسي تحالف «الجبهة الوطنية اللبنانية» إلى جانب ياسر عرفات، وتنظيمات يسارية وقومية أخرى. هذا التحالف الذي سيصبح طرفاً رئيسياً في الحرب الأهلية اللبنانية ضد الأحزاب اليمينية، وسيخوض معارك ضارية ويقوم بعمليات أثناء الحربين الإسرائيليتين على لبنان، عام 1978 و1982. بقي على علاقة وثيقة مع ياسر عرفات حتى وفاته.
علاقته لم تنقطع أيضاً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي منحه عام 2017 وسام الاستحقاق والتميز «الذهبي»، ونعاه عند وفاته، معلناً تنكيس الأعلام الفلسطينية حداداً عليه.
أجرى إبراهيم مراجعة فكرية كبيرة لدور اليسار في الحرب الأهلية، وتجرأ في أربعين رفيق دربه جورج حاوي بكلام أثار كثيراً من الجدل حول ما آل إليه فكر محسن إبراهيم حيث عدّ أنه «في معرض دعمها نضال الشعب الفلسطيني؛ ذهبت (الحركة الوطنية اللبنانية) بعيداً في تحميل لبنان الأعباء المسلحة للقضية الفلسطينية. وكان هذا فوق ما يحتمل؛ طاقةً وعدالةً وإنصافاً». وعدّ محسن إبراهيم أن الخطأ الثاني «هو استسهالنا ركوب سفينة الحرب الأهلية تحت وهم اختصار الطريق إلى التغيير الديمقراطي».
ومع أنه كان قد بدأ هذه المراجعات قبل ذلك بسنوات، فإن هذه العبارات لم تمنع الوطنيين واليساريين والقوميين من نعيه، والاعتراف بدوره الاستثنائي الذي تجاوز لبنان، إلى مصر والجزائر واليمن، وكل بلد عانى من ضيم الاستعمار. وبوفاته تطوى مرحلة لعله آخر شهودها الكبار.



بينها «دعم المانحين الدوليين»... 3 أسباب تدفع مصر لحصر تكلفة الوافدين

لاجئون من جنسيات مختلفة في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون من جنسيات مختلفة في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT
20

بينها «دعم المانحين الدوليين»... 3 أسباب تدفع مصر لحصر تكلفة الوافدين

لاجئون من جنسيات مختلفة في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون من جنسيات مختلفة في مصر (مفوضية اللاجئين)

حددت الحكومة المصرية ثلاثة أسباب رئيسية، دفعتها للعمل على حصر أعداد الوافدين الأجانب المقيمين على أرضها، والتكلفة الاقتصادية لاستضافتهم، في عملية قالت إنها «تجري وفق معايير معتمدة»، بالتعاون مع منظمات أممية.

وتستضيف مصر نحو 10.7 مليون من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، يمثلون 62 جنسية مختلفة، يحصلون على كافة الخدمات الأساسية بنفس معاملة المصريين، حسب تصريح لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أمام مجلس حقوق الإنسان الدولي نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي.

وفي وقت سابق، قدّرت الحكومة المصرية التكلفة المباشرة لاستضافة هؤلاء الأجانب بأكثر من 10 مليارات دولار سنوياً.

وخلال اجتماعه، مساء الأحد، مع وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية مايا مرسي، ناقش رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، تقديرات تكلفة استضافة بلاده الأجانب الوافدين واللاجئين المقيمين من مختلف الجنسيات.

رئيس الوزراء المصري في اجتماع حكومي يناقش تكلفة استضافة الأجانب (مجلس الوزراء المصري)
رئيس الوزراء المصري في اجتماع حكومي يناقش تكلفة استضافة الأجانب (مجلس الوزراء المصري)

وحددت وزيرة التضامن 3 أسباب رئيسية لعملية حصر التكلفة الاقتصادية لأعداد الوافدين في بلادها، وهي «دعم صانع القرار والاسترشاد بها في اتخاذ القرارات»، و«فهم تأثيرات الوافدين والمهاجرين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على مؤشرات مصر الوطنية والدولية»، إضافة إلى ما تشكله تلك البيانات كـ«مرجعية للاعتماد عليها في تخصيص وتوجيه الدعم لجهود القاهرة في استضافة الأجانب على أرضها»، من المانحين الدوليين، حسب إفادة لمجلس الوزراء المصري.

واستعرض الاجتماع الخدمات المقدمة للأجانب بمختلف القطاعات، وتكلفة دعم البنية التحتية الصحية، اللازمة لتقديم الخدمات الطبية والرعاية الصحية لهم.

وتواجه مصر تدفقات مستمرة من مهاجرين اضطروا إلى ترك بلادهم، بسبب الصراعات، خصوصاً من دول الجوار العربي والأفريقي، وانتقد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في فبراير (شباط) الماضي، «تواضع حجم الدعم الدولي، الذي تتلقاه بلاده، والذي لا يتناسب مع الأعباء المتزايدة التي تتحملها، جراء استضافة المهاجرين واللاجئين».

رئيس الوزراء المصري والمسؤولون المعنيون بملف الوافدين (مجلس الوزراء المصري)
رئيس الوزراء المصري والمسؤولون المعنيون بملف الوافدين (مجلس الوزراء المصري)

ويستهدف حساب التكلفة الاقتصادية لأعداد الأجانب «تنظيم الحكومة المصرية لمواردها، ونفقاتها الاقتصادية»، حسب السفيرة نائلة جبر، رئيسة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر (التابعة لمجلس الوزراء).

وتشير جبر، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «إجراءات الحكومة تأتي من منطلق تنظيمي لرقمنة كل ما يتعلق بملف اللاجئين والمهاجرين».

وتضيف: «هناك تغيرات مستمرة في أعداد الوافدين من جنسيات مختلفة إلى مصر، ومن حق الحكومة مراجعة بيانات المقيمين على أرضها بدقة، وحساب تكلفة استضافتهم اقتصادياً، في ضوء التأثيرات الإقليمية والدولية عليها وعلى المنطقة»، مؤكدة «أهمية تنسيق جهود استضافة الوافدين مع الجهات الدولية المختلفة، والاستفادة من البرامج التي تقدمها تلك المؤسسات».

ووفق مجلس الوزراء المصري، تتعاون الحكومة المصرية مع منظمات الأمم المتحدة، بهدف «حصر التكلفة الاقتصادية لأعداد اللاجئين والوافدين، وفق معايير محددة، من كل الوزارات والجهات الحكومية».

ومن بين الأجانب المقيمين في مصر، نحو 935 ألف لاجئ مسجلين بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقاهرة، يمثلون 61 جنسية، يشكل السودانيون النسبة الأكبر منهم، بـ71 بالمائة، وفي المرتبة الثانية السوريون، بنسبة 15 بالمائة، وفق أحدث تقدير لمكتب مفوضية شؤون اللاجئين بمصر.

وباعتقاد مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة كريستين بشاي، فإن الحكومة المصرية «تسعى لصياغة تقديرات منضبطة لأعداد الوافدين وتكلفة استضافتهم، ضمن إجراءات تطبيق قانون (لجوء الأجانب) الجديد»، وأشارت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «التشريع ينص على عودة ملف تسجيل اللاجئين إلى اختصاص الحكومة المصرية بدلاً من المفوضية».

وأقر مجلس النواب المصري (البرلمان) في ديسمبر (كانون الأول) الماضي قانوناً جديداً بشأن «لجوء الأجانب»، كأول تشريع داخلي ينظم شؤونهم في مصر، نص على «إنشاء لجنة دائمة لشؤون اللاجئين، تتبع مجلس الوزراء، لتكون الجهة المعنية بشؤون اللاجئين، لا سيما الفصل في طلبات اللجوء، وتقديم الدعم والخدمات والرعاية لهم، والتعاون مع المؤسسات الدولية والأممية».

ورغم إقبال الوافدين الأجانب للتسجيل كلاجئين، بسبب الاضطرابات الإقليمية، تراجع الدعم الدولي من الجهات المانحة كثيراً خلال الفترة الأخيرة، وفق بشاي، ودللت على ذلك بأن «مكتب مفوضية شؤون اللاجئين بالقاهرة لم يحصل سوى على 21 بالمائة من الدعم المطلوب له هذا العام، بسبب وقف كثير من المانحين دعمهم»، وقالت: «المفوضية طلبت نحو 138 مليون دولار، ولم يصل سوى 29 مليون دولار فقط».

ويشكل التقدير الاقتصادي لاستضافة الأجانب والوافدين خطوةً مهمةً في حسابات الحكومة المصرية، خصوصاً مع مفاوضاتها مع الصناديق الدولية، وفق عضو مجلس النواب المصري محمد بدراوي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن هذه التكلفة «تمثل سنداً مهماً في مشاورات القاهرة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لتكون موضع اعتبار وتقدير، في المنح والقروض المقدمة من تلك المؤسسات».

ويتوقف بدراوي مع أهمية تنظيمية لخطوة مراجعة أعداد الأجانب والمهاجرين لـ«كشف المقيمين بشكل شرعي، والمخالفين لشروط الإقامة»، إلى جانب «معرفة عدد المسددين لقيمة تصاريح الإقامات»، معتبراً أن «الهدف من تلك الإجراءات ضبط منظومة ملف الوافدين الأجانب على الأراضي المصرية».