شراكات عسكرية مصرية متنوعة لتجاوز «تعقيدات» السلاح الغربي

تعاون مع تركيا وكوريا الجنوبية والصين ضمن «إيديكس 2025»

لقطة من فعاليات معرض «إيديكس 2025» الثلاثاء (الهيئة العربية للتصنيع)
لقطة من فعاليات معرض «إيديكس 2025» الثلاثاء (الهيئة العربية للتصنيع)
TT

شراكات عسكرية مصرية متنوعة لتجاوز «تعقيدات» السلاح الغربي

لقطة من فعاليات معرض «إيديكس 2025» الثلاثاء (الهيئة العربية للتصنيع)
لقطة من فعاليات معرض «إيديكس 2025» الثلاثاء (الهيئة العربية للتصنيع)

توسعت مصر في الآونة الأخيرة في إبرام اتفاقيات تصنيع عسكري مشتركة، وهو ما كشفت عنه الأسلحة المعروضة في معرض «إيديكس 2025» للصناعات الدفاعية والعسكرية الذي افتُتح بالقاهرة، الاثنين، وذلك في ظل تعقيدات تواجهها لإبرام صفقات تسليح غربية متطورة تسهم في ملاحقة تطورات التكنولوجيات الحديثة.

وقادت «العراقيل» التي تواجهها مصر لعدم إتمام صفقة طائرات «إف - 15» الأميركية، ولم تحصل القاهرة بعد على الجيل الأحدث من طائرات «إف - 16».

وتحدث خبراء عسكريون لـ«الشرق الأوسط»، الثلاثاء، عن «خيبة أمل مصرية» جراء المواقف الأميركية والغربية تجاه مدّها بالتكنولوجيا المتطورة، وهو ما يدفعها للاهتمام بالتصنيع المشترك وتطوير منظومتها العسكرية.

وأعلنت «الهيئة العربية للتصنيع»، وهي هيئة حكومية مصرية تُعد إحدى الركائز الأساسية للصناعة العسكرية، الثلاثاء، توطين أحدث تكنولوجيات الصناعات الدفاعية، بالتعاون مع كبرى الشركات الصينية، وذلك عبر التوقيع على مذكرة تفاهم مع شركة «شادو وينجز».

والتقى وزير الدولة المصري للإنتاج الحربي محمد صلاح الدين مصطفى، الثلاثاء، مع نائب رئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية جوكهان أوتشار، لبحث إمكانية فتح آفاق للتعاون المشترك بين الجانبين في عدد من مجالات التصنيع العسكري، على هامش مشاركته في معرض «إيديكس» الذي يختتم أعماله الخميس.

وكانت مصر وتركيا قد وقّعتا، في أغسطس (آب) الماضي، اتفاقاً للتصنيع المشترك للطائرات المسيّرة ذات الإقلاع والهبوط العمودي من طراز «في تي أو إل - يو آي في»، كما بدأ إنتاج المركبات الأرضية المسيّرة بناء على شراكة بين شركة «هافيلسان» التركية ومصنع «قادر» المصري، وفق بيانات رسمية من الجانبين.

لقطة من فعاليات معرض «إيديكس 2025» الثلاثاء (الهيئة العربية للتصنيع)

اتفاقيات التصنيع المشترك

وأكد مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق والمستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، اللواء محمد الغباري، أن التصنيع العسكري المشترك يشمل أيضاً دولاً غربية مهمة، مثل التعاون العسكري مع فرنسا لتصنيع «فرقاطات»، وكذلك مع ألمانيا لتصنيع «لانشات عسكرية سريعة»، وكذلك التعاون مع إيطاليا في المجال العسكري البحري أيضاً، وقال: «يشكل ذلك بديلاً عن العراقيل الغربية التي تواجهها مصر للحصول على الأسلحة التكنولوجية المتطورة».

وأضاف: «مصر استفادت من اتفاقيات التصنيع العسكري المشترك منذ أن بدأت في التعاون مع الولايات المتحدة لتصنيع الدبابة (إم وان إيه وان)، والتي كانت بمكون محلي مصري نسبته 40 في المائة، ووصلت الآن إلى ما يقرب من 90 في المائة، وتهدف لتكرار هذا التطور مع الشراكات الصناعية الحالية».

وأشار إلى أن التصنيع المشترك يستهدف مجابهة التقدم الحاصل على مستوى الدبابات المتطورة التي أنتجتها دول مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية والصين، وقال: «كما أن مصر في المقابل لديها قيمة مضافة يمكن أن تقدمها للدول التي تتعاون معها، وأبرزها المدرعة (تمساح) التي تصنعها مصر محلياً ولعبت دوراً مهماً في مكافحة الإرهاب بشبه جزيرة سيناء، وأضحت الآن محل طلب عالمي».

الجانبان المصري والصيني يوقعان اتفاقية تعاون في مجال الصناعات الدفاعية المشتركة يوم الثلاثاء (الهيئة العربية للتصنيع المصرية)

وخلال افتتاحه معرض «إيديكس 2025» للصناعات الدفاعية في دورته الرابعة، شهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مشروع «التصنيع المشترك لمنظومة الهاوتزر» (K9A1EGY) بالتعاون مع كوريا الجنوبية، وهي واحدة من أحدث منظومات المدفعية ذاتية الحركة على مستوى العالم، وتتميز بقدرتها على ضرب الأهداف بدقة على مسافات تتجاوز 40 كيلومتراً، وفق بيانات رسمية.

ولدى مصر 57 منتجاً عسكرياً، بينها 18 منتجاً جديداً بالكامل، وبعضها يجري تصنيعه بالشراكات مع مصانع عسكرية أجنبية، وفق ما أكده رئيس الهيئة العربية للتصنيع اللواء مختار عبد اللطيف، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، الثلاثاء.

ومن هذه المنتجات مسيرة «الفرد المقاتل»، بالتعاون مع الصين، ومركبة «العقرب»، بالتعاون مع تركيا التي تعاونت معها أيضاً في إنتاج المسيرة التكتيكية العمودية الإقلاع «في تي أو إل - يو آي في».

التحفظات الغربية

ويقول الخبير العسكري، اللواء محمد عبد الواحد، إن مصر كانت تعتمد في فترة خمسينات وستينات القرن الماضي على السلاح الشرقي القادم من روسيا تحديداً، وفي أعقاب التوقيع على معاهدة السلام مع إسرائيل في السبعينات، أضحت أكثر اعتماداً على السلاح الأميركي والغربي، «والذي لديه شروط سياسية للحصول عليه، ويرتبط على الأغلب بملفات حقوق الإنسان، وكذلك شروط أمنية تتعلق بعدم التفوق على إسرائيل».

وأضاف: «الدول الغربية لديها اعتراضات على منح مصر الجيل الخامس من التكنولوجيا العسكرية، وهو ما حدث من قبل في صفقة طائرات الرافال الفرنسية، كما أن الولايات المتحدة ترفض تطوير طائرات (إف - 16) التي تحصل عليها مصر، ولم تنجز بعدُ صفقة طائرات (إف - 15) المنتظرة، رغم أنها أمدّت إسرائيل وبعض دول المنطقة بتلك الطائرات، إلى جانب طائرات (إف - 35) المتطورة».

صاروخ مصري محلي الصنع في معرض «إيديكس 2025» (الهيئة العربية للتصنيع)

تلك المواقف أصابت مصر «بالإحباط وخيبة الأمل»، بحسب عبد الواحد، «في حين أن لديها رغبة في أن تصبح أكثر استقلالية بشأن تحديث منظومتها العسكرية دون شروط عسكرية أو سياسية، ما دفعها لتبنّي توطين التكنولوجيا العسكرية باعتبارها جزءاً أساسياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الصناعات الدفاعية، وتقليل فاتورة الاستيراد من الخارج، وتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال التصنيع والتصدير».

وأضاف: «لدى مصر رغبة في تطوير قاعدة صناعية محلية تشمل الإنتاج الكامل والمشترك، وهناك 84 خط إنتاج جديداً لتغطية احتياجات الجيش المصري والتصدير للخارج، بما يعزز من المكانة الإقليمية لمصر كمصدّر للسلاح، ويخفف الضغوط الخارجية عليها، وإحداث حالة من التوازن العسكري مع إسرائيل».

ويشير اللواء عادل العمدة، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، إلى أن للتصنيع العسكري «كلفة باهظة»، ما يتطلب الاستعانة بدول أخرى تسهم في التمويل، لافتاً إلى أن مصر تركز في شراكتها على دول لديها تصنيع عسكري متقدم، «بما يسهم في تطوير بنية الجيش المصري».

وأصبحت مصر واحدة من مراكز التصنيع المعتمدة ضمن سلاسل الإمداد لشركة «داسو الفرنسية»، إحدى أكبر شركات صناعة الطيران العالمية، وتشمل المنتجات التي يجري تصنيعها محلياً مكونات لطائرات رجال الأعمال الفاخرة من طراز «داسو فالكون»، والمقاتلات من طراز «رافال»، وجرى عرض نماذج من هذه المكونات خلال معرض «إيديكس 2025»، وفق منصة الدفاع العربي.


مقالات ذات صلة

انتخابات «النواب» المصري تتواصل بانتظار مصير الطعون الجديدة

شمال افريقيا أحد الناخبين بالسفارة المصرية في الأردن مع فتح باب التصويت لانتخابات إعادة المرحلة الأولى بـ19 دائرة بـ«النواب» (تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين)

انتخابات «النواب» المصري تتواصل بانتظار مصير الطعون الجديدة

تواصلت انتخابات مجلس النواب المصري الأربعاء ببدء جولة الإعادة بالخارج في 19 دائرة بالمرحلة الأولى كانت الانتخابات قد أُلغيت فيها 

أحمد جمال (القاهرة )
الرياضة صورة من حفل افتتاح كأس الأمم الأفريقية بالمغرب 21 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

سجلت المنتخبات العربية حضوراً لافتاً في المباريات الافتتاحية مؤكدة أنها تدخل المنافسة برؤية واضحة وثقة فنية تعكس تطور كرة القدم العربية على الساحة القارية.

كوثر وكيل (الرباط)
شمال افريقيا نهر النيل عند قناطر إسنا جنوب مصر (الشرق الأوسط)

«سد النهضة»: مصر تجدد رفضها التفريط في «أي قطرة» من مياه النيل

جددت مصر رفضها «التفريط في (أي قطرة) من مياه نهر النيل». وأكدت أنها «لن تتهاون في صون حقوقها المائية».

وليد عبد الرحمن (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

مصر تنسق مع اليونان لاستعادة جثامين ضحايا «مركب كريت»

أكدت مصر تطلعها لمواصلة تقديم الدعم اللازم من جانب السلطات اليونانية لعودة جثامين ضحايا «مركب كريت» الذي تعرض للغرق أمام سواحل اليونان الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية (شركة العاصمة الإدارية)

مصر تُشجع السفارات الأجنبية على الانتقال إلى العاصمة الجديدة

تشجع الحكومة المصرية السفارات والبعثات الدبلوماسية للانتقال من مقراتها في القاهرة إلى «الحي الدبلوماسي» بالعاصمة الجديدة (شرق القاهرة).

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
TT

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)

مع مرور عام على تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد السلطة، تتآكل الآمال العريضة باختراق أميركي في الملف الليبي المعقّد، إذ اتسم نهج إدارته بـ«الحذر، والانتقائية»، مع إعادة تموضع محدودة، دون استراتيجية شاملة لمعالجة الانقسام الليبي.

وينظر مراقبون إلى أداء إدارة ترمب في الملف الليبي خلال العام الماضي على أنه انتهج مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تعتمد تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة، و«مصافحات شكلية»، تزامناً مع تصاعد أولوية «الصفقات الاقتصادية»، ولا سيما في قطاع النفط.

في المقابل غابت المقاربة المتكاملة التي تمزج الدبلوماسية بالأمن، وبناء المؤسسات، فاعتمدت واشنطن أدوات سياسية واقتصادية مرنة، وزادت من الحضور الدبلوماسي، مع التركيز على اتصالات مباشرة عبر مسعد بولس مستشار ترمب، وصهره المخوّل بملف الشؤون الأفريقية.

الدبيبة مع قائد قوات «أفريكوم» في لقاء بطرابلس (حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة)

مؤشرات تعيين بولس

في مطلع ولاية إدارة ترمب، أثار تكليف بولس بمتابعة الملف الليبي آمالاً باختراق محتمل، باعتباره مؤشراً على اقتراب ليبيا من دائرة اهتمامه، غير أن حالة من الحذر ظلت قائمة، وهو ما أكدت عليه تطورات العام لاحقاً.

ويعتبر هاني شنيب، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأميركية-الليبية، أن «تعيين بولس شكّل مؤشراً مبكراً على محدودية الزخم الأميركي تجاه هذا الملف»، لافتاً إلى أن «مقاربة واشنطن لقضايا شمال وجنوب الصحراء ما زالت تتعامل معها بوصفها ملفات شديدة التعقيد، لكنها ليست في صدارة الأولويات».

ومع ذلك، أولى مراقبون اهتماماً بزيارة بولس إلى طرابلس وبنغازي، ولقاءاته مع قادة عسكريين في شرق ليبيا، وغربها، في يوليو (تموز) 2025، حين ناقش معهم «دعم الشراكة الأميركية–الليبية، والتعاون الاقتصادي، خصوصاً في قطاع الطاقة، وتعزيز توحيد المؤسسات الليبية، والمصالحة الوطنية».

ما ذهب إليه شنيب أكد عليه العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، بن فيشمان، وعزا ذلك جزئياً –في حديثه لـ«الشرق الأوسط»– إلى «انشغال مستشار ترمب على نحو أكبر بملفات أخرى، مثل الحرب الأهلية في السودان».

ويلحظ شنيب أن تركيز الإدارة انصب أيضاً على الأزمة الأوكرانية، ما جعل السياسة الأميركية في ليبيا «تنضج على نار هادئة» بانتظار إنجاز ملفات أكثر أولوية من وجهة نظر واشنطن.

جانب من جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

برغماتية على نار هادئة

وفق هذا التقدير، تعاملت الإدارة الأميركية مع الأفرقاء الليبيين شرقاً وغرباً ببرغماتية، وعلى «نار هادئة» وفق متابعين من دون انحياز معلن، مع تركيز واضح على «إدارة التوازن» بين القوى القائمة، أكثر من السعي إلى إحداث تغيير جذري في بنية السلطة.

كان المثال العملي على هذه المقاربة هو رعاية بولس للقاء مستشار رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة لشؤون الأمن القومي إبراهيم الدبيبة، ونائب قائد «الجيش الوطني» صدام حفتر، في روما، في سبتمبر (أيلول) 2025، إذ اقتصر على رعاية «مصافحات»، ومناقشة ملفات أمنية، وسياسية، وعسكرية، وطاقية، بما في ذلك مساعي تشكيل حكومة موحدة، من دون ترجمة ذلك إلى مسار سياسي فعّال.

وبحسب فيشمان، فإن «نهج ترمب في صنع السلام يقوم على المصافحة أكثر من الجوهر»، وهو –من وجهة نظره– «نمط يتكرر في أكثر من ساحة دولية، ويتوقع أن يستمر في ليبيا».

هذا «النهج البرغماتي» الأميركي، ومن منظور الباحثة الفرنسية فيرجيني كولومبييه لـ«الشرق الأوسط»: «يدفع الصراع من دون حسم، ويعزز النفوذ داخل الكتلتين المتنافستين شرقاً وغرباً، بما يفاقم توترات التحالفات المحلية، خصوصاً غرب ليبيا»، فعادة أن «أي تسوية مستدامة تتطلب مقاربة شاملة، وضمانات موثوقة، لا صفقات ضيقة بين الزعماء».

وامتدت التحركات الأميركية الحذرة إلى الملف العسكري في ليبيا، حيث تتنازع السلطة حكومتان: إحداهما في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى تسيطر على الشرق والجنوب بقيادة أسامة حماد، وبدعم من «الجيش الوطني» تحت قيادة المشير خليفة حفتر.

وشملت الجهود الأميركية تعزيز التنسيق الأمني عبر زيارات «أفريكوم» بقيادة داغفين أندرسون ونائبه جون برينان، ودعم مساعي توحيد المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى التحضير لمناورة مشتركة في سرت.

ويشير بن فيشمان إلى أن «زيارات قادة (أفريكوم) هي امتداد لجهود إدارة بايدن السابقة»، مضيفاً أن «استضافة ليبيا تمريناً أمنياً إقليمياً برعاية أميركية في سرت تعزز هذا المسار العسكري»، لكنه قال: «جوهرياً، لا توجد فوائد سياسية كبيرة من جمع الفصيلين العسكريين معاً».

اجتماع «لجنة المتابعة الدولية» بشأن ليبيا المنبثقة عن مسار برلين في طرابلس (البعثة الأممية في ليبيا)

البعد الاقتصادي

اقتصادياً، بدّلت «النار الهادئة» مسارها لا شدتها، إذ برز اهتمام أكبر بقطاع الطاقة، وشجّعت إدارة ترمب عودة الشركات الأميركية إلى السوق الليبية عبر مذكرات تفاهم، واتفاقيات لتطوير الحقول، وزيادة الإنتاج، وسط تحذيرات خبراء من هشاشة هذا المسار في ظل الانقسام المالي، وغياب إطار قانوني موحد.

تشير كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في مجموعة «الأزمات الدولية»، لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إدارة ترمب زادت انخراطها في ليبيا عبر وساطة مالية، واقتصادية، خاصة في ملفي الميزانية، والنفط، ما يعزز بقاء القوى الحاكمة شرقاً وغرباً. بالمقابل، تحذر كولومبييه من أن الانخراط الانتقائي المبني على مصالح تجارية «لن يحقق استقراراً دائماً، أو سلاماً مستداماً».

أما دبلوماسياً، فتجلّت سياسة «النار الهادئة» بوضوح مع استمرار الغموض في الموقف الأميركي، إذ اكتفت واشنطن بالقائم بالأعمال جيريمي برنت، من دون تعيين سفير جديد، مكرّسة إخفاق الإدارة السابقة في تثبيت جينيفير جافيتو، بما يعكس إدارة حذرة تُبقي الحضور قائماً من دون رفع مستوى الانخراط الرسمي.

النفوذ الروسي

دولياً، حضرت السياسة نفسها في تعاطي واشنطن مع النفوذ الروسي المتزايد في ليبيا، والذي تطور من وجود عناصر شركة «فاغنر» إلى «فيلق أفريقيا»، والحضور بشكل دائم في قواعد عسكرية ليبية.

وفي هذا السياق، فضّل البيت الأبيض –وفق مراقبين– انتهاج «سياسة احتواء ناعم» لحليف موسكو، خليفة حفتر، عبر تعزيز التعاون العسكري، وزيارات القادة الأميركيين إلى بنغازي، وسرت، بحسب رؤية الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف.

وسط هذه المسارات الأميركية، تتنامى تساؤلات الليبيين حول أهداف تحركات إدارة ترمب، بين دعم الانتخابات، أو الاكتفاء بصفقات مؤقتة. وينقل الباحث السياسي محمد محفوظ مخاوف من أن «تجاهل أميركا للمسار الانتخابي قد يطيل الأزمة»، مكرراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التحذير من «تكلفة باهظة لصفقات أمنية واقتصادية سابقة على حياة الليبيين».


«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
TT

«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)

أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على مناطق حدودية مع تشاد، بينها أم قمرة وأم برو، ونشرت مقاطع مصورة تُظهر انتشار قواتها هناك، في وقت لم يصدر فيه تعليق رسمي من الجيش السوداني.

وقالت «الدعم السريع» إن العملية هدفت إلى إنهاء وجود ما وصفتها بالجيوب المسلحة، ووقف أعمال انتقام وفوضى تتهم الجيش السوداني و«القوة المشتركة» المتحالفة معه بتنفيذها ضد قيادات الإدارة الأهلية ومدنيين. وأكدت نشر قوات لتأمين المدنيين والطرقات والمرافق العامة في تلك المناطق لإعادة الاستقرار.

وفي تطور آخر، تأكد مقتل قائد «الفرقة 22 مشاة» التابعة للجيش السوداني في مدينة بابنوسة، اللواء معاوية حمد عبد الله، خلال هجوم شنته «الدعم السريع» على المدينة مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ورغم عدم صدور بيان من الجيش بشأن مقتل قائده، أفاد موقع رسمي تابع لحكومة الولاية الشمالية بأن حاكمها العسكري، عبد الرحمن إبراهيم، قدّم واجب العزاء في الفقيد بمنطقة أنقري التابعة لمحلية البرقيق.


مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)

يشهد الصومال حالة من الزخم والترتيبات الواسعة استعداداً لأول انتخابات مباشرة منذ نحو ستة عقود، مع الاقتراع على أعضاء المجالس المحلية لإقليم بنادر الذي يضم العاصمة مقديشو، الخميس.

تلك الترتيبات والمساعي المكثفة حكومياً يُنظر لها، بحسب خبير في الشؤون الصومالية تحدث لـ«الشرق الأوسط»، على أنها توجُّه من الحكومة لدعم أكبر مشاركة تُحقق صحة موقفها من الانتخابات المباشرة، خاصة أن الاقتراع يُعد اختباراً جديداً لإمكانية عقد الانتخابات الرئاسية الصومالية عام 2026، في ظل تحفظات المعارضة.

وكان نظام التصويت المباشر قد أُلغي في الصومال بعد تولي الرئيس محمد سياد بري السلطة عام 1969. ومنذ سقوط حكومته في 1991، يقوم النظام السياسي في البلاد على هيكل قبلي.

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

وقد تأجلت الانتخابات التي ستُجرى، الخميس، بنظام «شخص واحد صوت واحد» ثلاث مرات هذا العام. ومن المتوقع تنظيم انتخابات رئاسية العام المقبل، مع انتهاء ولاية الرئيس حسن شيخ محمود.

ولفتت وكالة الأنباء الصومالية (صونا)، الأربعاء، إلى أن انتخابات الخميس ستُجرى في المديريات الست عشرة بمحافظة بنادر، حيث يتوجه المواطنون إلى مراكز الاقتراع لاختيار من يمثلهم في المجالس المحلية لأول مرة منذ 1969.

«محطة مفصلية»

وأعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عن تسجيل مليون ناخب و20 من التنظيمات السياسية، لافتة إلى أن 1604 مرشحين يتنافسون في انتخابات المجالس المحلية.

وأوضح متحدث اللجنة عبد الفتاح فيصل حسين، الأربعاء، أن التصويت سيجري في 16 دائرة انتخابية موزعة على 213 مركز اقتراع و523 موقع تصويت.

وأعلنت هيئة الطيران المدني، الأربعاء، أن جميع الرحلات الجوية من مقديشو وإليها ستُعلّق الخميس خلال فترة الانتخابات، تزامناً مع تنفيذ خطة واسعة أعلنتها الأجهزة الأمنية الصومالية، تقضي بنشر نحو عشرة آلاف من عناصر الشرطة لتأمين الاقتراع، وفق ما أعلنه وزير الأمن الداخلي عبد الله شيخ إسماعيل، الأحد.

تجمع جماهيري يقوده رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري في مديرية كاران بمحافظة بنادر دعماً لإجراء الانتخابات المحلية المباشرة (وكالة الأنباء الصومالية)

وأعلن رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عبد الكريم حسن، الثلاثاء، أن اللجنة ستنشر نحو خمسة آلاف موظف في مراكز التصويت بالعاصمة للإشراف على الانتخابات التي وصفها بأنها «محطة مفصلية في مسار التحول الديمقراطي في الصومال».

وقاد رئيس الوزراء حمزة عبدي بري تجمعاً جماهيرياً، الاثنين، في مديرية كاران بمحافظة بنادر، دعماً لإجراء الانتخابات المحلية المباشرة، مشدداً على أهمية المشاركة الشعبية في تقرير المصير السياسي.

وكان قد تقرر تأجيل الانتخابات المحلية في مقديشو عن الموعد المقرر سابقاً في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، لتوفير «وقت إضافي لإعداد مرشحيها، واستكمال الترتيبات اللوجستية» قبل التصويت لضمان مشاركة أكبر، وفق ما أعلنه وقتها عبد الكريم حسن.

موقف المعارضة

ويرى الخبير في الشؤون الصومالية، عبد الولي جامع بري، أن ترتيبات الحكومة بشأن الانتخابات لها تأثيرات مهمة على الحشد الشعبي والمشاركة بعد عقود من الغياب الديمقراطي، خاصة أنها تأتي وسط تحفظات المعارضة التي قررت عدم المشاركة فيها.

وأعلن «مجلس مستقبل الصومال»، الذي يضم قوى سياسية معارضة، في ختام اجتماع عقده المجلس بمدينة كيسمايو الأسبوع الماضي رفضه الانتخابات المحلية، قائلاً إنها عملية «أحادية الاتجاه» تفتقر إلى التوافق الوطني. ومنح المجلس الرئيس حسن شيخ محمود مهلة لمدة شهر واحد لعقد حوار شامل لتجنب «فراغ دستوري محتمل وصراعات سياسية قد تهدد الاستقرار».

موظفون حكوميون بالصومال خلال توزيع بطاقات الاقتراع (وكالة الأنباء الصومالية)

وعقَّب الرئيس الصومالي، الثلاثاء، في فعالية انتخابية لحزب «العدالة والتضامن» الحاكم في مقديشو، قائلاً: «لقد استخلصنا نقطة واحدة من نتائج مؤتمر كيسمايو، وهي فتح باب الحوار والحوار مفتوح، وقد استجابت الحكومة رسمياً لهذا الطلب»، محذراً من مخاطر تحويل الخلافات السياسية إلى مواجهات مسلحة.

«اختبار حقيقي»

يتصاعد الجدل داخل الصومال بشأن الانتخابات المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع، والذي أُجري عام 1968، والتي تأتي بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي كانت تعتمد في الأساس على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، والتي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة أربع عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية بقوة، وكانت العودة لاستكمال دستور 2012 المؤقت هي الشرارة الأبرز التي فاقمت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وجوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر.

واشتدت الخلافات بين الرئيس الصومالي والمعارضة بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو (أيار) الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

ويرى خبير الشأن الصومالي جامع بري أن الانتخابات الحالية قد تفتح الطريق لتفاهمات حول الرئيس في المستقبل، لكن الواقع لا يزال معقداً، خاصة والمعارضة لديها تحفظات حقيقية.

وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «المعارضة ترى في المسار الحالي انتخابات غير متوازنة، وربما غير دستورية أو غير شاملة كلياً، مما قد يحدّ من مشاركة شرائح واسعة من المواطنين إذا شعرت بأن العملية ليست عادلة أو أنها تمثيلية».

وهو يعتقد أن النظام يراهن على تحول سياسي حقيقي نحو الديمقراطية عبر الانتخابات المباشرة التي تعد اختباراً حقيقياً لرئاسيات 2026، لكن المعارضة ستبقى لديها تحفظات عميقة على طريقة تنظيم الانتخابات ومسارها، وتبقى نتائج الحوار المنتظر هي الفيصل في تحديد المستقبل.