استهداف معسكر «اللواء 444 قتال» يُفاقم التوترات في ليبيا

«الأمم المتحدة» و«الجامعة العربية» تُحذران من مخاطر الانزلاق نحو صراع جديد

السيارة التي استهدفت معسكر «اللواء 444» في بني وليد (اللواء)
السيارة التي استهدفت معسكر «اللواء 444» في بني وليد (اللواء)
TT

استهداف معسكر «اللواء 444 قتال» يُفاقم التوترات في ليبيا

السيارة التي استهدفت معسكر «اللواء 444» في بني وليد (اللواء)
السيارة التي استهدفت معسكر «اللواء 444» في بني وليد (اللواء)

في ظل استمرار أجواء التوتر الأمني في العاصمة الليبية طرابلس، جدّدت «الأمم المتحدة» و«الجامعة العربية» تحذيراتهما من مخاطر الانزلاق نحو صراع جديد، وذلك تزامناً مع هجوم إرهابي استهدف معسكر «اللواء 444 قتال» في بني وليد، من دون وقوع خسائر بشرية.

تعزيزات أمنية مشددة في طرابلس خوفاً من اندلاع مواجهات (أ.ف.ب)

وسُمعت في وقت متأخر من مساء الثلاثاء، وساعة مبكرة من صباح الأربعاء، أصوات أسلحة متوسطة ومتقطعة في محيط طريق الشط، بالتزامن مع انتشار كثيف لطيران مسيّر في عدة مناطق من طرابلس. وأرجعت وسائل إعلام محلية أصوات الرماية التي سُمعت في منطقة بوسليم إلى محاولات استهداف طائرة مُسيّرة. ونقلت عن مسؤول بالخطوط الليبية مطالبته كل الجهات المسلحة بوقف الرماية في أجواء طرابلس، بهدف ضمان هبوط الطائرات القادمة من بنغازي بأمان.

تيتيه أعربت عن قلقها العميق إزاء الأوضاع الأمنية المتوترة في طرابلس (غيتي)

وأعربت رئيسة بعثة الأمم المتحدة، هانا تيتيه، عن قلقها العميق إزاء الأوضاع الأمنية المتوترة في طرابلس، وقالت إن الاجتماع الذي عقدته، مساء الثلاثاء، بحضور نائبتها للشؤون السياسية، ستيفاني خوري، مع لجان تواصل وأعيان من مدن ومناطق في الغرب الليبي، «عكس مخاوف واضحة من استمرار التوتر داخل طرابلس».

وبعدما أكّدت دعمها لجهود المجلس الرئاسي للتوصل إلى تسوية تُفضي إلى حل سلمي في طرابلس، لفتت إلى إمكانية إبرام اتفاق إيجابي، دون إطلاق رصاصة واحدة أو إراقة قطرة دم ليبية، لكنها اشترطت لنجاح هذه المساعي توفر النيات الحسنة، وتغليب المصلحة الوطنية على أي اعتبارات أخرى.

من جهته، أكّد المتحدث باسم البعثة الأممية، محمد الأسعدي، وجود نقاط عالقة -لم يُحددها- تحول دون التوصل إلى اتفاق، مشيراً في تصريحات متلفزة إلى تلقي البعثة ما وصفه برسائل مطمئنة، في ظل استمرار الوساطات المحلية لتجنب الحرب.

بدوره، دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، كل الأطراف للانخراط بجدية في مسارات التفاوض، مؤكداً استعداده لمواصلة دفع الحوار الليبي-الليبي، بالشكل الذي يُسهم في تعزيز الاستقرار، بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

وأعرب أبو الغيط في بيان، مساء الثلاثاء، عن بالغ القلق إزاء تصاعد التوتر في غرب ليبيا، بما في ذلك حشد قوات عسكرية بالقرب من العاصمة طرابلس، مؤكداً أن «الجامعة» تتابع من كثب مجريات الأوضاع. وأوضح أن «استمرار هذا النهج قد يُعرض ليبيا لخطر الانزلاق مجدداً في دوامة الصراع، بما له تداعيات على أمن ليبيا ووحدتها».

في غضون ذلك، أكّد رئيس «حكومة الوحدة (المؤقتة)»، عبد الحميد الدبيبة، خلال اجتماعه مع كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الأوسط، إدوارد أهلغرين، بحضور سفير بريطانيا، مارتن لونغدن، أهمية تعزيز الشراكة مع المملكة المتحدة في المجال العسكري، بما يُسهم في رفع كفاءة المؤسسات العسكرية الليبية.

ونقل عن أهلغرين استعداد بلاده لتعزيز التعاون في مجالات التدريب والتأهيل العسكري، بما يُحقق الاستقرار، ويُسهم في بناء مؤسسات فاعلة، مشيراً إلى بحث تعزيز التعاون العسكري، ودعم وبناء القدرات العسكرية الليبية، والتعاون في مجالات التدريب والتطوير.

الدبيبة مع الوفد البريطاني (حكومة الوحدة)

وكان رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، قد ثمّن في لقائه مع وفد بريطانيا موقفها الداعم لمساعي الاستقرار، مؤكداً حرصه على تطوير التعاون مع الشركاء الدوليين، بما يضمن وحدة ليبيا وسيادتها، ويخدم الأمن الإقليمي والدولي، مشيراً إلى بحث سُبل ترسيخ الشراكة الاستراتيجية في مجالات الأمن والدفاع، إلى جانب مناقشة القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها جهود مكافحة الإرهاب، والتصدي لظاهرة «الهجرة غير المشروعة»، وتعزيز قدرات المؤسسة العسكرية الليبية.

في شأن آخر، أعلن «اللواء 444 قتال»، التابع لحكومة «الوحدة»، عن تعرض محيط معسكره في مدينة بني وليد، الواقع على بُعد نحو 180 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة طرابلس، لهجوم إرهابي باستخدام سيارة مفخخة، بعدما فجّر انتحاريّ نفسه داخلها أمام المعسكر، لكن دون تسجيل أي خروقات أو خسائر.

وأوضح «اللواء» أن التحقيقات بدأت فور حدوث التفجير، لافتاً إلى أن قواته سيطرت على الموقف في لحظاته الأولى، وأشار إلى مواصلة المعسكر مهامه بكامل الجاهزية. عادّاً أن هذه «الأعمال الدنيئة، التي تم تنفيذها بأيدٍ إرهابية، لا تزيدنا إلا إصراراً على مطاردة أوكار الإرهاب، حتى يتم استئصالها واقتلاعها من جذورها».

وأكد مدير جهاز الإسعاف والطوارئ في بني وليد، محمد أبو النيران، أن الانفجار لم يُسفر عن خسائر بشرية، باستثناء إصابة وحيدة بحروق بسيطة غادرت المستشفى. كما وصفت بلدية بني وليد الحادثة بأنها عمل إرهابي خطير يُهدد أمن واستقرار البلاد، ودعت الجهات الأمنية إلى تكثيف جهودها لكشف ملابساتها، مشددة على ضرورة تعزيز الاستقرار وحماية المواطنين والعسكريين من مثل هذه التهديدات.

وطالب المجلس الاجتماعي للنواحي الأربع، الذي أدان التفجير، بملاحقة الجناة وعدم إفلاتهم من العقاب، مجدداً دعمه الكامل لجهود «اللواء» في حماية الأمن والاستقرار وتعزيز هيبة الدولة.

صدام حفتر (أ.ف.ب)

إلى ذلك، أشاد نائب قائد الجيش الوطني، الفريق صدام حفتر، لدى لقائه، بمدينة بنغازي، رئيس هيئة أمن المرافق والمنشآت، اللواء أكرم المسماري، بجهود الهيئة، مؤكداً أهمية مواصلة العمل بالوتيرة نفسها لتأمين وحماية مؤسسات الدولة.


مقالات ذات صلة

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

شمال افريقيا قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

ينظر مراقبون إلى أداء إدارة ترمب في الملف الليبي خلال العام الماضي على أنه انتهج مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تعتمد تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة.

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا من حفل استقبال الحداد في أنقرة قبل ساعات من مقتله (وزارة الدفاع التركية)

مشاورات بين الدبيبة والمنفي لتعيين رئيس أركان جديد لجيش غرب ليبيا

بدأ رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية» في غرب ليبيا عبد الحميد الدبيبة مشاورات مكثفة لتعيين رئيس جديد لهيئة أركان الجيش

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر الوفد الليبي خلال وصولهم إلى مكان تحطم الطائرة المنكوبة (أ.ف.ب)

تركيا تعلن أن الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة «سيُحلّل في دولة محايدة»

أعلنت تركيا أن الصندوق الأسود الخاص بالطائرة، التي تحطمت قرب أنقرة وقُتل جميع ركابها، بمن فيهم رئيس الأركان العامة للجيش الليبي، سيُحلّل في دولة محايدة.

«الشرق الأوسط» (هايمانا (تركيا))
شمال افريقيا محمد الحداد في مكتبه برئاسة أركان قوات الوحدة (أرشيفية - رئاسة الأركان)

مصرع الحداد... نهاية مفجعة لقائد عسكري تبنى «وحدة الجيش» الليبي

طوى تحطم طائرة في تركيا الثلاثاء الفصل الأخير من مسيرة رئيس أركان القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية غرب ليبيا، منهياً على نحو صادم حياة قائد تبنى وحدة الجيش

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا  رئيس «الأعلى للدولة» محمد تكالة متحدثاً في إحدى الجلسات (الصفحة الرسمية للمجلس)

ترقب ليبي لـ«آلية أممية بديلة» تفك الجمود السياسي

تباينت التوقعات السياسية في ليبيا حول ملامح «الآليات البديلة» التي قد تقترحها مبعوثة الأمم المتحدة هانا تيتيه للتعامل مع الأجسام السياسية خصوصاً مجلسي النواب

علاء حموده (القاهرة)

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تتقدم فيه «قوات الدعم السريع» حثيثاً تجاه بلدة «الطينة»، عند الحدود التشادية - السودانية، بعد أن أعلنت إكمال سيطرتها على بلدة «كرنوي» صباح الخميس، وانسحاب «القوة المشتركة» التابعة للجيش، تعهد رئيس «حركة تحرير السودان»، (حاكم إقليم دارفور)، مني أركو مناوي، بعدم الاستسلام، ومحاربة ما أسماه «الفوضى والبربرية».

وقال مناوي، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم دارفور، في تغريدة على حسابه بمنصة «إكس»، مساء الأربعاء: «لن نسلّم أرواحنا ولا تاريخنا ولا هويتنا للفوضى والبربرية.. الليلة سمر، وغداً أمر»، بعد أن كان قد ذكر في وقت سابق أن قواته «انسحبت».

حاكم إقليم دارفور وقائد «حركة جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، يزور مخيم نازحين بشمال السودان يوم 26 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

وتعد بلدة «الطينة» آخر جيوب القوات الموالية للجيش المعروفة بـ«القوة المشتركة»، وتقع على الحدود السودانية التشادية مباشرة، وتنقسم إلى بلدتين باسم «الطينة السودانية، الطينة التشادية»، وتعرف بأنها عاصمة دار قبيلة «زغاوة» المشتركة بين البلدين.

وبثت منصات موالية لـ«قوات الدعم السريع»، مقاطع فيديو ذكرت فيها أنها حققت انتصاراً كاسحاً في بلدة «كرنوي»، فيما ذكرت صحيفة «دارفور 24» أن «قوات الدعم السريع» دخلت منطقة كرنوي الواقعة في الشمال الغربي لولاية شمال دارفور، وأن القوة المشتركة انسحبت نحو بلدة «الطينة» على الحدود مع دولة تشاد.

وقال شاهد لـ«الشرق الأوسط»، إن «قوات الدعم السريع» المدعومة بقوات «تحالف السودان التأسيسي»، (تأسيس)، اقتربت من بلدة الطينة، التي انسحبت إليها «القوة المشتركة» الحليفة للجيش، وينتظر أن تشهد معاركاً طاحنة بين القوتين.

قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو يلقي كلمة أمام قواته (أرشيفية - قناته على «تلغرام»)

وحضّ مناوي في حسابه على «فيس بوك»، مواطني المنطقة ومن أسماهم بـ«أهلي» للدفاع عن «أنفسهم»، بقوله: «نرفض الذل، والدفاع عن الوطن ليس خياراً، بل واجباً، ولا نبحث عن الدم، لكننا نحمي الأرض والعرض والتاريخ»، وتابع: «حين يستباح الوطن، يصبح الصمت خيانة».

لكن دعوات مناوي للمواطنين لم تلقَ استجابة، بل ردت عليه مجموعة من سكان المنطقة ببيان حمل توقيع «أبناء قبيلة الزغاوة» التي يتحدر منها، دعته إلى «عدم الزج باسم القبيلة في الحرب»، وإبعادها عن «الاستقطابات السياسية والعسكرية المتواصلة».

وقالت في البيان إن القبيلة «ليست كياناً سياسياً أو عسكرياً، أو أداة في الصراع على السلطة»، وتابع: «نرفض رفضاً قاطعاً التحدث باسم القبيلة أو توظيفها كتلة سياسية موحدة، أو الادعاء بتمثيلها في أي صراع سياسي أو عسكري».

ويأتي هذا التطور العسكري بعد استيلاء «قوات الدعم»، الأربعاء، على بلدات «أبو قمرة، أم برو، بير سبيل»، وسيطرتها الخميس على «كرنوي»، ولم يتبقَ على الحدود المشتركة بين تشاد والسودان سوى بلدة «الطينة».

وتعد «الطينة» أحد أهم النقاط التجارية والأمنية في شمال دارفور. وتقع إلى الشرق منها، بلدة «كرنوي» المركز الإداري يربط المناطق الحدودية بالداخل، بينما تقع بلدة «أم برو» إلى الشرق من «الطينة» وكرنوي، وتتميز بطبيعة جبلية تجعل منها منطقة استراتيجية عسكرياً.

آلاف اللاجئين من دارفور يعيشون حالياً بمخيم أدري الحدودي في تشاد هرباً من الحرب (رويترز)

وتكون هذه البلدات مثلثاً حدودياً يربط السودان بدولة تشاد، وتسعى الأطراف المتصارعة للسيطرة عليه لتأمين خطوط الإمداد أو إغلاقها بوجه الخصم.

وتعرف المنطقة التي تدور فيها المعارك إدارياً بـ«دار زغاوة»، وهم المجموعة الإثنية التي تنتشر على طرفي الحدود بين الدولتين، وينحدر منها معظم قوات حاكم دارفور، مني أركو مناوي، ووزير المالية، جبريل إبراهيم، اللذين يديران الحرب هناك من بورتسودان.

وبسيطرة «قوات الدعم السريع» على بلدة «الطينة»، تكون قد سيطرت على كامل إقليم دارفور، وعلى الحدود المشتركة مع دولة تشاد، باستثناء جيب صغير عند سفوح «جبل مرة» بوسط دارفور، تسيطر عليه قوات «حركة تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد محمد النور، الذي اختار الحياد في الصراع لكن ومواقفه أقرب لـ«قوات الدعم السريع».

وبإكمال عملية «الطينة»، لن يكون هناك خيار أمام القوة المشتركة الموالية للجيش الموجودة هناك، سوى «الانسحاب» لداخل دولة تشاد.


السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
TT

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)

مع مرور عام على تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد السلطة، تتآكل الآمال العريضة باختراق أميركي في الملف الليبي المعقّد، إذ اتسم نهج إدارته بـ«الحذر، والانتقائية»، مع إعادة تموضع محدودة، دون استراتيجية شاملة لمعالجة الانقسام الليبي.

وينظر مراقبون إلى أداء إدارة ترمب في الملف الليبي خلال العام الماضي على أنه انتهج مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تعتمد تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة، و«مصافحات شكلية»، تزامناً مع تصاعد أولوية «الصفقات الاقتصادية»، ولا سيما في قطاع النفط.

في المقابل غابت المقاربة المتكاملة التي تمزج الدبلوماسية بالأمن، وبناء المؤسسات، فاعتمدت واشنطن أدوات سياسية واقتصادية مرنة، وزادت من الحضور الدبلوماسي، مع التركيز على اتصالات مباشرة عبر مسعد بولس مستشار ترمب، وصهره المخوّل بملف الشؤون الأفريقية.

الدبيبة مع قائد قوات «أفريكوم» في لقاء بطرابلس (حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة)

مؤشرات تعيين بولس

في مطلع ولاية إدارة ترمب، أثار تكليف بولس بمتابعة الملف الليبي آمالاً باختراق محتمل، باعتباره مؤشراً على اقتراب ليبيا من دائرة اهتمامه، غير أن حالة من الحذر ظلت قائمة، وهو ما أكدت عليه تطورات العام لاحقاً.

ويعتبر هاني شنيب، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأميركية-الليبية، أن «تعيين بولس شكّل مؤشراً مبكراً على محدودية الزخم الأميركي تجاه هذا الملف»، لافتاً إلى أن «مقاربة واشنطن لقضايا شمال وجنوب الصحراء ما زالت تتعامل معها بوصفها ملفات شديدة التعقيد، لكنها ليست في صدارة الأولويات».

ومع ذلك، أولى مراقبون اهتماماً بزيارة بولس إلى طرابلس وبنغازي، ولقاءاته مع قادة عسكريين في شرق ليبيا، وغربها، في يوليو (تموز) 2025، حين ناقش معهم «دعم الشراكة الأميركية–الليبية، والتعاون الاقتصادي، خصوصاً في قطاع الطاقة، وتعزيز توحيد المؤسسات الليبية، والمصالحة الوطنية».

ما ذهب إليه شنيب أكد عليه العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، بن فيشمان، وعزا ذلك جزئياً –في حديثه لـ«الشرق الأوسط»– إلى «انشغال مستشار ترمب على نحو أكبر بملفات أخرى، مثل الحرب الأهلية في السودان».

ويلحظ شنيب أن تركيز الإدارة انصب أيضاً على الأزمة الأوكرانية، ما جعل السياسة الأميركية في ليبيا «تنضج على نار هادئة» بانتظار إنجاز ملفات أكثر أولوية من وجهة نظر واشنطن.

جانب من جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

برغماتية على نار هادئة

وفق هذا التقدير، تعاملت الإدارة الأميركية مع الأفرقاء الليبيين شرقاً وغرباً ببرغماتية، وعلى «نار هادئة» وفق متابعين من دون انحياز معلن، مع تركيز واضح على «إدارة التوازن» بين القوى القائمة، أكثر من السعي إلى إحداث تغيير جذري في بنية السلطة.

كان المثال العملي على هذه المقاربة هو رعاية بولس للقاء مستشار رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة لشؤون الأمن القومي إبراهيم الدبيبة، ونائب قائد «الجيش الوطني» صدام حفتر، في روما، في سبتمبر (أيلول) 2025، إذ اقتصر على رعاية «مصافحات»، ومناقشة ملفات أمنية، وسياسية، وعسكرية، وطاقية، بما في ذلك مساعي تشكيل حكومة موحدة، من دون ترجمة ذلك إلى مسار سياسي فعّال.

وبحسب فيشمان، فإن «نهج ترمب في صنع السلام يقوم على المصافحة أكثر من الجوهر»، وهو –من وجهة نظره– «نمط يتكرر في أكثر من ساحة دولية، ويتوقع أن يستمر في ليبيا».

هذا «النهج البرغماتي» الأميركي، ومن منظور الباحثة الفرنسية فيرجيني كولومبييه لـ«الشرق الأوسط»: «يدفع الصراع من دون حسم، ويعزز النفوذ داخل الكتلتين المتنافستين شرقاً وغرباً، بما يفاقم توترات التحالفات المحلية، خصوصاً غرب ليبيا»، فعادة أن «أي تسوية مستدامة تتطلب مقاربة شاملة، وضمانات موثوقة، لا صفقات ضيقة بين الزعماء».

وامتدت التحركات الأميركية الحذرة إلى الملف العسكري في ليبيا، حيث تتنازع السلطة حكومتان: إحداهما في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى تسيطر على الشرق والجنوب بقيادة أسامة حماد، وبدعم من «الجيش الوطني» تحت قيادة المشير خليفة حفتر.

وشملت الجهود الأميركية تعزيز التنسيق الأمني عبر زيارات «أفريكوم» بقيادة داغفين أندرسون ونائبه جون برينان، ودعم مساعي توحيد المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى التحضير لمناورة مشتركة في سرت.

ويشير بن فيشمان إلى أن «زيارات قادة (أفريكوم) هي امتداد لجهود إدارة بايدن السابقة»، مضيفاً أن «استضافة ليبيا تمريناً أمنياً إقليمياً برعاية أميركية في سرت تعزز هذا المسار العسكري»، لكنه قال: «جوهرياً، لا توجد فوائد سياسية كبيرة من جمع الفصيلين العسكريين معاً».

اجتماع «لجنة المتابعة الدولية» بشأن ليبيا المنبثقة عن مسار برلين في طرابلس (البعثة الأممية في ليبيا)

البعد الاقتصادي

اقتصادياً، بدّلت «النار الهادئة» مسارها لا شدتها، إذ برز اهتمام أكبر بقطاع الطاقة، وشجّعت إدارة ترمب عودة الشركات الأميركية إلى السوق الليبية عبر مذكرات تفاهم، واتفاقيات لتطوير الحقول، وزيادة الإنتاج، وسط تحذيرات خبراء من هشاشة هذا المسار في ظل الانقسام المالي، وغياب إطار قانوني موحد.

تشير كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في مجموعة «الأزمات الدولية»، لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إدارة ترمب زادت انخراطها في ليبيا عبر وساطة مالية، واقتصادية، خاصة في ملفي الميزانية، والنفط، ما يعزز بقاء القوى الحاكمة شرقاً وغرباً. بالمقابل، تحذر كولومبييه من أن الانخراط الانتقائي المبني على مصالح تجارية «لن يحقق استقراراً دائماً، أو سلاماً مستداماً».

أما دبلوماسياً، فتجلّت سياسة «النار الهادئة» بوضوح مع استمرار الغموض في الموقف الأميركي، إذ اكتفت واشنطن بالقائم بالأعمال جيريمي برنت، من دون تعيين سفير جديد، مكرّسة إخفاق الإدارة السابقة في تثبيت جينيفير جافيتو، بما يعكس إدارة حذرة تُبقي الحضور قائماً من دون رفع مستوى الانخراط الرسمي.

النفوذ الروسي

دولياً، حضرت السياسة نفسها في تعاطي واشنطن مع النفوذ الروسي المتزايد في ليبيا، والذي تطور من وجود عناصر شركة «فاغنر» إلى «فيلق أفريقيا»، والحضور بشكل دائم في قواعد عسكرية ليبية.

وفي هذا السياق، فضّل البيت الأبيض –وفق مراقبين– انتهاج «سياسة احتواء ناعم» لحليف موسكو، خليفة حفتر، عبر تعزيز التعاون العسكري، وزيارات القادة الأميركيين إلى بنغازي، وسرت، بحسب رؤية الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف.

وسط هذه المسارات الأميركية، تتنامى تساؤلات الليبيين حول أهداف تحركات إدارة ترمب، بين دعم الانتخابات، أو الاكتفاء بصفقات مؤقتة. وينقل الباحث السياسي محمد محفوظ مخاوف من أن «تجاهل أميركا للمسار الانتخابي قد يطيل الأزمة»، مكرراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التحذير من «تكلفة باهظة لصفقات أمنية واقتصادية سابقة على حياة الليبيين».


«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
TT

«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)

أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على مناطق حدودية مع تشاد، بينها أم قمرة وأم برو، ونشرت مقاطع مصورة تُظهر انتشار قواتها هناك، في وقت لم يصدر فيه تعليق رسمي من الجيش السوداني.

وقالت «الدعم السريع» إن العملية هدفت إلى إنهاء وجود ما وصفتها بالجيوب المسلحة، ووقف أعمال انتقام وفوضى تتهم الجيش السوداني و«القوة المشتركة» المتحالفة معه بتنفيذها ضد قيادات الإدارة الأهلية ومدنيين. وأكدت نشر قوات لتأمين المدنيين والطرقات والمرافق العامة في تلك المناطق لإعادة الاستقرار.

وفي تطور آخر، تأكد مقتل قائد «الفرقة 22 مشاة» التابعة للجيش السوداني في مدينة بابنوسة، اللواء معاوية حمد عبد الله، خلال هجوم شنته «الدعم السريع» على المدينة مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ورغم عدم صدور بيان من الجيش بشأن مقتل قائده، أفاد موقع رسمي تابع لحكومة الولاية الشمالية بأن حاكمها العسكري، عبد الرحمن إبراهيم، قدّم واجب العزاء في الفقيد بمنطقة أنقري التابعة لمحلية البرقيق.