أثارت «محاور رئيسية» في مبادرة المبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا، ستيفاني خوري، لإنهاء الانقسام، تبايناً واضحاً، إذ عَدّ بعض السياسيين أن المبادرة «جيدة»، غير أن بعضهم الآخر أبدى تخوفاته من «كيفية تطبيقها».
كانت ستيفاني خوري قد استعرضت عبر حلقة نقاشية نظمتها على «فيسبوك» أخيراً، المحاور الرئيسية للمبادرة السياسية الجديدة، التي تهدف إلى حلحلة الوضع الراهن، وإنهاء الانقسام بالبلاد، والمُضي قدماً نحو إجراء الانتخابات.
ويتقدم تلك «المحاور» تشكيل «لجنة استشارية»، توكل إليها مهمة معالجة كل القضايا التي تعوق إجراء الانتخابات، وفي مقدمتها الخلاف السياسي حول القوانين الانتخابية، كما سيكون من مهام اللجنة «وضع معايير وضمانات تؤطر عمل الحكومة القادمة».
ووفق مسؤول الملف السياسي بالبعثة الأممية، عمر المخفي، خلال الحلقة النقاشية، فإن مهمة تلك «اللجنة الاستشارية» سوف «تنحصر في وضع أطر وضمانات تشكيلها للحكومة، التي ستُشرف على الانتخابات، بوصفها أحد البنود الواردة بالقوانين الانتخابية».
شروط إنجاح المبادرة
رغم تخوّف عضو المجلس الأعلى للدولة، أحمد بو بريق، من «عدم تمكن المبادرة الراهنة للبعثة الأممية من إنهاء وضعية الانقسام بالساحة السياسية»، فإنه وصف محاورها التي طرحت خلال الحلقة النقاشية بـ«الإيجابية».
ورهن بو بريق نجاح المبادرة بـ«حسن اختيار الشخصيات التي ستتعامل معها البعثة الأممية، وتحديداً أعضاء اللجنة الاستشارية، الذين سيضطلعون بمهمة وضع رؤى لحسم الخلاف الراهن، حول القوانين المنظمة للانتخابات»، موضحاً أن القوانين «أعدتها لجنة مشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة، وهي لجنة (6+6) وأقرها البرلمان قبل أكثر من عام، لكن بعض الأطراف والقوى السياسية لديها توجس واعتراض على بعض بنودها، وتحديداً ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين للرئاسة».
ويعتقد بو بريق أنه يمكن لتلك اللجنة «طرح صياغة جديدة للبنود المختلف عليها؛ بحيث تُقلل المخاوف بشأن نزاهة العملية الانتخابية»، إضافة إلى عمل البعثة على «محور توحيد السلطة التنفيذية، الذي يُعد إجراءً ضرورياً لإتمام الانتخابات».
توافق دولي
«وجود توافق دولي حقيقي» عامل آخر، رهن بو بريق نجاح مبادرة خوري عليه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الجميع يعرف انعكاس الصراعات الدولية على توجهات ومواقف أفرقاء الأزمة الليبية، ومن ثم إذا عمدت البعثة إلى اختيار شخصيات قريبة من هؤلاء الأفرقاء ليكونوا أعضاء، سواء باللجنة الاستشارية أو بالحوار الموسع لحل مسببات الصراع بالأزمة، فإن تلك الاختيارات ستنعكس بالتبعية على النتائج والحلول، التي سيتم التوصل إليها، وفي الغالب ستكون حينذاك حلولاً غير ناضجة».
ووفق تصريحات مسؤولين بالبعثة، فإن المحاور «تتضمن إطلاق حوار هيكلي شامل، يضم كل مكونات المجتمع بهدف معالجة حول جميع القضايا الجوهرية المسببة للصراع، مثل آليات توزيع الموارد وأسس بناء الدولة، إضافة إلى إجراء الإصلاحات الاقتصادية التي تحتاج إليها ليبيا، وتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، ودعم مسار المصالحة الوطنية».
في المقابل، انتقد وكيل وزارة الخارجية الليبية الأسبق، السفير حسن الصغير، قيام «لجنة فنية استشارية» بتحديد شكل الحكومة، سواء إيجاد حكومة جديدة بالكامل، أو الدمج بين الحكومتين القائمتين؛ وذلك عبر حسابه على «فيسبوك».
وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي «الوحدة الوطنية»، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس بالغرب الليبي مقرّاً لها، والأخرى مُكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب.
ورغم وصف أستاذ القانون الليبي، الدكتور راقي المسماري، المبادرة بـ«الجيدة» في شقها الموضوعي، عادّاً أنها قد تؤدي إلى حلحلة الجمود السياسي، وربما الوصول فعلياً لإجراء الانتخابات، خصوصاً مع تأكيد إيجاد سلطة تنفيذية موحدة، فإنه ذهب إلى أن شقها الإجرائي، وتحديداً صلاحيات لجنتها الاستشارية، قد ينتزع جزءاً من دور مجلس النواب، وهو السلطة التشريعية بالبلاد، وكذلك دور المجلس الأعلى للدولة.
وأوضح المسماري لـ«الشرق الأوسط» أن اللجنة الاستشارية «سوف تضطلع بتنقيح قوانين انتخابية، سبق أن أعدتها لجنة مشتركة من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، وأقرها الأخير ونشرها بالجريدة الرسمية، بل قبلتها المفوضية الوطنية للانتخابات، وعَدّتها قابلة للتطبيق، وبهذا النهج تكون اللجنة الاستشارية للبعثة ممارسة لدور السلطة التشريعية».
ورأى المسماري أن البعثة الأممية بتأكيدها أن تلك اللجنة الاستشارية لن تكون بديلاً عن المؤسسات الحالية، أي مجلسي النواب والأعلى للدولة، «بعثت برسالة طمأنة للمجلسين، وإن تحفظ البعض من أعضائهما على عدم إشراكهم في عضوية اللجنة الاستشارية»، مشيراً إلى أن «الوجود بعضويتها سيضمن لهم أن يكونوا في صدارة صناع القرار والحل السياسي، المرتقب من وراء مبادرة ستيفاني خوري».
ولفت المسماري إلى «عدم صدور أي انتقادات واضحة حتى الآن من قبل أعضاء (النواب) و(الأعلى للدولة) للمحاور، التي استعرضتها البعثة خلال الحلقة النقاشية، مقارنة بكثرة انتقاداتهم للبعثة خلال الأشهر الماضية، وتأكيدهم على أن الحل يجب أن يكون ليبياً-ليبياً، عبر التوافق لكونهما مجلسين منتخبين فقط، كما أشار بيان اجتماعهم الأخير بمدينة بوزنيقة المغربية، منتصف الشهر الماضي».
وكان ممثلون عن مجلسَي النواب والأعلى للدولة قد أعلنوا منتصف الشهر الماضي عن توصلهم إلى اتفاق، يستهدف إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في البلاد، بما يضمن التمهيد لإجراء الانتخابات العامة، والاتفاق على «تشكيل لجان مختلفة لوضع تقارير خلال شهر حول كيفية معالجة قضايا متجذرة، سبق أن عرقلت إجراء الانتخابات».
وتوقع المسماري أن «يفضل أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة، التريث بشأن مواقفهم من محاور مبادرة ستيفاني خوري، لحين إعلان البعثة الأممية أسماء الشخصيات، التي ستنضم لعضوية لجنتها الاستشارية»، موضحاً أن «كل القوى بالساحة ستنتظر لحين معرفة النصاب، الذي قد تعتمد عليه داخل هذه اللجنة».