البعثة الأممية تدعو لـ«تحقيق فوري» في تعذيب محتجزين شرق ليبيا

«الوحدة» شددت على «محاسبة المتورطين لضمان تحقيق العدالة»

 القائم بأعمال سفارة أميركا خلال لقائه مع مسؤول المنطقة الحرة بمصراتة (القائم بالأعمال)
القائم بأعمال سفارة أميركا خلال لقائه مع مسؤول المنطقة الحرة بمصراتة (القائم بالأعمال)
TT

البعثة الأممية تدعو لـ«تحقيق فوري» في تعذيب محتجزين شرق ليبيا

 القائم بأعمال سفارة أميركا خلال لقائه مع مسؤول المنطقة الحرة بمصراتة (القائم بالأعمال)
القائم بأعمال سفارة أميركا خلال لقائه مع مسؤول المنطقة الحرة بمصراتة (القائم بالأعمال)

دعت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، اليوم الأربعاء، للتحقيق في مقاطع فيديو متداولة، تُظهر تعذيب وسوء معاملة لعدد من المحتجزين في سجن قرنادة، التابع للجيش المتمركز بشرق البلاد. لكن القائد العام للجيش الوطني، المشير خليفة حفتر، تجاهل الرد على هذه الدعوة.

وكانت حكومة الدبيبة قد دخلت على خط مطالبة البعثة الأممية بشأن ما وصفته بـ«الجرائم التي تم توثيقها في مقاطع الفيديو من داخل سجن قرنادة العسكري التابع لحفتر»، وقالت إنها «تظهر ممارسات تعذيب بشعة، وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان».

اجتماع سابق بين حفتر وخوري في بنغازي (أرشيفية - الجيش الوطني)

وأعلنت «الوحدة» أنها سارعت إلى مطالبة الجهات المختصة، وعلى رأسها النائب العام، بفتح تحقيق عاجل وشامل في هذه الانتهاكات. وشددت، مساء الثلاثاء، على «ضرورة محاسبة جميع المتورطين فيها دون استثناء، لضمان تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، ومنع تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً».

كما دعت المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لمتابعة هذه القضية، وتقديم الدعم اللازم لتعزيز حقوق الإنسان في ليبيا، وضمان مساءلة كل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجرائم.

في سياق ذلك، طالبت البعثة الأممية في بيان، الأربعاء، بمحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات، وقالت إن هذه المقاطع تتسق مع الأنماط المُوثَّقة لانتهاكات حقوق الإنسان في مرافق الاحتجاز في مختلف مناطق ليبيا.

وأعلنت البعثة «مواصلتها التحقق من ظروف المقاطع المتداولة»، وأوضحت أنها تنسق مع قيادة الجيش الوطني لتأمين وصول موظفي حقوق الإنسان، التابعين للبعثة، ومراقبين مستقلين آخرين إلى سجن قرنادة بشكل مستمر، وكذلك إلى مراكز الاحتجاز الأخرى.

ولم يعلق حفتر على هذه الدعوات، كما التزم الناطق الرسمي باسمه، اللواء أحمد المسماري، الصمت حيالها.

وُتظهر الفيديوهات المتداولة «العديد من المحتجزين، سواء من الليبيين أو الأجانب، وهم يتعرضون للضرب المبرح، ويُجبرون على اتخاذ أوضاع مجهدة على يد الحراس، الذين يرتدون الزي الرسمي». و«تتماشى التفاصيل المعمارية، التي ظهرت في المقاطع، بما في ذلك نوع البلاط على الأرض والرسوم على الجدران، وقضبان الزنازين، مع صور السجن من تقارير مؤكدة»، بحسب وكالة «رويترز».

إلى ذلك، قال عضو المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، إنه ناقش، مساء الثلاثاء، مع سفير المملكة المتحدة، مارتن لونغدن، تطورات العملية السياسية في ليبيا، ودعم التعاون المشترك بين البلدين، والعديد من القضايا والملفات المتعلقة بدعم السلام والاستقرار في ليبيا، من خلال مسار تقوده البعثة الأممية، وآخر تطورات مشروع المصالحة الوطنية.

ونقل اللافي عن لونغدن إشادته بجهود المجلس الرئاسي في ملف المصالحة الوطنية، وحرصه الدائم على مشاركة كل الأطراف الليبية، معرباً عن أمله بأن تعبر البلاد حالة الجمود السياسي، من خلال مصالحة وطنية شاملة، يتوافق فيها كل اللليبيين.

من جهة أخرى، أعرب القائم بأعمال السفارة الأميركية، جيريمى بيرنت، خلال لقائه، الأربعاء، مدير المنطقة الحرة في مصراتة، محسن الساقورتي، عن تقديره لدور مصراتة بوصفها مركزاً اقتصادياً في ليبيا، وتعهد بمواصلة السعي لفتح المزيد من الفرص لتوسيع الشراكات الاقتصادية والتجارية، بين الولايات المتحدة والليبيين في جميع أنحاء البلاد.

في غضون ذلك، ورداً على إعلان مصرف ليبيا المركزي، تراجع الإيرادات النفطية خلال العام الماضي، عما كانت عليه عام 2023، عدّت المؤسسة الوطنية للنفط، هذا التراجع في الإيرادات، نتاجاً لظروف ومستجدات خارجة عن إرادة الجميع بكل المقاييس، ونفت كونه ناجماً عن سوء إدارة أو تقدير من المسؤولين فيها، وفي الشركات والحقول والمرافق التابعة لها.

وجددت المؤسسة، التزامها بمبدأ الشفافية والمكاشفة في كل وقت وحين، مشيرة إلى أنها لا ولن تعمد إلى إخفاء البيانات والمعلومات ذات العلاقة بثروات وأرزاق الشعب الليبي، مهما كانت الظروف.


مقالات ذات صلة

أميركا تؤكد أهمية استكمال الانتخابات البلدية في ليبيا

شمال افريقيا عمداء البلديات المنتخبون خلال أداء اليمين القانونية (وزارة الحكم المحلي بحكومة الوحدة)

أميركا تؤكد أهمية استكمال الانتخابات البلدية في ليبيا

أكدت السفارة الأميركية في ليبيا أن «الجولة القادمة من الانتخابات البلدية‬ تمثل فرصة ثمينة لمزيد من الليبيين لممارسة حقهم في اختيار قياداتهم المحلية».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا لقاء عبد العاطي مع خوري في القاهرة (الخارجية المصرية)

مصر تطالب بـ«مدى زمني محدد» لخروج القوات الأجنبية من ليبيا

طالبت مصر بـ«مدى زمني محدد» لخروج جميع القوات الأجنبية و«المقاتلين الأجانب» و«المرتزقة» من ليبيا.

خالد محمود (القاهرة )
تحليل إخباري جانب من احتجاجات مواطنين في طرابلس ضد حكومة الدبيبة بعد تصريحات المنقوش (أ.ف.ب)

تحليل إخباري لماذا تنتهي الاحتجاجات ضد «الوحدة» الليبية إلى «لا شيء»؟

شهدت بعض مناطق بغرب ليبيا مظاهرات متكررة بعضها جاء الأسبوع الماضي على خلفية اتهام حكومة «الوحدة» المؤقتة بـ«التطبيع مع إسرائيل».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا إردوغان مستقبلاً الدبيبة بالقصر الرئاسي في أنقرة (الرئاسة التركية)

إردوغان يبحث مستجدات الأزمة الليبية مع رئيس «الوحدة»

أجرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مباحثات مع رئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، تناولت المستجدات في ليبيا، والعلاقات التركية - الليبية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا ليبيون يصطفون انتظاراً للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)

ليبيا تترقب مرحلة ثانية من انتخابات محلية «أكثر تعقيداً»

يرجع متابعون أهمية خاصة لهذه الجولة الانتخابية كونها تستهدف «البلديات الأكبر وذات الأوزان السياسية المهمة وفي طليعتها طرابلس وبنغازي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ماذا حدث بين ساركوزي والقذافي داخل خيمة العقيد في طرابلس عام 2005؟

ساركوزي مستقبِلاً الرئيس الليبي الراحل القذافي في 2007 بباريس (أ.ف.ب)
ساركوزي مستقبِلاً الرئيس الليبي الراحل القذافي في 2007 بباريس (أ.ف.ب)
TT

ماذا حدث بين ساركوزي والقذافي داخل خيمة العقيد في طرابلس عام 2005؟

ساركوزي مستقبِلاً الرئيس الليبي الراحل القذافي في 2007 بباريس (أ.ف.ب)
ساركوزي مستقبِلاً الرئيس الليبي الراحل القذافي في 2007 بباريس (أ.ف.ب)

ماذا حدث تحت خيمة معمّر القذافي في طرابلس عام 2005 عندما زاره نيكولا ساركوزي الذي كان يومئذ وزيراً للداخلية الفرنسية ومرشّحاً للرئاسة؟

خبايا وأسرار هذا اللقاء هي ما حاولت الكشف عنه، مساء الأربعاء، محكمة باريسية تنظر في الاتهامات الموجّهة للرئيس الأسبق بتلقّي تمويل سرّي غير مشروع لحملته الانتخابية من الزعيم الليبي الراحل.

تمويل غير مشروع

في المحاكمة التي انطلقت في السادس من يناير (كانون الثاني) الجاري، والتي يفترض أن تنتهي في العاشر من أبريل (نيسان) المقبل، يحاكم الرئيس الفرنسي الأسبق مع 11 متهماً آخرين، وذلك للاشتباه بضلوعهم في عملية تمويل غير مشروعة لحملة ساركوزي الانتخابية في 2007 من قبل القذافي الذي قُتل عند الإطاحة بنظامه في 2011.

ساركوزي يصافح أحد رجال الأمن قبل دخوله قاعة المحكمة

واتُّهم الرئيس الفرنسي الأسبق بأنه عقد بمساعدة قريبين منه، هما مدير مكتبه آنذاك كلود جيانت، والوزير السابق بريس أورتوفو، اتفاقاً مع القذافي «ينطوي على فساد»، يتعهّد بموجبه الزعيم الليبي الراحل توفير «دعم مالي» لساركوزي لكي يصل إلى قصر الإليزيه. لكنّ الرئيس الأسبق ظل ينفي كلّ الاتهامات الموجّهة إليه، مؤكّداً أنّ القضية برمّتها يقف خلفها بعض الليبيين الراغبين بـ«الانتقام» منه، بسبب دعمه للثورة التي أطاحت بالقذافي في أكتوبر (تشرين الأول) 2011. والأربعاء، مثُل أمام المحكمة شاهد رئيس في هذه القضية، يُدعى جان-لوك سيبيود الذي كان سفيراً لفرنسا في طرابلس بين عامي 2004 و2007، حين زارها ساركوزي. وقد استدعت النيابة العامة سيبيود للإدلاء بشهادته عن تلك الفترة التي يقول إنّها شهدت «عودة ليبيا إلى الأسرة الدولية»، بعد أن رُفع الحظر عنها في 2003.

* «دفعة جديدة» للعلاقات الفرنسية - الليبية

في شهادته أكّد السفير السابق أنّ انتخاب ساركوزي في 2007 رئيساً للبلاد أعطى «دفعة جديدة» للعلاقات الفرنسية - الليبية، من خلال «استكمال الديناميكية» التي بدأتها زيارة سلفه جاك شيراك لليبيا في 2004. وردّاً على سؤال عمّا إذا كان يتذكّر الزيارة التي قام بها إلى ليبيا بين 30 سبتمبر (أيلول) و2 أكتوبر عام 2005، كلود جيانت الذي كان مديراً لمكتب وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، أجاب سيبيود قائلاً: «كلا، لم تترك أثراً عليّ كما فعلت زيارات أخرى، على سبيل المثال تلك التي قام بها نيكولا ساركوزي» في 6 أكتوبر 2005، مضيفاً أنّ السلطات الليبية «كانت تنتظره (ساركوزي) بفارغ الصبر، وقد قيل لي إنّها زيارة مهمّة للغاية بالنسبة لليبيا. لقد كان نيكولا ساركوزي مرشحاً للرئاسة بالفعل. ولا أعلم ما إذا كان قد ترشّح رسمياً أم لا، لكنّهم (الليبيين) كانوا يريدون الترحيب برئيس جمهورية مستقبلي محتمل».

وزير داخلية فرنسا السابق بريس أورتوفو لدى وصوله إلى المحكمة للإدلاء بشهادته (إ.ب.أ)

وأوضح سيبيود أنّ تلك الزيارة «تمّ الإعداد لها بشكل جيّد للغاية على المستوى الرسمي»، بما في ذلك نزهة «في الحدائق، مع الإبل وكل الفولكلور». وعن تفاصيل لقاء وزير الداخلية الفرنسي يومئذ بالزعيم الليبي، قال السفير السابق إنّه «بمجرد وصوله، دخل الوفد بأكمله تحت الخيمة»، وفقاً لـ«التقاليد البدوية»، و«دارت مناقشات عامة إلى حدّ ما لمدة ربع ساعة أو 20 دقيقة... وبعد انتهاء الاجتماع غادر القذافي وساركوزي الخيمة ثم اختفيا». بعد ذلك، سألت القاضية ناتالي غافارينو، الشاهد في هذه القضية: «هل تظنّ أنّهما ابتعدا لفترة طويلة؟»، فأجاب بنبرة حاسمة: «نعم، نصف ساعة أو أكثر بقليل». وبينما كان السفير السابق يدلي بشهادته، كان ساركوزي الذي جلس على بُعد متر واحد منه مكتّف اليدين، يحدّق به ولا يرفع ناظريه عنه. كما استذكر سيبيود أمام المحكمة كيف أنّه مازح يومها المترجم قائلاً: «لا بدّ أنّهما (ساركوزي والقذافي) قالا بعض الأشياء لبعضهما!».

رسم لساركوزي وعدد من المسؤولين الذين خضعوا للمحاكمة في قضية تمويل القذافي لحملة ساركوزي الانتخابية (أ.ف.ب)

وردّاً على سؤال عمّا إذا كان يعتقد أنّ المترجم حضر تلك المحادثة «الخاصة» بين ساركوزي والقذافي، قال السفير السابق إنّ «هذا الأمر لا يغيّر كثيراً». لكنّ القاضية ردّت على جوابه بالقول: «بل إنّه يفعل ذلك؛ لأنّه بحسب النيابة العامّة فإنّ وجود المترجم يعني أنّه كان بإمكان ساركوزي أن يطلب من القذافي تمويلاً».

* جلسة الرئيسين «منفردين»

تابعت القاضية موضحة أن المسألة التي تُطرح هي «معرفة ما إذا كان بوسع ساركوزي والقذافي أن يقضيا بضع دقائق منفردين». فردّ الشاهد قائلاً: «وحدهما؟ يبدو لي هذا الأمر مستبعداً للغاية؛ إذ لا علم لي أنّ رئيس الدولة الليبية كان يتحدّث الإنجليزية أو الفرنسية». وجادلت القاضية الشاهد بأن عرضت عليه شهادات تفيد بأنّ القذافي كان قادراً على التحدّث قليلاً بالإنجليزية، فردّ السفير السابق قائلاً إنّه «غير قادر على تأكيد أو نفي» هذا الأمر. أما ساركوزي الذي لطالما نفى بشدّة أن يكون قد دار بينه وبين القذافي أيّ نقاش بهذا الشأن، فكان جالساً في مقعده يستمع إلى أقوال الشاهد وأعصابه مشدودة. وللحصول على مزيد من التوضيحات، استمعت المحكمة أيضاً إلى أقوال الملحق الأمني في السفارة الفرنسية لدى ليبيا يومذاك، جان-غي بيريه، لكنّ إجاباته أتت أكثر غموضاً من إجابات سيبيود؛ إذ بدا واضحاً عليه أنّه لم يكن سعيداً بإدلائه بشهادته أمام المحكمة، مؤكداً أنّه لم يكن حينها قد قضى في منصبه سوى «عشرة أيام» حين زار ساركوزي ليبيا.

كلود جيانت السكرتير العام السابق لقصر الإليزيه خلال حضوره المحكمة للإدلاء بشهادته (رويترز)

ووصف الملحق الأمني السابق الخيمة الشهيرة بأنّها كانت «مفتوحة على الخارج» من جانب واحد، و«بالكاد كنّا نستطيع سماع ما يقال» بداخلها. وسئل الشاهد عمّا إذا كان قد رأى ساركوزي والقذافي يتحدثان على انفراد، على سبيل المثال، في نهاية الاجتماع أو في الطريق إلى السيارات، فأجاب قائلاً: «كنت خلفهما بمسافة بعيدة». غير أن القاضية سألته مجدداً عمّا إذا كان القذافي وساركوزي قد تمكّنا من إجراء حوار سرّي، فأجاب الشاهد: «يبدو لي ذلك مستبعداً... لا أعرف». وكان ساركوزي قال في 9 يناير الجاري أمام المحكمة: «لن تجدوا أبداً يورو واحداً، ولا حتى سنتاً ليبياً واحداً، في حملتي»، مؤكّداً أّنه ضحية «عشر سنوات من التشهير، و48 ساعة من الاحتجاز، و60 ساعة من الاستجواب».