مالي تندد بـ«استمرار تدخل» الجزائر في شؤونها

اتهمتها بـ«دعم مجموعات إرهابية»

الحاكم العسكري في مالي مستقبِلاً وفداً دبلوماسياً وأمنياً جزائرياً في أبريل 2023 (الخارجية الجزائرية)
الحاكم العسكري في مالي مستقبِلاً وفداً دبلوماسياً وأمنياً جزائرياً في أبريل 2023 (الخارجية الجزائرية)
TT

مالي تندد بـ«استمرار تدخل» الجزائر في شؤونها

الحاكم العسكري في مالي مستقبِلاً وفداً دبلوماسياً وأمنياً جزائرياً في أبريل 2023 (الخارجية الجزائرية)
الحاكم العسكري في مالي مستقبِلاً وفداً دبلوماسياً وأمنياً جزائرياً في أبريل 2023 (الخارجية الجزائرية)

نددت مالي بـ«استمرار تدخل» الجزائر المجاورة في شطرها الشمالي الذي يشهد تمرداً للطوارق، متهمة إياها بدعم «مجموعات إرهابية» في هذه المنطقة. وقالت وزارة الخارجية المالية في بيان إنها «تبلغت عبر الصحافة تصريحات» وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، و«التي علق فيها على الاستراتيجية المالية لمكافحة الإرهاب». وأضافت الوزارة، بحسب تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أنها سبق أن دانت «قرب الجزائر وتواطؤها مع المجموعات الإرهابية التي تزعزع استقرار مالي». ونددت «بشدة بهذا التدخل الجديد للجزائر في الشؤون الداخلية لمالي».

سفير الجزائر لدى الأمم المتحدة (الخارجية الجزائرية)

وذكّرت الخارجية المالية بأن «الخيارات الاستراتيجية لمكافحة المجموعات الإرهابية المسلحة، المدعومة من دول أجنبية، تندرج فقط في إطار سيادة مالي»، وجارتيها بوركينا فاسو والنيجر، والتي شكلت معهما كونفدرالية بعد انسحاب الدول الثلاث من المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا. ودعت مالي الجزائر إلى «الكف عن جعل مالي رافعة لتموضعها الدولي». وكان المجلس العسكري المالي قد أعلن في 25 يناير (كانون الثاني) 2024 «إنهاء» اتفاق السلام الذي وُقع في الجزائر عام 2015 «بمفعول فوري»، والذي اعتبر لوقت طويل عاملاً حيوياً لإرساء الاستقرار في مالي.

الوفد الجزائري خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة (الخارجية الجزائرية)

واعتبر الاتفاق كأنه لم يكن منذ تجدد الأعمال العدائية عام 2023 ضد الدولة المركزية والجيش المالي، من قبل مجموعات انفصالية يهيمن عليها الطوارق، إثر انسحاب بعثة الأمم المتحدة (مينوسما)، بناء على مطالبة المجلس العسكري بعد انتشار استمر عشرة أعوام.

ومنذ ذلك التاريخ تواجه العلاقات بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي احتقاناً حاداً، وعرف التوتر تصعيداً أكبر خلال أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة في نيويورك، حيث تبادل وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، والمتحدث باسم الحكومة المالية العقيد عبد اللاي مايغا، تصريحات في منتهى الحدّة، على خلفية استعانة السلطة العسكرية بمجموعات «فاغنر» الروسية في هجومات لها على مواقع «أزواد» الطرقية المعارضة بالشمال الحدودي، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، والتي تجددت في أغسطس (آب) الماضي، بوقوعها داخل التراب الجزائري، حيث خلفت مقتل 21 مدنياً، بحسب المعارضة التي تطالب باستقلال الشمال.

العقيد عبد اللاي مايغا المتحدث باسم الحكومة المالية (متداول)

وانتقد وزير الدولة المتحدث باسم الحكومة المالية، عبد اللاي مايغا، المسؤولين الجزائريين بشدة، خلال تدخله في الجمعية العامة. واستهدف بشكل مركّز وزير الخارجية عطاف وسفير الجزائر لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع، وقال إن بلدهما «يؤوي إرهابيين»، في إشارة إلى المعارضين. ولاحظ المسؤول المالي أن بلاده «تتعرض لتدخل خطير في شؤونها الداخلية، فمنذ انتهاء العمل باتفاق الجزائر في 25 يناير 2024، لا تعبر مالي إلا عن أمنية واحدة، وهي أن ترتاح روحه في سلام».

وخاطب مايغا عطاف مباشرة: «أيها الوزير، الاتفاق قد مات بالفعل. تعويذاتكم لن تعيد له الحياة. لكل رصاصة تُطلق ضدنا، سنرد بالمثل، ولكل كلمة تُستخدم بشكل غير لائق، سنرد بالمثل. أما الممثلون الدائمون الجزائريون، فبجانب تقديم المأوى والطعام، بالتأكيد مع أطباق لذيذة، للإرهابيين والمارقين، فإن دورهم كرسول مضطرب لا يسهم في تعزيز علاقات الجوار الطيبة».



«البتكوين» في مصر... تداول غير رسمي وملاحقات «أمنية ودينية»

التمثيلات المادية للعملة المشفّرة البتكوين (رويترز)
التمثيلات المادية للعملة المشفّرة البتكوين (رويترز)
TT

«البتكوين» في مصر... تداول غير رسمي وملاحقات «أمنية ودينية»

التمثيلات المادية للعملة المشفّرة البتكوين (رويترز)
التمثيلات المادية للعملة المشفّرة البتكوين (رويترز)

تطفو تحذيرات في مصر بين فترة وأخرى من تداول العملات الرقمية المشفرة «البتكوين»، المجرّمة قانوناً، آخرها لمسؤول بدار الإفتاء المصرية حذر من التعامل بها باعتبارها «تفتقر الشرعية والحماية القانونية التي توفرها البنوك المركزية للعملات الرسمية».

و«البتكوين» عملة إلكترونية مشفرة يتم استبدالها بالعملات الرسمية كالدولار واليورو، ويتم التعامل بها عبر شبكة الإنترنت من خلال محفظة مالية تخص المتعامل بها، وتكون له السيطرة الكاملة عليها عن طريق اسم مستخدم ورقم سرى خاص.

ويبلغ سعر عملة «البتكوين» الواحدة (الاثنين) 101 ألف دولار، ويمكن التداول على أجزاء منها، إذ تضم العملة الواحدة نحو 100 مليون «ساتوشي» (الوحدة الأصغر في البتكوين)، وفق مواقع مالية عالمية.

ولا توجد إحصائية بحجم سوق تداول «البتكوين» في مصر، لكن مؤشرات عدة تعكس وجود هذه السوق، واتساعها، من بينها حملات أمنية أوقفت على مدار السنوات الماضية، عشرات المتهمين بالاتجار بها أو تعدينها، وهي عملية تكنولوجية يتم بموجبها توليد هذه العملات، وتحتاج إلى مصادر ضخمة من الطاقة.

وتمكنت الأجهزة الأمنية المصرية خلال عام 2021 فقط من ضبط 6 تشكيلات ترتبط بالعملات الرقمية، بين تداول ووساطة في التداول وتعدين، موجودة في القاهرة وعدة محافظات أخرى، وفق بيانات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية.

وفي مارس (آذار) من عام 2023، ضبطت القوات الأمنية شبكة نصبت على عشرات من المصريين، عبر تطبيق يدعى «هوج بول»، بعد الاستيلاء على 19 مليون جنيه (بلغ سعر الدولار الرسمي وقتها نحو 31 جنيهاً) بدعوى استثمار أموالهم في العملات الرقمية.

وعقب إسقاط الشبكة أصدر البنك المركزي المصري تحذيره من التداول فيها، قائلاً في بيان إنه «يهيب بالسادة المواطنين عدم الانصياع لمثل هذه الدعوات الاحتيالية والأنشطة المجرمة قانوناً وفقاً لقانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020».

ويؤكد المحلل المالي المصري هشام حمدي أنه «لا يمكن تتبع حجم هذه السوق غير الشرعية، لكنها موجودة بالفعل»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أنها «تجتذب أشخاصاً جدداً في ظل قدرة البعض على تحقيق مكاسب كبيرة وسريعة»، كما أنه «يظل سوقاً دون رقابة مباشرة، فلا أحد يسأل من أين لك هذا؟».

«مراد محروس» (اسم مستعار)، واحد ممن يتداولون في هذه السوق بمصر، يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «يتابع هذه العملات منذ ظهرت لأول مرة، وكان يتم التداول بها في أعمال مشبوهة مثل المخدرات والسلاح، وأنه لم يتجرأ على شرائها سوى في عام 2019، حين تحسنت سمعتها».

وبدأت إحدى بورصات شيكاغو الأميركية التداول لأول مرة بعملة «البتكوين» في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2017. وفي عام 2019 اعترفت دولة سلفادور بالعملة المشفرة، كعملة قانونية فيها، إلى جوار الدولار.

وشهدت سوق العملات المشفرة انتعاشة بفوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب بولاية ثانية، إذ كان قد أعلن نيته خلال ترشحه رعاية تعدينها في الولايات المتحدة وإنشاء مخزون استراتيجي منها.

اشترى «محروس» لأول مرة عملة رقمية شقيقة لـ«البتكوين»، تسمى «إيثر يوم» بـ400 دولار، ويحتفظ بعملاته على أمل أن يقفز سعرها ويحقق ثراءً، وهو من أسرة متوسطة، أربعيني، لديه عائلة مكونة من 4 أفراد.

لا يستطيع «محروس»، الذي يضارب في البورصة أيضاً بمبالغ محدودة، ويحقق أحياناً مكاسب، أن يُقدّر حجم سوق العملات الرقمية في مصر، لكنه يؤكد بحكم تعاملاته أنها ليست محدودة، يقول: «أي وقت تريد أن تبيع أو تشتري ستتمكن من ذلك، وبأي مبلغ»، وذلك عبر عدة مواقع موثوقة بالنسبة له.

ولا يخلو استثمار «محروس» في العملات الرقمية من المخاطرة، سواء بخسارة أمواله «فهي سوق مثل أي سوق ترتفع قيمة العملة فيها وتنخفض»، فضلاً عن مخاطر أمنية تتعلق بتجريم عملية الشراء والبيع، لكنه قال: «ما أقوم بالبيع والشراء فيه مبالغ تافهة، أقل من أن تلفت انتباه أحد».

ويقول الخبير الاقتصادي رشاد عبده لـ«الشرق الأوسط» إن «البتكوين وغيرها تمثل مخاطر على الاقتصاد، إذ يتم شراؤها بالعملة الأجنبية، في حين تعاني مصر بالأساس أزمة في توفرها، كما أنها لا توجد رقابة عليها، ومن ثم يسهل توظيفها في عمليات غسيل أموال وتجارات غير مشروعة».

ويرجع عبده جزءاً من عجز الدولة عن السيطرة على هذه السوق، رغم توالي التحذيرات منها، إلى «فقدان الثقة بين الحكومة والشارع».

* محاذير شرعية

يرجع أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، الدكتور علي فخر، تحذيره من التعامل مع «البتكوين»، إلى أنه «لا يمكن وصف شيء بأنه عملة إلا إذا كان صادراً عن بنك مركزي لدولة تعترف بها، حيث يُعطى لها الشرعية والحماية من قبل البنك المركزي، لكن (البتكوين) لم تحصل على هذه الشرعية حتى الآن، ولا تزال تفتقر إلى الحماية القانونية التي توفرها البنوك المركزية للعملات الرسمية».

وزاد في التنفير منها عند رده على سؤال عن شرعيتها، عبر برنامج على «قناة الناس»، الأحد، بالحديث عن مشاكلها قائلاً «إحدى المشكلات هي أنه لا يمكننا تحديد قيمتها بدقة، ولا نعلم كيف نبيعها أو نشتريها. كما أنه لا توجد جهة مسؤولة عن إصدارها أو تحديد قيمتها، مما يثير العديد من التساؤلات حول مشروعيتها».

وسبق وحرّم مفتي مصر الأسبق الدكتور علي جمعة «البتكوين»، وقال في فتوى له نشرت عام 2018 إنه «لا يجوز شرعاً تداول عملة (البتكوين) والتعامل من خلالها بالبيعِ والشراءِ والإجارةِ وغيرها، بل يُمنع الاشتراكِ فيها؛ لعدمِ اعتبارِها كوسيطٍ مقبولٍ للتبادلِ من الجهاتِ المخُتصَّةِ، ولِمَا تشتمل عليه من الضررِ الناشئ عن الغررِ والجهالةِ والغشِّ في مَصْرِفها ومِعْيارها وقِيمتها، فضلاً عما تؤدي إليه ممارستُها من مخاطرَ عاليةٍ على الأفراد والدول».