ليبيا: عودة الاحتقان إلى تاورغاء بعد 6 أعوام من «المصالحة» مع مصراتة

«الوحدة» قررت ضمهما إدارياً وسط احتجاجات واستياء شعبي

رئيس حكومة «الوحدة» خلال زيارة سابقة إلى تاورغاء وبجواره عميد البلدية عبد الرحمن الشكشاك (الوحدة)
رئيس حكومة «الوحدة» خلال زيارة سابقة إلى تاورغاء وبجواره عميد البلدية عبد الرحمن الشكشاك (الوحدة)
TT

ليبيا: عودة الاحتقان إلى تاورغاء بعد 6 أعوام من «المصالحة» مع مصراتة

رئيس حكومة «الوحدة» خلال زيارة سابقة إلى تاورغاء وبجواره عميد البلدية عبد الرحمن الشكشاك (الوحدة)
رئيس حكومة «الوحدة» خلال زيارة سابقة إلى تاورغاء وبجواره عميد البلدية عبد الرحمن الشكشاك (الوحدة)

عاد الاحتقان إلى مدينة تاورغاء، الواقعة شمال غربي ليبيا، إثر قرار أصدره رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، بضمّها بوصفها فرعاً بلدياً إلى جارتها مصراتة، وذلك بعد ستة أعوام من اتفاق المصالحة بين المدينتين، الذي أنهى سنوات من الصراع والتهجير الذي طال أهالي تاورغاء.

ومنذ نشر قرار الدبيبة عبر وسائل إعلام ليبية منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شهدت صفحات التواصل الاجتماعي في ليبيا تصاعداً في موجة الاستياء الشعبي، تصدرتها تصريحات غاضبة من جانب النائب البرلماني عن مدينة تاورغاء، جاب الله الشيباني، الذي شنّ انتقادات لاذعة ضد الدبيبة.

الدبيبة في زيارة سابقة لإحدى مدارس مدينة تاورغاء (حكومة الوحدة)

وترافق هذا الاحتقان الشعبي مع دعوات لوقفات احتجاجية جديدة، بعدما نظم عدد من مواطني المدينة وقفة سابقة للتنديد بقرار الحكومة. كما قدّم الشيباني مذكرة لبعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا ترفض قرار رئيس حكومة الوحدة، بحسب تصريحه لـ«الشرق الأوسط».

وسبق أن أنهى اتفاق مصالحة تاريخي بين مصراتة وتاورغاء، برعاية دولية منتصف 2018، العداء بين المدينتين استمر لنحو ثماني سنوات، وسمح لسكان تاورغاء النازحين بالعودة إلى مدينتهم، الواقعة 240 كيلومتراً شرق طرابلس، فيما تعهدت حكومة «الوفاق» السابقة بإعادة إعمارها، ودفع تعويضات للمتضررين.

لكن الاحتقان عاد مجدداً، حسب متابعين، بعد قرار الدبيبة، الذي نصّ على ضم تاورغاء، إلى جانب 13 مدينة، أخرى بوصفها فروعاً بلدية تابعة لبلدية مصراتة.

وإلى جانب اللجوء إلى القضاء لإبطال قرار الحكومة، سلّم أعيان من تاورغاء مذكرة إلى النائب العام الليبي، المستشار الصديق الصور، الذي تعهد بدوره بمتابعة الموضوع، وفق النائب جاب الله الشيباني.

أعيان تاورغاء سلموا مذكرة إلى النائب العام الصديق الصور لإبطال قرار الحكومة (مكتب النائب العام)

أما المجلس المحلي لتاورغاء فقد نقل عن المكونات الاجتماعية، وأهالي وأعيان ومنظمات المجتمع المدني، رفضهم قرار ضمها بوصفها فرعاً بلدياً لبلدية مصراتة، وعزمهم اللجوء إلى المنظمات الحقوقية المحلية والدولية.

ويستند سكان تاورغاء في رفض هذا القرار إلى «حقهم في الاستقلالية الانتخابية والإدارية عن بلدية مصراتة»، وذلك وفق قرار صدر العام الماضي عن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، بحسب تصريح عبد النبي أبو عرابة، عضو لجنة المصالحة بين تاورغاء ومصراتة لـ«الشرق الأوسط».

ولم يدل أهالي تاورغاء بأصواتهم في الانتخابات البلدية الأخيرة، التي عقدت في 16 نوفمبر الماضي، سواء بوصفها بلدية مستقلة أو فرعاً بلدياً، وهو ما قد «يصادر حقهم في تمثيل صوتهم عبر المجالس المحلية لمدة 4 سنوات مقبلة»، حسب أبو عرابة، الذي لا يرى بديلاً عن «جسم إداري مستقل في تاورغاء يتحمل مسؤولية متابعة إعمار المدينة، وتعويض أهلها، والإشراف على عودة النازحين من المدينة طوعاً وعلى نحو سلمي وآمن»، في إشارة إلى ضرورة وجود مجلس بلدي مستقبلا للمدينة.

أهالي تاورغاء لم يدلوا بأصواتهم في الانتخابات البلدية الأخيرة (أ.ب)

في المقابل، التزمت حكومة «الوحدة» الصمت حيال الأصوات الرافضة لقرار الضم، فيما اكتفى بيان حكومي، منتصف الأسبوع الحالي، بالحديث عن اجتماع ترأسه وكيل وزارة الحكم المحلي، مصطفى أحمد سالم، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس لجنة متابعة تنفيذ الاتفاق المبرم بين تاورغاء ومصراتة، وتناول «آخر المستجدات المتعلقة بتنفيذ الاتفاق»، دون الإشارة إلى قرار ضم البلديتين.

أما المجلس البلدي لمصراتة، فقد سبق أن بارك قرار الدبيبة، ووضعه موضع التنفيذ، وذلك عقب اجتماع عميد مصراتة، محمود السقوطري، مع مسؤولين وأعيان من تاورغاء برئاسة رئيس المجلس المحلي لتاورغاء عبد الرحمن الشكشاك.

لكن الشيباني تمسك في حديثه لـ«الشرق الأوسط» برفضه لهذا القرار، وقال إن «الاحتجاجات الشعبية مستمرة»، ووصف قرار ضم تاورغاء إلى مصراتة بـ«غير الحكيم، ولا يخدم المصالحة الوطنية»، نافياً «حدوث أي تواصل مع حكومة عبد الحميد الدبيبة للتفاوض بشأن هذا القرار».

في السياق نفسه، هناك من يرى أن الاحتقان في تاورغاء «له ما يبرره، خصوصاً في ظل شكاوى تتعلق بالإقصاء الذي مارسته الحكومات المتعاقبة على البلاد منذ عام 2011، ويدفع ثمنه سكان المدينة»، ومن بين أنصار هذا الفريق سالم أعتيقة، عضو المجلس الاجتماعي لقبائل المنطقة الغربية في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

في غضون ذلك، يذهب فريق من السياسيين والمحللين إلى استبعاد تراجع حكومة «الوحدة» عن هذا القرار لاعتبارات سياسية واقتصادية، حيث يرى عضو المجلس الأعلى للدولة منسق «تجمع نواب مصراتة»، أبو القاسم قزيط، أن «سوابق العناد من قبل حكومة الوحدة تصعّب فرص التراجع».

وأشار قزيط في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى ما عدها «أسباباً تاريخية وخدمية ولوجيستية تجعل من ضم تاورغاء إلى مصراتة أمراً منطقياً»، لكنه انتقد في المقابل توقيت وأسلوب القرار، على أساس أن «الخطوات المصيرية تبنى على إرادة الناس، ولا تكون على حساب حالة التعايش والسلم بين المدينتين».

لكن قد يكون أيضاً الدافع الاقتصادي محركاً وراء عدم إلغاء الدبيبة قراره، وفق المحلل السياسي، أيوب الأوجلي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «قرار الضم يرتبط بعلاقة مباشرة مع مشروع توسيع المنطقة الحرة بمصراتة، ومحاولة حكومة الدبيبة توسيع رقعة السيطرة على مصراتة، بضم تاورغاء ومدن أخرى بعيدة».


مقالات ذات صلة

«الدولية للهجرة» مصدومة لاكتشاف «مقابر جماعية» في ليبيا

شمال افريقيا صورة وزعتها سفارة روسيا لحملة موظفيها لتنظيف شواطئ طرابلس

«الدولية للهجرة» مصدومة لاكتشاف «مقابر جماعية» في ليبيا

قالت المنظمة الدولية للهجرة إن بعض جثث المهاجرين، التي تم العثور عليها بـ«مقبرتين جماعيتين» في ليبيا، تحمل آثار إصابات بطلقات نارية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا الحداد ونائب قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) (رئاسة أركان قوات الوحدة)

جولة مكوكية لقيادة «أفريكوم» بين أفرقاء ليبيا تخلف تساؤلات بشأن هدفها

أدرج محللون عسكريون زيارة وفد أميركي إلى ليبيا ضمن التنسيق مع قوات «الجيش الوطني» في مكافحة الإرهاب بالإضافة إلى بحث قضايا كثيرة من بينها تصاعد النفوذ الروسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صورة وزعتها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا للاجتماع الأول للجنة الاستشارية بطرابلس

البعثة الأممية تطالب اللجنة الاستشارية بـ«مقترحات عملية» لحل الأزمة الليبية

لم تحدد خوري، القائمة بأعمال البعثة الأممية، مدة زمنية لعمل اللجنة الاستشارية، لكنها أوضحت أنها تتطلع إلى العمل معها بشكل وثيق خلال الأسابيع المقبلة.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا قبيل ترحيل مهاجرين غير نظاميين من بنغازي إلى المنطقة الغربية ثم إلى بلدهم (جهاز مكافحة الهجرة)

«حفر الموت» في ليبيا... شواهد جديدة على «تصفية المهاجرين»

يستيقظ الليبيون على مدار 3 أيام متتالية على أنباء الكشف عن «حفر جديدة للموت»، تُستخرج منها جثث لعشرات المهاجرين الذين «تمت تصفيتهم» على ما يبدو، بدماء باردة.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من زيارة الوفد العسكري الأميركي إلى ليبيا (السفارة الأميركية)

«الوحدة» توجه بالتحقيق في تقرير أممي حول «انتهاكات جسيمة بسجون ليبيا»

كلفت حكومة الوحدة «المؤقتة» في ليبيا، وكيل وزارة العدل، علي الشتيوي، بالتحقيق بما ورد في تقرير فريق الخبراء المعني بليبيا.

خالد محمود (القاهرة )

مصر تستعين بـ«الذكاء الاصطناعي» للتغلب على «الشح المائي»

مصر تعتمد بشكل رئيسي على مياه النيل في تلبية احتياجاتها (أرشيفية - مجلس الوزراء المصري)
مصر تعتمد بشكل رئيسي على مياه النيل في تلبية احتياجاتها (أرشيفية - مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر تستعين بـ«الذكاء الاصطناعي» للتغلب على «الشح المائي»

مصر تعتمد بشكل رئيسي على مياه النيل في تلبية احتياجاتها (أرشيفية - مجلس الوزراء المصري)
مصر تعتمد بشكل رئيسي على مياه النيل في تلبية احتياجاتها (أرشيفية - مجلس الوزراء المصري)

تعمد مصر إلى الاستعانة بتطبيقات «الذكاء الاصطناعي» من أجل تحسين عملية إدارة المنظومة المائية وتطوير منظومة توزيع المياه، في ظل شكاواها المستمرة من «شح» في مواردها المائية، مقابل زيادة سكانية متنامية.

وأكد وزير الموارد المائية والري الدكتور هاني سويلم، خلال متابعته، الاثنين، موقف مشروع «التقييم المتكامل لتحديث نظم الري والصرف وتطويرها A4I»، ضمن أنشطة برنامج البحوث التطبيقية بين مصر وهولندا (JCAR)، «أهمية الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تحسين عملية إدارة وتوزيع المياه، بوصفه إحدى أدوات الجيل الثاني لمنظومة الري 2.0».

سويلم يتابع مشروع التقييم المتكامل لتحديث نظم الري والصرف وتطويرها (وزارة الموارد المائية)

وتقدّر مصر احتياجاتها المائية بـ114 مليار متر مكعب سنوياً، بينما لا تتجاوز مواردها 60 مليار متر مكعب سنوياً، بحسب الحكومة المصرية، التي تعمل على سد جزء من هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام 21 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، بالإضافة إلى استيراد محاصيل من الخارج بما يقابل نحو 33.50 مليار متر مكعب سنوياً (وهو ما يعرف بالمياه الافتراضية).

ويقابل ثبات موارد مصر المائية، زيادة سكانية متواصلة تقدر بنحو مليونَي نسمة سنوياً، ما «يمثل ضغطاً على الموارد المائية المحدودة لتحقيق الأمن الغذائي»؛ وهو ما دفع الدولة المصرية إلى التحول إلى «الجيل الثاني لمنظومة الري 2.0»، وفق وزارة الموارد المائية.

وأشار سويلم إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل قدر كبير من المدخلات والعناصر المختلفة التي يصعب تحليلها بالطرق التقليدية في ظل وجود الكثير من العناصر التي تؤثر على المنظومة المائية.

وأكد توجه الوزارة للاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في إدارة المياه من خلال أحدث النماذج الرياضية وصور الأقمار الاصطناعية والتصوير الجوي والرقمنة، وتقييم الوضع الحالي لمنظومة الموارد المائية من حيث التصرفات ونوعية المياه، وتقييم تأثير التدابير والاستراتيجيات المستقبلية على إدارة المياه وتوزيعها.

وأضاف سويلم أن الوزارة بذلت مجهودات كبيرة مؤخراً في مجال تطوير عملية توزيع المياه من خلال تطوير قواعد البيانات والعمل على صيانة بوابات أفمام الترع، واستخدام النماذج الرياضية في إدارة المياه، وإنتاج خرائط التركيب المحصولي باستخدام تقنية الاستشعار عن بعد، وتحديث معادلات حساب التصرفات المائية.

وخلال الاجتماع، جرى استعراض الأنشطة المنفذة خلال الفترة الماضية، التي تضمنت جمع البيانات الكمية والنوعية في عدد من المواقع التجريبية، وتنفيذ تجارب ميدانية لمقارنة نظم الري التقليدية والحديثة في ثلاثة مواقع مختلفة؛ لتقييم تأثير هذه النظم على ترشيد المياه والملوحة والإنتاجية الزراعية، واستخدام عدد من النماذج الرياضية لتقييم تأثير نظم الري الحديثة على المنظومة المائية وكميات مياه الصرف الزراعي ومناسيب المياه الجوفية السطحية.

ويبلغ نصيب الفرد من موارد المياه المتجددة في مصر نحو 500م3 سنوياً، بنسبة عجز تُقدَّر بـ50 في المائة من خط الفقر المائي العالمي، وفق بيانات رسمية.

وتكمن الحلول في مزيد من استخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة والري، واستنباط أصناف زراعية جديدة موفرة للمياه مع إنتاجية عالية وعائد مالي أكبر، وترشيد استخدام المياه الجوفية، ومزيد من حسن إدارة استخدام المياه في الزراعة والصناعة، كما يشير الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة.

ويوضح شراقي، في تدوينة له على صفحته بـ«فيسبوك»، أن طرق الري الحديثة واستخدام الذكاء الاصطناعي يساعدان في «زيادة كفاءة استخدام المياه المتاحة وتقليل الفواقد المائية المهدرة».

وينادي شراقي بضرورة تنفيذ بعض المشروعات المائية في دولتي السودان وجنوب السودان لزيادة إيراد مياه النيل الواصلة إلى مصر.

وتقدَّر حصة مصر في مياه نهر النيل بـ55.5 مليار متر مكعب، تعتمد عليها بنحو 97 في المائة في استخدامات الشرب والزراعة. في حين تتحسب لنقص محتمل في تلك الحصة؛ بسبب «سد النهضة»، الذي تقيمه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، منذ عام 2011، وقاربت على الانتهاء منه.