ليبيا: مشروعان لـ«المصالحة الوطنية»... لا يتصالحان

المبشّر يدعو لإدارة الملف من قبل «محايدين» بعيداً عن «المنافع السياسية»

من ملتقى «المسار الاجتماعي الأول للمصالحة الوطنية» الذي نظمه «المجلس الرئاسي» في 2022 (أرشيفية - المجلس الرئاسي)
من ملتقى «المسار الاجتماعي الأول للمصالحة الوطنية» الذي نظمه «المجلس الرئاسي» في 2022 (أرشيفية - المجلس الرئاسي)
TT

ليبيا: مشروعان لـ«المصالحة الوطنية»... لا يتصالحان

من ملتقى «المسار الاجتماعي الأول للمصالحة الوطنية» الذي نظمه «المجلس الرئاسي» في 2022 (أرشيفية - المجلس الرئاسي)
من ملتقى «المسار الاجتماعي الأول للمصالحة الوطنية» الذي نظمه «المجلس الرئاسي» في 2022 (أرشيفية - المجلس الرئاسي)

قانونان لـ«المصالحة الوطنية» في ليبيا، الأول يُعده مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، وعلى وشك إصداره، والثاني دفع به «المجلس الرئاسي» بقيادة محمد المنفي، إلى البرلمان من فبراير (شباط) الماضي، وينتظر الموافقة عليه.

والطرفان الداعيان للمصالحة تقطّعت بينهما السبل، ودخلا في مشاحنات على خلفيات تتعلق بالسلطة والصراع على «الصلاحيات القانونية»، وراهناً يتسابقان على إدارة ملف المصالحة.

وفيما بات يمكن أن يطلق عليه وجود كتلة من «المتخاصمين الكبار» في ليبيا، يرى متابعون أن الأمر أضحى يتطلب «مصارحة قبل المصالحة بين الساسة».

جانب من ملتقى «المسار الاجتماعي الأول للمصالحة الوطنية» (أرشيفية - المجلس الرئاسي)

ومنذ رحيل نظام الرئيس معمر القذافي عام 2011، شهدت ليبيا اشتباكات وخلافات مناطقية، بعضها يرتبط بتصفية حسابات مع النظام السابق، والبعض الآخر كرّسه الانقسام السياسي الذي عرفته ليبيا بداية من عام 2014.

وعقب تسلّم «المجلس الرئاسي» السلطة، أطلق في يونيو (حزيران) 2022، ما يسمى «الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية»، بقصد إنهاء الخلافات والعداوات المتراكمة منذ رحيل القذافي.

وفي هذا الشأن، يقول محمد المبشر، رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة»: «من الجيد أن تدعو تلك الأطراف، إلى المصالحة؛ لكن من غير الممكن أن يُعهد لأحد منها قيادة هذا الملف... المصالحة بحاجة إلى هيئة مستقلة تحظى بثقة الجميع، وتستطيع الانطلاق بعيداً عن أي استقطاب سياسي».

من ملتقى «المصالحة الوطنية» الذي نظمه مجلس النواب (مجلس النواب)

ويقول مجلس النواب بشرق ليبيا، إنه يعمل منذ أشهر على ملف المصالحة. وخلال لقائه بعدد من مشايخ وأعيان وحكماء بالمنطقة الغربية في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال صالح إن مجلسه «سيصدر في الأيام المقبلة قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية».

وخلال العامين الماضيين، احتضنت أكثر من مدينة ليبية اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة، التي رعاها «المجلس الرئاسي». وظلت المساعي تُبذل على أمل عقد «مؤتمر وطني جامع للمصالحة»، بمدينة سرت في 28 أبريل (نيسان) الماضي، لكنها تعثرت بعد تصاعد الأزمات.

وكانت أطياف ليبية كثيرة شاركت في الاجتماعات التحضيرية لـ«المصالحة الوطنية»، من بينها الفريق الممثل لسيف الإسلام معمر القذافي، قبل أن تنسحب تباعاً لأسباب من بينها عدم الإفراج عن بعض رموز النظام السابق من السجن، والدفاع عن «نسبة مشاركتهم» في الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر.

غير أن المبشر، يعتقد في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشكلة اليوم تكمن في أن كل من يملك سلطة في ليبيا هو في الوقت ذاته طرف سياسي، ما يجعل من الصعب ضمان حيادية أو نزاهة عملية المصالحة».

لذا يقول: «يجب أن نعي أن المصالحة ليست مجرد دعوة للسلام؛ بل هي عملية معقدة تتطلب قيادات محايدة قادرة على تيسير حوار بناء وعادل بين مختلف الأطراف بعيداً عن المنافع السياسية».

جانب آخر من ملتقى «المصالحة الوطنية» في 16 نوفمبر (مجلس النواب)

ويتحدث صالح عن القانون الذي يقول إن مجلسه «على وشك إصداره»، وبينما يشير إلى أنه «صيغ تحت مبادئ العدالة النزيهة وإحقاق الحق وجبر الضرر بتعويض المتضررين وإتمام المصالحة العرفية الاجتماعية والقانونية»، نوّه بأن تطبيقه «سيُنهي كثيراً من القضايا العالقة، ويجمع أبناء الوطن على كلمة واحدة».

رغم ذلك، يواصل «المجلس الرئاسي» العمل على استئناف عمل اللجنة التحضيرية لمؤتمر «المصالحة الوطنية» الذي يرعاه، داعياً مجلس النواب إلى الإسراع في إقرار مشروع قانون المصالحة المحال إلى البرلمان منذ فبراير الماضي «دون إجراء أي تعديلات، في جلسة شفافة صحيحة الانعقاد».

مع ذلك، يقول مجلس النواب إنه يمضي في طريق إنجاز المصالحة المعطلة، وذلك بعدما أطلق في 16 نوفمبر الماضي، «ملتقى المصالحة الوطنية» الذي نظمته لجنة «العدل والمصالحة الوطنية» بالمجلس تحت عنوان «المصالحة مسؤولية اجتماعية تاريخية».

وسبق أن انسحب ممثلو القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي من المشاركة في ملف المصالحة، رداً على سحب رئيس «المجلس الرئاسي» قرار ضم «قتلى وجرحى» قوات الجيش إلى «هيئة الشهداء».

سيف الإسلام القذافي (أ.ب)

وبشأن هؤلاء «المتخاصمين الكبار»، يرى سياسي ليبي أنه أولى بهم إنهاء ما بينهم من خصومة وصراع على السلطة، قبل البدء في إدارة هذه العملية، وقال لـ«الشرق الأوسط» رافضاً ذكر اسمه، إن «ساسة ليبيا جميعهم في حاجة إلى مصارحة قبل المصالحة، الأمر لا يتوقف على المنفي وصالح فقط؛ لدينا المشري وتكالة، وحفتر والدبيبة، وآخرون»، في إِشارة إلى خالد المشري ومحمد تكالة المتصارعين على رئاسة «المجلس الأعلى» للدولة، بالإضافة إلى المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة».

ويأتي هذا التناحر بين الأطراف الليبية بينما يسعى الاتحاد الأفريقي إلى إحداث اختراق في مسار «المصالحة الوطنية» المتعثر. وسبق أن لعب الاتحاد دوراً ملحوظاً مع «المجلس الرئاسي» لجهة تحريك هذا المسار من خلال المساعي التي بُذلت، بداية من اجتماعات شهدتها المدن الليبية، وصولاً إلى عقد لقاءات بالكونغو برازافيل، قبل أن تتجمد هذه الجهود لأسباب كثيرة.

اجتماع «المجلس الرئاسي» ووفد الاتحاد الأفريقي في طرابلس (المجلس الرئاسي)

وفي 13 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ترأس وفد الاتحاد، الذي زار طرابلس، الرئيس الحالي للاتحاد؛ الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، وضم رئيس مفوضية الاتحاد موسى فكي، وممثل رئيس الكونغو برازافيل، رئيس لجنة الاتحاد رفيعة المستوى المعنية بليبيا، وزير الخارجية جان كلود جاكوسو.

وفي ظل العثرات التي تواجه ملف المصالحة، يقول المبشّر إن «الطريق نحو السلم والاستقرار في ليبيا محفوف بتحديات؛ لكن الإرادة السياسية الصادقة والقدرة على التنفيذ يمكن أن تصنعا الفارق»، مذكراً بأنه «منذ عام 2011، مرَّ ملف المصالحة في ليبيا بمراحل عدة شهدت خلالها محاولات كثيرة للبحث عن حلول؛ لكنها كانت دائماً محاطة بالتحديات».

من جانبه، يقول الدكتور عقيلة دلهوم، رئيس «اللجنة الحقوقية والإعلامية لهانيبال القذافي»، في حوار لقناة «الجماهيرية العظمى»، إن المُصالحةُ التي يدعو إليها من سماهم «المغامرين، نحن قد وضعنا أُسسها منذ سنوات مضت، ولن نَقبل بأيّ تسوية خارج هذه الأُسس، حتى لو انشقَّت الأرض من تحتِ أقدامنا».


مقالات ذات صلة

ليبيون يتساءلون عن أهداف زيارة رئيس «النواب» إلى إيطاليا

شمال افريقيا رئيس مجلس النواب الإيطالي لورينزو فونتانا مستقبلاً عقيلة صالح (مكتب صالح)

ليبيون يتساءلون عن أهداف زيارة رئيس «النواب» إلى إيطاليا

انشغلت الأوساط السياسية في ليبيا بالزيارة الأخيرة التي أجراها رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، إلى العاصمة الإيطالية، الأسبوع الماضي.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في لقاء سابق مع رئيس «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة (الوحدة)

«الرئاسي» الليبي يتحدى «النواب» بشأن «مفوضية الاستفتاء»

أعلن المجلس الرئاسي الليبي، الأربعاء، اعتزامه «تفعيل عمل (المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني) رغم اعتراضات مجلس النواب».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا رئيس حكومة «الوحدة» خلال زيارة سابقة إلى تاورغاء وبجواره عميد البلدية عبد الرحمن الشكشاك (الوحدة)

ليبيا: عودة الاحتقان إلى تاورغاء بعد 6 أعوام من «المصالحة» مع مصراتة

وسط دعوات لوقفات احتجاجية يرفض سكان مدينة تاورغاء قراراً أصدره رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة بضمها بوصفها فرعاً بلدياً إلى جارتها مصراتة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صورة وزعها مجلس النواب لاجتماع رئيسه صالح مع خوري في القبة

ترقب ليبي بعد إعلان صالح وخوري اتفاقهما على تشكيل «حكومة موحدة»

في ظل الصراع على السلطة في ليبيا، أعلن صالح، رئيس مجلس النواب، اتفاقه مع المبعوثة الأممية بالإنابة على تشكيل حكومة «موحدة»، دون توضيح آلية تشكيل هذه الحكومة.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا بلقاسم حفتر مستقبِلاً المبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا ستيفاني خوري (صندوق التنمية والإعمار)

خوري تناقش مع بلقاسم حفتر سبل ضمان التنمية العادلة لـ«جميع الليبيين»

قالت المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني خوري، إنها عقدت اجتماعاً مع مدير «صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا»، ناقشا فيه ضمان التنمية العادلة لجميع مناطق البلاد.

خالد محمود (القاهرة)

رئيس جنوب أفريقيا إلى الجزائر لـ«الارتقاء» بالعلاقات الثنائية

وزير خارجية الجزائر مستقبلاً سفير جنوب أفريقيا لدى الجزائر (الخارجية)
وزير خارجية الجزائر مستقبلاً سفير جنوب أفريقيا لدى الجزائر (الخارجية)
TT

رئيس جنوب أفريقيا إلى الجزائر لـ«الارتقاء» بالعلاقات الثنائية

وزير خارجية الجزائر مستقبلاً سفير جنوب أفريقيا لدى الجزائر (الخارجية)
وزير خارجية الجزائر مستقبلاً سفير جنوب أفريقيا لدى الجزائر (الخارجية)

يزور رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا الجزائر، الخميس، حيث سيلقي في اليوم نفسه خطابا أمام نواب غرفتي البرلمان، حسبما أعلنته الرئاسة الجزائرية، الثلاثاء. كما سيقود مناصفة مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أشغال «منتدى الأعمال الجزائري - جنوب أفريقي»، وهو إطار للتعاون التجاري، سبق أن بحث في اجتماعات له الشراكة والاستثمار في قطاعات محددة، مثل الزراعة والطاقة والصناعات الثقيلة والتكنولوجيا.

الرئيس الجزائري سيقود مع الرئيس رامافوزا أشغال «منتدى الأعمال الجزائري - جنوب أفريقي» (الرئاسة)

وأفاد موقع رئاسة جنوب أفريقيا بأن زيارة رامافوزا «فرصة لإجراء تقييم شامل للعلاقات الثنائية»، من دون أي تفاصيل أخرى. فيما صرح سفير جنوب أفريقيا لدى الجزائر، ندو ميسو نديمو ناتيشنغا، مؤخراً بأن البلدين «متفقان على تعزيز التعاون الاقتصادي، والعمل مستقبلاً للارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى التميز، من أجل مصلحة البلدين، وخدمة للقارة الأفريقية».

ووفق الصحافة الحكومية بالجزائر، سيلتقي الرئيس رامافوزا بعدد من كبار المسؤولين في البلاد، و«سيجري مع الرئيس تبون مشاورات ثنائية حول مختلف القضايا المشتركة».

وزير خارجية الجزائر مع نظيره الجنوب أفريقي (الخارجية الجزائرية)

وسبق رامافوزا إلى الجزائر وزير خارجيته، رونالد لامولا، الذي شارك، الأحد والاثنين الماضيين، في أشغال «المؤتمر الـ11 للسلم والأمن في أفريقيا» بمدينة وهران غرب البلاد. ويرتقب أن يعقد مشاورات مع نظيره الجزائري، أحمد عطاف، في سياق الزيارة الرئاسية.

وأكدت مصادر دبلوماسية أن زيارة رامافوزا «تعكس رغبة البلدين لاستكشاف الفرص التجارية، وتطوير الشراكات الاستراتيجية، وتعزيز التبادل الاقتصادي»، مبرزة أن جانباً من مباحثات الرئيسين «سيتناول الصناعات الغذائية والزراعة والنسيج، والصناعات التحويلية وصناعات السيارات، والمناجم والصيدلة والبناء والأشغال العامة»، مبرزة أن قطاعات الإلكترونيات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة والطاقات المتجددة، والطيران مدرجة أيضاً في جدول أعمال القمة المرتقبة بين تبون ورامافوزا، بالإضافة إلى الخدمات المالية والهندسة والاستشارات، وفق المصادر ذاتها.

وزار رامافوزا الجزائر نهاية 2018، حيث أجرى مع الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999 - 2019) مباحثات، شملت السياسة والاقتصاد، والتعاون في الشؤون الدولية.

رئيس جنوب أفريقيا سيُلقي خطاباً أمام نواب غرفتي البرلمان الجزائري (متداولة)

وعند تعاطيه مع التعاون بين البلدين، يميل الإعلام في الجزائر إلى الحديث عن «محور الجزائر - بريتوريا»؛ للدلالة على شراكة استراتيجية، الهدف منها تعزيز المصالح المشتركة، وتحقيق رؤية موحدة لأفريقيا أكثر استقراراً وازدهاراً. أما على الصعيد الرمزي فيشترك البلدان في دعم حركات التحرر الوطني؛ إذ ساندت الجزائر بقوة كفاح جنوب أفريقيا ضد الفصل العنصري، أو ما يعرف بـ«الأبارتهايد».

كما يوجد توافق تام بين البلدين حول ملفات محددة، وعلى رأسها نزاع الصحراء، على اعتبار أنهما يدعمان مسألة «تقرير المصير» بالنسبة للإقليم محل الخلاف الكبير بين الجزائر وجارتها المملكة المغربية، ويرفضان مقترح الرباط إقامة حكم ذاتي فيه. كما يشتركان في العديد من المبادرات الإصلاحية، خاصة تلك التي تتعلق بإصلاح المؤسسات الأفريقية، وتعزيز الاستقلالية السياسية والاقتصادية للقارة. ويدعمان بقوة مقترح منح أفريقيا مقعدين دائمين بمجلس الأمن الدولي، ويشتركان في دعم مبادئ السلام والأمن في أفريقيا، ويؤديان أدواراً لافتة داخل الاتحاد الأفريقي بخصوص مكافحة الإرهاب والتطرف، وحل النزاعات بالطرق السلمية، خصوصاً في مالي وليبيا والسودان، وبعيداً عن التدخلات الخارجية.

وتعد القضية الفلسطينية من أهم التوافقات بين البلدين. فجنوب أفريقيا من أبرز الدول التي تدين السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، بما في ذلك الاستيطان وأعمال القمع. وتميزت خلال العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة بجر قادة إسرائيل إلى القضاء الجنائي الدولي، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ومن جهتها، تضع الجزائر القضية الفلسطينية على رأس نشاطها الدبلوماسي.