الجزائر و«الأوروبي» لحل «أزمة اتفاق الشراكة»

يلتقيان الشهر الحالي بعد احتجاج «بروكسل» على وقف صادراتها إلى شريكها المتوسطي

رئيس «المجلس الأوروبي» خلال زيارته الجزائر في 5 سبتمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)
رئيس «المجلس الأوروبي» خلال زيارته الجزائر في 5 سبتمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

الجزائر و«الأوروبي» لحل «أزمة اتفاق الشراكة»

رئيس «المجلس الأوروبي» خلال زيارته الجزائر في 5 سبتمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)
رئيس «المجلس الأوروبي» خلال زيارته الجزائر في 5 سبتمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

تطمح الحكومة الجزائرية إلى إعادة التفاوض على «اتفاق الشراكة»، الذي يربطها بـ«الاتحاد الأوروبي»، وذلك بمناسبة اجتماعات ستعقد بالجزائر، من 10 إلى 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، مع وفد رفيع من «المفوضية الأوروبية»، التي لوّحت في يونيو (حزيران) الماضي باللجوء إلى التحكيم الدولي، على أثر وقف الجزائر واردات السلع والمنتجات الأوروبية.

ممثل السياسة الخارجية في «الاتحاد الأوروبي» جوزيب بوريل مع الرئيس عبد المجيد تبون يوم 13 مارس 2023 (الرئاسة الجزائرية)

وأكدت مصادر بالحكومة الجزائرية لـ«الشرق الأوسط» أن مسؤولين من وزارات التجارة والمالية والخارجية والصناعة أعدوا وثيقة تتضمن ما تراها الجزائر «مجموعة اختلالات يتضمنها (اتفاق الشراكة) رُصدت بعد 19 سنة من تطبيقه»، من دون توضيح ما هذه «الاختلالات»، مشددة على أن «وثيقة التجارة المشتركة» بين الجانبين لم تُفحص فحصاً شاملاً منذ التوقيع عليها عام 2002، ومشيرة إلى إحداث مراجعة جزئية لها في 2010، تناولت تفكيك التعريفة الجمركية، وبعدها إجراء تقييم مشترك في 2015، بناء على طلب الجزائر.

ووفق المصادر نفسها، فقد أدى «الاتفاق» إلى «فتح أسواق الجزائر أمام المنتجات الأوروبية بشكل أضعفَ قدرتها على دعم وتطوير قطاعاتها المحلية، مما أثر على التنمية الصناعية والزراعية».

وزير خارجية الجزائر (يسار) طلب من نظيره المجري إجراء وساطة مع «الاتحاد الأوروبي» لحل الخلاف التجاري في سبتمبر 2023 (الخارجية الجزائرية)

وتناول وزير الخارجية، أحمد عطاف، هذه المشكلة في سبتمبر (أيلول) الماضي، بمناسبة رده على انشغال برلماني في هذا الموضوع، فذكر أن المبادلات التجارية مع أوروبا «ظلت لسنوات طويلة لمصلحة دول (الاتحاد)، والاستثمارات الأوروبية في بلادنا بقيت محصورة في قطاع المحروقات، في حين كنا نتوقع أن تمس قطاعات أخرى بحاجة إلى إنعاش لتوفير مناصب الشغل». وعدّ عطاف ذلك «اختلالاً كبيراً» دفع بالحكومة الجزائرية، وفق ما أوضح، إلى إعادة النظر بشكل كامل في بنود «الاتفاق»؛ «وفق نظرة سيادية تراعي مصلحة المنتج الوطني، ولاستحداث نسيج صناعي، ومناصب شغل».

كما قال عطاف إن حجم المبادلات التجارية مع «بروكسل» بلغ نحو تريليون دولار منذ بدء العمل بـ«الاتفاق»، في حين لم تتجاوز استثماراته في الجزائر 13 مليار دولار، وفق ما قال، غالبيتها في قطاع المحروقات، مقابل تحويل أرباح بقيمة 12 مليار دولار في المدة بين 2005 و2022.

خسائر كبيرة لحقت بالتجارة البينية جراء وقف الصادرات (ميناء الجزائر العاصمة)

ويتوقع متتبعون لـ«أزمة اتفاق الشراكة» بحث «النزاع التجاري بخلفية سياسية» المطروح بين الجزائر وإسبانيا خلال اجتماعات المسؤولين الجزائريين بوفد حكومة «الاتحاد الأوروبي». ففي يونيو 2022 علقت الجزائر التجارة مع مدريد، إثر إعلان رئيس حكومتها بيدرو سانشيز في مارس (آذار) من العام نفسه دعم «خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء». علماً بأن الجزائريين يرفضون هذا المقترح، ويدعمون توصية «استقلال تقرير المصير في الصحراء»، التي تدافع عنها جبهة «البوليساريو».

وحاول جوزيب بوريل، الممثل السامي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في «الاتحاد الأوروبي»، حل هذا الخلاف خلال زيارة قادته إلى الجزائر بعد مدة قصيرة من اندلاعه، لكنه لم ينجح في مهمته. وعبر يومها عن «أسف دول (الاتحاد) للعقبات الجادة التي فرضتها الجزائر على التجارة مع إسبانيا، باستثناء الغاز»، وقال إن «هذا الانسداد ضار جداً بتنفيذ اتفاقية الشراكة، ولا يخدم مصلحة أحد».

واعترضت «المفوضية الأوروبية»، في بيان أصدرته يوم 14 يونيو الماضي، على سلسلة من القرارات بدأت الجزائر تنفيذها منذ عام 2021، تتعلق بتنظيم الواردات، وتحفيز الإنتاج المحلي، وشملت نظام تراخيص الاستيراد، وحوافز لاستخدام المدخلات المحلية في قطاع السيارات، وتنظيم المشاركة الأجنبية في الشركات المستوردة.

ورأت «المفوضية» أن هذه الإجراءات «تقييدية» لصادراتها إلى الجزائر، بينما يقول الجزائريون إنها «تستجيب لخطة تخص تقليص فاتورة الواردات، بهدف تنويع اقتصاد البلاد، وتقليل اعتماده على المحروقات، وتعزيز التصنيع المحلي».



كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.