تطمح الحكومة الجزائرية إلى إعادة التفاوض على «اتفاق الشراكة»، الذي يربطها بـ«الاتحاد الأوروبي»، وذلك بمناسبة اجتماعات ستعقد بالجزائر، من 10 إلى 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، مع وفد رفيع من «المفوضية الأوروبية»، التي لوّحت في يونيو (حزيران) الماضي باللجوء إلى التحكيم الدولي، على أثر وقف الجزائر واردات السلع والمنتجات الأوروبية.
وأكدت مصادر بالحكومة الجزائرية لـ«الشرق الأوسط» أن مسؤولين من وزارات التجارة والمالية والخارجية والصناعة أعدوا وثيقة تتضمن ما تراها الجزائر «مجموعة اختلالات يتضمنها (اتفاق الشراكة) رُصدت بعد 19 سنة من تطبيقه»، من دون توضيح ما هذه «الاختلالات»، مشددة على أن «وثيقة التجارة المشتركة» بين الجانبين لم تُفحص فحصاً شاملاً منذ التوقيع عليها عام 2002، ومشيرة إلى إحداث مراجعة جزئية لها في 2010، تناولت تفكيك التعريفة الجمركية، وبعدها إجراء تقييم مشترك في 2015، بناء على طلب الجزائر.
ووفق المصادر نفسها، فقد أدى «الاتفاق» إلى «فتح أسواق الجزائر أمام المنتجات الأوروبية بشكل أضعفَ قدرتها على دعم وتطوير قطاعاتها المحلية، مما أثر على التنمية الصناعية والزراعية».
وتناول وزير الخارجية، أحمد عطاف، هذه المشكلة في سبتمبر (أيلول) الماضي، بمناسبة رده على انشغال برلماني في هذا الموضوع، فذكر أن المبادلات التجارية مع أوروبا «ظلت لسنوات طويلة لمصلحة دول (الاتحاد)، والاستثمارات الأوروبية في بلادنا بقيت محصورة في قطاع المحروقات، في حين كنا نتوقع أن تمس قطاعات أخرى بحاجة إلى إنعاش لتوفير مناصب الشغل». وعدّ عطاف ذلك «اختلالاً كبيراً» دفع بالحكومة الجزائرية، وفق ما أوضح، إلى إعادة النظر بشكل كامل في بنود «الاتفاق»؛ «وفق نظرة سيادية تراعي مصلحة المنتج الوطني، ولاستحداث نسيج صناعي، ومناصب شغل».
كما قال عطاف إن حجم المبادلات التجارية مع «بروكسل» بلغ نحو تريليون دولار منذ بدء العمل بـ«الاتفاق»، في حين لم تتجاوز استثماراته في الجزائر 13 مليار دولار، وفق ما قال، غالبيتها في قطاع المحروقات، مقابل تحويل أرباح بقيمة 12 مليار دولار في المدة بين 2005 و2022.
ويتوقع متتبعون لـ«أزمة اتفاق الشراكة» بحث «النزاع التجاري بخلفية سياسية» المطروح بين الجزائر وإسبانيا خلال اجتماعات المسؤولين الجزائريين بوفد حكومة «الاتحاد الأوروبي». ففي يونيو 2022 علقت الجزائر التجارة مع مدريد، إثر إعلان رئيس حكومتها بيدرو سانشيز في مارس (آذار) من العام نفسه دعم «خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء». علماً بأن الجزائريين يرفضون هذا المقترح، ويدعمون توصية «استقلال تقرير المصير في الصحراء»، التي تدافع عنها جبهة «البوليساريو».
وحاول جوزيب بوريل، الممثل السامي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في «الاتحاد الأوروبي»، حل هذا الخلاف خلال زيارة قادته إلى الجزائر بعد مدة قصيرة من اندلاعه، لكنه لم ينجح في مهمته. وعبر يومها عن «أسف دول (الاتحاد) للعقبات الجادة التي فرضتها الجزائر على التجارة مع إسبانيا، باستثناء الغاز»، وقال إن «هذا الانسداد ضار جداً بتنفيذ اتفاقية الشراكة، ولا يخدم مصلحة أحد».
واعترضت «المفوضية الأوروبية»، في بيان أصدرته يوم 14 يونيو الماضي، على سلسلة من القرارات بدأت الجزائر تنفيذها منذ عام 2021، تتعلق بتنظيم الواردات، وتحفيز الإنتاج المحلي، وشملت نظام تراخيص الاستيراد، وحوافز لاستخدام المدخلات المحلية في قطاع السيارات، وتنظيم المشاركة الأجنبية في الشركات المستوردة.
ورأت «المفوضية» أن هذه الإجراءات «تقييدية» لصادراتها إلى الجزائر، بينما يقول الجزائريون إنها «تستجيب لخطة تخص تقليص فاتورة الواردات، بهدف تنويع اقتصاد البلاد، وتقليل اعتماده على المحروقات، وتعزيز التصنيع المحلي».