تعهد آبي أحمد بدعم مصر والسودان «مائياً»... «مناورة» أم «نوايا حسنة»؟

القاهرة تواصل مشاوراتها مع دول حوض النيل

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد (وكالة أنباء إثيوبيا)
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد (وكالة أنباء إثيوبيا)
TT

تعهد آبي أحمد بدعم مصر والسودان «مائياً»... «مناورة» أم «نوايا حسنة»؟

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد (وكالة أنباء إثيوبيا)
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد (وكالة أنباء إثيوبيا)

إعلان غير معهود من رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، بدعم مصر والسودان «مائياً» حال وجود شحّ في الإمدادات جراء «سد النهضة»، الذي تقيمه أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، أثار تساؤلات بشأن جديته، خاصة أنه يتزامن مع زيارة وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، لأوغندا، ضمن تحركات متصاعدة للقاهرة عقب دخول اتفاقية «عنتيبي» حيز التنفيذ، على غير رغبة مصر.

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، عدّ خبراء تصريحات آبي أحمد جزءاً من العودة إلى «الدبلوماسية الناعمة واعتراف بأخطاء إثيوبية في التقدير»، وآخرون رأوها «أقوالاً تحتاج لأفعال حتى لا تبدو مناورة»، في ظل حراك مصري غير مسبوق بأفريقيا قائم على التعاون والتنمية، يثبت أركانها، ويزيد الضغوط على أديس أبابا، التي «تسعى لتهديد حقوق مصر المائية، سواء بسدّ النهضة أو اتفاقية عنتيبي»، التي دخلت حيز التنفيذ 13 أكتوبر (تشرين الأول).

وفي ظل توتر مع القاهرة بسبب السدّ منذ نحو عقد، وتعاون عسكري يتصاعد مع مقديشو، جارة أديس أبابا، منذ أغسطس (آب) الماضي، تعهَّد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الخميس، في حديث أمام برلمان بلاده بأن أديس أبابا «ستعزز تدفقات مياه النيل إلى السودان ومصر، في حال حدوث شُحّ في إمدادات المياه جراء سد النهضة»، وفق هيئة البث الإثيوبية الرسمية.

جاء ذلك التعهد مع إعلان آبي أحمد، في مقابلة متلفزة الخميس، اكتمال بناء السد على النيل الأزرق 100 في المائة بحلول ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق مستشار رئيس هيئة مياه النيل السفير محمد حجازي، أن «هناك أهمية لأن تتحول تلك التصريحات التي تحاول استرضاء الطرف المصري بعد 13 عاماً من المفاوضات غير المجدية إلى موقف قانوني ملزم يحول الشعارات لواقع حتى لا تصير في النهاية مناورة لن يلتفت إليها».

ويعتقد أن «قضايا المياه لا تستخدم فيها التصريحات والنوايا الحسنة، ولا بد من اتفاق ملزم يحفظ حق إثيوبيا في التنمية وحق مصر في الحياة والحفاظ على شريان المياه الرئيسي».

ويستبعد الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن تكون تلك التصريحات غير المعهودة من آبي أحمد «مناورة»، مرجحاً أن «تكون بمثابة اعترافٍ ضمنيٍ من إثيوبيا بالأخطاء التقديرية التي ترتكبها من خلال اتباعها كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة في سبيل تشغيل سد النهضة، دون الاستماع لرؤية مصر والسودان».

وبرأي الحاج، فإن «ذلك النهج الجديد من آبي أحمد، يعني بالضرورة تخوفات إثيوبية من مآلات التحركات المصرية الجادة بأفريقيا»، مضيفاً: «لربما باتت إثيوبيا تشعر باختناق مميت في منطقة القرن الأفريقي كله، ما يدفعها الآن لتجريب سياسة الدبلوماسية الناعمة من خلال إرسال رسائل تطمينية، ربما تساهم في تأسيس منطقة توافقية جديدة بين دول حوض النيل قبل الانجراف إلى حالة تشظٍّ غير معلومة العواقب».

ولم تعلق مصر على تصريحات آبي أحمد، غير أنها جاءت بالتزامن مع وصول وزير خارجية مصر، بدر عبد العاطي، إلى أوغندا، الخميس، بهدف تسليم رسالة إلى موسيفيني من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعقد لقاءات مع مجموعة من رجال الأعمال الأوغنديين، وممثلي الجالية المصرية في أوغندا، وذلك ضمن جولات تعاون مصرية كثيرة مع دول أفريقية في الفترة الأخيرة.

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بدأ الخميس زيارة إلى أوغندا (الخارجية المصرية)

وأوغندا إحدى دول منبع نهر النيل، التي تضم أيضاً بوروندي، والكونغو، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، وتنزانيا، وإريتريا، وجنوب السودان، فضلاً عن دولتي المصبّ مصر والسودان. وفي 13 أكتوبر، أعلنت أديس أبابا دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ، وتعدّ كامبالا إحدى عواصم الدول الموقعة عليه، وتجمعها مع القاهرة علاقات جيدة لم تنقطع بعد الاتفاق.

وعقب أيام من ذلك الإعلان الإثيوبي المنفرد، رفضت مصر والسودان في بيان مشترك وقتها الاتفاقية، وطالبت بمراجعتها ثم أعلنت الحكومة المصرية، في بيان صحافي: «موافقة مجلس الوزراء على اعتماد مقترح بشأن قيام الدولة المصرية بتأسيس آلية تخصص لتمويل درس وتنفيذ المشروعات التنموية والبنية الأساسية بدول حوض النيل».

وطرح وزير الخارجية والهجرة المصري، قبل أسبوعين في اتصال هاتفي مع نظيره الأوغندي، جيجي أودونغو، «بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين الجانبين وآلية مصر لدعم التنمية في دول حوض النيل وأهمية التوافق والشمولية وعدم إحداث ضرر لتعزيز أسس التعاون بين دول حوض النيل»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية» وقتها.

وبرأي السفير حجازي، فإن زيارة الوزير المصري تأكيد على سياسة مصر الثابتة نحو تعزيز العلاقات مع دول حوض النيل، وفي إطار الترويج لتلك الآلية الاستثمارية التي تقدّم من خلالها مصر نموذجاً للتعاون البناء، وليس بفرض اتفاقية كعنتيبي ليست محل إجماع دول المنبع ولا المصب.

ويعتقد أن تعزيز مصر وجودها بأفريقيا، وخاصة مع دول حوض النيل كأوغندا، هو سبيل بنّاء لإيجاد موقف مشروع سيجعل من إثيوبيا «معزولة بمواقفها الأحادية المصرة على تجاهل حقوق ومصالح الجميع».

وبتقدير الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن «أوغندا واحدة من أهم دول حوض نهر النيل، وتأتي زيارة وزير خارجية مصر إليها انطلاقاً من جدية القاهرة في تنفيذ استراتيجيتها ودبلوماسيتها المتعلقة بحفظ الأمن وتحقيق التنمية على أرض الواقع، مع دول حوض النيل تحديداً».

ويرى أن «لمصر علاقات تعاون وتفاهمات راسخة مع أوغندا خلال حقبة السنوات العشر الماضية، وحان الوقت لتدشين عهد التعاون المثمر بين البلدين لمواجهة التحديات الكبرى، التي تعترض مسار الوحدة بين أهم دول حوض النيل بسبب اختلاف الرؤى والمصالح فيما يخص أزمة المياه».

وبحسب الحاج، يتأسس الحراك المصري في أوغندا على «مجهودات سابقة في مجال التعاون والتنمية في أوغندا، تتمثل في مشاريع إنشاء سدود لحصاد المياه في أوغندا، وبالنظر لطبيعة اللقاءات المقررة في زيارة وزير خارجية مصر، نجد من بينها لقاءات مقررة مع رجال أعمال أوغنديين، ما يشير إلى أن مصر تتجه فعلياً لتعزيز وجودها في مجالات التنمية المرتبطة بموارد المياه في أوغندا».

ويشير إلى أن «أوغندا في حاجة ضرورية لتطوير مشاريع حصاد المياه لمجابهة التغيرات المناخية في المنطقة، وهو الأمر الذي التقطته حواس السياسة الخارجية لمصر بحصافة وذكاء»، مستدركاً: «لكنّ الرهان على أي دور أوغندي متوقع في إحداث خروقات في اتفاقية عنتيبي، أو تراجعها عن الانضمام أو إعادة تدويرها لتغيير موازين القوى في منطقة حوض النيل، مرتبط بمدى كفاءة وجدية الالتزامات المصرية الخاصة بإنشاء مشاريع تنموية حيوية في أوغندا، لتصبح نموذجاً جاذباً وملهماً لبقية دول حوض النيل».

ويعتقد أن ذلك «هو ذات الهدف التنموي الذي يتسق أخلاقاً وقانوناً مع الرغبة المصرية في تأسيس مشاريع تنموية كبرى بديلة في المنطقة، تعود بالنفع العادل بين دول حوض النيل، دون أن تستأثر دولة واحدة بأحقية امتلاك مشروع تنموي خاص لا يراعي حقوق الدول الأخرى، مثلما تريد إثيوبيا وتخطط له عبر سد النهضة».


مقالات ذات صلة

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

العالم العربي صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا الوزير المصري سويلم يلتقي السفير الألماني بالقاهرة (وزارة الموارد المائية والري)

مصر تحذّر دول نهر النيل من تفعيل اتفاقية «عنتيبي»

حذّرت مصر دول نهر النيل، من تفعيل «الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل»، المعروفة باسم اتفاقية «عنتيبي»، مؤكّدةً أنها بشكلها الحالي «تخالف قواعد القانون الدولي».

أحمد إمبابي (القاهرة)
العالم العربي صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

مصر والانتخابات الأميركية… لا مرشح مرجحاً ولا توقعات متفائلة

هيمن كل من الحرب في غزة وملف «سد النهضة» الإثيوبي على تقييمات سياسيين وبرلمانيين مصريين بشأن انعكاس نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية على مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)

عبد العاطي لبلينكن: الأمن المائي قضية «وجودية» لمصر

أكّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، لنظيره الأميركي أنتوني بلينكن، رفض مصر وإدانتها للتصعيد الإسرائيلي ضد وكالة «أونروا».

شمال افريقيا وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم خلال حفل تخريج متدربين أفارقة (وزارة الموارد المائية والري المصرية)

مصر تتمسك بقاعدة «الإجماع» لحل «الخلافات المائية» في حوض النيل

أكّدت مصر تمسكها بضرورة العمل وفق قاعدة «الإجماع» في إدارة وحل «الخلافات المائية» مع دول حوض النيل.

عصام فضل (القاهرة)

مصر تدعو إلى «حلول سلمية» للنزاعات في القارة السمراء

وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)
TT

مصر تدعو إلى «حلول سلمية» للنزاعات في القارة السمراء

وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

دعت مصر إلى ضرورة التوصل لحلول سلمية ومستدامة بشأن الأزمات والنزاعات القائمة في قارة أفريقيا، وأكدت تعاونها مع الاتحاد الأفريقي بشأن إعادة الإعمار والتنمية.

جاء ذلك خلال كلمة لوزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، السبت، بمناسبة فعاليات النسخة الرابعة لـ«أسبوع التوعية بملف إعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات»، الذي ينعقد في أديس أبابا. وقال عبد العاطي إن النسخة الرابعة من «أسبوع إعادة الإعمار» تأتي في وقت «تتزايد فيه التحديات الأمنية والتنموية التي تواجه القارة الأفريقية».

وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال فعاليات النسخة الثانية عشرة من «المنتدى الحضري العالمي» الذي استضافته القاهرة مطلع الشهر الحالي، «ضرورة حشد الجهود الدولية لوقف النزاعات والصراعات والحروب في المنطقة، والتركيز على إعادة الإعمار والبناء والتنمية»، مشيراً إلى «حرص بلاده على تقديم الدعم لدول المنطقة التي تواجه صراعات وحروباً».

ووفق «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية في مصر، فقد أكد عبد العاطي في كلمته أن رؤية بلاده ارتكزت على التعامل مع التحديات بشكل عاجل وشامل، يراعي الأسباب الجذرية للنزاعات، ويُسهم في تعزيز قدرات ودور المؤسسات الوطنية والإقليمية والقارية على الصمود لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية المعقدة، سعياً نحو التوصل إلى حلول سلمية ومستدامة للأزمات والنزاعات القائمة، وبما يحول دون اندلاعها مجدداً.

كما تحدّث عبد العاطي عن التزام بلاده الثابت، تحت قيادة الرئيس السيسي، بـ«العمل بشكل وثيق مع مفوضية الاتحاد الأفريقي، وكل الأطراف أصحاب المصلحة، لتنفيذ ركائز سياسة الاتحاد الجديدة لإعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد النزاعات».

ووفق الوزير عبد العاطي، فإن مصر تحرص خلال استضافتها لـ«منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة» على تناول تلك الرؤية بشكل مستفيض، وإبراز أهمية الملكية الوطنية والتضامن الأفريقي في تحقيق السلم والأمن المستدامين، فضلاً عن تسليط الضوء على العلاقة الترابطية بين السلم والأمن والتنمية.

وقال بهذا الخصوص: «إن مصر انخرطت بفاعلية في مسار اعتماد سياسة الاتحاد الأفريقي المنقحة لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات في فبراير (شباط) الماضي، تجسيداً لرؤيتها الوطنية؛ إذ تُثمن مصر التعاون والتنسيق المستمرين مع مفوضية الاتحاد الأفريقي للترويج لسياسة الاتحاد لإعادة الإعمار، بما يسهم في رفع مستوى الوعي، وتعزيز انخراط دول القارة والشركاء والمجتمع المدني في تنفيذ أهداف إعادة الإعمار».

وزير النقل المصري خلال تفقده عدداً من المشروعات التي تنفذها شركات مصرية في العراق سبتمر الماضي (النقل المصرية)

وتُشارك مصر في مشروعات إعادة الإعمار بالعراق، وفي هذا السياق، زار نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير النقل المصري، كامل الوزير، بغداد في سبتمبر (أيلول) الماضي، على رأس وفد رسمي، ضم رؤساء 13 شركة متخصصة في مشروعات البنية التحتية والطرق والكباري والسكك الحديدية والموانئ والإسكان، لبحث «المشاركة في تنفيذ مشروعات إعادة الإعمار بالعراق»، وفق إفادة لوزارة النقل المصرية.

ودعا بدر عبد العاطي، السبت، شركاء القارة الأفريقية إلى الانخراط بفاعلية، خلال أعمال النسخة الرابعة من «أسبوع إعادة الإعمار»، والوفاء بتعهداتهم والتزاماتهم تجاه جهود إعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات في أفريقيا، ومواءمة جهودهم في هذا الملف الحيوي مع الجهود الوطنية والإقليمية والقارية الجارية بغية تحقيق آمال وتطلعات أبناء القارة الأفريقية نحو مستقبل عنوانه «السلم والأمن المستدامان».

وكان وزير الخارجية والهجرة المصري قد ذكر في وقت سابق أنه «من بين أولويات السياسة المصرية في أفريقيا، دفع إقامة مشروعات البنية التحتية والتنمية بدول القارة»، لافتاً إلى تنفيذ بلاده «مشروعات ضخمة في عدد من الدول الأفريقية، مثل السد التنزاني، ومشروع توسيع وتجهيز الرصيف الرئيس لميناء جزر القمر».