تباين ليبي حول توجيه رئيس «الوحدة» باستيعاب مهاجري السودان

وسط تصاعد التحذيرات من حدوث تغيير ديموغرافي وارتفاع التكلفة الاقتصادية

الهلال الأحمر الليبي يقدم مساعدات لمهاجرين سودانيين في الكفرة (الهلال الأحمر الليبي)
الهلال الأحمر الليبي يقدم مساعدات لمهاجرين سودانيين في الكفرة (الهلال الأحمر الليبي)
TT

تباين ليبي حول توجيه رئيس «الوحدة» باستيعاب مهاجري السودان

الهلال الأحمر الليبي يقدم مساعدات لمهاجرين سودانيين في الكفرة (الهلال الأحمر الليبي)
الهلال الأحمر الليبي يقدم مساعدات لمهاجرين سودانيين في الكفرة (الهلال الأحمر الليبي)

عكست توجيهات رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، باستقبال الطلاب والأساتذة السودانيين في المدارس والجامعات الليبية، نوعاً من التباين، وسط تساؤلات حول الكيفية التي ستتعاطى بها الدولة مع الجنسيات المختلفة، ما بين نازحين وعمالة وافدة، بالإضافة إلى المهاجرين غير النظاميين.

وركّزت بعض الأصوات السياسية حديثها تحديداً حول استمرار تدفق النازحين السودانيين للأراضي الليبية بوتيرة مرتفعة، وتصاعد التحذيرات من حدوث تغيير ديموغرافي، فضلاً عن تكلفته الاقتصادية.

بداية، ورغم تقديره لوضعية هؤلاء «المهاجرين» بسبب الحرب في السودان، أعرب عضو مجلس النواب الليبي، عمار الأبلق، عن رفضه لأي «سياسات تتخذها الحكومتان المتنازعان على السلطة، وتؤدي إلى دمج هؤلاء النازحين بالمجتمع».

جانب من الدعم الليبي لمهاجرين سودانيين (الهلال الأحمر الليبي)

وقال الأبلق لـ«الشرق الأوسط» إن هؤلاء «مرحب بهم بطبيعة الحال كمهاجرين، لكن الجميع يعرف مخاوف المجتمع الليبي من حدوث تغيير ديموغرافي، خاصة بالنظر لقلة عدد سكان ليبيا قياساً باتساع مساحتها»، مضيفاً: «بلادنا تعاني من تدفق المهاجرين غير النظاميين الراغبين في عبور المتوسط للوصول لأوروبا، ومن تحديات تنظيم العمالة الوافدة».

وقدّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في أغسطس (آب) الماضي، عدد الفارين السودانيين إلى ليبيا من اندلاع الصراع بـ97 ألف شخص .

ووفقاً لرؤية الأبلق: «يفضل أن يكون وجود هؤلاء السودانيين محصوراً بمناطق وصولهم لليبيا، مثل الكفرة بالجنوب الشرقي؛ على أن تتحمل المنظمات الدولية تقديم أوجه الدعم الإنساني المستحق لهم، بالتعاون مع السلطات التنفيذية بالبلاد، من غذاء وتعليم ورعاية طبية»، محذراً من أن «إتاحة فرص العمل لهؤلاء المهاجرين، ولو في قطاع واحد مثل التعليم، سيفتح الطريق لتكرار التجربة في قطاعات ومجالات أخرى؛ وربما دون أن يتم الالتزام بمعايير الكفاءة».

وزاد الأبلق من تخوفاته قائلاً: «تدريجياً ستتحول وضعيتهم وتصنيفهم من مهاجرين إلى عمالة وافدة، أو مقيمين بالبلاد؛ وحينذاك قد لا يرغبون في المغادرة والعودة للسودان حتى بعد انتهاء الحرب».

وكان الدبيبة قد وجّه على هامش استقباله وزير التعليم السوداني، محمد حسن دهب، والوفد المرافق له من رؤساء الجامعات السودانية، وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم بحكومته بتسهيل الإجراءات المتعلقة باستقبال الطلاب السودانيين في المؤسسات التعليمية الليبية. كما وجّه وزارة العمل والتأهيل لمنح إذن العمل للأساتذة السودانيين، الراغبين في التدريس بالجامعات الليبية، وفقاً للاحتياج الفعلي.

خدمات عدة تقدمها ليبيا للسودانيين الفارين من الحرب (الهلال الأحمر الليبي)

في مقابل ما ذهب إليه النائب الأبلق، دعت شخصيات تنفيذية وسياسية إلى تقليل التخوفات إزاء وجود المهاجرين واللاجئين السودانيين في ليبيا، وتلبية احتياجاتهم الأساسية بقطاع التعليم، حتى الاستعانة ببعضهم في قطاعات مختلفة وفقاً لضوابط محددة. وقال وزير التعليم بحكومة «الوحدة» الوطنية، موسى المقريف، لـ«الشرق الأوسط» إن توجيهات حكومته واضحة بشأن انخراط المعلمين والأساتذة السودانيين، حيث سيكون هذا «مشروطاً بوجود احتياجات فعلية، وليس بشكل مفتوح». مشيراً إلى أنه «تمت الاستعانة ببعض العناصر من هؤلاء النازحين في بعض مدارس بلدية الكفرة، لعدم قدرة الكوادر الليبية الموجودة بقطاع التدريس هناك على سدّ العجز، في ظل ارتفاع أعداد هؤلاء».

ولفت المقريف إلى أن «الاستعانة تمت بعد مراجعة ما توفر لديهم من شهادات تعليمية»، مشيراً إلى أن الجالية السودانية «موجودة في ليبيا منذ عقود، وتعمل في مجالات كثيرة دون أزمات. وهم عناصر جيدة، ووجودهم لا يثير قلاقل كبيرة داخل المجتمع الليبي مقارنة بجنسيات أخرى».

سيدات سودانيات بعد وصولهن إلى ليبيا (الهلال الأحمر الليبي)

بدروه، قال رئيس بلدية الكفرة، عبد الرحمن عقوب، إنه رغم محدودية إمكانات بلديته، واقتراب تعداد المهاجرين السودانيين بها من 60 ألفاً، فإن «غالبيتهم لا ينزعجون بدرجة كبيرة من وجودهم، ويستشعرون أنه مؤقت».

لكن عقوب أشار في المقابل إلى «ظهور شعور بالامتعاض لدى بعض أبناء الكفرة مؤخراً، جراء تزايد أعداد السودانيين بدرجة كبيرة، خصوصاً بعد مشاركتهم في تلقي الخدمات بأي مؤسسة عامة كالمستشفيات».

ووفقاً لتقديرات مسؤولين عن التعليم بالكفرة، هناك قرابة 500 طالب سوداني تم إلحاقهم بمدارس البلدية، وهو ما عدّه عقوب «تنفيذاً لتوجيهات حكومة حماد، والقيادة العامة للجيش الوطني، في دعم وتقديم الخدمات الإنسانية لهؤلاء المهاجرين».

وقال رئيس البلدية إن حكومة حماد سمحت بالفعل بالاستعانة بـ60 معلماً ومعلمة من السودانيين للعمل بالمدارس العامة الخاصة بالكفرة، وبعض المناطق المحيطة بها، بعد مراجعة شهاداتهم العلمية من قبل لجنة حكومية، مرجعاً ذلك «لعدم وجود كوادر ليبية كافية لسدّ العجز الناجم جراء تدفقهم للأراضي الليبية».

وتتباين إفادات مسؤولين محليين بالكفرة عما تتضمنه تقارير دولية من تقديرات حول تعداد هؤلاء المهاجرين، حيث يرجح هؤلاء المسؤولين عبور نصف مليون سوداني إلى الكفرة منذ بدء الصراع بالسودان حتى يومنا الراهن، وإن كانت البلدية تضم منهم حالياً قرابة 60 ألفاً فقط.

رئيس غرفة الطوارئ بوزارة الصحة بحكومة حماد، الدكتور إسماعيل العيضة، أوضح من جانبه أن «الجهات التابعة لحكومته أصدرت أكثر من 70 ألف بطاقة حصر وصحية لهؤلاء المهاجرين تكفل الرعاية الطبية لهم بالمجان».

الهلال الأحمر الليبي يدعم فتيات وسيدات سودانيات (الهلال الأحمر الليبي)

وقال العيضة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن أغلب هؤلاء غادروا الكفرة بعد استخراج تلك البطاقات، وتوجهوا لمدن أخرى بوسط وشرق وغرب البلاد.

مشيراً إلى الاستعانة بقرابة 80 عنصراً من هؤلاء المهاجرين السودانيين، من أطباء وأطقم طبية مساعدة، للعمل بالمشافي الموجودة بمناطق وجودهم بالجنوب، قصد سدّ العجز هناك جراء استمرار تدفقهم، وذلك بعد صدور توجيهات حكومته.

من جانبه، عدّ عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، أن «تقديم الدولة عبر حكومتي البلاد ليد العون لأشقائهم السودانيين ليس بفعل مستغرب، أو مرفوض من قبل غالبية الليبيين».

وقال بن شرادة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن الليبيين «يدركون الفارق بين من فرّ لأراضينا جراء صراع مشتعل ببلاده لفترة مؤقتة، وبين من قدم بشكل غير قانوني بدافع الهجرة غير المشروعة، أو للعمل بالسوق الليبية».


مقالات ذات صلة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

السودان: 40 قتيلاً في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

أفاد طبيب بمقتل 40 شخصاً «بالرصاص» في السودان، بهجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» على قرية بولاية الجزيرة وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يخاطب حضور مؤتمر اقتصادي في مدينة بورتسودان اليوم الثلاثاء (الجيش السوداني)

البرهان عن صراعات حزب البشير: لن نقبل ما يُهدد وحدة السودان

أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان رفضه للصراعات داخل حزب «المؤتمر الوطني» (المحلول) الذي كان يقوده الرئيس السابق عمر البشير.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو (رويترز)

المبعوث الأميركي للخرطوم: هناك حاجة إلى ممرات إنسانية وهدن في السودان

قال المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، الثلاثاء، إن هناك حاجة إلى مزيد من المساعدات في البلاد فضلاً عن تسريع وصولها من خلال تنفيذ ممرات إنسانية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الرئيس الصيني زار المغرب والتقى بولي العهد

الرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)
الرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)
TT

الرئيس الصيني زار المغرب والتقى بولي العهد

الرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)
الرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)

ذكرت وكالة المغرب العربي للأنباء أن الرئيس الصيني شي جين بينغ قام بزيارة قصيرة إلى المغرب في وقت سابق الخميس.

وقالت الوكالة إن ولي العهد الأمير مولاي الحسن يرافقه رئيس الحكومة عزيز أخنوش استقبلا الرئيس الصيني في مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء مشيرة إلى أن الزيارة تعكس روابط الصداقة والتعاون والتضامن القوية بين الشعبين المغربي والصيني. وقام شي بالزيارة بعد حضوره قمة مجموعة العشرين في البرازيل.

كثفت الصين استثماراتها في قطاع البنية التحتية والسكك الحديدية في المغرب في السنوات الأخيرة. ويجذب المغرب مصنعي بطاريات السيارات الكهربائية الصينيين في ظل موقعه الجغرافي بالقرب من أوروبا، واتفاقياته للتجارة الحرة مع أسواق رئيسية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وصناعة السيارات القائمة في المملكة.

وفي يونيو (حزيران)، اختارت شركة "جوشن هاي تك" الصينية لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية المغرب مقرا لأول مصنع ضخم في إفريقيا بتكلفة إجمالية تبلغ 1.3 مليار دولار.