جدل حاد في فرنسا حول «الترويج لجرائم» أحد رموز استعمار الجزائر

تزامناً مع توقف «حوار الذاكرة» المشترك بسبب خلافات سياسية

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

جدل حاد في فرنسا حول «الترويج لجرائم» أحد رموز استعمار الجزائر

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

بينما توقف «حوار الذاكرة» بين الجزائر وباريس بسبب خلافاتهما السياسية المتفاقمة، انفجر صراع حاد بين تنظيم يمثل المهاجرين الجزائريين المقيمين بمدينة شرق فرنسا، على تسمية شارع باسم مارشال فرنسي شهير، حكم الجزائر في القرن الـ19، وارتبط تاريخه بقمع دموي لمقاومات شعبية كبيرة تصدت للاستعمار في بدايته.

عمدة مدينة ليون غريغوري دوسيت (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

وأعلن «الاتحاد الجزائري»، وهو جمعية تتحدث باسم آلاف الجزائريين المهاجرين بمدينة ليون ومواطنيها الذين يحملون الجنسيتين الفرنسية والجزائرية، على حسابه بمنصة «إكس»، أمس الاثنين، عن رفع دعوى قضائية ضد عمدة المدينة، غريغوري دوسيت، بشبهة «الترويج لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية».

ووفق تقارير صحافية تناولت الخلاف، فقد رفض رئيس البلدية التعاطي إيجاباً مع مراسلات وصلت إليه من «الجمعية»، تطلب فيها إزالة اسم المارشال توماس روبرت بوجو من على شارع بالدائرة السادسة في المدينة؛ لأنه «رمز للجرائم» التي ارتكبت خلال فترة من احتلال فرنسا للجزائر (1830 - 1962).

«شارع المارشال بوجو» بمدينة ليون (متداولة)

وما شجع «الجمعية» على خطوتها بالتوجه إلى المحكمة مبادرة البلدية بإزالة اسم الأسقف الكاثوليكي الشهير «الأب بيير» من ساحة عمومية إثر الكشف مؤخراً عن اعتداءات جنسية منسوبة إليه ضد 20 امرأة، بعد 17 سنة من وفاته. ففي نظر «الجمعية» كان ينبغي على البلدية أن تبادر إلى المسعى نفسه بخصوص «شارع بوجو»؛ لأن أعمال المارشال، الذي حكم الجزائر بين 1830 و1840، تعدّ، وفقاً لها، أشد خطورة من التهم الموجهة إلى الأب بيير.

صورة المارشال بوجو في لوحة فنية (متداولة)

وقال «الاتحاد الجزائري» في بيان: «رغم الطلبات المتكررة والعرائض من جمعيات عدة، فإن عمدة ليون لا يزال يرفض إزالة اسم (شارع بوجو)، الذي يوازي قنصلية الجزائر في الدائرة السادسة. فقد رفض العمدة غريغوري دوسيت (من حزب الخضر) وفريقه جميع طلباتنا للتسوية. وبالتالي، لم يكن أمام جمعيتنا خيار آخر سوى اللجوء إلى القضاء».

وأضاف «الاتحاد الجزائري» أن الاجتهاد القانوني «واضح بهذا الشأن: تقديم المجرمين بصورة إيجابية يعدّ ترويجاً لجرائمهم. والمجتمع الفرنسي - الجزائري الكبير في منطقة ليون يستحق الكرامة والاحترام، ونحن ملتزمون تماماً بالدفاع عن حقوقه بكل الوسائل الضرورية». كما أكدت «الجمعية» أن الشكوى ضد عمدة المدينة ستُسحب إذا أزيل اسم «بوجو» من الشارع، واقترحت إطلاق إسم كميل بلان بديلاً، وهو عمدة سابق لمدينة إيفيان لي بوان على الحدود مع سويسرا، اغتالته عام 1961 «منظمة الجيش السري» المعادية لاستقلال الجزائر، بسبب دفاعه عن السلام في المستعمرة الفرنسية بشمال أفريقيا سابقاً.

عمدة باريس تشرف على إعادة تسمية الشارع في «الدائرة الـ16»... (بلدية باريس)

وبينما يستمر هذا الجدل في ليون، حسمت عمدة باريس، آن هيدالغو، الجدل نفسه عندما نزعت في 14 أكتوبر (تشرين الثاني) الحالي اسم المارشال بوجو من على طريق رئيسية بالدائرة رقم «16»، «بسبب دوره السيئ في الجزائر، حيث ارتكب ما يمكن أن تعدّ اليوم جرائم حرب»، وفق بيان من العمدة التي تنتمي إلى اليسار، والتي سمت الطريق نفسها باسم «هوبرت جيرمان»، أحد رموز تحرير فرنسا من ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

وتوفي بوجو عام 1849 بعد إصابته بالكوليرا، وعرف بأعمال قمع دامية ضد قبائل جزائرية، انتقاماً منها على دعمها المقاومة الشعبية التي خاضها القائد العسكري والزعيم الوطني الكبير الأمير عبد القادر الجزائري (1808 - 1883) ضد الاستعمار الفرنسي.

وفي منتصف مارس (آذار) الماضي، احتج باحثون فرنسيون مختصون في التاريخ، بشدة، على قرار بلدية تول (شرق فرنسا)، إقامة تمثال للعقيد المظلي مارسيل بيجار، الذي عُرف بممارسة التعذيب في صفوف الجيش الفرنسي بالجزائر والهند الصينية، سابقاً، خلال خمسينات القرن الماضي.

الأعضاء الجزائريون في «لجنة الذاكرة» مع الرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

وتتزامن هذه الأحداث المرتبطة بصفحة قاتمة في العلاقات الجزائرية - الفرنسية، مع تجميد أعمال مشتركة بين البلدين كانت جارية منذ سنتين يطلق عليها «الاشتغال على الذاكرة»، وكانت عاكسة لإرادة الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون لتجاوز تبعات الاستعمار وثقله على العلاقات الثنائية. وتوقفت اجتماعات «لجنة الذاكرة» بسبب حدثين: مساعٍ في فرنسا لإلغاء «اتفاق الهجرة 1968»، الذي يسيّر قضايا الإقامة و«لمّ الشمل العائلي» والدراسة والتجارة في فرنسا بالنسبة إلى الجزائريين، واعتراف فرنسا بخطة الحكم الذاتي للصحراء؛ الأمر الذي أثار استياء الجزائر.



الفساد يُهيمن على النقاش السياسي في موريتانيا

صورة عامة لندوة حزب «الإنصاف» عن الفساد (حزب الإنصاف)
صورة عامة لندوة حزب «الإنصاف» عن الفساد (حزب الإنصاف)
TT

الفساد يُهيمن على النقاش السياسي في موريتانيا

صورة عامة لندوة حزب «الإنصاف» عن الفساد (حزب الإنصاف)
صورة عامة لندوة حزب «الإنصاف» عن الفساد (حزب الإنصاف)

عاد الحديث عن الفساد إلى واجهة النقاش السياسي في موريتانيا؛ حيث نظّم حزب «الإنصاف» الحاكم، السبت والأحد، ندوة لنقاش «الحكامة الجيدة، وخطورة انتشار الفسادين الإداري والمالي على تحقيق التنمية».

وتصنف موريتانيا من بين الدول التي تعاني الفساد، وسبق أن اعترفت الحكومة باستعادة أموال من المفسدين، في حين تضيع سنوياً أموالاً هائلة في صفقات تحوم حولها شبهات فساد، وفق تقارير رسمية صادرة عن الحكومة ومنظمات دولية كثيرة.

وكان الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، قد التزم بعد إعادة انتخابه يونيو (حزيران) الماضي، بأن تكون ولايته الرئاسية الثانية خاصة بالحرب على الفساد والمفسدين، وحماية المال العام.

جانب من نقاشات محاربة الفساد في موريتانيا (حزب الإنصاف)

في غضون ذلك، وبعد مرور 3 أشهر على تعيين حكومة جديدة مهمتها الأولى الحرب على الفساد، جاءت ندوة حزب «الإنصاف» الحاكم تحت عنوان: «الحكامة الجيدة بين التزام الدولة القوي والانخراط الصادق من طرف النخب والمجتمع»، وقال رئيس الحزب الحاكم، سيد أحمد ولد محمد، إن النقاش حول الفساد «يدخل في إطار سلسلة النشاطات السياسية والفكرية الموازية والداعمة لتنفيذ برنامج فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني».

وأضاف ولد محمد: «أن الجميع مطالب بالانخراط في مواجهة الفساد، الذي يتسبب استشراؤه في تهديد مستقبلنا»، مشيراً إلى أن رئيس البلاد «تعهّد بمحاربته، بوصف هذه المحاربة عملاً استراتيجياً ومصيرياً بالنسبة لنا».

وجرى النقاش حول تعريف الفساد ومفهومه، وأهم التجارب الناجحة لمحاربته، إضافة إلى دور النخب السياسية والإدارية في الحرب على الفساد، وأهمية تبني السلوك المدني بصفته من مفاتيح نجاح سياسة الشفافية ومكافحة الفساد.

وتناول النقاش أيضاً، الإطار القانوني والمؤسسي للحكامة الرشيدة ومكافحة الفساد، وضرورة وجود «آليات الرقابة المختلفة الضامنة لمحاربة الفساد وفقاً للقانون»، مع التركيز على أهمية «شفافية الحياة العامة وواجب المحاسبة، بصفتها ضمانات أساسية للحكامة الرشيدة والتخفيف من ممارسات الفساد».

الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (أ.ف.ب - أرشيفية)

النقاش حول محاربة الفساد لم يقتصر على الأحزاب السياسية الموالية للسلطة، وإنما كان محورياً في خطاب المعارضة؛ حيث قال حزب «التجمع الوطني للإصلاح والتنمية» (تواصل)، إن ما تقوم به الحكومة من محاربة للفساد لا يزال «مجرد شعارات».

«تواصل» الذي يوصف بأنه الحزب المعارض الأكثر تمثيلاً في البرلمان، ويتولى زعامة مؤسسة المعارضة الديمقراطية، قال في بيان صحافي عقب انعقاد دورة مجلسه الوطني الأسبوع الماضي: «إن محاربة الفساد لا تزالُ في طور الشعارات، ولم نشاهد آثارها على الوقائع».

وأضاف الحزب أنه «لم تتم إدانة مسؤولين بتهم الفساد، رغم اعتراف السلطات بأن الفساد من كبرى عقبات التنمية، وإعلانها العزم على وقفه»، وشدد على أن «كثيراً ممن أثيرت حولهم شبه فساد أُعيد تعيينهم، في تحدٍّ صارخ للشعب المغلوب على أمره».

وخلُص الحزب إلى «أن ممارسات الفساد هي سبب استمرار أوضاع المواطنين في التردي، رغم وعود كثيرة وشعارات براقة متداولة»، مشيراً إلى أن «أسعار السلع الأساسية لا تزالُ فوق متناول المواطن البسيط وحتى متوسط الدخل، وما زالت الخدمات الأساسية من صحة وتعليم ونقل وكهرباء وماء بعيدة كل البُعد عن تلبية أبسط متطلبات العيش الكريم»، وفق تعبير الحزب.