مطالب جزائرية ملحَّة بـ«اعتراف فرنسا بجرائم الاستعمار»

بينما ازدادت العلاقات الثنائية تدهوراً على خلفية نزاع الصحراء

تدهور العلاقات الجزائرية - الفرنسية كان سبباً في إلغاء زيارة الرئيس تبون إلى باريس (أ.ف.ب)
تدهور العلاقات الجزائرية - الفرنسية كان سبباً في إلغاء زيارة الرئيس تبون إلى باريس (أ.ف.ب)
TT

مطالب جزائرية ملحَّة بـ«اعتراف فرنسا بجرائم الاستعمار»

تدهور العلاقات الجزائرية - الفرنسية كان سبباً في إلغاء زيارة الرئيس تبون إلى باريس (أ.ف.ب)
تدهور العلاقات الجزائرية - الفرنسية كان سبباً في إلغاء زيارة الرئيس تبون إلى باريس (أ.ف.ب)

بينما ازدادت العلاقات الجزائرية - الفرنسية تدهوراً خلال الشهور الأخيرة، شدد كبار المسؤولين الجزائريين وناشطون في تنظيمات مهتمة بالتاريخ على تمسكهم بمطلب «اعتراف الدولة الفرنسية بجريمة الاستعمار»، المرتكبة خلال فترة الاحتلال (1830 - 1962).

الرئيس الجزائري هاجم اليمين الفرنسي بسبب ضغوط لإلغاء اتفاق الهجرة (الرئاسة)

وتجدد الخطاب المعادي لفرنسا بمناسبة احتفالات الجزائريين بمرور 63 سنة على «مظاهرات باريس 17 أكتوبر/ تشرين الثاني 1961»، حينما تعرض مئات المهاجرين الجزائريين في فرنسا لقمع شديد على أيدي الشرطة الباريسية، بسبب خروجهم في مظاهرات دعماً لثورة التحرير، التي كانت تقترب من نهايتها. وخلَّف التدخل الأمني العنيف للمظاهراتلا ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى، حسب كتب أرّخت للأحداث.

أعضاء لجنة الذاكرة خلال اجتماع لهم بالرئيس تبون نهاية 2022 (الرئاسة الجزائرية)

ونُظّمت مؤتمرات وندوات في عدة مناطق بالجزائر، خلال اليومين الأخيرين، استحضرت الذكرى، ترأس بعضها وزير المجاهدين، العيد ربيقة، الذي أكد «تمسك الجزائريين باحترام واجب الذاكرة، ما يبقينا على عهد الألم والذكرى، والتقدير لدماء الجزائريين سفراء الوطن، ومدولي القضية العادلة في عقر دار المستعمر»، ويقصد بذلك أن «أحداث 17 أكتوبر 1961» سرّعت من رفع «القضية الجزائرية» أمام الأمم المتحدة، وكانت سبباً في تدويلها، ومهّدت لخروج الاستعمار من البلاد في 1962.

صورة أرشيفية لمظاهرات 8 مايو 1945 بشرق الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

وعدّ الوزير مظاهرات المهاجرين في باريس «يوماً حزيناً من أيام الدفاع عن الوطن المفدى، فهي ذاكرة تحيل الجزائريين على يوم خارج الإنسانية... يوم سجل مجازر دموية وجرائم خارج العرف الإنساني، فكان نهر السين شاهداً على تقتيل شعب أراد حقه في البقاء على شرف السيادة والحرية، وعلى ترويع متوحش ضد أبنائنا المسالمين».

وحسب كتب التاريخ، فقد رمى البوليس الفرنسي بالعديد من المتظاهرين في نهر السين، عندما كان يطاردهم بين الأزقة والشوارع، بذريعة «خرق حظر التجوال»، الذي فرضه عليهم يومها، كرد فعل على نداء «جبهة التحرير الوطني» الجزائرية إلى تنظيم احتجاجات ضد المستعمر في بلده.

متظاهرون جزائريون اعتقلوا في بوتو غرب باريس خلال مظاهرة 17 أكتوبر 1961 (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

وأكد الرئيس تبون، في خطاب مكتوب بالمناسبة، نشرته الرئاسة، على «تمسك الجزائر بمبدأ الحق والإنصاف في قضية المهاجرين ‏الجزائريين، ضحايا مظاهرات 17 أكتوبر، وعدم تكريس النسيان على هذه الأحداث ‏الدامية»، عاداً «المشاهد المأساوية في محطات مترو الأنفاق، وجسور نهر السين بباريس، التي يحتفظ بها الأرشيف الموثق لحقد الاستعمار ودمويته وعنصريته في تلك اللحظات المجنونة، الخارجة عن أدنى حس حضاري وإنساني، تأكيداً على عمق الرابطة الوطنية المقدسة بين أبناء وطننا العزيز».

وفي إسقاط على واقع العلاقة مع باريس، هاجم تبون «أوساطاً متطرفة (في فرنسا)، تحاول تزييف ملف الذاكرة أو إحالته إلى رفوف النسيان»، في إشارة إلى رفض اليمين التقليدي واليمين المتطرف في فرنسا أي تنازل من جانب باريس في «قضية الاشتغال على الذاكرة»، التي تعني جزائرياً الاعتراف بـ«جريمة الاستعمار»، و«طلب الصفح من الضحية». ويدعو الفرنسيون إلى «فصل براغماتي بين الذاكرة ومستقبل العلاقات الثنائية»، وهو الأمر الذي يتحفظ عليه الجزائريون بشدة، وهو ما كان أيضاً سبباً في عدم تطبيع العلاقات بشكل كامل، على الرغم من استمرار التجارة، و«التبادل الإنساني» بين ضفتي المتوسط.

صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

وكان مرتقباً أن يزور تبون فرنسا، بداية الشهر الحالي، على أساس اتفاق جرى بينه وبين الرئيس إيمانويل ماكرون في أبريل (نيسان) الماضي. غير أن المشروع تم التخلي عنه، وصرح تبون للصحافة في بداية هذا الشهر بأنه يرفض التوجه إلى باريس في الظروف الحالية، عادّاً الخطوة «إهانةً» لبلده. ولمح في تصريحاته إلى وجود سببين لإلغاء الزيارة: الأول، ضغط يمارسه اليمين التقليدي واليمين المتطرف في فرنسا لإلغاء «اتفاق الهجرة 1968»، الذي يُسيّر مسائل الإقامة والدراسة والعمل في فرنسا بالنسبة للجزائريين، بحجة أنه «يقيد خطة التصدي للهجرة»، التي تطبقها الحكومة. أما السبب الثاني فهو إعلان ماكرون نهاية يوليو (تموز) الماضي، دعم فرنسا مقترح الحكم الذاتي للصحراء، ما دفع الجزائر إلى التنديد بشدة به، وسحب سفيرها من باريس.



بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)
وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)
TT

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)
وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)

طالب مواطنون ليبيون بفتح تحقيق في واقعة «إحراق» وثائق السجل العقاري الليبي، التي حدثت قبل 39 عاماً في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي.

وعدّ متضررون من هذه الحادثة، التي حلّت ذكراها هذا الأسبوع، الأمر «جريمة مروّعة ضيعت حقوق ملكيتهم العقارية» مع ضياع الأرشيف العقاري في البلاد.

وفي حين لم يطرح هذا الملف على مجلس النواب للنظر فيه، أو معالجته، وفق النائب الليبي خليفة الدغاري، الذي أقر، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، «بأضرار أصابت كثيرين بسببه»، فقد ذهب بعض المتضررين إلى التلويح باللجوء إلى «جهات دولية»، في واقعة يرى فيها شريحة من أنصار القذافي «مبالغة وابتزازاً في سرد الواقعة وتداعياتها».

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، جددت 5 منظمات مجتمع مدني ليبية معنية بالدفاع عن الملكية العقارية، حضّ الجهات التشريعية والقضائية والتنفيذية على معالجة آثار هذه الواقعة والتحقيق فيها.

وتعود تفاصيل الواقعة إلى 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1985، «حيث أتت النيران على أوراق تحقيق ملكية مواطنين لعقارات، إلى جانب عقود تخص الأوقاف والملكية العامة»، وفق مدير مصلحة التسجيل العقاري الأسبق جمعة الزريقي، في تسجيل مصور متداول.

وفي رواية متوارثة، اتهم ليبيون «اللجان الثورية»، التابعة للنظام السابق، بإحراق أكثر من 300 ألف مستند وسِجل عقاري تخص أملاك المواطنين والدولة الليبية والوقف، وهي السردية التي حملها بيانٌ صدر مؤخراً عن عدد من الروابط غير الرسمية المدافعة عن حقوق الملكية العقارية.

ومؤخراً، رصدت منظمات المجتمع المدني المعنية بهذه القضية، في بيانها، «مشاكل قانونية مستمرة بين الملاك الأصليين وساكني هذه المنازل»، وكذلك ما عدَّته «فقداناً للمصداقية وانعداماً للثقة في النظام القانوني والقضائي الليبي»، إلى جانب «الإضرار بالسوق العقارية»، وفق تعبيرها.

وبالنسبة لقطاع من المتضررين، فقد تسلّل اليأس إلى نفوسهم، وبلغ حد التلويح باللجوء إلى جهات دولية، خصوصاً أن كثيراً من أبناء أُسر المُلاك يعيشون في أوروبا وأميركا.

ويقول أحد هؤلاء المتضررين؛ ويُدعى أحميد (اسم مستعار)، عبر إحدى صفحات التواصل الاجتماعي: «حتى اللحظة، لم يتواصل أحد من بين أشقائي الذين يعملون في أميركا ويحملون جنسياتها، مع الجمعيات الحقوقية والسلطات هناك»، مضيفاً: «لو أنهم فعلوا لكانت بلدانهم أول المطالبين بحقوق رعاياهم المنهوبة»، وفق تعبيره.

لكن الناطق باسم «الحركة الوطنية الشعبية» ناصر سعيد، أقر بحدوثها فقط في مدينتيْ طرابلس والخمس (غرب البلاد). ونقل عن موظفين عاصروا تلك الفترة، الإشارة إلى «عدم تضرر أرشيف طرابلس من واقعة الحرق، في حين جرى احتواء آثار واقعة الحرق التي التهمت مخزن المحفظات في الخمس عبر مستخرجات رسمية جديدة من مسحٍ شمل مواطنين في تلك المنطقة».

ويذهب الناطق باسم «الحركة» إلى القول، لـ«الشرق الأوسط»، إن إثبات الملكية «يتطلب تقديم عقد قديم (علماً بأن الحيازة شكل من أشكال التمليك)، إلى جانب رسم تخطيطي، ووصفة فنية، وإعلان في صحيفة؛ تحسباً لأي طعن محتمل».

وقبل عقود، ضِمن مقولة شهيرة للعقيد معمر القذافي: «البيت لساكنه»، أصدرت الجهات التشريعية قوانين لا تجيز للمواطن الحق في امتلاك مسكن واحد يزيد عن 500 متر، في حين يخضع كل ما هو خارج المخطط إلى حق الانتفاع، وهو ما بُني عليه التسجيل العقاري، الذي ألزم المواطنين بإثبات ملكيتهم.

وتكشف شهادة المستشار جمعة الزريقي، مدير مصلحة التسجيل العقاري الأسبق، والذي كان يشغل منصبه في ليلة «الحريق»، النقاب عما قال إنها «برقيات وجّهها مكتب اللجان الثورية إلى جميع فروعه في المدن الليبية لإضرام النار في المكاتب»، وينقل الزريقي نقاشاً دار مع عناصر تلك اللجان يقترح فيه «نقل هذا الأرشيف إلى مكان آمن».

ويوضح المسؤول الليبي السابق، وفق تسجيل مصور متداول لإحدى القنوات المحلية: «رفض اللجان الثورية الاحتفاظ بهذه الوثائق والأوراق التاريخية في السرايا الحمراء (قلعة تاريخية في العاصمة طرابلس)؛ تمهيداً لبدء عملية تسجيل الأملاك»، وكان مبرر اللجان في الرفض - وفق الزريقي - أنه «ليس من الصعب على الرجعيين أخذ هذه السجلات من السرايا الحمراء لمقاضاة الدولة الليبية بها».

ولم ير عضو مجلس النواب خليفة الدغاري، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، حلاً سوى «اللجوء إلى القضاء لاسترداد هذه الحقوق، إذا ما ثبت صحة المستندات؛ كون حرق السجل العقاري والزحف على الشركات في القطاعين العام والخاص دون سند قانوني، جريمة يعاقب عليها القانون»، لكنه عَدَّ «الشرط الجوهري لنجاح هذا الحل هو أن يكون القضاء مستقلاً وقوياً، حال قيام الدولة الليبية».