دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، اليوم الثلاثاء، السلطات التونسية إلى احترام الانتقال الديمقراطي في البلاد، وحماية الحريات والحقوق الأساسية، في أعقاب انتخابات رئاسية شابتها ضغوط ضد المعارضة والسياسيين المستقلين والصحافيين. وفاز الرئيس قيس سعيّد بولاية رئاسية ثانية بنسبة فاقت 90 في المائة من أصوات الناخبين، في مواجهة مرشحَين اثنين فقط؛ أحدهما العياشي زمال رئيس «حركة عازمون» الموقوف منذ بداية سبتمبر (أيلول)الماضي والذي صدرت ضده حتى الآن أحكام بالسجن في قضايا ترتبط بتزوير تزكيات شعبية من الناخبين، تصل مدتها إجمالاً إلى أكثر من 20 عاماً في مراحلها الابتدائية.
كما استبعدت «هيئة الانتخابات» مرشحين كُثراً، بدعوى تضمن ملفاتهم خروقات قانونية، ولم تستجب لقرار المحكمة الإدارية بإعادة 3 مرشحين جديين إلى السباق الرئاسي. وقال فولكر في بيان صحافي، تلقت «وكالة الأنباء الألمانية» نسخة منه، إن «رفض قرار قضائي ملزم قانوناً يتعارض مع الاحترام الأساسي لسيادة القانون». كما انتقد المسؤول الأممي حملة الإيقافات التي طالت معارضين وصحافيين ونشطاء من المجتمع المدني.
وأوضح المفوض السامي أنه «منذ عام 2011، كانت تونس رائدة في الجهود الرامية لضمان المساءلة والتعويض عن الانتهاكات الماضية، لا سيما من خلال عمل (هيئة الحقيقة والكرامة)... لكن للأسف ضاع كثير من هذه المكاسب، والدليل على ذلك اعتقال الرئيسة السابقة لـ(الهيئة) مؤخراً». وحث المفوض تونس على «الالتزام من جديد بالعدالة الانتقالية لصالح الضحايا، وإجراء الإصلاحات الضرورية لتعزيز دولة القانون، وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما فيما يتعلق بحرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات. كما أدعو أيضاً إلى الإفراج عن جميع المعتقلين بشكل متعسف». وتقول منظمات حقوقية إن الأسابيع التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأخيرة شهدت اعتقال أكثر من مائة من المرشحين المحتملين، وأعضاء في حملاتهم الانتخابية، وشخصيات سياسية أخرى، بتهم مختلفة، تتعلق بتزوير وثائق انتخابية وبالأمن القومي، وهو ما أكده المفوض السامي. ومن بين 17 مرشحاً محتملاً، لم تقبل «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» سوى 3 مرشحين، بينما جرى «توقيف كثير من المرشحين، وحُكم عليهم بالسجن لفترات طويلة». وبهذا الخصوص، قال تورك إنّ «محاكمتهم تُظهر عدم احترام ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمة العادلة».
ويتعرض الرئيس سعيّد، الذي فاز بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية بنسبة مشاركة وصلت بالكاد إلى 29 في المائة، لانتقادات شديدة من المعارضين ومن منظمات المجتمع المدني بعد 5 سنوات من الحكم؛ لأنه كرّس، وفق منتقديه، كثيراً من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، خصوصاً حزب «حركة النهضة» الإسلامي المحافظ، الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديمقراطي عقب إطاحة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في عام 2011.
في هذا السياق، أشار المفوض السامي لحقوق الإنسان إلى أنّ تونس تشهد «ضغوطاً متزايدة على المجتمع المدني»، مضيفاً أنّه «خلال العام الماضي، استُهدف كثير من الصحافيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والمعارضين السياسيين، فضلاً عن قضاة ومحامين». وفيما أشار تورك إلى الربيع العربي، فقد أعرب عن أسفه لـ«ضياع كثير من هذه الإنجازات»، مستشهداً باعتقال الرئيسة السابقة لـ«هيئة الحقيقة والكرامة».