مصر لتجاهل تصعيد «الدعم السريع»

خبراء قللوا من تأثير قرار حظر الصادرات

جانب من الحرب الدائرة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
جانب من الحرب الدائرة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
TT

مصر لتجاهل تصعيد «الدعم السريع»

جانب من الحرب الدائرة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
جانب من الحرب الدائرة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

فيما بدا اتجاهاً مصرياً لتجاهل التصعيد المتكرر من جانب «قوات الدعم السريع»، لم تعلق القاهرة على القرارات الإدارية التي أصدرتها «قوات الدعم السريع»، السبت، بشأن حظر الصادرات السودانية إلى مصر.

وقلل خبراء تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط» من تأثير قرارات الحظر التجاري على مصر. وأكدوا أن «القاهرة تنأى بنفسها عن الدخول في مهاترات وتراشق مع (قوات الدعم السريع)».

وصعّدت «قوات الدعم السريع» من جديد ضد القاهرة، وأصدرت، السبت، قرارات إدارية، فرضت بموجبها حظراً تجارياً على تصدير السلع السودانية إلى مصر من المناطق التي تُسيطر عليها في السودان. وجاء ذلك بعد بيان اتهمت فيه «قوات الدعم السريع» مصر بـ«عرقلة الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار والسلام في السودان»، في استمرار لتصعيد بدأه قائد «قوات الدعم السريع» في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مساء الأربعاء الماضي، باتهام مصر بالمشارَكة في «غارات جوية ضد قواته».

ولم تعلق القاهرة على خطوات التصعيد المتكرر، مكتفية بإفادة رسمية واحدة حادة اللهجة، نفت فيها اتهامات «حميدتي»، واصفة «قوات الدعم السريع» بـ«الميليشيا». وأكدت وزارة الخارجية المصرية، أن «الاتهامات تأتي في وقت تبذل فيه مصر جهوداً مكثفة لوقف الحرب في السودان، وحماية المدنيين، وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط الإغاثة الإنسانية الهادفة لدعم المتضررين من النزاع». وشدّدت على أن «القاهرة سوف تواصل تقديم أشكال الدعم الممكنة للسودانيين كلهم؛ لمواجهة التحديات الناتجة عن هذه الحرب الغاشمة».

وأكد الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج، أن «القاهرة ليست طرفاً في النزاع السوداني وتلتزم الحياد، وإنْ دعمت الجيش الذي يمثل مؤسسات الدولة الوطنية»، مشيراً إلى أن «مصر تلتزم الصمت تجاه التصعيد المتكرر من جانب (حميدتي)».

وهو ما أشار إليه أيضاً مدير «المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، العميد خالد عكاشة، وقال إن «مصر أكثر تعقلاً، وتدرك أن ما يفعله (حميدتي) نتاج أزمة داخلية بعد هزيمته الميدانية».

من آثار المعارك في مدينة الفاشر (أ.ف.ب)

في حين أكدت السفيرة منى عمر مساعدة وزير الخارجية المصري السابقة، أن «القاهرة تنأى بنفسها عن الدخول في مهاترات أو الرد على ادعاءات (قوات الدعم السريع)». وقالت إن «مصر أصدرت بياناً واحداً نفت فيه اتهامات (حميدتي)، ولن تعلق مرة أخرى على هذه الاتهامات».

وأضافت أن «بيان الخارجية المصرية استهدف وضع النقاط على الحروف، دون الدخول في تراشق كلامي مع (قوات الدعم السريع)»، مشيرة إلى أن «موقف القاهرة واضح تاريخياً، وهي لم ولن تدخل في أي نزاع مسلح في أي دولة حول العالم». وأكدت أن «حديث (حميدتي) ما هو إلا محاولة لإلقاء مسؤولية فشله في الداخل على أطراف أخرى، لكن مصر لن تنجر خلف مثل هذه المحاولات، ولن تدخل مع (الدعم السريع) في أخذ ورد».

واتفق معها نائب رئيس «المجلس المصري للشؤون الأفريقية»، السفير صلاح حليمة، مؤكداً أن «مصر لا تتعامل مع (ميليشيا)، وموقفها واضح في دعم المؤسسات الشرعية للدولة السودانية»، مشيراً إلى أن «الاتهامات مجرد محاولة من جانب (حميدتي) لتعليق فشله على الآخرين».

وكانت «قوات الدعم السريع» وجّهت تحذيرات للتجار حال استمرارهم في تصدير عدد من السلع لمصر، تشمل الفول السوداني، والصمغ العربي، والجمال، والضأن، التي يتم إنتاجها في الغالب بمناطق تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في دارفور وكردفان.

في سياق ذلك، أشارت وزارة التموين والتجارة الداخلية المصرية، إلى أن «لديها مخزوناً استراتيجياً آمناً من اللحوم يكفي احتياجات السوق». وقال المتحدث الرسمي لوزارة التموين، أحمد كمال، إن «مصر تستورد اللحوم من دول أفريقية عدة أخرى مثل جيبوتي والصومال، وبكميات أكبر من تلك المستورَدة من السودان»، بحسب ما نقلته وسائل إعلام محلية، الأحد.

جنود من «قوات الدعم السريع» خلال دورية بمنطقة شرق النيل (أ.ب)

من جانبه، قلل عكاشة من شأن تهديدات «قوات الدعم السريع» بحظر الصادرات. وقال: «(حميدتي) لا يتحكم في الأوضاع بالسودان حتى يؤثر في مصر». كما شدّدت السفيرة منى عمر على أن التصعيد من جانب (قوات الدعم السريع) وقرار حظر الصادرات «لن يؤثران في مصر»، وقالت: «الأمر لا يستحق حتى البحث في سيناريوهات الرد».

أما حليمة، فأكد أن «مصر أكبر من أن ترد أو تفكر في خيارات للتعامل مع تصعيد (حميدتي)»، مشيراً إلى أن «قرار حظر الصادرات لا تأثير له، لا سيما أن مصر لديها بدائل تجارية عدة، إضافة إلى أنه ليس بمقدور (حميدتي) منع أي سلع عن مصر».

وأشار الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور مدحت نافع، إلى أن «مصر بحثت منذ بداية الحرب في السودان عن بدائل تجارية». وقال: «لم يكن ممكناً ترك سلع استراتيجية مثل اللحوم والعلف رهناً لأوضاع غير مستقرة في السودان».

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية، بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع»، بقيادة «حميدتي»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت نحو 13 مليون سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار، حسب تقديرات هيئة الأمم المتحدة.

 


مقالات ذات صلة

رائحة الموت تنبعث من أحد أحياء الخرطوم على وقْع المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»

شمال افريقيا فريق «الهلال الأحمر السوداني» يحمل بقايا الجثث التي استُخرجت من حفرة الصرف الصحي (أ.ف.ب)

رائحة الموت تنبعث من أحد أحياء الخرطوم على وقْع المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»

تنبعث رائحة كريهة من حفرة للصرف الصحي بحي دمّرته الحرب بالخرطوم، بينما ينهمك عناصر «الهلال الأحمر» في انتشال جثة منتفخة من تحت الأرض.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عناصر من الدفاع المدني السوداني ينقلون جثثاً عثر عليها في بئر في الخرطوم (أ.ف.ب)

مقتل 6 مدنيين بقصف لـ «قوات الدعم السريع» في السودان

قُتل 6 مدنيين بينهم طفلان وجُرح 36 آخرون في قصف لـ«قوات الدعم السريع» على أم درمان شمال الخرطوم، بحسب ما أفاد مصدر طبي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

«الشرق الأوسط» (أم درمان)
شمال افريقيا مشاورات سياسية بين وزيري خارجية مصر والسودان في القاهرة خلال فبراير الماضي (وزارة الخارجية المصرية)

سودانيون بالقاهرة يقترحون مشاركة مصرية واسعة في إعادة إعمار بلدهم

اقترح سودانيون مقيمون في القاهرة منح الأولوية أمام الشركات المصرية، للمساهمة بشكل موسع في عمليات «إعادة الإعمار»، بعد انتهاء الحرب الحالية في بلدهم.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا زعيم «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية - الشرق الأوسط)

قائد «قوات الدعم السريع»: الحرب الآن داخل الخرطوم ولن نخرج من القصر الجمهوري

قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) اليوم (السبت)، إن الحرب ضد الجيش السوداني باتت الآن داخل الخرطوم، مشدداً على أن قواته لن تخرج منها.

خاص الهادي إدريس عضو مجلس السيادة السوداني السابق (الشرق الأوسط)

خاص الهادي إدريس لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة الموازية» لتفادي الانقسام في السودان

يقول عضو مجلس السيادة السوداني السابق الدكتور الهادي إدريس في حوار مع «الشرق الأوسط» إن الحكومة الموازية المزمع إنشاؤها هدفها الرئيسي تقديم الخدمات للمحرومين.

عيدروس عبد العزيز (لندن)

تراجع ظاهرة «الغياب» في المدارس المصرية بفضل «التقييمات» المتكررة

وزير التربية والتعليم خلال تفقد إحدى المدارس في وقت سابق (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم خلال تفقد إحدى المدارس في وقت سابق (وزارة التربية والتعليم)
TT

تراجع ظاهرة «الغياب» في المدارس المصرية بفضل «التقييمات» المتكررة

وزير التربية والتعليم خلال تفقد إحدى المدارس في وقت سابق (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم خلال تفقد إحدى المدارس في وقت سابق (وزارة التربية والتعليم)

شهدت المدارس المصرية تحولاً ملحوظاً في معدلات حضور الطلاب، حيث تراجعت ظاهرة «الغياب» بفضل نظام «التقييمات» المتكررة الذي طبقته وزارة التربية والتعليم، والتي «حدتّ من الظاهرة التي كانت تؤثر سلباً على العملية التعليمية»، بحسب مراقبين.

وأكد وزير التربية والتعليم والتعليم الفني المصري، محمد عبد اللطيف، خلال لقائه مع رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، الثلاثاء، «انتظام العملية التعليمية بشكلٍ ملحوظ»، مشيراً إلى أن «نسب حضور الطلاب في المدارس مرتفعة بشكل عام، حيث تصل إلى نحو 85 في المائة».

وكان الوزير استبق انطلاق العام الدراسي الحالي (2024 - 2025)، في سبتمبر (أيلول) الماضي، بالتشديد على ضوابط الحدّ من «الغياب» بالمدارس، موجّهاً بالمتابعة المستمرة ومتابعة انتظام حضور الطلاب، وتنفيذ ضوابط وآليات لضبط وانتظام العملية التعليمية من خلال تنفيذ «لائحة الانضباط المدرسي» التي أصدرتها الوزارة؛ لضمان انتظام العملية التعليمية.

كما استبقت الوزارة حلول شهر رمضان بنفي «رفع تسجيل غياب الطلاب في المدارس»، حيث نقلت وسائل إعلام مصرية، عن مصدر بوزارة التربية والتعليم الفني نفيه ما أشيع على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه سيتم رفع الغياب في المدارس خلال شهر رمضان، الذي يتزامن مع الفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي الحالي، مؤكداً أنه «ستتم متابعة تسجيل الغياب والحضور، واستمرار التقييمات الأسبوعية والأداءات الصفية والمنزلية».

تأكيدات وزارية بانتظام العملية التعليمية بشكلٍ ملحوظ في المدارس المصرية (وزارة التربية والتعليم)

بالتزامن؛ أعلنت المديريات والإدارات التعليمية، أن الدراسة في رمضان مستمرة بشكل طبيعي، مؤكدة تسجيل الغياب حسب القرارات الوزارية، مع تقليل ساعات اليوم الدراسي سواء للمدارس التي تعمل بنظام الفترة الواحدة أو الفترتين. وحذرت الطلاب من «مخالفة هذه التعليمات».

وفي تطبيق فعلي على تلك التشديدات والتقييمات، قررت وزارة التربية التعليم المصرية، ممثلة في إدارة الخانكة التعليمية بمحافظة القليوبية (شمال القاهرة)، التحقيق واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن واقعة غياب «الطلاب والمعلمين» في إحدى المدارس الإعدادية المشتركة التابعة لها.

مؤسِّسة «ائتلاف أولياء أمور مصر»، الخبيرة التربوية والاجتماعية، داليا الحزاوي، أشارت إلى أن ظاهرة الغياب في المدارس المصرية شهدت تراجعاً ملحوظاً هذا العام بسبب تشديدات وزارة التربية والتعليم على الطلاب بالحضور في جميع المراحل الدراسية، من خلال تسجيل الغياب الإلكتروني للطلاب، ووجود الأداءات الصفية والمنزلية والتقييمات الأسبوعية والاختبارات الشهرية، كما أن أعمال السنة يوجد بها درجات للحضور في المدرسة.

جانب من اجتماع رئيس الوزراء المصري مع وزير التربية والتعليم (وزارة التربية والتعليم)

وأضافت الحزاوي لـ«الشرق الأوسط»: «من الأمور التي تجبر الطلاب على الحضور وعدم التغيب، هو أن التقييمات الأسبوعية والاختبارات الشهرية لا تتم إعادتها للطلاب؛ إلا في حالات الغياب بعذر، ويكون ذلك من خلال تقرير طبي بشكل رسمي؛ ما يمنع الطلاب من الغياب حتى لا يؤثر ذلك على درجات أعمال السنة».

وتلفت الخبيرة التربوية والاجتماعية، إلى هناك زيارات ميدانية تجري لمتابعة انتظام الدراسة بالمدارس، وهناك إجراءات صارمة في حالة وجود قصور في سير العملية التعليمية، وتدنٍ في أعداد الطلاب المنتظمين في الحضور؛ ما يجعل المدارس والمديريات التعليمية تشدد على ضرورة الالتزام بالحضور.

وعلى رغم النجاح الذي حققه نظام «التقييمات» المتكررة في عودة الطلاب للمدرسة، والحد من ظاهرة الغياب التي كانت تؤثر سلباً على العملية التعليمي، فإنه برأي الحزاوي «هناك بعض الإجراءات الأخرى المطلوبة لانتظام العملية التعليمية، مثل الحاجة إلى اهتمام الوزارة بتوفير الأنشطة المدرسية، مع اتباع المعلمين أساليب شرح حديثة جاذبة للطلاب، وإعداد المعلمين تربوياً؛ حتى يسهل عليهم التعامل مع الأنماط المختلفة للطلاب، وتوفير بيئة مدرسية نظيفة وآمنة، ومعامل مؤهلة للشرح العملي».