تونس تستعد لانتخاب رئيس... وسط استنكار حقوقي ومخاوف اقتصادية

جماعات حقوقية تتهم الرئيس بـ«إزالة معظم الضوابط الديمقراطية على سلطته خلال ولايته»

هيئة الانتخابات دعت نحو 10 ملايين ناخب للاقتراع الرئاسي المقرر الأحد (رويترز)
هيئة الانتخابات دعت نحو 10 ملايين ناخب للاقتراع الرئاسي المقرر الأحد (رويترز)
TT

تونس تستعد لانتخاب رئيس... وسط استنكار حقوقي ومخاوف اقتصادية

هيئة الانتخابات دعت نحو 10 ملايين ناخب للاقتراع الرئاسي المقرر الأحد (رويترز)
هيئة الانتخابات دعت نحو 10 ملايين ناخب للاقتراع الرئاسي المقرر الأحد (رويترز)

تشهد الانتخابات التونسية، المقررة الأحد، منافسة بين الرئيس قيس سعيد ومرشحَين؛ أحدهما سُجن فجأة الشهر الماضي، والآخر يرأس حزباً سياسياً، فيما تقول جماعات حقوقية إن الرئيس أزال معظم الضوابط الديمقراطية على سلطته خلال فترة ولايته الأولى، بحسب ما أورده تقرير لوكالة «رويترز»، الجمعة.

غياب الحماس

ووسط حالة من الفتور وغياب الحماس، دُعي نحو عشرة ملايين ناخب للاقتراع، الذي بدأ في الخارج، الجمعة. علماً بأن هيئة الانتخابات أزاحت ثلاثة مرشحين بارزين، يمثلون تيارات سياسية كبرى من قائمة المرشحين في السباق، في خطوة أثارت غضباً واسع النطاق من المعارضين ومنظمات المجتمع المدني. كما جرد البرلمان، الأسبوع الماضي، المحكمة الإدارية، التي ينظر إليها على أنها محكمة مستقلة، من سلطة الفصل في النزاعات الانتخابية.

المرشح الرئاسي زهير المغزاوي (إ.ب.أ)

وكانت تونس قد نالت إشادات على مدى سنوات، بوصفها قصة النجاح النسبي الوحيدة لانتفاضات «الربيع العربي» عام 2011، بعد إدخال ديمقراطية تنافسية، وإن كانت متعثرة، بعد عقود من الحكم الاستبدادي. وفاز سعيد بانتخابات عام 2019، وسط موجة من الغضب الشعبي إزاء الفشل الاقتصادي والفساد بين النخبة. وسعياً لما قال إنه إحداث تغيير جوهري، وإنهاء سنوات من الفوضى، أقال سعيد البرلمان في عام 2021، وأعاد كتابة دستور جديد بشكل فردي قبل طرحه للاستفتاء، وهي خطوات وصفتها المعارضة بأنها انقلاب. ونتيجة لذلك، نظمت جماعات المعارضة، التي اتهمته بتقويض الديمقراطية عدة احتجاجات، خاصة بعد سجن أغلب زعماء الأحزاب الرئيسية منذ ذلك الحين، وهم يتهمون الرئيس الآن بمحاولة تزوير انتخابات الأحد، وذلك بتوظيف القضاء والهيئة الانتخابية لتحقيق هذا الغرض.

مظاهرة وسط العاصمة نظمها معارضون لسياسات الرئيس سعيد (إ.ب.أ)

غير أن الرئيس سعيد رفض هذه الاتهامات، وقال إنه لا يريد تفكيك الديمقراطية أو أن لديه ميولاً ديكتاتورية. وبدلاً من ذلك، يصف بعض معارضيه بأنهم خونة، مؤكداً أن برنامجه السياسي يهدف إلى القضاء على الفساد.

فتور انتخابي

ولا يُبدي كثير من التونسيين حماساً لانتخابات الأحد. ولم يحظ الاستفتاء الذي أجراه سعيد على دستوره الجديد في عام 2022 بإقبال سوى 30 في المائة ممن يحق لهم التصويت، بينما لم تحظ انتخابات عام 2022 للبرلمان الجديد، الذي أزال منه معظم السلطات، إلا بتصويت لم تتجاوز نسبته 11 في المائة. يقول محمد الربودي، وهو مدرس: «لا توجد انتخابات، هي مجرد تأييد لشخص يمتلك كل السلطات، ويمكنه أن يفعل ما يريد ويغير القوانين كما يحلو له». وواجه أكبر حزب سياسي في تونس، وهو حزب «النهضة» الإسلامي، قيوداً شديدة منذ سُجن زعيمه راشد الغنوشي، رئيس البرلمان السابق، العام الماضي، بتهم يقول إنها ملفقة. ولم تقدم النهضة أي مرشح.

‭‭‭*‬‬‬معارضون في السجون

على الرغم من مشاكلها، كانت مجموعات معارضة أخرى تأمل في تحدي سعيد في انتخابات الرئاسة.‭‭‭ ‬‬‬وسُجنت عبير موسي، زعيمة «الحزب الدستوري الحر»، العام الماضي، بتهمة الإضرار بالأمن العام. وكان ينظر إلى موسي على نطاق واسع على أنها أبرز المنافسين على منصب الرئيس قبل سجنها. كما سُجن سياسي بارز آخر، وهو لطفي المرايحي هذا العام بتهمة شراء الأصوات. لكن المرايحي وموسي نفيا هذه الاتهامات. وأعلن كلاهما سابقاً نية الترشح في الانتخابات الرئاسية، لكنهما مُنعا من تقديم طلباتهما من السجن.

رئيسة «الدستوري الحر» المعتقلة عبير موسي (أ.ف.ب)

‭‭‭ ‬‬‬كما مُنع بعد ذلك ثلاثة مرشحين آخرين، يُنظر إليهم على أنهم يشكلون منافسة جدية لسعيد، من الترشح من قِبل لجنة الانتخابات، التي عيّنها الرئيس سعيد بنفسه. وقد أمرت المحكمة الإدارية بإعادتهم إلى الاقتراع، لكن اللجنة رفضت ذلك. ثم جرّد البرلمان، المنتخب بموجب دستور سعيد الجديد، المحكمة من دورها في الانتخابات. ويواجه سعيد الآن مرشحَين اثنين هما رئيس حزب «الشعب» زهير المغزاوي، وهو حليف سابق لسعيد تحول في الآونة إلى منتقد له. ولم يكن المرشح الآخر، العياشي زمال، معروفاً بشكل كبير قبل الحملة الانتخابية، لكن يبدو أنه اكتسب شعبية مهمة. غير أنه أُلقي القبض عليه، الشهر الماضي، بتهمة تزوير وثائق انتخابية، وحُكم عليه بالسجن لمدة 20 شهراً في 18 من سبتمبر (أيلول) الماضي. ويوم الثلاثاء، حُكم عليه بالسجن لمدة 12 عاماً أخرى بالتهم نفسها. وقال محاميه إن هذه الأحكام ذات دوافع سياسية.

مخاوف اقتصادية

في الوقت نفسه، لا يزال التونسيون يواجهون أزمة في المالية العامة أدت إلى نقص في السلع بين الحين والآخر، مثل السكر والقهوة والأرز، فضلاً عن انقطاع المياه والكهرباء، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم. وساعد تعافي السياحة بعد جائحة «كوفيد»، والمساعدات من الدول الأوروبية القلقة بشأن الهجرة من تونس، الرئيس سعيد، على تفادي إجراء تخفيضات حادة لا تحظى بشعبية في الإنفاق، والتي يتطلبها برنامج قرض صندوق النقد الدولي. لكن المخاوف من استمرار الركود الاقتصادي، وغلاء الأسعار، وسوء الخدمات العامة في الصحة والنقل تشغل الناخبين، وتقلل حماسهم إزاء فرص التغيير. يقول تاجر يدعى أيمن: «أعطيت صوتي لسعيد منذ سنوات بحماس لأنني اعتقدت أن الأمور ستتحسن. لسوء الحظ، فإن الوضع يزداد سوءاً». وأضاف أيمن مستدركاً: «صحيح أنه رجل نظيف، لكنه لم يفعل شيئاً لتغيير ذلك. أنا متردد بين أن أعطيه فرصة أخرى أو أصوت لمرشح آخر». ويشعر كثير من التونسيين بالقلق إزاء ارتفاع تكاليف المعيشة، حيث بلغ التضخم 7 في المائة، كما ارتفعت معدلات البطالة إلى 16 في المائة، مع زيادة قوارب المهاجرين المتجهة إلى السواحل الأوروبية.

يعيش جُل التونسيين أزمة في المالية العامة أدت إلى نقص في السلع بين الحين والآخر (أ.ف.ب)

في غضون ذلك، دعت بعض الأحزاب الأخرى إلى مقاطعة الانتخابات، وقال حمة الهمامي، زعيم حزب «العمال»: «من يأتِ بانقلاب يرفض الانتخاب... هذه الانتخابات انقلاب جديد... من أرسل الدبابات لحل البرلمان لن يتخلى عن السلطة بالانتخابات». ويواجه سعيد انتقادات من المعارضين بقمع الصحافة، وتقييد أنشطة منظمات المجتمع المدني واعتقال الصحافيين، ومسؤولين نقابيين ونشطاء ومدونين. لكن الرئيس التونسي يرفض الاتهامات، ويقول إنه يخوض حرب تحرير يحارب خلالها «الخونة والمرتزقة مهما كان صفاتهم». وعلى عكس انتخابات 2019، لم يشاهد التونسيون مناظرة تلفزيونية بين المرشحين في الانتخابات الرئاسية، وهو ما كان مشهداً نادراً في دولة عربية قبل اختيار رئيس بطريقة ديمقراطية وحرة. ولذلك يقول المنتقدون إن الأحوال الراهنة، والأوضاع الجديدة، تسلط الضوء على حجم الضرر الذي ألحقه الرئيس سعيد بالديمقراطية التونسية.



مصر تعوّل على الدعم الأوروبي لتعويض تكلفة استضافة اللاجئين

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في القاهرة (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تعوّل على الدعم الأوروبي لتعويض تكلفة استضافة اللاجئين

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في القاهرة (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في القاهرة (الرئاسة المصرية)

تعوّل الحكومة المصرية على تعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، لتعويض فاتورة استضافة ملايين اللاجئين على أراضيها، إلى جانب تكلفة التوترات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً التصعيد في البحر الأحمر، وتأثيره على تراجع إيرادات قناة السويس.

ووصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بلاده بـ«خط الدفاع الأول عن أوروبا، لمنع الهجرة غير الشرعية»، خلال استقباله، الخميس، في القاهرة، رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، مؤكداً أهمية «مواصلة التعاون مع أوروبا في قضايا الهجرة ومكافحة الإرهاب»، حسب «الرئاسة المصرية».

الموقف ذاته أكده السيسي، أيضاً في اتصال هاتفي مع رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، الخميس، مشيراً إلى أن بلاده «تستضيف أكثر من 9 ملايين أجنبي، نتيجة الأزمات التي تشهدها المنطقة».

ويرى خبراء مصريون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن «استضافة القاهرة ملايين اللاجئين وفَّرت حماية لأوروبا من الهجرة غير الشرعية، مما يستلزم ضرورة توفير دعم مناسب للحكومة المصرية، في ضوء الأعباء التي تمثلها استضافة أعداد كبيرة من المهاجرين، على الاقتصاد المصري».

وسبق أن قدّر رئيس الوزراء المصري تكلفة استضافة الأجانب في مصر، بنحو 10 مليارات دولار سنوياً.

ووفق بيان الرئاسة المصرية، فإن السيسي خلال لقائه ميتسولا، أكد «ضرورة دعم الجهود الحثيثة التي تبذلها بلاده لمنع الهجرة غير الشرعية».

كما أشار إلى آثار التوترات التي تشهدها المنطقة على الاقتصاد المصري، وقال إن «بلاده تكبَّدت خسارة، تُقدر بنحو 7 مليارات دولار، من إيرادات قناة السويس، في عام 2024، بسبب الهجمات التي قام بها الحوثيون على السفن التجارية، في باب المندب»، كما تناول «آليات تفعيل الشراكة الاستراتيجية والشاملة مع الاتحاد الأوروبي، في محاورها كافة».

وفي مارس (آذار) الماضي، توافقت مصر والاتحاد الأوروبي على ترفيع العلاقات إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية الشاملة»، ووقّع الجانبان في ختام قمة عُقدت بالقاهرة شارك فيها السيسي، ورئيسة المفوضية الأوروبية، ورؤساء دول وحكومات قبرص وإيطاليا والنمسا واليونان، «إعلاناً مشتركاً» بشأن شراكة استراتيجية شاملة.

وثمَّنت رئيسة البرلمان الأوروبي الدور المصري في حماية استقرار وأمن المنطقة وشعوبها، كما أكدت «حرص الاتحاد الأوروبي على تعزيز التنسيق المستمر مع مصر، في جميع القضايا»، وفق الرئاسة المصرية.

ويقدم الاتحاد الأوروبي حزمة تمويل لمصر، في صورة مساعدات مالية، وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، مطلع يناير (كانون الثاني) الحالي، إن بلاده «تلقَّت شريحة أولى قيمتها مليار يورو، من حزمة تمويل، من الاتحاد الأوروبي، حجمها 7.4 مليار يورو».

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي، أن «الجانب الأوروبي يقدم مساعدات للقاهرة في صورة منح وليست قروضاً، تقديراً للسياسة المصرية تجاه المهاجرين واللاجئين»، وقال إن «مصر تستضيف ملايين اللاجئين، ولم تكن معبراً لنقل المهاجرين إلى أوروبا، كما فعلت بعض الدول الإقليمية»، عاداً ذلك «محل تقدير أوروبي».

ووفق الحكومة المصرية فإنه «لم تبحر من مصر أي مراكب غير شرعية منذ عام 2016، بفضل إجراءات حاسمة، تقوم بها، لمواجهة الهجرة غير المشروعة».

وأشار بيومي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الاتحاد الأوروبي يقدم تسهيلات كثيرة للحكومة المصرية، غير المنح، من بينها سياسة مبادلة الديون باستثمارات مباشرة»، إلى جانب «تعزيز التبادل التجاري، والتوسع في استثمارات الطاقة والغاز»، وقال إن «مصر تستهدف أن تكون مصدراً أساسياً للطاقة في أوروبا».

ويرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، إكرام بدر الدين، أن «مصر تقوم بدور مزدوج في ملف المهاجرين واللاجئين»، وقال إن «استضافة القاهرة ملايين الفارين من الصراعات والنزاعات في المنطقة، يوفر ملاذاً آمناً لهم، ويوفر الحماية لأوروبا في الوقت نفسه، أمام أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين»، وإن «استمرار الدعم الأوروبي لمصر ضروري لتحقيق المصالح الأوروبية».

ويتوقف بدر الدين، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، مع التقارب السياسي بين مصر والاتحاد الأوروبي تجاه معظم التطورات الإقليمية، مشيراً إلى أن «هناك مصلحة مصرية وأوروبية مشتركة للتهدئة في البحر الأحمر، وتأمين حركة الملاحة».

وخلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي، ناقش السيسي جهود وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وضرورة تطبيق «حل الدولتين»، بوصف ذلك خياراً وحيداً لتحقيق السلام المستدام في المنطقة، إلى جانب الأوضاع في ليبيا والسودان والصومال، وضرورة الحفاظ على وحدة تلك الدول وأمنها.