الفاشر بين الصمود والسقوط... معركة «النفَس الطويل»

تجدّد المعارك العنيفة بين الجيش السوداني و«الدعم السريع»

نازحون سودانيون في مخيم بالقضارف (أ.ف.ب)
نازحون سودانيون في مخيم بالقضارف (أ.ف.ب)
TT

الفاشر بين الصمود والسقوط... معركة «النفَس الطويل»

نازحون سودانيون في مخيم بالقضارف (أ.ف.ب)
نازحون سودانيون في مخيم بالقضارف (أ.ف.ب)

تجدّدت المعارك العنيفة، السبت، في الفاشر، جنوب غربي السودان، حيث أُفيد بأن «قوات الدعم السريع» تشنّ هجوماً، في حين أفاد شهود بوقوع «عدة غارات لطيران الجيش على مناطق شرق الفاشر وجنوبها»، وبـ«سماع أصوات المضادات الأرضية».

فبعد مرور 11 شهراً على اندلاع القتال في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (غرب البلاد)، بين الجيش السوداني والقوات المتحالفة من جهة، و«قوات الدعم السريع» من جهة أخرى، لم يحسم أي منهما الوضع لمصلحته، لتدخُل المدينة في حرب استنزاف لا تُعرف نهايتها.

لم تكن الفاشر هدفاً عسكرياً لـ«قوات الدعم السريع» قبل إعلان عدد من الفصائل الدارفورية المسلحة في نوفمبر (تشرين الثاني) التخلّي عن موقف الحياد من الصراع في البلاد، والانحياز للقتال إلى جانب الجيش السوداني، ضد «قوات الدعم السريع»، لذلك ظلّت لفترة طويلة خارج نطاق القتال.

فـ«قوات الدعم السريع» التي عُرفت بتحقيق انتصارات عسكرية خاطفة في الحرب، توقَّع الجميع سقوط المدينة في يدها خلال فترة وجيزة، إلا أن التحالف الذي تَشكَّل بين الجيش السوداني واثنتين من كُبريات هذه الحركات في دارفور، وهما «حركة جيش تحرير السودان» و«حركة العدل والمساواة»، خلَق واقعاً جديداً، صمدت فيه المدينة لأشهر طويلة أمام هجمات «قوات الدعم السريع»، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وعزا خبراء عسكريون تحدّثوا لــ«الشرق الأوسط» هذا الصمودَ إلى نجاح التحالف العسكري في بناء دفاعات قوية داخل المدينة وخارجها، ما أفشل الكثير من المحاولات والهجمات الكبيرة التي شنّتها «قوات الدعم السريع».

وكان الرأي الغالب أن «قوات الدعم السريع» بعد ما حققته من انتصارات ستحسم المعركة لصالحها، ما يشكّل نقطة تحوّل فارقة في مسار الحرب، ربما يدفع قيادتها إلى إعلان حكومة موازية بالبلاد في مواجهة سلطة قادة الجيش في بورتسودان.

ورأى الفريق ركن (متقاعد) محمد بشير سليمان أن «القيادة الكارزمية المؤثرة على الجنود شكّلت أحد أهم العوامل الرئيسية لصمودهم في الميدان، وتحقيق الهدف العسكري في الدفاع عن الفاشر، وكان أداؤهم فوق التصور بالاستبسال في المعارك ضد الهجمات المتتالية».

توافُق الجيش والفصائل

وحسب الخبير العسكري، فإن حالة التوافق بين الجيش السوداني وقوات الفصائل المسلحة في تشكيل حلف عسكري للدفاع عن المدينة، حالَ دون نجاح «قوات الدعم السريع» في الاستيلاء على الفاشر.

وقال سليمان لــ«الشرق الأوسط»: «إن الفاشر أصبحت على مستوى البعد الشعبي معركةَ وجود للدفاع عن حقهم في الحياة، لذلك انخرط الكثير من المواطنين في حمل السلاح، وتحمّلوا القصف المدفعي العشوائي، والقتال لحماية أهاليهم وقبائلهم؛ لأن الطرف الآخر - يقصد (قوات الدعم السريع) - لا حدّ لها في العداء، وتسعى لاستئصال هذه المجموعات السكانية من الوجود».

وأضاف أن الإجراءات العسكرية في تأسيس الدفاع على الأرض بكل مطلوباته؛ من الاستعداد للمعركة، وجمع المعلومات عن تحركات قوات العدو، مكّنت الجيش والقوات المتحالفة معه من صد كل الهجمات على المدينة.

ورأى أن شكل الصراع الذي ترى فيه بعض المجموعات السكانية أنه يستهدفها بشكل مباشر، قوّى من الروح المعنوية للقتال التي تمثّل، حسب قوله، 75 في المائة من مطلوبات الانتصار.

دخان كثيف يتصاعد في مدينة الفاشر بإقليم دارفور إثر معارك سابقة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (د.ب.أ)

وقال: «إن الاستراتيجية العسكرية التي طُبّقت في الفاشر بنصب الدفاعات خارج المدينة، والتجهيزات العسكرية الكبيرة، والإسناد بالطيران الحربي للجيش، بجانب التفوق في جمع المعلومات الاستخباراتية لتحديد المواقع التي ستهجم منها قوات العدو، دفع الجيش والقوة المشتركة لاتخاذ تكتيكات دفاعية وهجومية في الوقت نفسه، لإحباط أي هجمات من قِبل (قوات الدعم السريع)، يمكّنها من اختراق تلك الدفاعات، والسيطرة على المدينة».

وأشار إلى أن «قوات الدعم السريع» حاولت استخدام أسلوب الاختراق والتسلُّل الليلي، بمساندة من الخلايا النائمة في الفاشر، بجانب شنِّها موجات من الهجمات المتتالية من عدة اتجاهات لتجاوز الدفاعات المتقدمة، ومن ثم محاصرة قيادة الفرقة السادسة التابعة للجيش.

وأوضح أن التكتيكات العسكرية التي لجأت إليها القوات المشكّلة من الجيش السوداني ومقاتلي الفصائل المسلحة، جعل أرض العمليات مملوكة لها في التحرك الدفاعي والهجومي، لذلك سرعان ما كانت تنجح في صد الهجمات مهما كانت قوتها، وإعادة السيطرة على المواقع التي تتقدم فيها «قوات الدعم السريع».

ارتفاع وتيرة الاشتباكات

بدوره، قال المتحدث الرسمي باسم «منسقية اللاجئين والنازحين» في دارفور، آدم رجال: «إن ارتفاع وتيرة الاشتباكات التي تجري منذ أيام في الفاشر، يجعل من الصعوبة الحديث عن صمودها لفترة طويلة».

وأضاف أن الوضع العسكري يشير إلى أن سقوط المدينة بات وشيكاً، بعد التقدم الكبير لـ«قوات الدعم السريع» في مهاجمة الأحياء السكنية، والاقتراب من محاصرة حامية الجيش.

مدينة الفاشر السودانية تعاني وضعاً إنسانياً متدهوراً (أ.ب)

وعزا رجال صمود المدينة كل هذا الوقت إلى أن الصراع أخذ الطابع الإثني والعِرقي، وهو ما دفع أبناء بعض القبائل لمساندة القوات التي تحمل السلاح، باعتبار أن هذا الصراع يهدّد وجودهم.

وقال: «إن كل الاحتمالات واردة بسقوط الفاشر، على الرغم من أن طرفَي الصراع يُخفِيان المعلومات الحقيقية عما يجري على الأرض».

وتقع الفاشر عاصمة شمال دارفور غرب السودان، وهي إحدى أقدم مدن دارفور تاريخياً وسياسياً، وظلت المدينة الوحيدة خارج سيطرة «قوات الدعم السريع» التي تسيطر على أكثر من 80 في المائة من إقليم دارفور، بعد سقوط القواعد العسكرية في مدن الجنينة ونيالا وزالنجي والضعين.

من جهة ثانية، قال ضابط متقاعد في الجيش السوداني: «إن التقديرات العسكرية تشير إلى استمرار (قوات الدعم السريع) في شنّ الهجمات المتتالية على الفاشر، ما قد يحوّل المعركة لصالحها في أي وقت، بحدوث اختراق كبير قد يؤدي إلى انهيار تماسُك القوات التي تدافع عن المدينة في أي وقت»، مشيراً إلى أن هذا ما تُعوّل عليه «الدعم السريع»، من خلال التوغل إلى وسط المدينة.

وأضاف الضابط الذي تقاعد برتبة رفيعة، وطلب حجب هويته، أن الاستراتيجية الدفاعية والهجومية التي ترتكز عليها قوات الجيش والفصائل التي تقاتل إلى جانبه، نجحت إلى حد كبير في التصدي للمحاولات المتكررة من جانب «قوات الدعم السريع» على الفاشر، لكن إلى أي مدى ستصمد؟ يبقى هذا هو المحك.

ونبّه الضابط إلى أن الجيش السوداني يعلم تماماً أن سيطرة «قوات الدعم السريع» على المعقل الأخير له في إقليم دارفور، يعني تماماً خروج غرب البلاد من قبضته، ما قد يترتب عليه بسط قوات «حميدتي» نفوذها السياسي والعسكري، وموقف قوي في أي مفاوضات مقبلة لوقف الصراع.

مرحلة حاسمة

وقال: «إذا استمر التحالف العسكري بين الجيش والفصائل المسلحة على هذا النحو، فقد يصعّب على (قوات الدعم السريع) السيطرة على المدينة»، مشيراً إلى أن الهجوم الحالي على الفاشر يُعدّ ثالث أكبر هجوم، وإفشالُه سيكون له مردود عكسي على «الدعم السريع» التي فقدت الكثير من قادتها العسكريين الميدانيين في سبيل الاستيلاء على الفاشر.

وأشار الخبراء العسكريون إلى أن معركة الفاشر دخلت مراحل حاسمة مع احتدام المواجهات في محيط المدينة الاستراتيجية هذه الأيام، ما قد يُعطي مؤشرات إلى أن انتهاء المعارك حول المدينة سيكون نقطة تحوّل حاسمة لصالح الطرف المنتصر.


مقالات ذات صلة

السيسي يشدد على «الأهمية القصوى» لقضية مياه النيل في مصر

شمال افريقيا ترمب خلال استقباله للسيسي في واشنطن عام 2019 (الرئاسة المصرية)

السيسي يشدد على «الأهمية القصوى» لقضية مياه النيل في مصر

شدّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على «الأهمية القصوى» لقضية مياه النيل في مصر وذلك خلال استقباله قائد القيادة المركزية الأميركية مايكل كوريلا.

عصام فضل (القاهرة )
شمال افريقيا رئيس مجلس السيادة السوداني يهبط بطائرته في مدرج مطار الخرطوم (إعلام مجلس السيادة)

البرهان يحط في الخرطوم بطائرته الرئاسية للمرة الأولى منذ بدء الحرب

حط رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في مطار الخرطوم الدولي للمرة الأولى منذ بدء الحرب وسط مساعي المجلس لعودة عمل المؤسسات من العاصمة.

وجدان طلحة (الخرطوم)
شمال افريقيا البرهان و«حميدتي» خلال تعاونهما في إطاحة نظام البشير (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle

عقوبات أوروبية على قائدين تابعين للجيش السوداني و«الدعم السريع»

فرض الاتحاد الأوروبي حزمة رابعة من العقوبات على كيانين وفردين مرتبطين بالجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، بسبب مسؤوليتهم عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان

محمد أمين ياسين (نيروبي)
تحليل إخباري سودانيون أرغمتهم ظروف الحرب على اللجوء إلى مخيم أبو النجا شرق غضارف (أ.ف.ب)

تحليل إخباري معركة الفاشر «حرب استنزاف» طويلة المدى... ودون حسم

تستمر معركة الفاشر بإقليم دارفور غرب السودان منذ شهور طويلة دون حسم لصالح الجيش السوداني أو «قوات الدعم السريع»، وتحوّلت المواجهات «حرب استنزاف» طويلة المدى.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)

الخرطوم بين ركام الأطلال... عودة خجولة للحياة

بعد أكثر من عامين من الحرب الطاحنة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، تشهد العاصمة السودانية الخرطوم، عودة تدريجية خجولة للنشاط التجاري والحياة اليومية.

وجدان طلحة (الخرطوم)

ما تاريخ «حسم» في أعمال العنف بمصر؟ وهل يمكنها معاودة نشاطها؟

«الداخلية المصرية» أعلنت إحباط مخطط لحركة «حسم» (الداخلية)
«الداخلية المصرية» أعلنت إحباط مخطط لحركة «حسم» (الداخلية)
TT

ما تاريخ «حسم» في أعمال العنف بمصر؟ وهل يمكنها معاودة نشاطها؟

«الداخلية المصرية» أعلنت إحباط مخطط لحركة «حسم» (الداخلية)
«الداخلية المصرية» أعلنت إحباط مخطط لحركة «حسم» (الداخلية)

مع إعلان السلطات المصرية، الأحد، إحباط عمل تخريبي خططت له حركة «حسم»، المنتمية لجماعة «الإخوان»، عاد الحديث عن تلك الحركة إلى الواجهة ومدى قدرتها على استعادة نشاطها مرة أخرى، خاصة أن الحدث يأتي بعد أيام من بث الحركة نفسها مقطعاً مصوراً أعلنت فيه «التجهيز لاستئناف ضرباتها في مصر، بعد سنوات من التوقف».

واتفق باحثون في شؤون الإرهاب تحدثوا، لـ«الشرق الأوسط»، على أن «حركة (حسم) وإن كانت عودتها ضعيفة، وقدرتها على تنفيذ عمليات ضخمة حالياً مسألة صعبة بسبب القبضة الأمنية القوية، إلا أن خطورتها لا تزال قائمة وتستوجب اليقظة الدائمة».

وقال بيان لوزارة الداخلية المصرية، الأحد، إنها «رصدت معلومات تتضمن اضطلاع قيادات حركة (حسم)، الجناح المسلّح لجماعة الإخوان الإرهابية الهاربة بدولة تركيا، بالإعداد والتخطيط لمعاودة إحياء نشاطها وارتكاب عمليات عدائية تستهدف المنشآت الأمنية والاقتصادية»، وأن «المخطط سيجري تنفيذه من خلال دفع أحد عناصر الحركة الهاربين بإحدى الدول الحدودية، السابق تلقّيه تدريبات عسكرية متطورة بها، للتسلل للبلاد بصورة غير شرعية لتنفيذ المخطط المشار إليه، وذلك تزامناً مع إعداد الحركة مقطع فيديو، تداوله عدد من مواقع التواصل الاجتماعي، يتضمن تدريبات لعناصرها بمنطقة صحراوية بإحدى الدول المجاورة، والتوعد بتنفيذ عمليات إرهابية بالبلاد».

وأضاف البيان أن «أجهزة الأمن رصدت مكان اختباء عنصرين من (حسم) في منطقة شعبية بالجيزة، وداهمته، ما تسبَّب في مقتلهما، وإصابة ضابط، ومقتل مواطن، خلال تبادل لإطلاق النار مع العنصرين الإرهابيين».

وقبل أسبوعين، بثّ مجهولون فيديو منسوباً لحركة «حسم» تعلن فيه أنها عادت مرة أخرى. ويظهر في الفيديو مسلَّحون ملثّمون يُطلقون الرصاص، ويقومون بتدريبات عسكرية، ثم تضمّن بياناً مكتوباً يحمل تهديداً، وقد أثار وقتها تفاعلاً واسعاً، وأعاد مدوّنون نشره مع تعليقات مندّدة، في حين قلّل مراقبون ومختصون حينها من قدرة تلك الحركة أو مثيلاتها من العودة للنشاط الإرهابي التنظيمي الذي كان قبل سنوات، ونجحت السلطات المصرية في القضاء عليه، كما أصدر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بياناً رسمياً أكد فيه أن الفيديو إعادة تجميع ومونتاج للقطات قديمة، مرجحاً أنها «محاولة استعراض لإعادة هذه الحركة للذاكرة بعد القضاء عليها».

مقر وزارة الداخلية في مصر (صفحة «الداخلية المصرية» على «فيسبوك»)

تجدر الإشارة إلى أنه عقب بث هذا الفيديو، قال مصدر أمني، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإرهاب بشكله التنظيمي الذي انتشر في مصر بعد 30 يونيو (حزيران) 2013، انتهى؛ لكن بالطبع قد يحاول البعض التخطيط لعمليات فردية، مستغلاً الأحداث على حدود مصر، إلا أن أجهزة الأمن يقظة».

وشهدت مصر، عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، المنتمي لجماعة «الإخوان»، على أثر احتجاجات شعبية عام 2013، أعمال عنف وتفجيرات؛ أبرزها في سيناء والقاهرة، وتبنّتها جماعات مسلّحة مرتبطة بـ«الإخوان»؛ ومنها حركة «حسم».

الباحث في الأمن الإقليمي وشؤون الإرهاب، أحمد سلطان قال إن «العملية التي أحبطتها (الداخلية) تكشف يقظة قوات الأمن، لكنها تكشف أيضاً عن محاولات جادة للعودة للنشاط من جانب حركة (حسم)»، مشيراً إلى أن «العنصر، الذي تسلّل من خارج مصر عبر أحد الدروب الصحراوية، وفق ما جاء في بيان (الداخلية)، كان دوره قيادياً بشكل أكبر، بمعنى أن هناك مجموعات أخرى كان سيجري تنظيمها وتكليفها بمهامّ تنفيذ المخطط؛ لكن (الداخلية) استبَقَته واستهدفته قبل أن يفعل ذلك، ومن ثم فهناك خلايا أخرى لم تنشط بعد».

وأضاف أن «ما حدث يكشف أن (حسم) لا تزال تعمل بالطريقة القديمة التي تقوم على الخلايا العنقودية، وآلية العمل تجري عبر إصدار أوامر العمل من خارج مصر باستخدام تطبيقات إلكترونية مشفرة ومجموعات متفرقة، بحيث لا تكتشف أي مجموعة المجموعة الأخرى؛ لأنه غالباً الاتصال فيما بين تلك الجماعات يكون عن طريق القائد في الخارج، أو نقاط الاتصال الميتة؛ أي أن كل مجموعة بعدما تكون أبلغت المجموعة التالية بالمهمة الصادرة من القائد، تنتهى مهمتها قبل أن يصل التكليف للمجموعة المنفّذة»، منوهاً بأنه «بذلك يصعب تعرف المجموعات على بعضها البعض، ويصعب اكتشاف تلك الخلايا بسهولة، وبالتالي فحركة (حسم) لم تنتهِ فعلاً ولا تزال لها خلايا موجودة، سواء في مصر أم خارجها، وإن كانت قدرتها حالياً محدودة على القيام بعمليات إرهابية ضخمة بسبب يقظة رجال الأمن، فهذا لا يعني أنها لا تخطط لذلك، فاستهداف مصر والتخطيط ضدها مستمر، واستغلال الأحداث المحيطة يشجع على ذلك».

مقر جماعة «الإخوان» محترقاً في القاهرة صيف 2013 (غيتي)

وتعود آخِر العمليات المنسوبة لحركة «حسم» إلى عام 2019، حين اتهمتها السلطات المصرية بالتورط في تفجير سيارة بمحيط معهد الأورام بوسط القاهرة، ما أسفر عن مقتل 22 شخصاً، وإصابة العشرات. كما نُسب إليها محاولة استهداف مفتي مصر الأسبق، الدكتور علي جمعة، والنائب العام المساعد، إلى جانب اغتيال رئيس مباحث طامية في محافظة الفيوم عام 2016؛ عام إعلان تأسيس الحركة، وهي العملية التي أعقبت إعلان الحركة عن نفسها رسمياً.

لكن الحركة تلقّت لاحقاً ضربات أمنية قوية شملت تفكيك خلاياها، وضبط مخازن أسلحة تابعة لها، ما أدى إلى تراجعها بشكل كبير.

ووفق الباحث المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإنه «ربما حركة (حسم) ليست لديها القدرة، الآن، على تنظيم عمليات مسلّحة كبيرة، كما كانت من قبل، لكن هذا لا يعني أن الحركة ضعيفة أو انتهت، ربما تكون خبرة هذه الميليشيا والمنتمين لها ضعيفة، لكن يبقى، في النهاية، أن عناصرها أخذوا فترة توقف لمدة 6 سنوات، ومن المحتمل أن تلك الميليشيا نجحت في إعادة هيكلة نفسها من جديد وتنظيم صفوفها».

وأوضح أديب أن «عودة الحركة تبدو مختلفة عن ذي قبل، ويبدو أنها غير قادرة في تلك العودة على تنفيذ عمليات كبرى، لكن، بالقطع، فإن أجهزة الأمن تنظر للظرف السياسي وظروف المنطقة، ومن ثم تتحسب لمثل هذه الحركة بقوة؛ حتى لا تستغل هذه الظروف وتُنفذ أي ضربات إرهابية».

وسبق أن أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أبريل (نيسان) 2023، خلال فعالية مع الجيش المصري بسيناء، أن «الإرهاب انتهى» في مصر، مشدداً على أنه «لن نسمح برفع سلاح إلا سلاح الدولة».