هل تحدّ سياسات قناة السويس المصرية «المرنة» من تأثير توترات البحر الأحمر؟

في ظل استمرار تراجع عائدات الهيئة

سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية (رويترز)
سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية (رويترز)
TT

هل تحدّ سياسات قناة السويس المصرية «المرنة» من تأثير توترات البحر الأحمر؟

سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية (رويترز)
سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية (رويترز)

طرح إعلان هيئة قناة السويس المصرية تطبيق سياسات «مرنة» في التعامل والتواصل مع شركات الملاحة الدولية تساؤلات حول قدرة هذه الإجراءات في الحد من تأثير توترات البحر الأحمر على حركة الملاحة بالقناة، خصوصاً مع استمرار تراجع عائدات الهيئة.

ويرى خبراء أن السياسات «المرنة» والخدمات الجديدة المقدمة من قناة السويس «يمكن أن تحقق زيادة قليلة في إيرادات القناة». وطالبوا بضرورة «وضع برامج تسويقية جديدة للخدمات البحرية وخدمات عبور السفن بالقناة، بما يجذب شركات الشحن العالمية للمجرى الملاحي المصري».

وتعد قناة السويس أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في مصر، وبلغت إيراداتها العام الماضي 10.3 مليار دولار، وفق الإحصاءات الرسمية (الدولار الأميركي يساوي 48.42 جنيه في البنوك المصرية). لكن هذه العائدات شهدت تراجعاً في الشهور الأخيرة، بسبب توترات البحر الأحمر؛ إذ انخفضت حصيلة رسوم المرور في قناة السويس بمعدل 7.4 في المائة، لتسجل 5.8 مليار دولار، مقابل 6.2 مليار دولار في الفترة بين يوليو (تموز) 2023 ومارس (آذار) من العام الحالي.

وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في يوليو الماضي، إن «بلاده تخسر ما بين 500 و550 مليون دولار شهرياً، بسبب توترات البحر الأحمر».

وعدّ رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، أن «التحديات الجيوسياسية التي تفرضها الأوضاع الراهنة في منطقة البحر الأحمر، دفعت قناة السويس للتعامل (المرن) وتحقيق التواصل الفعال والتنسيق المشترك مع كافة الجهات الفاعلة في المجتمع الملاحي الدولي للتشاور حول سبل تقليل تأثيرات الأزمة على استدامة واستقرار سلاسل الإمداد العالمية».

وأشار ربيع، خلال استقباله وفداً سعودياً رفيع المستوى، برئاسة رئيس الهيئة العامة للنقل بالسعودية، رميح بن محمد الرميح، الخميس، إلى أن «قناة السويس اتخذت كثيراً من الإجراءات التي تكفل التعامل بمرونة مع الأوضاع الراهنة»، وذكر منها «استحداث حزمة جديدة من الخدمات الملاحية التي لم تكن تقدم من قبل، كخدمات القطر والإنقاذ وصيانة وإصلاح السفن، ومكافحة التلوث والانسكاب البترولي، وخدمات الإسعاف البحري وغيرها».

وتصاعدت التوترات بمنطقة البحر الأحمر، نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، مع استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية، السفن المارة بالممر الملاحي، «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة». ودفعت تلك الهجمات شركات شحن عالمية لتغيير مسارها، متجنبة المرور في البحر الأحمر، ما كان له تداعيات على الاقتصاد وحركة التجارة العالمية.

الوفد السعودي برئاسة رئيس هيئة النقل السعودية خلال زيارته قناة السويس المصرية (هيئة قناة السويس)

ويرى مستشار النقل البحري المصري، الخبير في اقتصاديات النقل، أحمد الشامي، أن «إدارة قناة السويس بدأت في تسويق لخدمات بحرية يتم تقديمها للسفن المارة بالمجرى الملاحي للقناة، إلى جانب خدمات العبور القائمة».

وأوضح أنه من بين عملية التسويق «التكامل مع أنشطة الدول المجاورة»، مشيراً إلى أنه من ضمن هذه الإجراءات «المشاورات الأخيرة بين رئيس هيئة قناة السويس ورئيس الهيئة العامة للنقل السعودية».

وطالب الشامي بضرورة «التوسع في شراكات التعاون الملاحي مع الدول»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «التكامل مع هذه الدول سيساهم في زيادة موارد الملاحة بقناة السويس، وأيضاً الموانئ البحرية المصرية».

ومطلع يونيو (حزيران) الماضي، أعلنت هيئة قناة السويس رفع رسوم استخدام الخدمة الإلكترونية للسفن العابرة للقناة، إلى 500 دولار، بدلاً من 50 دولاراً، اعتباراً من يناير (كانون الثاني) المقبل، مع رفع قيمة تحصيل الخدمة الإلكترونية إلى 300 دولار، اعتباراً من سبتمبر (أيلول) الحالي.

وأوضح الشامي أن «قناة السويس بدأت أخيراً في تحديث خدماتها البحرية، وخدمات عبور السفن، من خلال الاستعانة بشركات عالمية». وقال إن هذه الخطوة «ستعمل على جذب شركات الشحن العالمية مرة أخرى». وأشاد في نفس الوقت «باستمرار قناة السويس في تنفيذ مخطط التطوير، وتنفيذ أعمال الازدواج الكامل للمجرى الملاحي»، معتبراً أن ذلك «سيساهم في استيعاب عدد أكبر من السفن المارة شمالاً وجنوباً».

سفينة تحمل حاويات تمر عبر قناة السويس المصرية (الموقع الإلكتروني لهيئة قناة السويس)

بينما أوضح الخبير الاقتصادي المصري، مدير «مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية»، عبد المنعم السيد، أن «السياسات المرنة وخدمات قناة السويس الجديدة يُمكن أن تحقق زيادة في إيرادات القناة، لكن بنسب قليلة لا تعوض حجم خسائرها الحالية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الإجراءات التي تتخذها القناة يجب أن تشمل «سياسات تسويق للتوسع في الخدمات الملاحية بالقناة».

واقترح السيد أن تشمل برامج التسويق «خصومات لسفن خطوط الملاحة الطويلة (العابرة لعدد من الدول عبر المحيطات والبحار)، وتخفيضات لرسوم العبور لبعض أنواع السفن العملاقة»، كما طالب بضرورة «تنشيط خدمات تجارة الترانزيت عبر الموانئ البحرية المصرية مثل موانئ بورسعيد والعريش والإسكندرية»، مشيراً إلى أن ذلك «يمكن أن يجذب شركات الملاحة الدولية للقناة مرة أخرى»، معتبراً أن الإشكالية التي تواجه الملاحة في قناة السويس «التوتر الأمني بمنطقة البحر الأحمر، ووقف شركات الملاحة الكبرى العبور من القناة».

وكان رئيس هيئة قناة السويس قد ناقش مع رئيس الهيئة العامة للنقل بالسعودية، تعزيز التعاون في مجال تقديم الخدمات اللوجيستية والسياحة البحرية. وقال ربيع إن «هيئة قناة السويس قطعت شوطاً كبيراً نحو تشجيع السياحة البحرية وسياحة اليخوت في القناة»، مشيراً إلى «الانتهاء من تطوير وتحديث مارينا اليخوت بالإسماعيلية لتصبح أول مارينا نموذجي لسياحة اليخوت في مصر بطاقة استيعابية تتجاوز 100 يخت».

فيما أفاد رئيس الهيئة العامة للنقل السعودية أن «بلاده تعكف على تنفيذ استراتيجية متكاملة للتطوير السياحي لساحلها على البحر الأحمر، ما سيتيح زيادة أعداد سفن الركاب واليخوت السياحية عبر قناة السويس خلال الفترة المقبلة». وأشار إلى أن «الأوضاع الراهنة في منطقة البحر الأحمر فرضت مزيداً من التحديات على حركة الشحن البحري في المنطقة».


مقالات ذات صلة

السعودية: إدانة مدير الأمن العام السابق بالفساد... ومعاقبته بالسجن والغرامة

الخليج «الداخلية السعودية» أكدت حرص الحكومة على حماية المال العام ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره (الشرق الأوسط)

السعودية: إدانة مدير الأمن العام السابق بالفساد... ومعاقبته بالسجن والغرامة

أعلنت السعودية صدور حكم نهائي بثبوت إدانة الفريق أول خالد الحربي مدير الأمن العام سابقاً بجرائم الرشوة والتزوير ومعاقبته بالسجن 20 سنة وتغريمه مليون ريال.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق السعودية تستهدف الوصول إلى فضاء سيبراني آمن وموثوق يمكّن من النمو والازدهار (الشرق الأوسط)

السعودية تواصل ريادتها الدولية بقطاع الأمن السيبراني

صنفت الأمم المتحدة السعودية أنموذجاً رائداً في الفئة الأعلى للمؤشر العالمي للأمن السيبراني 2024 الذي يقيس التزام أكثر من 190 دولة عضواً في المنظمة بـ83 معياراً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله (الشرق الأوسط)

وزير الخارجية السعودي يشارك في اجتماع حول غزة بمدريد

وصل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى مدريد للمشاركة في الاجتماع الوزاري للتنسيق حول أوضاع غزة.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
الخليج السعودية عدّت اقتحام نتنياهو «الأغوار» استفزازاً يهدف إلى توسيع الاستيطان (أرشيفية - إ.ب.أ)

السعودية تؤكد رفضها تعدي نتنياهو على «الأغوار»

أعربت السعودية، الخميس، عن إدانتها ورفضها الشديدين الاقتحام السافر لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتعدي على منطقة الأغوار الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق صفية بن زقر (دارة صفية بن زقر)

رحيل صفية بن زقر صاحبة «موناليزا الحجاز»

صفية بن زقر... اسم يتردد دائماً عند الحديث عن تاريخ الفنون في السعودية، تبعث سيرتها بنفحات فنية جميلة معطرة بذكريات حارات جدة حيث نشأت وملابس النساء التراثية.

عبير مشخص (جدة)

وقائع انهيار بنايات في القاهرة تُثير تساؤلات

عناصر من «الحماية المدنية» في موقع انهيار أحد العقارات بمصر (أرشيفية - أب)
عناصر من «الحماية المدنية» في موقع انهيار أحد العقارات بمصر (أرشيفية - أب)
TT

وقائع انهيار بنايات في القاهرة تُثير تساؤلات

عناصر من «الحماية المدنية» في موقع انهيار أحد العقارات بمصر (أرشيفية - أب)
عناصر من «الحماية المدنية» في موقع انهيار أحد العقارات بمصر (أرشيفية - أب)

جددت وقائع انهيار بنايات في القاهرة تساؤلات بشأن أسباب تكرار هذه الحوادث خلال فترة زمنية قصيرة، خصوصاً عقب حادثي انهيار بنايتين خلال أسبوع، ما أسفر عن وقوع قتلى ومصابين.

وانهار عقار في ضاحية شبرا، وسط القاهرة، صباح الجمعة، مما تسبب في وفاة شقيقتين وطفلة، بعد أيام من وفاة شخص وإصابة 3 آخرين في واقعة انهيار عقار بمنطقة حلمية الزيتون (شرق القاهرة). وسبق ذلك انهيار عقار ثالث في منطقة «أرض الغولف» (شرق القاهرة) مطلع الشهر الحالي ما تسبب في مقتل اثنين وإصابة 5.

«تكرار حوادث انهيار البنايات لعدم اتباع الإجراءات اللازمة للحفاظ على المباني»، يأتي حسب رئيس «الجمعية المصرية للتخطيط العمراني»، الدكتور محمود غيث، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض المباني القديمة بحاجة للتأكد من سلامتها الإنشائية قبل الشروع في تنفيذ أي إصلاحات بها أو تغيير الأساسات»، مشيراً إلى أن «الجزء الأكبر من أسباب الانهيار يرجع إلى عدم اتباع الإجراءات العلمية عند التعامل مع إزالة المباني المجاورة، أو حتى إصلاح الأعمدة الموجودة في العقارات». وأضاف غيث أن الشروع في تعديل أو هدم أي بناية يتطلب إجراءات هندسية، وحساب نسبة المياه الجوفية في الأرض، وملوحة التربة، وغيرها من الإجراءات التي «لا يتم عادة التدقيق بشأنها والتعامل معها بشكل علمي»، مشيراً إلى «وجود مشكلة أخرى مرتبطة بطريقة التعامل مع المباني الآيلة للسقوط وعدم إخلائها من السكان».

وقدمت عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، النائبة إيرين سعد، سؤالاً برلمانياً، الشهر الماضي، حول تكرار وقائع انهيار العقارات. وطالبت بتوضيح نتائج الدراسات وحصر العقارات المهددة على مستوى ربوع البلاد من أجل «البحث عن حلول بديلة تساهم في معالجة أزمة العقارات الآيلة للسقوط». واستندت سعد إلى بيانات التعداد الرسمي للمنشآت الصادر عام 2017 عن «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء»، الذي رصد «وجود أكثر من 97 ألف عقار بالمحافظات المصرية لم تتخذ قرارات بشأنها».

في حين قال مدير «إدارة الحماية المدنية» الأسبق بالجيزة، اللواء حاتم توفيق، لـ«الشرق الأوسط»، إن غالبية العقارات التي تنهار بشكل مفاجئ يكون السبب «تصدعات ظهرت مسبقاً أو أعمال إنشائية جرت في العقار أو العقارات الملاصقة له مما أثر على العقار». وأضاف أن «هناك عقارات قديمة يرفض سكانها تركها خوفاً من فقدان منازلهم».

وخلال دور الانعقاد البرلماني الماضي، قدم عضو مجلس النواب المصري، النائب محمود عصام، مشروعاً بقانون يهدف إلى إنشاء صندوق يتولى «الإشراف على أعمال الصيانة والترميم للمنشآت، ويتولى الإقراض لتلك الأعمال، وتوفير مساكن بديلة للمساكن الآيلة للسقوط»، وهو المشروع الذي أحيل للجان النوعية من أجل دراسته.

وأشار مدير «إدارة الحماية المدنية» الأسبق بالجيزة إلى «ضرورة تسريع وتيرة التعامل مع المخالفات التي تحدث في بعض العقارات، التي لا تكون رادعة في كثير من الأوقات، خصوصاً عندما يتعلق بالأمر بالإنشاءات الداخلية»، لافتاً إلى أن تعدد الجهات التي يجب اللجوء إليها من أجل الاعمال الإنشائية «أمر يزيد من صعوبة الموضوع».

وهنا أكد رئيس «الجمعية المصرية للتخطيط العمراني» ضرورة تطبيق «معايير صارمة في التعامل مع العقارات، سواء عند البناء أو الهدم، أو إدخال أي تعديلات هندسية، الأمر الذي يتطلب تفعيل اللجان الموجودة في الأحياء المختلفة وعدم الاكتفاء بكتابة تقارير من دون متابعة على أرض الواقع»، لافتاً إلى أن «غالبية الأبنية المنهارة في الفترة الأخيرة تعود لأواخر السبعينات وبداية الثمانينات، ولم تخضع لأي إجراء يضمن التأكد من سلامتها قبل الشروع في إنشاءات بجوارها أو بداخلها».