مصر: هل يُمكن أن تتصدى الفتاوى الدينية لمسائل ينظمها القانون؟

جامعة الأزهر أحالت أستاذاً للتحقيق بسبب «إباحته سرقة الكهرباء»

بنايات على نيل القاهرة (الشرق الأوسط)
بنايات على نيل القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

مصر: هل يُمكن أن تتصدى الفتاوى الدينية لمسائل ينظمها القانون؟

بنايات على نيل القاهرة (الشرق الأوسط)
بنايات على نيل القاهرة (الشرق الأوسط)

مرة أخرى تتصدر الفتاوى الدينية الجدل في مصر، إثر إحالة أستاذ بجامعة الأزهر للتحقيق في فتواه بـ«إباحة سرقة الكهرباء والمياه والغاز»، ما أثار تساؤلات بشأن مدى إمكانية أن تتعرض الفتاوى لأمور ينظمها ويحكمها القانون، ناهيك عن معارضتها.

وأحالت جامعة الأزهر الدكتور إمام رمضان إمام، الأستاذ بقسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية في الجامعة، إلى التحقيق بسبب ما عدّته «فتوى شاذة تتضمن مخالفات فقهية وتتعارض مع تعاليم الدين الحنيف»، وفق وسائل إعلام محلية.

وكان إمام قد أفتى، في فيديو عبر صفحته على «فيسبوك»، بـ«جواز سرقة الماء والكهرباء والغاز»؛ ما أثار موجة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر الفتوى «الترند». وسبق لإمام أن أثار جدلاً في مصر قبل 5 سنوات، أسفر عن التحقيق معه وإيقافه عن العمل وقتها.

ودعت الإعلامية داليا أبو عمر، في منشور عبر حسابها على «إكس»، إلى «القبض على صاحب الفتوى» التي عدّتها «تحريضاً».

ورفض أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، الدكتور أحمد كريمة، إطلاق اسم فتوى على ما أدلى به إمام. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ما قاله إمام رأي شاذ يخصّه ولا يخص الأزهر، أو يعبر عنه»، مؤكداً أن «حرمة المال العام كحرمة المال الخاص، وخيانة الدولة والمجتمع وسرقة المرافق والأموال العامة محرّمة ومجرّمة شرعاً ولا يقرّها عاقل».

وبشأن إمكانية أن تتعرض الفتاوى الدينية لأمور يحكمها القانون. قال كريمة إن «هذا غير ممكن، فلا تعارض بين الأحكام الشرعية الأساسية والقانون والعرف والعادة».

بدورها، قالت الأمين المساعد لـ«مجمع البحوث الإسلامية» بالأزهر، الدكتورة إلهام شاهين، إن «الفتوى الدينية لا يمكن أبداً أن تتعارض مع النصوص القانونية». وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن «الدستور المصري ينص على أن الشريعة الإسلامية، هي مصدر أساسي للتشريع، وبالتالي فإن القوانين تشرع بناء على النصوص الدينية». وأضافت أنه «عند وضع أي قانون في مصر يتم تشكيل لجنة من العلماء لبيان مدى توافقه مع النصوص الدينية، وبعد وضع القانون ومناقشته يرسل مرة أخرى إلى مجمع البحوث الإسلامية أو هيئة كبار العلماء حسب نوعيته، لمراجعته وإجازته، أو إرسال ملاحظات عليه». وقالت: «القانون يوضع وفق نصوص الشريعة الإسلامية».

اجتماع سابق لمجلس الوزراء المصري برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

يأتي هذا في وقت شددت فيه الحكومة المصرية إجراءات مواجهة سرقة الكهرباء، عبر إجراءات تقضي بـ«إلغاء الدعم التمويني عن المخالفين». بينما كثفت وزارة الكهرباء المصرية من حملات التوعية الإعلامية أخيراً لترشيد استهلاك الكهرباء، والتصدي لوقائع سرقة التيار. ودعت المواطنين «للإبلاغ عن وقائع سرقة التيار الكهربائي حفاظاً على المال العام». وأعلن رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في وقت سابق، عن «اتخاذ إجراءات حاسمة ضد كل من يُحرر له محضر سرقة كهرباء، ومن أهمها إيقاف صور الدعم التي يحصل عليها من الدولة».

الجامع الأزهر في القاهرة (بوابة الأزهر الإلكترونية)

وفرض القانون رقم 192 لعام 2020 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الكهرباء، الصادر بالقانون رقم 87 لعام 2015، عقوبات على سارقي التيار الكهربائي، من بينها ما تضمنته المادة 71 على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استولى بغير حق على التيار الكهربائي»، وفي حال تكرار السرقة تكون العقوبة «الحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين» (الدولار يساوي 48.40 جنيه في البنوك المصرية).

وأكد المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة في مصر، محمد رضا، أن «سرقة الكهرباء مجرّمة قانوناً». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يمكن أن تتعارض الفتاوى الدينية مع النصوص القانونية، لا سيما أن مراحل إقرار القانون تستلزم استطلاع الرأي الشرعي فيها».

وأعلن جهاز «تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك» أخيراً أسعار شرائح استهلاك الكهرباء الجديدة (7 شرائح متصاعدة حسب الاستهلاك) التي تم تطبيقها بداية من 17 أغسطس (آب) الماضي، على العدادات مسبقة الدفع (الكارت). وتطبق على فواتير شهر سبتمبر (أيلول) الحالي بالنسبة للعدادات القديمة. وجاء رفع أسعار الكهرباء للمنازل بنسب تراوحت ما بين 14 إلى 40 في المائة، وللقطاع التجاري ما بين 23.5 إلى 46 في المائة، وللقطاع الصناعي ما بين 21.2 إلى 31 في المائة.


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية المصري يصل إلى أبوظبي ويؤكد مناقشة ملفات إقليمية مع الإمارات

الخليج بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة المصري (وام)

وزير الخارجية المصري يصل إلى أبوظبي ويؤكد مناقشة ملفات إقليمية مع الإمارات

أكد عبد العاطي على هامش زيارته للإمارات، اليوم، عمق العلاقات بين مصر والإمارات، لافتاً إلى النمو والتطور المستمرين اللذين تشهدهما على مختلف الأصعدة.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
شمال افريقيا صورة نشرها الموفد الأميركي على «فيسبوك» لجلسة المفاوضات حول السودان التي عقدت في جنيف

«متحالفون» تدعو الأطراف السودانية لفتح معابر حدودية إضافية

جدّدت مجموعة «متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان»، السبت، دعوتها الأطراف السودانية لفتح معابر حدودية إضافية بما في ذلك معبر «أويل» جنوب السودان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال لقاء وزيري «الري» و«الأوقاف» بهدف التوعية بالمياه (الري المصرية)

«الري المصرية» تستعين بالمؤسسات الدينية للحض على ترشيد المياه

قررت وزارة الري المصرية الاستعانة بالمؤسسات الدينية في البلاد، لتكثيف حملات التوعية بترشيد استخدامات المياه.

أحمد إمبابي (القاهرة)
يوميات الشرق أحد المحال الفاخرة يبيع «حلوى المولد» (الشرق الأوسط)

كيف تكيَّفت «حلوى المولد» مع التضخّم في مصر؟

رغم ارتفاع أسعار «حلوى المولد النبوي الشريف» في مصر بنسبة نحو 15 في المائة مقارنةً بأسعار العام الماضي، وصف تجار وزبائن هذه الزيادة بأنها «مقبولة».

عبد الفتاح فرج (القاهرة) حمدي عابدين
يوميات الشرق أعمال المعرض استدعت اللوحات المصرية القديمة (الشرق الأوسط)

مقتنيات المتحف المصري تُلهم 86 فناناً عربياً وأجنبياً مجد الحضارة

من بين الأعمال المميّزة في المعرض لوحة تمثّل فتاة ترتدي الأزرق، يشبه زيّها الزيّ البدوي، مُمثِّلةً التداخل بين الأزياء المصرية القديمة والفلسطينية والبدوية.

محمد الكفراوي (القاهرة )

«الري المصرية» تستعين بالمؤسسات الدينية للحض على ترشيد المياه

شيخ الأزهر خلال لقاء وزيري «الري» و«الأوقاف» بهدف التوعية بالمياه (الري المصرية)
شيخ الأزهر خلال لقاء وزيري «الري» و«الأوقاف» بهدف التوعية بالمياه (الري المصرية)
TT

«الري المصرية» تستعين بالمؤسسات الدينية للحض على ترشيد المياه

شيخ الأزهر خلال لقاء وزيري «الري» و«الأوقاف» بهدف التوعية بالمياه (الري المصرية)
شيخ الأزهر خلال لقاء وزيري «الري» و«الأوقاف» بهدف التوعية بالمياه (الري المصرية)

قررت وزارة الري المصرية الاستعانة بالمؤسسات الدينية في البلاد، لتكثيف حملات التوعية بترشيد استخدامات المياه، في ظل التعثر الذي يشهده ملف «سد النهضة» الإثيوبي.

وتستهدف الحكومة المصرية تكثيف حملات التوعية، للحفاظ على المياه، وترشيد استخداماتها، في وقت تعاني فيه البلاد من عجز مائي يبلغ 55 في المائة من احتياجاتها، وتعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل، بحصة سنوية تصل إلى 55.5 مليار متر مكعب، حسب بيانات «الري المصرية».

يأتي ذلك، في ظل استمرار إثيوبيا في بناء «سد النهضة» وتشغيله دون اتفاق قانوني مع مصر والسودان. وأدانت وزارة الخارجية المصرية، في خطاب لمجلس الأمن، خلال الأسبوع الماضي، تصريحات لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أخيراً، أعلن فيها «اكتمال بناء السد بحلول شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل». وحذّر الخطاب من «التأثيرات الخطيرة للسد على حصتي مصر والسودان المائيتين».

وسعياً لمشاركة علماء الأزهر وأئمة وزارة الأوقاف المصرية (المسؤولة عن المساجد) في حملة توعية تستهدف الحفاظ على المياه في مصر، استقبل شيخ الأزهر أحمد الطيب، وزير الري المصري هاني سويلم، ووزير الأوقاف المصري أسامة الأزهري، السبت، في مقر «مشيخة الأزهر» بوسط القاهرة.

ووفق إفادة لوزارة الري المصرية، أكد الطيب «أهمية تقديم حملات مؤثرة لرفع الوعي بقضايا المياه، وترشيد استخدامها والحفاظ عليها»، إلى جانب «ضرورة تثقيف أئمة المساجد لتناول تلك القضية»، مشيراً إلى استعداد الأزهر «لتصميم مقرر دراسي لتناول القضايا المجتمعية المتعلقة بالمياه والبيئة والمناخ»، مشدداً على «صياغة تلك المقررات الدراسية بأسلوب سهل يتناسب مع المراحل التعليمية المختلفة».

وعدّ وزير الري المصري، مشاركة علماء الأزهر في حملات التوعية عبر خطب الجمعة والدروس الدينية «منبراً قوياً للحفاظ على المياه من منظور ديني وأخلاقي»، مشيراً إلى أن «التعاون مع المؤسسات الدينية سيشمل الكنيسة المصرية، ضمن إجراءات استهداف مراكز التأثير في المواطنين لتوصيل رسائل التوعية بالمياه».

وأشار الوزير سويلم إلى إجراءات أخرى ستشملها حملات التوعية بالمياه خلال المدة المقبلة، بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم وبعض الوزارات الأخرى، تتضمّن «إدخال المياه في المناهج الدراسية، للوصول إلى مختلف الفئات المجتمعية، وتوضيح محدودية الموارد المائية بمصر، مع تحدي خطر الزيادة السكانية والتغيرات المناخية».

جانب من «سد النهضة» الإثيوبي (رويترز)

ويقترب نصيب الفرد من المياه في مصر من حد الندرة المائية المطلقة بمعدل 500 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب «الري المصرية».

ويرى أستاذ الموارد المائية في «جامعة القاهرة»، عباس شراقي، أن «حملات التوعية لترشيد استخدامات المياه، من خلال رجال الدين، والمؤسسات التعليمية؛ ضرورية». وأرجع ذلك إلى «ضرورة تحمّل الأجيال الجديدة مسؤولية كيفية الاقتصاد في استخدام المياه، خصوصاً أن غالبية الموارد المائية لمصر تأتي من الخارج عبر نهر النيل». وطالب في الوقت نفسه بأن تشمل الحملات «ترشيد الاستهلاك في المؤسسات الحكومية، لإهدار كميات كبيرة من المياه بسبب عدم صيانة المرافق بها».

ودعا شراقي إلى ضرورة أن «تتنوع حملات التوعية، لتشمل ترشيد المياه في الزراعة والمنازل والصناعة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أهمية تلك الإجراءات في أن «توفير 10 في المائة من المياه في القطاع المنزلي يوفّر نحو مليار متر مكعب من المياه سنوياً، وتوفير النسبة نفسها في القطاع الزراعي يوفّر نحو 7 مليارات متر مكعب». وقال إن هذه النسب «مهمة، وتوفّر على الحكومة تكلفة مالية عالية».

وتصل استخدامات القطاع الزراعي من المياه في مصر نحو 76.7 في المائة من الحصة المائية لديها، بواقع 61.3 مليار متر مكعب، في حين تصل نسبة الاستخدامات المنزلية نحو 13.4 في المائة، بواقع 10.7 مليار متر مكعب، وبلغت باقي الاستخدامات 9.9 في المائة، بواقع 7.9 مليار متر مكعب، وفق تقرير لـ«الجهاز المركزي للإحصاء» بمصر في مارس (آذار) 2019.

بينما يرى أستاذ المياه في «جامعة القاهرة»، نادر نور الدين، أن «حملات التوعية السابقة لترشيد استخدامات المياه، لم تحقق النتائج المرجوة»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «إشراك المؤسسات الدينية والتعليمية في حملات الحفاظ على الموارد المائية، قد يحقق بعض الفوائد». وأرجع سبب الحملة المرتقبة من وزارة الري المصرية إلى «زيادة نسبة المياه المهدرة في المنازل العام الماضي بأكثر من 30 في المائة، ما يعادل 3.3 مليار متر مكعب».