انهيار سد «أربعات» الذي يغذي بورتسودان بمياه الشرب

الفيضانات أدت إلى مقتل العشرات وتدمير قرى بأكملها

قرى بأكملها طمرتها الفيضانات (الشرق الأوسط)
قرى بأكملها طمرتها الفيضانات (الشرق الأوسط)
TT

انهيار سد «أربعات» الذي يغذي بورتسودان بمياه الشرب

قرى بأكملها طمرتها الفيضانات (الشرق الأوسط)
قرى بأكملها طمرتها الفيضانات (الشرق الأوسط)

تسبب انهيار سد «أربعات»، الذي يبعد عن مدينة بورتسودان في ولاية البحر الأحمر بنحو 20 كيلومتراً، في فيضانات وسيول مدمرة جرفت في طريقها عدداً من القرى الواقعة حول السد، مما أدى إلى مقتل العشرات، وتحول تلك القرى إلى أراض مغطاة بـ«الأطماء» (كل ما يجرفه السيل)، في وقت تواجه فيه السلطات صعوبات جمة في الوصول إلى العالقين أو الذين صعدوا الجبال وتهددهم العقارب والثعابين.

ويعدّ «سد خور أربعات» أحد مصادر المياه الرئيسية التي تغذي مدينة بورتسودان الساحلية، وتبلغ سعة بحيرته 25 مليون متر مكعب.

وكان سكان بورتسودان يعتمدون بشكل أساسي على المياه الجوفية المنتجة من الآبار في منطقة «أربعات» ومياه «خور أربعات»، بينما أنشئ «السد» في عام 2003 ليحتجز مياه الأمطار لاستخدامها في الموسم الجاف، ولم تُجرَ الصيانة الدورية له منذ أعوام عدة؛ مما سهل انهياره.

من آثار الانهيار (الشرق الأوسط)

يوم غير عادي

لم يكن يوم السبت الماضي يوماً عادياً للقرى حول السد، فقد فاجأتها كارثة غير متوقعة، فعلت صرخات النساء والأطفال من هول السيول الجارفة وغير المعتادة، التي ارتطمت بالجبال المحيطة وعادت للقرى لتدمرها وتضاعف معاناة الناس هناك، ما اضطر عشرات المواطنين إلى صعود قمم الجبال لتجنب خطر السيول، بينما حاصرت المياه آخرين لا يزالون، وفقاً للتقارير، محاصرين في تلك القرى.

ووصف مستشار والي البحر الأحمر، ناجي عز الدين، في حديث لـ«الشرق الأوسط» الأحد، الوضع هناك بأنه «كارثي»، وقال إن 5 قرى يسكنها أكثر من 500 شخص لم تعد موجودة، وإن السلطات في الولاية لا تزال تعمل على إنقاذ المتضررين بأسرع ما يمكن، وتابع: «ربما يستدعي الأمر الاستعانة بطائرات هيلكوبتر لإخلائهم».

مياه الفيضانات بعد انهيار السد (الشرق الأوسط)

وقال مدير «هيئة المياه» في الولاية، عمر عيسى طاهر، إن ما حدث في أربعات «مسح المنطقة بالكامل»، وتابع: «رغم أنني أتردد على المنطقة منذ 30 عاماً، لكنني لم أتعرف عليها بعد أن ضربتها السيول»، وتساءل مستنكراً: «هل هذه أربعات التي أعرف أم لا؟». وأضاف: «المياه كانت غزيرة لدرجة أنها ارتدت من الجبال إلى القرى مرة أخرى».

وفي إحصاءات تقديرية أولية، وفق عز الدين، فإن ما لا يقل عن 60 شخصاً لقوا مصرعهم، فيما جرفت السيول السيارات. وأضاف: «الوضع بحاجة إلى تدخلات عاجلة، لا سيما أن المواطنين الذين صعدوا الجبال لاتقاء الماء يواجهون خطر لدغات العقارب والثعابين»، وتابع: «همنا الأكبر هو نقل المحاصرين بالمياه إلى أماكن آمنة، وتعمل فرق الإنقاذ على ذلك، فيما يقدم (الهلال الأحمر السوداني) وعدد من المنظمات مواد إغاثية لمن جرى إنقاذهم».

جانب من السيول الناجمة عن انهيار سد «أربعات»... (الشرق الأوسط)

وتشهد ولاية البحر الأحمر أمطاراً غزيرة غير معتادة هذه الأيام، فالأمطار التي كانت تسقط في الشتاء سقطت صيفاً هذا الموسم وبغزارة لافتة، مما جعل البعض يعتقد أن الخريف تحول إلى «خريفين» في «البحر الأحمر».

وقال الراصد الجوي المتطوع، المنذر أحمد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «التغير المناخي الذي يعيشه الناس الآن هو تغير مناخي دائم، وقد يستمر هذا العام والأعوام المقبلة».

وتتسم ولاية البحر الأحمر بصيف طويل حار جاف ورطب، وشتاء ممطر ورطب ودافئ نسبياً، لكن المنذر توقع تغييراً مهماً في المناخ، والانتقال إلى صيف حار جداً وقصير تهطل فيه الأمطار، وشتاء بارد جداً وممطر.

أضرار سببتها فيضانات في مروي على بُعد 300 كيلومتر شمال العاصمة الخرطوم الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)

وفي تسجيل صوتي، قال مدير «هيئة المياه» بالولاية إن ولايته «تشهد سيولاً متواصلة دون انقطاع طوال الأيام العشرة الماضية، ونتيجة لذلك غطت (الأطماء) طرق الأسفلت، مما يصعب من مهمة الوصول إلى المتضررين في منطقة أربعات الزراعية، أو معرفة ماذا أصاب الناس هناك، إلا باستخدام المروحيات»، مضيفاً: «شاهدت 6 شاحنات تحمل أطفالاً وهي عالقة في (الأطماء)، ولا تتوفر معلومة عمّا إن كانت قد وصلت إلى وجهتها، أم إنها لا تزال عالقة».

المناطق المتضررة

وقال عضو مكتب إعلام «محلية القنب والأوليب (وهي المناطق المتضررة)»، عمر عبد الله، في تقرير، إن المنطقة شهدت هطول أمطار غزيرة، أدى إلى امتلاء الوديان، مثل خور أودروس، وخور مرتري، وخور مشدد، و مجاري المياه الأخرى، مما أدى إلى انهيار سد «أربعات»، «فدمرت السيول والأمطار والعواصف المصاحبة لها القرى حول (خور أربعات)، ومناطق أخرى؛ بما في ذلك قرى السواحل الشمالية، وقرى مناطق أودية أمور وأقوام سرارة، ووادي هييت».

ووفقاً لمدير «المياه»؛ فإن أهالي المنطقة أطلقوا استغاثة عاجلة لكل من مجلس السيادة وحكومة الولاية والمحليات ومنظمات المجتمع المدني، لإنقاذهم ومساعدتهم على مواجهة الأوضاع الكارثية التي يعيشونها.

سودانيون يتفقدون أضراراً سببتها فيضانات مروي الواقعة على بُعد 300 كيلومتر شمال العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)

وتأثر نحو 317 ألف شخص (56 ألف أسرة) بالأمطار الغزيرة والفيضانات، في 60 منطقة عبر 16 ولاية في أنحاء السودان المختلفة، منذ بداية هطول الأمطار في يونيو (حزيران) الماضي، وذلك وفقاً لـ«مكتب الشؤون الإنسانية (أوتشا)» التابع للأمم المتحدة في السودان.

وقال «أوتشا» إن نحو 118 ألف شخص نزحوا، وفقاً لتقرير تحديث الفيضانات من «منظومة تتبّع النزوح»، التابعة لـ«المنظمة الدولية للهجرة»، وإن السلطات والشركاء الإنسانيين تواصلوا من أجل تقييم تأثير الأمطار الغزيرة والفيضانات على المجتمعات المضيفة واللاجئين والنازحين داخلياً.

ووفقاً للتقرير الميداني، فإن أكثر من 32 ألف شخص تأثروا بالأمطار الغزيرة والفيضانات في شرق السودان، وإن الأمطار ألحقت أضراراً بـ190 خيمة تؤوي النازحين في موقع تجمعهم بمدينة كسلا، وإن 33 مدرسة في المدينة قد تضررت، كما ألحقت الأمطار أضراراً بالمراحيض العامة وأنظمة الصرف الصحي، وأدت إلى فقدان مخزونات الغذاء.


مقالات ذات صلة

أفورقي يبلغ البرهان بوقوف بلاده مع استقرار ووحدة السودان

شمال افريقيا أفورقي والبرهان لدى لقائهما الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)

أفورقي يبلغ البرهان بوقوف بلاده مع استقرار ووحدة السودان

أعلن الرئيس الإريتري آسياس أفورقي وقوف بلاده مع السودان لتحقيق الأمن والاستقرار في أعقاب مباحثات أجراها في أسمرة مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا عقار وفليتشر خلال لقائهما في الخرطوم أمس (إكس)

ترحيب أممي بإنشاء مراكز إنسانية في 3 مطارات سودانية

رحب المسؤول الأممي توم فليتشر الثلاثاء بإعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بالسماح لمنظمات الأمم المتحدة بإنشاء مراكز إنسانية في 3 مطارات بالبلاد

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان خلال مشاركته بالجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع في إيطاليا (واس)

السعودية تدعو المجتمع الدولي للتحرك لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

شددت السعودية، الاثنين، خلال الجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع (G7)، على ضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان.

«الشرق الأوسط» (فيوجي)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

البرهان يسمح للمنظمات الإغاثية باستخدام 3 مطارات لتخزين مواد الإغاثة

وجه رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، بالسماح لمنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة باستخدام 3 مطارات بوصفها مراكز لتخزين مواد الإغاثة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

توعدت «الدعم السريع» بمواصلة «العمليات الخاصة النوعية»، لتشمل «جميع المواقع العسكرية لميليشيات البرهان والحركة الإسلامية الإرهابية»، واعتبارها أهدافاً بمتناولها

أحمد يونس (كمبالا)

باريس تمنح «حمايتها» للكاتب صنصال المعتقل في الجزائر

الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
TT

باريس تمنح «حمايتها» للكاتب صنصال المعتقل في الجزائر

الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)

بينما أعلنت الحكومة الفرنسية، رسمياً، أنها ستقدم «حمايتها» للكاتب الشهير بوعلام صنصال الذي يحتجزه الأمن الجزائري منذ الـ16 من الشهر الحالي، سيبحث البرلمان الأوروبي غداً لائحة فرنسية المنشأ، تتعلق بإطلاق سراحه.

وصرّح وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، الثلاثاء، لدى نزوله ضيفاً على إذاعة «فرانس إنفو»، بأن الرئيس إيمانويل ماكرون «مهتم بالأمر، إنه كاتب عظيم، وهو أيضاً فرنسي. لقد تم منحه الجنسية الفرنسية، ومن واجب فرنسا حمايته بالطبع. أنا أثق برئيس الجمهورية في بذل كل الجهود الممكنة من أجل إطلاق سراحه». في إشارة، ضمناً، إلى أن ماكرون قد يتدخل لدى السلطات الجزائرية لطلب إطلاق سراح الروائي السبعيني، الذي يحمل الجنسيتين.

قضية صلصال زادت حدة التباعد بين الرئيسين الجزائري والفرنسي (الرئاسة الجزائرية)

ورفض الوزير روتايو الإدلاء بمزيد من التفاصيل حول هذه القضية، التي تثير جدلاً حاداً حالياً في البلدين، موضحاً أن «الفاعلية تقتضي التحفظ». وعندما سئل إن كان «هذا التحفظ» هو سبب «صمت» الحكومة الفرنسية على توقيفه في الأيام الأخيرة، أجاب موضحاً: «بالطبع، بما في ذلك صمتي أنا. ما هو مهم ليس الصياح، بل تحقيق النتائج». مؤكداً أنه يعرف الكاتب شخصياً، وأنه عزيز عليه، «وقد تبادلت الحديث معه قبل بضعة أيام من اعتقاله».

واعتقل الأمن الجزائري صاحب الرواية الشهيرة «قرية الألماني»، في محيط مطار الجزائر العاصمة، بينما كان عائداً من باريس. ولم يعرف خبر توقيفه إلا بعد مرور أسبوع تقريباً، حينما أثار سياسيون وأدباء في فرنسا القضية.

وزير الداخلية الفرنسية برونو روتايو (رويترز)

ووفق محامين جزائريين اهتموا بـ«أزمة الكاتب صنصال»، فإن تصريحات مصورة عُدَّت «خطيرة ومستفزة»، أدلى بها لمنصة «فرونتيير» (حدود) الفرنسية ذات التوجه اليميني، قبل أيام قليلة من اعتقاله، هي ما جلبت له المشاكل. وفي نظر صنصال، قد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، وأشار إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، التي تقع في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

بل أكثر من هذا، قال الكاتب إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». وفي تقديره «لم تمارس فرنسا استعماراً استيطانياً في المغرب لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، وفُهم من كلامه أنه يقصد الجزائر، الأمر الذي أثار سخطاً كبيراً محلياً، خصوصاً في ظل الحساسية الحادة التي تمر بها العلاقات بين الجزائر وفرنسا، زيادة على التوتر الكبير مع الرباط على خلفية نزاع الصحراء.

البرلمانية الأوروبية سارة خنافو (متداولة)

وفي حين لم يصدر أي رد فعل رسمي من السلطات، هاجمت «وكالة الأنباء الجزائرية» بحدة الكاتب، وقالت عن اعتقاله إنه «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور، رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه ضد المهاجرين في فرنسا عموماً، والجزائريين خصوصاً.

يشار إلى أنه لم يُعلن رسمياً عن إحالة صنصال إلى النيابة، بينما يمنح القانون الجهاز الأمني صلاحية تجديد وضعه في الحجز تحت النظر 4 مرات لتصل المدة إلى 12 يوماً. كما يُشار إلى أن المهاجرين السريين في فرنسا باتوا هدفاً لروتايو منذ توليه وزارة الداخلية ضمن الحكومة الجديدة في سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويرجّح متتبعون لهذه القضية أن تشهد مزيداً من التعقيد والتوتر، بعد أن وصلت إلى البرلمان الأوروبي؛ حيث سيصوت، مساء الأربعاء، على لائحة تقدمت بها النائبة الفرنسية عن حزب زمور، سارة كنافو. علماً بأن لهذه السياسية «سوابق» مع الجزائر؛ إذ شنت مطلع الشهر الماضي حملة كبيرة لإلغاء مساعدات فرنسية للجزائر، قُدرت بـ800 مليون يورو حسبها، وهو ما نفته الحكومة الجزائرية بشدة، وأودعت ضدها شكوى في القضاء الفرنسي الذي رفض تسلمها.