هل يؤدي الخلاف على رئاسة «الدولة» الليبي إلى انقسامه؟

محللون يرون أن تفتت المجلس سيزيد من تعقيد الأزمة السياسية

تكالة والمشري خلال الانتخابات السابقة على رئاسة المجلس الأعلى للدولة (المجلس)
تكالة والمشري خلال الانتخابات السابقة على رئاسة المجلس الأعلى للدولة (المجلس)
TT

هل يؤدي الخلاف على رئاسة «الدولة» الليبي إلى انقسامه؟

تكالة والمشري خلال الانتخابات السابقة على رئاسة المجلس الأعلى للدولة (المجلس)
تكالة والمشري خلال الانتخابات السابقة على رئاسة المجلس الأعلى للدولة (المجلس)

دفع الخلاف حول نتائج انتخاب رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا إلى تخوف البعض من أن يؤدي ذلك إلى انقسامه، ما يؤثر بالتبعية على العملية السياسية التي تعاني تعثراً وجموداً.

ورأى سياسيون ومراقبون أنه إذا طال أمد الخلاف حول نتيجة التصويت بشأن رئاسة المجلس، فإن ذلك سيؤدي إلى تشظي الأخير، وهو ما يعني فقدان أحد الأطراف في المعادلة السياسية في ليبيا، لافتين إلى الصلاحيات الممنوحة للمجلس بعملية إقرار التشريعات المنظمة للاستحقاق الانتخابي، وأيضاً تشكيل حكومة تضطلع بإجرائه.

وأعرب عضو المجلس الأعلى للدولة، أحمد بوبريق، عن تخوّفه من أن يؤدي عدم رأب الصدع بشكل سريع بمجلسه «لدفع البرلمان للمضي قدماً نحو تشكيل حكومة جديدة بشكل منفرد». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «البرلمان كان قد بدأ أولى خطوات في هذا المسار بفتح باب الترشح لرئاسة تلك الحكومة، دون التنسيق مع الكتل المقربة في الرؤى له داخل (الأعلى للدولة)، التي اعترضت على الأمر، وحذّرت من عواقب ذلك».

ورأى بوبريق أن «تشكيل حكومة جديدة بشكل منفرد من جانب البرلمان، ودون تنسيق مع (الأعلى للدولة)، يعني إمكانية الطعن عليها من أطراف عدة بالساحة المحلية، وبالتأكيد لن تحظى بالاعتراف الدولي كما هي الحال مع حكومة حماد».

واندلع الخلاف على انتخاب رئاسة «الأعلى للدولة»، الذي شارك فيه 139 من أعضائه خلال جلسة التصويت الثانية، التي جرت ما بين الرئيس المنتهية ولايته للمجلس محمد تكالة، والرئيس السابق خالد المشري، بعدما حصل الأخير على 69 صوتاً، في حين حصل تكالة على 68 صوتاً، مع وجود ورقة تصويت كتب على ظهرها اسم تكالة، ما عدّ مخالفاً للشروط المتبعة.

وأقر بوبريق بأن الخلاف داخل مجلسه «انتقص كثيراً من صورته أمام الرأي العام الليبي، خاصة بالمنطقة الغربية»، وقال إن «الأوضاع متأزمة، وكان هناك ترقب لحسم معركة رئاسة (الأعلى للدولة) لاستيضاح الطريق والرؤى، بشأن خطط استكمال مسار إجراء الانتخابات مع البرلمان».

ويشترط الاتفاق السياسي، الموقع نهاية عام 2015، ضرورة توافق مجلسي النواب و«الدولة» على القوانين المتعلقة بالدستور، وإجراء الانتخابات العامة، وأي تشريعات ذات صلة بهما.

بدوره، توقّع المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، أن يتخذ البرلمان من الخلاف الراهن بـ«الأعلى للدولة» ذريعة لاستكمال مساره، وتكرار تجاربه السابقة بتشكيل حكومات لا تحظى بتوافق محلي أو دولي.

وقلل محفوظ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» مما يردده البعض من «أن الخلاف على رئاسة (الأعلى للدولة)، واحتمال انقسامه هو أمر لا يصب بمصلحة الدبيبة». وقال إن تكالة «يؤيد سياسات الدبيبة، ومن المهم أن تحظى حكومته بحليف سياسي ذي ثقل بالساحة الداخلية؛ لكن بقاء تلك الحكومة من عدمه لم يكن مرهوناً ببقاء تكالة أو رحيله عن رئاسة المجلس»، مشيراً إلى أن «التأثير الأهم بالنسبة لها هو ما يتعلق بقرار ومواقف قادة السلاح والمجتمع الدولي».

وتوّقع محفوظ أن تظل الأوضاع مجمدة بالمشهد السياسي الليبي «حتى لو يتم حل الخلاف على رئاسة (الأعلى للدولة)؛ وإن كان هذا غير متوقع». معتقداً أن فوز أي من تكالة والمشري بمقعد رئيس المجلس «لا ينفي وجود انقسام سياسي عميق بين أعضاء (الأعلى للدولة)»، وقال بهذا الخصوص: «نحن أمام تيارين متنافسين بهذا المجلس، لكل منهما توجهات ومصالح سياسية مغايرة، ما يصعب معه اتخاذ قرارات، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالتقارب مع البرلمان والتوافق بشأن إجراء الانتخابات».

وحذّر محفوظ من التداعيات السلبية بشأن ما حدث بالساحة، ورأى أن «قطاعاً كبيراً بالمجتمع صار منشغلاً بحسم رئاسة (الأعلى للدولة)، وليس بإجراء الانتخابات العامة، في حين يتخوف البعض من إمكانية قبول نتائج تلك الانتخابات، خصوصاً الرئاسية، في ظل هذا الجدل على مقعد رئاسة الأعلى».

ومنذ مارس (آذار) 2022 تتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وتحظى بالاعتراف الأممي، ومقرها طرابلس بالغرب الليبي، والثانية مكلفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية برئاسة أسامة حماد.


مقالات ذات صلة

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

شمال افريقيا الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

خاص دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

بعد إعلان السلطة في غرب ليبيا عن إجراءات واسعة ضد النساء من بينها "فرض الحجاب الإلزامي"، بدت الأوضاع متجه إلى التصعيد ضد "المتبرجات"، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

بعد 39 عاماً على «إحراق» أرشيف السجل العقاري خلال عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، يطالب ليبيون بفتح تحقيق في هذه القضية لـ«تضررهم من الحادثة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من رؤساء منظمات المجتمع المدني من ليبيا ومن خارجها (البعثة الأممية)

ليبيا: الأمم المتحدة تبحث فرص نزع سلاح الميليشيات و«تفكيكها»

رعت البعثة الأممية اجتماعاً يضم رؤساء منظمات مجتمع مدني ومسؤولين حكوميين لمناقشة قضية نزع سلاح التشكيلات المسلحة وإعادة إدماجها في مؤسسات الدولة.

جمال جوهر (القاهرة)

تفاعل مصري مع بكاء السيسي خلال لقائه قادة القوات المسلحة

السيسي أكد أن المنطقة تمر بظروف صعبة ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة (الرئاسة المصرية)
السيسي أكد أن المنطقة تمر بظروف صعبة ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة (الرئاسة المصرية)
TT

تفاعل مصري مع بكاء السيسي خلال لقائه قادة القوات المسلحة

السيسي أكد أن المنطقة تمر بظروف صعبة ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة (الرئاسة المصرية)
السيسي أكد أن المنطقة تمر بظروف صعبة ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة (الرئاسة المصرية)

تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع لحظات بكاء وتأثر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال لقائه، الخميس، قادة القوات المسلحة المصرية في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة).

وتصدر وسم «#السيسي_القايد» الترند في مصر، مع مشاركة مقاطع فيديو من لقاء السيسي، والاحتفاء بكلماته.

اللقاء الذي حضره القائد العام للقوات المسلحة المصرية، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق أول عبد المجيد صقر، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، الفريق أحمد خليفة، وقادة الأفرع الرئيسية، تناول، حسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، تطوّرات الأوضاع على الساحتَين الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط».

وخلال اللقاء طلب السيسي من المتحدث العسكري، العقيد غريب عبد الحافظ، أن يسدي له نصيحة، قائلاً: «تنصحني بإيه؟»، ليرد الأخير: «هون على نفسك يا فندم».

وتعليقاً على رد المتحدث العسكري، قال السيسي، الذي بدا عليه التأثر حابساً دموعه: «هما يومان في الدنيا، وبعد ذلك سنموت... يا رب يقبلني».

وأضاف الرئيس المصري مخاطباً المتحدث العسكري أنه «عندما تفهم الحكاية التي نتواجد بسببها في الأرض... لن تهون عليك أبداً»، وتابع: «عندما جاءت السيدة فاطمة أثناء وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، قالت له: (واكرباه). فرد عليها الرسول وهو ينتقل إلى الرفيق الأعلى: (لا كرب بعد اليوم على أبيكِ)».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال إن سياسة بلاده الخارجية تتمتع بالاعتدال (الرئاسة المصرية)

وحرص رواد مواقع «التواصل» على مشاركة مقطع الفيديو، الذي يظهر فيه تأثر الرئيس المصري وهو يرد على المتحدث العسكري، من بينهم الإعلامي المصري أحمد موسى.

بينما دعا مغردون أن يعين الله الرئيس المصري ويؤيده بنصره.

وكتب آخرون، متمنين أن يحمي الله السيسي من «كيد الحاقدين».

كما عد حساب آخر بكاء الرئيس «دليلاً على ثقل الحمل الذي يتحمله».

في المقابل، ظهرت تعليقات و«هاشتاغات» ناقدة ومشككة في المشهد الذي تم بثه عبر القنوات التلفزيونية الرسمية.

وهو ما عده الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج، «محاولة للتقليل من مكانة البلاد عبر الادعاء بأن حديث السيسي وتأثره هدفهما استعطاف المصريين»، مشيراً إلى أن «وراء هذه الادعاءات جماعات تسعى باستمرار للتشكيك في كل شيء، وفي كل تصريح، بهدف إثارة البلبلة وتحريض الرأي العام».

وأكد فرج لـ«الشرق الأوسط» أن «كلمات الرئيس خلال لقائه قادة القوات المسلحة حظيت بتفاعل واسع في الداخل والخارج»، مشيراً إلى أن «تأثر السيسي خلال اللقاء يعكس حجم التحديات التي تواجهها البلاد». وقال إن «السيسي سبق وقال له إنه كمن يمسك جمراً في يده، نظراً لحجم المخاطر التي تحيط بالبلاد، لا سيما خلال الفترة الأخيرة منذ اندلاع حرب غزة».

وأضاف فرج: «نعيش فترة عصيبة تحتاج حنكة وحكمة في اتخاذ القرارات». وأوضح أن «السيسي تحدث خلال اللقاء عن التهديد الذي يواجه مصر عبر جبهاتها الاستراتيجية الثلاث؛ سيناء شرقاً، وليبيا غرباً، والسودان واليمن جنوباً»، وأكد الرئيس المصري «ضرورة التأني في اتخاذ القرارات حتى لا تفقد البلاد ما بنته من تسليح وتدريب خلال السنوات الماضية».

الرئيس المصري خلال لقاء قادة القوات المسلحة المصرية (الرئاسة المصرية)

ولم يقتصر التفاعل على لحظات التأثر، بل امتد لتصريحات السيسي خلال اللقاء. وقال الإعلامي وعضو ومجلس النواب المصري (البرلمان)، مصطفى بكري، عبر حسابه على «إكس»، إن «حديث الرئيس السيسي مع قادة القوات المسلحة يعكس حرصه على التشاور معهم بشأن التحديات التي تواجه مصر في الوقت الراهن على كافة الاتجاهات الاستراتيجية».

ولفت بكري إلى أن الرئيس المصري أرسل خلال اللقاء رسائل عدة؛ من أبرزها «التأكيد على أن إدارة مصر المتزنة ساهمت في الاستقرار، وأن مصر ليست في معزل عما يدور حولها من أزمات وتحديات، مع التشديد على ضرورة الحفاظ على التدريب والجاهزية للقوات المسلحة للحفاظ على أمن مصر القومي».

من جانبه، أشار الخبير العسكري المصري إلى أن «لقاء السيسي مع الجيش هذه المرة مختلف، حيث حضره قادة الفرق واللواءات، على غير المعتاد في مثل هذه الاجتماعات التي يحضرها (المجلس الأعلى للقوات المسلحة) وقادة الجيوش، ما يعني أن الرئيس أراد أن تصل رسالته لكل جندي».

وحمل لقاء السيسي مع قادة القوات المسلحة «رسائل عدة للداخل والخارج، ملخصها أن الجيش جاهز ومتيقظ»، حسب سمير فرج.

تناول اللقاء، «جهود القوات المسلحة في تأمين جميع الاتجاهات الاستراتيجية للدولة ومدى جاهزيتها لتنفيذ المهام التي تُوكل إليها»، حيث أكد الرئيس المصري أن «القوات المسلحة هي أهم ركيزة للاستقرار في مصر والمنطقة في ظل الأزمات والصراعات التي تحيط بالبلاد على كافة حدودها»، معرباً عن «اطمئنانه تجاه الدور الحيوي الذي يلعبه الجيش في الحفاظ على استقرار البلاد».

وقال السيسي إن «المنطقة تمر بظروف صعبة، ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة والتطورات الجارية في الاتجاهات الاستراتيجية المختلفة، في كافة حدود الدولة الغربية والجنوبية والشرقية والشمال الشرقي».

وأضاف أن «سياسة مصر الخارجية تتمتع بالاعتدال»، مشيراً إلى أن «مهمة القوات المسلحة لا تقتصر على التدريب العسكري فحسب، بل تتفاعل أيضاً مع الوضع السياسي والأمني في الداخل والخارج»، وشدد على «أهمية اتخاذ القرارات السليمة مهما كانت جاهزية القوات للحفاظ على كل المكتسبات التي تحققت خلال 10 سنوات مضت».