أزمة العلاقات الفرنسية - الجزائرية تفتح باباً على المجهول

باريس تُقدِّر انعكاسات القرار على مصالحها الاقتصادية في المغرب وأفريقيا

الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي في مطار الجزائر أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي في مطار الجزائر أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

أزمة العلاقات الفرنسية - الجزائرية تفتح باباً على المجهول

الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي في مطار الجزائر أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي في مطار الجزائر أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

ثلاثة أسئلة يثيرها قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تبني المقاربة المغربية لملف الصحراء، التي تتضمنها خطة الرباط المطروحة في عام 2007: أولها، التوقيت، وثانيها الأسباب والدوافع، وثالثها التبعات والنتائج.

وما يزيد من حدة التساؤلات أن ماكرون، ومعه الدبلوماسية الفرنسية، يعيان مدى حساسية ملف الصحراء بالنسبة إلى الجزائر، ويعرفان أن الطرف الجزائري لن يكون قادراً على «هضم التغير الجذري» للموقف الفرنسي، وقد عانيا من أزمات متلاحقة في السنوات الأخيرة لأسباب تقل أهمية عن موضوع الصحراء، ولكنها جاءت في كل مرة بسبب تصريحات مختلفة لماكرون، مرة حول الجزائر التي لم يكن لها وجود قبل الاحتلال الفرنسي لها عام 1832، ومرة أخرى حول النظام العسكري الذي يستفيد من «ريع» حرب الاستقلال عن فرنسا (نظام سياسي عسكري مبنيّ على ريع الذاكرة التاريخية).

* ماكرون والاستفادة من اللحظة التاريخية

تقول مصادر سياسية فرنسية إن الرئيس الفرنسي أراد إصابة عصفورين بحجر واحد: الأول الاستفادة من مناسبة احتفال المغرب بصعود الملك محمد السادس على العرش «ليقدم له هدية دبلوماسية وسياسية في ملف جعله الأخير بوصلة لسياسة بلاده الخارجية، ومعياراً لتعاملها مع الدول الأخرى». وذهب ماكرون أبعد مما ذهبت إليه إسبانيا عام 2022 عندما تبنت، إلى حد كبير، خطة الحل المغربية.

وفي المقابل، كتب ماكرون في رسالته أن المخطط الغربي «أصبح القاعدة الوحيدة للتوصل إلى حل سياسي دائم ومتفاوَض عليه»، مضيفاً أن حاضر الصحراء ومستقبلها يندرجان في إطار السيادة المغربية»، مما يعني أن ماكرون قرر سلفاً مصير الصحراء، وسيادة المغرب عليها، مما يقطع عملياً الطريق على أي حلول توافقية. وبكلام آخر، فإن ماكرون قدم لملك المغرب هدية «استثنائية» كان ينتظرها منذ عام 2020، أي منذ أن اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ«مغربية» الصحراء، وتبعته في ذلك دول عديدة مثل إسبانيا وألمانيا وهولندا وإسرائيل، فضلاً عن مجموعة كبيرة من الدول الأفريقية.

أما السبب الثاني لتوقيت مبادرة ماكرون فمرتبط، وفق المصدر السياسي، بالوضع السياسي الداخلي لفرنسا، حيث الحكومة مستقيلة، والبرلمان في إجازة، والبلاد منشغلة بالأولمبياد، والفرنسيون إمَّا على الشواطئ وإمّا في المنتجعات الجبلية. والمرجح أن ماكرون أراد الاستفادة من «الفراغ» المؤسساتي الحالي قبل تشكيل حكومة جديدة، قد تكون لها مقاربة مختلفة حول ملف الصحراء، رغم أن الدستور الفرنسي ينيط برئيس الجمهورية رسم سياسة البلاد الخارجية والدفاعية.

* التحاق فرنسا بالركب الغربي

لم يأتِ قرار ماكرون من فراغ ولم يكن وليد ساعته. فقد كشفت تقارير صحافية أشارت إليها عدة وسائل إعلامية عن أن الدبلوماسيين الفرنسيين بدأوا بالعمل على المقاربة الجديدة منذ ربيع العام الماضي، وأن العديد من الاجتماعات عُقدت بين المسؤولين الدبلوماسيين من الجانبين الفرنسي والمغربي، مبرزةً أن الجانب المغربي لم يفتأ يتساءل عمّا إذا كانت باريس «ستبقى متفرجة»، بينما الدول الأخرى سارعت لتبني المقاربة المغربية. كما أشارت هذه التقارير إلى الضغوط التي مارستها الدبلوماسية المغربية على فرنسا، وإحدى الحجج التي لجأت إليها، وفق صحيفة «لوبينيون»، هي تذكيرها بأن الرئيس الأسبق جاك شيراك، الذي كان صديقاً كبيراً للمغرب، هو مَن اقترح على الرباط منذ عام 2003 أن تطرح وقتها خطة الحكم الذاتي، وذلك لتجاوز إجراء استفتاء للصحراويين، يقرر مصير الصحراء.

الرئيس الجزائري مستقبلاً عمدة مرسيليا (الرئاسة)

وأشارت «لوبينيون» إلى عامل آخر هو خروج برنار أيميه، السفير السابق لدى الجزائر ومدير المخابرات الخارجية الفرنسية، من الصورة في الربيع الماضي. فقد كان أيميه من أشد المدافعين عن قيام علاقة مميزة بين باريس والجزائر، وغيابه ترك الباب حراً لمن دأبوا على تأكيد أن الجزائر لم تتجاوب مع مبادرات الرئيس ماكرون، الذي قام خلال السنوات الثلاث الماضية بجهود كبرى لإغلاق الملفات الخلافية مع الجزائر، وعلى رأسها «ملف الذاكرة».

الرئيس الجزائري مع رئيسة الحكومة الفرنسية بالجزائر في 10 أكتوبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

ولخَّص رئيس الوزراء المغربي، عزيز أخنوش، رغبة بلاده مطلع سنة 2023 في حديث لصحيفة «لوبينيون» بقوله: «ثمة تحولات كبرى في مقاربة الدول العظمى لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية «الصحراء»، ولا يتعين على فرنسا أن تبقى بعيدة عنها، وأن تلتزم موقف المتفرج».

وليس سراً أن في فرنسا مجموعات ضغط، منها ذات طابع رسمي، مثل «مجموعات الصداقة» في مجلسي الشيوخ والنواب، ومنها من لا يتمتع بصفة رسمية، لكنها تعمل لصالح هذا الطرف أو ذاك. ووزيرة الثقافة الفرنسية، مزدوجة الجنسية «الفرنسية والمغربية»، رشيدة داتي، تعد من أبرز الداعين لنسج علاقات أوثق بين باريس والرباط، وقد وصفت المسار الجديد للدبلوماسية الفرنسية، كما برز من خلال رسالة ماكرون، بأنه «تاريخي وضروري، ولا يمكن التراجع عنه، ونحن جميعاً نشارك في صناعته». وقالت إن رسالة الرئيس الفرنسي «تعزز سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية».

وفي المناسبة عينها، قال وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه، في حفل السفارة المغربية في باريس بعيد الجلوس، إن تطور الموقف الفرنسي «طبيعي»، وإن بين فرنسا والمغرب «صداقة عميقة وفريدة». بيد أن أهم ما قاله سيجورنيه «وما يفسَّر جزئياً على أنه تحول السياسة الفرنسية»، يتناول ما سمّاه «الإجماع الدولي» حول خطة المغرب، مما يلقي بالضوء على أحد الأسباب التي دفعت ماكرون إلى المغامرة بأزمة مفتوحة مع الجزائر.

الرئيس تبون في لقاء سابق مع أعضاء لجنة الذاكرة الجزائريين لبحث ملف الذاكرة بين فرنسا والجزائر (الرئاسة الجزائرية)

وبكلام آخر، ووفق ما قاله الوزير الفرنسي، فإن باريس تريد أن تكون من ضمن الإجماع الدولي، لا أن تبقى على الهامش. ولم يدفن سيجورنيه جهود الأمم المتحدة للتسوية، لكنه دعا لأن «تشكل بداية عملية تكامل إقليمي متجددة، تعزز التعاون والاستقرار والازدهار في منطقة المغرب» العربي، وأن تركز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للصحراء.

ويضيف مصدر سياسي فرنسي آخر أن باريس ترى اليوم أن قدرة التأثير الجزائرية في محيطها المباشر، خصوصاً في منطقة الساحل، قد تراجعت كثيراً بعد خلافها مع دولتين مجاورتين، هما مالي والنيجر. وفي المقابل، فإن عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي يمكن أن تشكل «منصة» لعمل مشترك فرنسي - مغربي على المستويات السياسية والاقتصادية والاستثمارية.

* العقوبات الجزائرية

لا يمكن فصل السياسة عن المصالح الاقتصادية والتجارية والاستثمارية. فلفرنسا مصالح كبرى في المغرب، التي قد تكون لعبت دوراً ما في دفع السلطات الفرنسية إلى تغيير مقاربتها، والتسبب في أزمة من «العيار الثقيل» مع الجزائر، على غرار ما حصل بين الأخيرة وإسبانيا في عام 2022 وفي ظروف مشابهة.

وليس سراً أن الشركات الفرنسية مهتمة بأربعة قطاعات رئيسية: توزيع المياه وتحلية مياه البحر، والنقل العام وشبكة القطارات السريعة، والنقل المدني، وتجديد طائرات الخطوط الملكية المغربية، وهي ترى أن انعطافتها الدبلوماسية يمكن أن تمكّنها من الفوز بعقود كبرى جديدة.

الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع زعيم جمعية أرباب العمل (الرئاسة الجزائرية)

وسبق لقصر الإليزيه أن أبلغ سلفاً كبار مسؤولي الشركات الفرنسية بعزم الرئيس ماكرون التقارب مع المغرب، ورغبته في زيارة الرباط. وبكلام آخر، فإن في باريس من يرى أن النتائج السلبية المترتبة على تغير المقاربة الفرنسية يمكن احتواؤها، وهم ينظرون إلى ما حصل في حالة إسبانيا، حيث إن فترة العقوبات والجفاء بين الجزائر ومدريد لم تدم طويلاً، وأن حجة الجزائر بأن إسبانيا، القوة المستعمرة السابقة في الصحراء، تراجعت عن موقفها الداعم للرباط، وعادت إلى المقاربة التقليدية، وذلك في خطاب رئيس الوزراء في الأمم المتحدة خريف العام الماضي، لا تستقيم.

ورداً على قرار الجزائر سحب سفيرها في باريس، سعيد مكوسي، بشكل فوري، قال مصدر دبلوماسي فرنسي إن فرنسا «أخذت علماً بقرار الجزائر، وهو قرار سيادي». مضيفاً: «نحن عازمون على تعزيز علاقاتنا الثنائية مع الجزائر، وننظر إلى المستقبل وطموحنا الكبير العمل لصالح شعبينا».

الملك محمد السادس مستقبلاً الرئيس ماكرون خلال زيارته الرباط في نوفمبر 2018 (رويترز)

ترى مصادر فرنسية واسعة الاطلاع أن باريس «مغرقة في التفاؤل»، وأنها «لا تأخذ بعين الاعتبار الفارق في العلاقة» بين الجزائر وإسبانيا من جهة، وبينها وبين فرنسا من جهة ثانية. وتتوقع هذه المصادر أن السلطات الجزائرية لن تكتفي بسحب سفيرها، ولا بخفض تعاونها مع الأجهزة الفرنسية في موضوع قبول استقبال المواطنين الجزائريين، الذين تريد باريس إبعادهم عن أراضيها بموجب قرارات قضائية. وهي لا تستبعد أن تعمد الجزائر إلى فرض عقوبات تجارية واقتصادية على فرنسا وشركاتها، وقد يكون آخر ما تلجأ إليها حجب شحنات الغاز عنها كإجراء ستكون له انعكاساته على المستهلك الفرنسي.

بيد أن الإجراء الأكثر توقعاً هو أن يعمد تبون إلى إلغاء زيارته إلى باريس، التي أُجلت مراراً العام الماضي، وكان من المقرر سلفاً أن تحصل في شهر سبتمبر (أيلول) المقبلة بعد الانتخابات الرئاسية.​



تنسيق مصري - أميركي لدفع جهود وقف إطلاق النار في غزة

وزير الخارجية المصري يلتقي مع نظيره الأميركي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي مع نظيره الأميركي (الخارجية المصرية)
TT

تنسيق مصري - أميركي لدفع جهود وقف إطلاق النار في غزة

وزير الخارجية المصري يلتقي مع نظيره الأميركي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي مع نظيره الأميركي (الخارجية المصرية)

تجري مصر والولايات المتحدة، مشاورات مستمرة من أجل دفع جهود إبرام هدنة في قطاع غزة مماثلة للتي تبدو وشيكة بين لبنان وإسرائيل، بحسب إفادة وزارة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وتتوسط مصر وأميركا، إلى جانب قطر، منذ أكثر من عام، لتبادل المحتجزين، ووقف الحرب الإسرائيلية في القطاع، والتي راح ضحيتها 44 ألفاً و249 قتيلاً، إلى جانب 104 آلاف و746 إصابة، وفق وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.

وقالت «الخارجية المصرية»، إن لقاء وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، مساء الاثنين، على هامش أعمال اجتماع وزراء خارجية «مجموعة السبع» في إيطاليا، جاء في إطار «التنسيق والتشاور الدوري والعمل المشترك لاحتواء التصعيد بالشرق الأوسط، ومناقشة آخر التطورات بالنسبة لمفاوضات الوقف الفوري لإطلاق النار في كل من قطاع غزة ولبنان».

وقال عبد العاطي إنه «لن يتحقق الأمن أو الاستقرار بالمنطقة، دون استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرضي الفلسطينية»، محذراً من «الخطورة البالغة لاستمرار السياسات الإسرائيلية العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني وتداعياتها الكارثية على أمن واستقرار المنطقة والعالم بأسره، في ظل الانتهاكات المتواصلة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني».

وشدد وزير الخارجية المصري على ضرورة «نفاذ المساعدات الإنسانية لقطاع غزة في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون»، مشيراً إلى المؤتمر الوزاري الذي ستستضيفه القاهرة لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة، يوم الاثنين المقبل.

ويتوقّع أن تتّخذ إسرائيل قراراً، الثلاثاء، بشأن وقف إطلاق النار بعد شهرين من الحرب ضد «حزب الله» في لبنان. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس خلال اجتماعه في تل أبيب مع مبعوثة الأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت، إن أي خرق لاتفاق وقف إطلاق النار المحتمل مثل إعادة التسلح في الجنوب، سيدفع الدولة العبرية إلى التصرف «بحزم».

وكثّفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة جهودها في الأيام الأخيرة، من أجل التوصل إلى هدنة بين إسرائيل و«حزب الله».

وفي لقاء آخر، مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاياني، حذر الوزير المصري عبد العاطي، من خطورة الأوضاع في الضفة الغربية نتيجة استمرار إسرائيل في سياسة التوسع الاستيطاني.