ترحيب واسع بالمبادرة الأميركية لوقف الحرب في السودان

حميدتي يوافق على محادثات سويسرا... والجيش يلتزم الصمت

وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن (أ.ب)
TT

ترحيب واسع بالمبادرة الأميركية لوقف الحرب في السودان

وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن (أ.ب)

توالت ردود أفعال القوى السياسية والمدنية، المرحّبة بالمبادرة الأميركية الجديدة لجمع طرفَي القتال في السودان، الجيش و«قوات الدعم السريع»، في محادثات مباشرة بسويسرا، منتصف أغسطس (آب) المقبل، بهدف إنهاء الحرب، ورأت في الخطوة امتداداً لمساعي الإدارة الأميركية المتواصلة، لكنها رأت أن نجاحها مرهون بالضغط الذي ستمارسه على الأطراف المتقاتلة.

وأعلن قائد «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو «حميدتي»، ليل الثلاثاء - الأربعاء، قبوله دعوة وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، بالمشاركة في المحادثات، فيما لم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من الطرف الآخر، أي «القوات المسلحة السودانية» بشأن الدعوة.

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (د.ب.أ)

وقال حميدتي في منشور على منصة «إكس»: «أقدّر الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وسويسرا في تنظيم هذه المداولات المهمة»، مضيفاً: «نحن نتشارك مع المجتمع الدولي في الهدف، المتمثّل في وقف شامل لإطلاق النار في أرجاء البلاد كافة، وتسهيل الوصول الإنساني لجميع المحتاجين، بالإضافة إلى تطوير آلية قوية للرصد والتحقّق؛ لضمان تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه».

ونقلت مجلة «فورن بوليسي» عن مسؤولين أميركيين حاليّين وسابقين، أن الرئيس جو بايدن يخطّط لإطلاق مبادرة جديدة لإنهاء الحرب في السودان، من خلال محادثات سلام، من المقرّر أن تنطلق في 15 من أغسطس (آب) المقبل، وسيترأس هذه المباحثات كل من وزير الخارجية الأميركية، وسفيرة أميركا في نيويورك، ليندا توماس.

حمدان دقلو «حميدتي» أعلن قبوله دعوة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، بالمشاركة في المحادثات (أ.ف.ب)

ووفق «فورين بوليسي»، فإن سويسرا والسعودية ستستضيفان المحادثات رفيعة المستوى الشهر المقبل، وستقتصر، وفقاً للمبادرة الأميركية، على بحث وقف إطلاق النار والعنف في جميع أنحاء البلاد، بهدف تمكين وصول المساعدات الإنسانية، وتطوير آلية مراقبة تحقُّق قوية لضمان تنفيذ أي اتفاق.

وأوضح بلينكن أن المحادثات الجديدة لا تهدف إلى معالجة القضايا السياسية الأوسع، لكنه أكّد على أهمية أن يكون للمدنيين دور قيادي في تحديد عملية تروم معالجة القضايا السياسية، واستعادة الانتقال الديمقراطي.

وشارك وفدا الجيش السوداني و«الدعم السريع» ما بين 10 و20 من يوليو (تموز) الحالي في محادثات غير مباشرة، احتضنتها مدينة جنيف السويسرية، بوساطة من الأمم المتحدة لبحث الأوضاع الإنسانية، لكنها لم تتوصل إلى تقارب في الرؤى حول اتفاق مشترك بشأن إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين.

وتكثّفت منذ أشهر مساعٍ إقليمية ودولية لإيجاد حل للقتال الدائر في السودان منذ عام ونصف عام، حيث قام المبعوث الأميركي الخاص توم بيرليو بجولات لدول الجوار العربي والأفريقي. ومن المقرّر أن يُطلع بيرليو خلال الأسبوع الحالي الكونغرس الأميركي على خطط المفاوضات، ومساعيه في إقناع كبار المفاوضين من جانِبَي الصراع للمشاركة في المحادثات، وفق تقرير «فورن بوليسي».

أسفر النزاع في السودان عن مقتل وإصابة أكثر من 100 ألف شخص ونزوح الآلاف (أ.ف.ب)

ورحّبت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، التكتل السياسي الأكبر في السودان، في بيان، الأربعاء، بالدعوة الأميركية، وأعربت عن أمانيها في أن تثمر هذه المبادرة «وقفاً عاجلاً للقتال، عبر الانخراط الجادّ، والالتزام التام من جميع الأطراف».

ورأى المتحدث الرسمي باسم « تقدم»، بكري الجاك، أن هذه الخطوة لا يمكن فصلها عن الجهود، التي كان يقوم بها المبعوث الأميركي في المنطقة منذ تسلّمه الملف. وقال لــ«الشرق الأوسط» إن أي جهد يمكن أن يؤدي إلى التعجيل بوقف الحرب يجب أن يُدعم من الباحثين عن السلام في السودان والمنطقة.

وأضاف الجاك موضحاً أن توم بيرليو ظل يدعو بإصرار إلى إشراك مصر والإمارات؛ نظراً لعلاقة كل طرف منهما بطرفَي الحرب بشكل مباشر، كما وجّه جهوده للتنسيق والدمج بين المبادرات المطروحة في منبر جدة، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة التنمية الحكومية «إيغاد»، والبناء على ما تم من تحركات مصرية وإثيوبية خلال الأيام الماضية في الملف السوداني.

وتابع الجاك قائلاً: «هناك مخاوف من دول الجوار التي ليست لها مصلحة استراتجية في استمرار الحرب بالسودان، خصوصاً أن (الإسلاميين) يعملون على تدويل الصراع الذي يتم في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ولجوء المجموعات الأخرى، التي لها امتدادات في الدول المجاورة، للاستعانة بالمقاتلين في الحرب».

وحول ما إذا كان التحرك الأميركي ذا صلة بالسباق الرئاسي في أميركا، قال الجاك: «السودان ليس بأهمية أوكرانيا أو الحرب في غزة، وتحقيق اختراق في ملف الحرب بالسودان لا يغيّر في مجريات المعادلة السياسية للانتخابات الأميركية، لكن إدارة بايدن يمكن أن تعطي مرشح الحزب الديمقراطي إمكانية التعبير عن الاهتمام بما يجري في العالم، مثل الحرب التي تجري في السودان».

من جهة ثانية، حثّ التجمع الاتحادي، أحد فصائل «تنسيقة تقدم»، الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» على قبول المبادرة الأميركية، من أجل الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثة إلى ملايين السودانيين الذين تأثروا بالحرب.

وأسفر النزاع بين الجيش؛ بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع»؛ بقيادة محمد حمدان دقلو، منذ 15 من أبريل (نيسان) العام الماضي، عن مقتل وإصابة أكثر من 100 ألف شخص، وفقاً لإحصائيات رسمية محلية ودولية.


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».