ليبيون يترقّبون مصير «الحكومة الموحدة» بعد خلافات «النواب» و«الأعلى للدولة»

أكّدوا أن ملف الانتخابات «بات يواجه التأجيل لأمد غير معلوم»

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المكتب الإعلامي لصالح)
عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المكتب الإعلامي لصالح)
TT

ليبيون يترقّبون مصير «الحكومة الموحدة» بعد خلافات «النواب» و«الأعلى للدولة»

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المكتب الإعلامي لصالح)
عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المكتب الإعلامي لصالح)

تترقّب الأوساط السياسية في ليبيا مصير «الحكومة الجديدة الموحدة»، وذلك بعد تفاقُم خلافات رئيسَي مجلسَي «الأعلى للدولة» محمد تكالة، و«النواب» عقيلة صالح، بسبب إقرار الأخير مشروع الموازنة العامة للعام 2024.

وكانت بعض أطراف الأزمة الليبية تعمل خلال الأشهر الماضية على التوصل لتشكيل «حكومة جديدة موحدة»، تسعى لتحقيق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجّلة، وإزاحة حكومة عبد الحميد الدبيبة من السلطة.

عضو «المجلس الأعلى للدولة» سعد بن شرادة، رغم توقّعه احتمال عودة المشاورات بين صالح وتكالة «خلال وقت قريب»، فإنه استبعد أن يُسفر ذلك عن أي خطوات حقيقية باتجاه تشكيل «حكومة موحدة»، أو إجراء الانتخابات.

وقال بن شرادة لـ«الشرق الأوسط» إن تكالة «اتخذ موقفاً للتعبير عن رفضه لنهج وسلوك رئيس البرلمان»، مبرزاً أنه خلال السنوات الماضية تكرّرت خلافات المجلسَين، ما أدى إلى تعليق التواصل بينهما، لكن بعد فترة استؤنف التشاور، «دون أن يُسفر ذلك عن جديد لحل الأزمة السياسية».

رئيس «المجلس الأعلى للدولة» محمد تكالة (إ.ب.أ)

وفور إقرار الموازنة العامة وجّه تكالة خطاباً لصالح، أعلن فيه رفضه التام لهذا الإجراء، وقال إن البرلمان «لم يلتزم بإحالة مشروع قانون الموازنة إلى المجلس الأعلى للدولة؛ لإبداء الرأي المُلزِم بشأنه».

ومع ذلك قلّل بن شرادة من اعتذار تكالة عن المشاركة في الاجتماع الثلاثي بالقاهرة، الذي يفترض أن يضم، بالإضافة لصالح، رئيس «المجلس الرئاسي» محمد المنفي، لافتاً إلى «عدم تنفيذ أي بند من البنود التي توافقوا عليها في الجولة الأولى، التي انعقدت مطلع مارس (آذار) الماضي».

وكان من المزمع أن تستضيف الجامعة العربية، بمقرها في القاهرة، قبل نهاية الأسبوع الحالي، الجولة الثانية من الاجتماع الثلاثي؛ لتقريب وجهات النظر حول القضايا التي تعوق إجراء الانتخابات.

كما شدّد عضو «الأعلى للدولة» على أن التعويل الحقيقي في قضية إنجاز «الحكومة الموحدة» ينحصر في مسار لقاءات من وصفهم بـ«القوى الوطنية» من أعضاء المجلسَين، الذين سبق أن اجتمعوا في تونس نهاية فبراير (شباط) الماضي، ورأى أن هؤلاء الأعضاء «قد يسرعون الخطى والجهود لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة موحدة، تستفيد من توحيد الميزانية».

كما اعتبر بن شرادة أن الهدف الراهن لهذه المجموعة، التي من المحتمل أن تعقد اجتماعها خلال الأيام المقبلة، هو «تحييد التدخل الأجنبي، بما يسهل مهمة تشكيل حكومة جديدة موحدة للبلاد، والسعي لإبعاد شبح التقسيم عن البلاد».

تكالة قال إن البرلمان «لم يلتزم بإحالة مشروع قانون الموازنة إلى (المجلس الأعلى للدولة) لإبداء الرأي الملزم بشأنه» (الشرق الأوسط)

بالمقابل، استبعد المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، «وجود آمال قريبة بتشكيل (حكومة موحدة)»، وقال إن «ملف الانتخابات بات يواجه مصيراً حتمياً بالتأجيل لأمد غير معلوم».

وقال فركاش لـ«الشرق الأوسط» إن «الجميع مستفيد من اتفاق تقسيم الميزانية الموحدة، سواء حكومتا الدبيبة وأسامة حماد، ومن قبلهما القوى المسلّحة الفاعلة في شرق ليبيا وغربها»، مضيفاً: «سيتراجع الاهتمام بالقضايا الوطنية، ويتم التركيز على ملف الإعمار وكيفية الاستفادة منه».

ويعتقد فركاش أن «التشكّك بوجود رعاية خارجية، أميركية تحديداً، قد تكون وراء اتفاق تقاسُم الميزانية، سببٌ يمثّل عائقاً يمنع استئناف مشاورات تشكيل الحكومة الموحدة». معتبراً أن «فشل الجهود التي بُذلت لتشكيل حكومة جديدة، والعمل على دمج الحكومتين، ربما لم تجد أمامه واشنطن خياراً سوى توحيد الميزانية وتقسيمها، وبذلك تُرضي كافة الأطراف، وتمنع تطور مناكفاتهم لصراع مسلّح يزيد الوضع تعقيداً بالمنطقة».

وانتهى فركاش إلى «احتمال قيام المجتمع الدولي، وبعض الدول الإقليمية، بالسعي ظاهرياً؛ لإحياء مشاورات تشكيل حكومة موحدة، واستمرار الدفع لإجراء الانتخابات».

محلّلون ليبيون أكّدوا أن ملف الانتخابات «بات يواجه التأجيل لأمد غير معلوم» (الشرق الأوسط)

بدوره، استبعد رئيس «حزب تكنوقراط ليبيا»، أشرف بلها، «وجود مشاورات جادة بشأن تشكيل حكومة جديدة خلال المرحلة الراهنة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الأمر في تشكيل الحكومة «لا يعتمد على إذابة الخلافات، وعودة التواصل بين المجلسَين، وإنما على تداعيات إقرار تلك الميزانية، من تزايد تَمترُس القوى الليبية بمناطق نفوذها، وتزايد تعنّت مواقفها تجاه أطروحات أي حل سياسي».

ورأى بلها أن «الخاسر الأكبر هو الشعب، والقوى والشخصيات، التي كانت تستعد لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية». مستبعداً «أن يتمكّن أعضاء المجلسَين، ممن شاركوا في اجتماع سابق في تونس، من بلورة أي تفاهم بينهما وتنفيذه»، وأرجع ذلك لـ«عدم توافق أجندتهم وأجندة القوى المسلحة في شرق البلاد وغربها، التي لم تُظهر أي منها أي مؤشر ينبئ باعتراضها على اتفاق تقاسم الميزانية، وتكريس الانقسام الحكومي».


مقالات ذات صلة

السنوسي عديل القذافي... من السجن إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية

شمال افريقيا السنوسي عديل القذافي... من السجن إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية

السنوسي عديل القذافي... من السجن إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية

يقبع السنوسي رئيس جهاز الاستخبارات بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي، في سجن معيتيقة تحت إشراف «قوة الردع»، التي سمحت بنقله إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة وشكشك في لقاء سابق (حكومة الوحدة)

الانقسامات تطال ديوان المحاسبة الليبي

وسط صمت رسمي من السلطة التنفيذية بطرابلس، دخل ديوان المحاسبة في ليبيا دائرة الصراع على رئاسته بين رئيسه خالد شكشك، ووكيله الموقوف عطية الله السعيطي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جلسة في مجلس النواب الليبي (المجلس)

تباين ليبي حول استدعاء البرلمان حكومة حماد للمساءلة

فتح قرار رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، استدعاء حكومة أسامة حماد، المكلفة من مجلسه، للمساءلة، نقاشاً واسعاً بين النخب السياسية والمراقبين للشأن الليبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا عمليات شفط مياه الأمطار في بنغازي (وسائل إعلام ليبية)

سوء الأحوال الجوية يعطل الدراسة في شرق ليبيا

أدّت التقلبات الجوية العنيفة التي شهدتها معظم مناطق شرق ليبيا إلى تعليق الدراسة في مدن عدة، بناءً على توجيه من السلطات المحلية.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الدبيبة خلال احتفال «عيد الاستقلال» بطرابلس (حكومة الوحدة)

ليبيا: الدبيبة يدعو إلى اعتماد دستور «ينهي المراحل الانتقالية»

هاجم رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة، مجدداً «خصومه السياسيين»، ودعا إلى اعتماد دستور ينهي المراحل الانتقالية.

خالد محمود (القاهرة)

نائب حمدوك يؤكد تمسكهم بتشكيل حكومة «موازية»

اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
TT

نائب حمدوك يؤكد تمسكهم بتشكيل حكومة «موازية»

اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)

أعلن نائب رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، الهادي إدريس، تمسكه بتشكيل «حكومة مدنية» في السودان؛ لكي تنتزع الشرعية من الحكومة التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة التي عيّنها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان. وأوضح إدريس أن الغرض من الحكومة المقترحة هو قطع الطريق «أمام خطط أنصار نظام الإسلاميين (النظام البائد بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير) الرامية لتقسيم البلاد، وأيضاً لعدم ترك صوت السودان للجبهة الإسلامية لتتحدث باسمه، وأخيراً لإجبار الطرف الآخر (الجيش) على القبول بمفاوضات لوقف الحرب». وأشار إدريس في الوقت ذاته، إلى تمسكه بوحدة الصف المدني؛ لأن تحالف «تقدم» يعدّ أعظم إنجاز للمدنيين منذ الانقلاب على حكومة الثورة المدنية في أكتوب (تشرين الأول) 2021.

وقال إدريس، وهو عضو سابق في مجلس السيادة قبل أن يقيله البرهان بعد اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، إنهم ماضون في تشكيل الحكومة، وإن القرار بتشكيلها لا رجعة فيه، موضحاً أن «فكرة نزع الشرعية وتكوين حكومة فكرة قديمة؛ لأن حكومة الثورة هي الحكومة الشرعية، وليس حكومة الانقلاب»، وانتقد ما أسماه تلكؤ القوى المدنية في تشكيل الحكومة بقوله إن «القوى المدنية لم تكن تملك الشجاعة الكافية لملء المقعد الشاغر».

سلطة شرعية

البرهان يخاطب مؤتمراً اقتصادياً في مدينة بورتسودان (الجيش السوداني)

وأكد إدريس على أهمية تكوين سلطة شرعية لتمثيل الشعب السوداني، بقوله: «مجرد الحديث عن هذه الخطوة أحدث إرباكاً للمشهد السوداني، باعتبارها الوسيلة الوحيدة المشروعة لاسترداد الشرعية من حملة السلاح». وشدد على أنهم لن يتخلون عن تشكيل الحكومة إلاّ إذا قرر طرفا الحرب الذهاب إلى المفاوضات لإنهاء القتال.

وجرت مشاورات مطولة الأسابيع الماضية في العاصمة الكينية نيروبي بين قوى سياسية والجبهة الثورية وشخصيات من تحالف «تقدم» ومن خارجه، بحثت تشكيل «حكومة سلام» على الأرض داخل السودان، لكن الهادي نفى بلوغ المفاوضات مرحلة تداول أسماء المرشحين للحكومة المراد تشكيلها. وأكد الهادي على التقائهم عدداً من قادة «قوات الدعم السريع»، وأجروا معهم مشاورات وأثنوهم عن تشكيل حكومة تابعة حصرياً لـ«قوات الدعم سريع»، وحصلوا منهم على تعهدات بتوفير الحماية والأمن للحكومة المزمعة حال تكوينها. وتابع: «الحكومة التي نسعى لتشكيلها ليست حكومة (قوات الدعم السريع)؛ لأن هذه القوات لديها إدارتها المدنية».

وشهد مؤتمر «تقدم» التأسيسي الذي عُقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في مايو (أيار) الماضي، تداول فكرة تشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان التي يترأسها البرهان، لكن المقترح لم يحظ بالقبول الكافي، ثم أعيد طرحه مجدداً في اجتماع الهيئة القيادية لـ«تقدم» في مدينة عنتيبي الأوغندية مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

تباين المواقف

حمدوك رئيس تنسيقية «تقدم» (فيسبوك)

وإزاء تباين المواقف داخل التحالف تقرر إحالة الخلاف لآلية سياسية تم تكوينها مؤخراً. وأكد إدريس على بروز تباينات جديدة في اجتماع «تقدم» الأخير حول فكرة نزع الشرعية من حكومة بورتسودان، قائلاً إن «البرهان لا يملك شرعية، والعالم يتعامل معه باعتباره سلطة أمر واقع؛ لذلك لن نترك له صوت الشعب ليتحدث باسمه، ونزع الشرعية منه يتطلب استرداد شرعية رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك الذي عيَّنته الثورة التي أسقطت نظام البشير في عام 2019».

وأبلغ إدريس الصحافيين أن ثلاث قضايا رئيسية، هي - تشكيل الحكومة، وتكوين الجبهة المدنية، واجتماع المائدة المستديرة - حدثت تباينات بشأنها في اجتماع «تقدم» أحيلت إلى الآلية السياسية التي تم تشكيلها أخيراً برئاسة حمدوك، للتوافق عليها والخروج بمواقف مشتركة. وأضاف: «بالنسبة لنا وحدة تحالف (تقدم) مهمة؛ لأنك لا تستطيع التحدث عن جبهة مدنية أوسع ما لم تحافظ على (تقدم)، وإننا بصفتنا جبهة ثورية لن نكون سبباً في تقسيم هذا التحالف المدني الضخم، فنحن مؤسسون له».

وقال إن اجتماع عنتيبي كان أساساً لبحث جدول قضية نزع الشرعية من حكومة بورتسودان، وتوصلنا خلاله إلى ضرورة تكوين حكومة موازية، لكن الخلافات تراوحت بين من يطالبون بتشكيل حكومة مصغرة مرجعيتها الوثيقة الدستورية لعام 2019 وهياكل الحكم للفترة الانتقالية، وأن يكون أعضاء مجلس السيادة السابقين ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في وضع شبيه بحكومة منفى، للتحدث باسم الشعب السوداني، بينما رأى آخرون ضرورة التأسيس لسلطة جديدة داخل السودان وبمرجعية سياسية جديدة.

ومع تأكيده على وجود تيار يرفض فكرة تشكيل حكومة موازية خوفاً من تقسيم البلاد، إلاّ أن إدريس كشف عن تمسك غالبية أعضاء «الجبهة الثورية» ورؤساء وقيادات أحزاب داخل «تقدم» بخيار تشكيل الحكومة، إضافة إلى مجموعات مترددة. وأرجع ذلك إلى ما أسماه «ابتزاز الخطاب الدعائي للإسلاميين»، قائلاً: «نحن مع خيار تشكيل الحكومة، ونعتبرها خطوة مهمة لوقف المشروع الإخواني الهادف إلى تقسيم السودان».