هل تعتمد مصر «الدعم النقدي» بديلاً عن «العيني»؟

الحكومة أعلنت عن تحركات لإحداث «توازن» في الفترة المقبلة

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)
رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)
TT

هل تعتمد مصر «الدعم النقدي» بديلاً عن «العيني»؟

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)
رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

أثار إعلان الحكومة المصرية، الاتجاه تدريجياً لتحريك أسعار بعض السلع والخدمات؛ سعياً لتحقيق «توازن» اقتصادي بين حجم الإنفاق والواردات، تساؤلات حول مدى اعتماد مصر على التحول لإجراءات «الدعم النقدي»، بدلاً عن «العيني»؛ لتقليل الأعباء على الموازنة العامة للدولة.

ورغم تأكيد برلمانيين وخبراء اقتصاد تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية «التحول إلى الدعم النقدي للدولة»، فإنهم طالبوا بضرورة «إجراء حوار مجتمعي أولاً قبل التطبيق، والاعتماد على النظامين (العيني والنقدي) لفترة انتقالية لا تقل عن سنة ضماناً لنجاح تلك الخطوة، وتفاعل المستفيدين معها».

وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إنه «لا سبيل لإصلاح المنظومة الاقتصادية والمالية، سوى التحرُّك التدريجي في أسعار بعض الخدمات». وأضاف أنه «سيتم على مدار عام ونصف العام، بهدوء وتدرج مدروس وفي توقيتات محددة، تحريك تلك الأسعار لسد الفجوة الكبيرة في الموازنة»، موضحاً أن «تكلفة لتر السولار التي تتحملها الدولة تمثل 20 جنيهاً، في حين يتم بيعه بـ10 جنيهات فقط». (الدولار الأميركي يساوي 48 جنيهاً في البنوك المصرية).

وأوضح رئيس الوزراء المصري خلال مؤتمر صحافي، الثلاثاء، أنه «لا بُد من التحرك بهدوء حتى تتمكن الدولة من تحقيق التوازن وتقديم قدر الدعم الذي بإمكانها تحمُّله». وقال إن «الدولة لن تتحمل مئات المليارات من الدعم التي تحملتها على مدار عام ونصف عام لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطن»، مشيراً إلى أن «الموازنة العامة تكبّدت أعباء عديدة للغاية، ونحاول تدريجياً تعويض جزء من الدعم الكبير الموجود حالياً، حتى يصبح بقيمة معقولة بالنسبة للدولة».

ومطلع يونيو (حزيران) الماضي، رفعت الحكومة المصرية سعر الخبز المدعم، ولاقى القرار جدلاً واسعاً؛ بسبب آثاره وتداعياته على الأسر في مختلف الشرائح المجتمعية.

وكيل «اللجنة الاقتصادية» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب محمد علي عبد الحميد، أيّد تحول الحكومة من إجراءات الدعم العيني إلى النقدي. وقال إن هذه الخطوة «ستفيد المواطن بشكل أساسي»، كما أشار إلى أنها «تفيد الدولة في توفير كثير من الهادر من مواردها»، لافتاً إلى أن هذا الإجراء «سيساهم في زيادة نسب الدعم المقدمة للفئات الأوْلَى بالرعاية والفقراء».

وأوضح عبد الحميد أن «هناك فئاتٍ غير مستحقة للدعم، مثل الأغنياء والأجانب والسفارات، ويستفيدون من الخدمات والسلع المدعمة شأنهم شأن الفقراء»، معتبراً أن ضبط منظومة الدعم وتحويلها إلى نظام الدعم النقدي يساهم في «توفير الفاقد من السلع التي تُهدر لدى التجار، كما يضمن حصول المستحقين على نصيبهم من الدعم»، مطالباً بضرورة «وضع قاعدة بيانات دقيقة للمستحقين للدعم النقدي، وإجراء حوار مجتمعي حول المنظومة الجديدة، قبل تطبيقها».

لجنة من البرلمان المصري تناقش بيان الحكومة المصرية الجديدة (مجلس الوزراء المصري)

وفي نهاية مايو (أيار) الماضي، أعلن رئيس الوزراء المصري، إحالة ملف التحول من الدعم العيني للنقدي إلى حوار مجتمعي عبر منصة «الحوار الوطني». وقال إن هناك «آراء تشير إلى حاجة مصر إلى التحول لمنظومة الدعم النقدي».

ودعا مدير «مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية»، عبد المنعم السيد، إلى ضرورة توافر مجموعة من الضوابط للتحول إلى الدعم النقدي، تتضمن «قاعدة بيانات شاملة للمستحقين، يتم تحديثها بشكل دوري»، إلى جانب «تعريف مستحقي الدعم النقدي، ومن سيحصل عليه، الأسرة كاملة أم كل فرد على حدة؟». وطالب بـ«الاستفادة من تجارب بعض الدول التي اتجهت للدعم النقدي ضمن إصلاحات اقتصادية مثل تركيا والبرازيل».

رجل يتسوق في سوق للخضراوات في القاهرة (رويترز)

بينما ترى أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس المصرية، يمنى الحماقي، ضرورة التحول تدريجياً من الدعم العيني إلى النقدي من خلال «تطبيق النظامين معاً، لفترة انتقالية لا تقل عن سنة». وأشارت إلى أنه «رغم توافر الدراسات الاقتصادية التي تؤكد على أهمية وجدوى التحول للدعم النقدي، لكن يجب تنفيذه بشكل انتقالي».

وأعادت الحماقي التطبيق بفترة انتقالية إلى «دعم مصداقية الدولة لدى المواطن، والوصول للطبقات المستهدفة، وتدقيق قاعدة البيانات للمستحقين للدعم»، كما اشترطت أن يصاحب ذلك «تمكين اقتصادي للفقراء بشكل موسع». واعتبرت أنه «من دون تمكين اقتصادي للفقراء فلن تجدي تلك الإجراءات ولن تحقق المردود الاقتصادي المرجو منها».

و«تراجعت نسبة التضخم في مصر للشهر الثاني على التوالي لتسجل 27.1 في المائة في يونيو (حزيران) الماضي، مقابل 27.4 في المائة في مايو الماضي»، حسب بيان للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الأربعاء.


مقالات ذات صلة

مصر تُسرّع إجراءات تعويضات أهالي منطقة «رأس الحكمة»

شمال افريقيا مدبولي خلال تفقد المشروعات في العلمين الجديدة (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُسرّع إجراءات تعويضات أهالي منطقة «رأس الحكمة»

تُسرّع الحكومة المصرية من «إجراءات تعويض أهالي منطقة (رأس الحكمة) في محافظة مرسى مطروح (شمال البلاد)».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)

«الحوار الوطني» لعرض تعديلات «الحبس الاحتياطي» على الرئيس المصري

يراجع «مجلس أمناء الحوار الوطني» في مصر مقترحات القوى السياسية وتوصياتها على تعديلات بشأن ملف «الحبس الاحتياطي»، عقب مناقشات موسعة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا وزير التموين خلال جولته في الإسكندرية (وزارة التموين)

مسؤولون مصريون يواجهون «الغلاء» بجولات مفاجئة على الأسواق

يواصل مسؤولون مصريون جولاتهم المفاجئة على الأسواق للتأكد من توافر السلع بـ«أسعار مناسبة»، عقب زيادة أسعار الوقود.

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا مصري يسير بالقرب من المتاجر المتضررة في الحريق الذي شهدته منطقة «الموسكي» (رويترز)

تحقيقات تؤكد تسبب «ماس كهربائي» في حرائق أسواق بالقاهرة

حلّ الماس الكهربائي بوصفه «متهماً أول» في الحرائق التي اندلعت أخيراً بأسواق تجارية «شهيرة» في وسط القاهرة.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق «الحضرة» تنشد على المسرح (الشرق الأوسط)

فرقة «الحضرة» المصرية تدخل عامها العاشر بطموحات كبيرة

تحتفل فرقة «الحضرة» المصرية للإنشاد الديني بعيد ميلادها التاسع خلال فعاليات الموسم الصيفي للموسيقى والغناء في دار الأوبرا؛ بإحيائها حفلاً على «المسرح المكشوف».

نادية عبد الحليم (القاهرة)

مسؤولون مصريون يواجهون «الغلاء» بجولات مفاجئة على الأسواق

وزير التموين خلال جولته في الإسكندرية (وزارة التموين)
وزير التموين خلال جولته في الإسكندرية (وزارة التموين)
TT

مسؤولون مصريون يواجهون «الغلاء» بجولات مفاجئة على الأسواق

وزير التموين خلال جولته في الإسكندرية (وزارة التموين)
وزير التموين خلال جولته في الإسكندرية (وزارة التموين)

يواصل مسؤولون مصريون جولاتهم المفاجئة داخل الأسواق للتأكد من توافر السلع بـ«أسعار مناسبة»، عقب زيادة أسعار الوقود بنسب تراوحت ما بين 10 و15 في المائة، وسط مخاوف متصاعدة بين المواطنين من «موجة غلاء» جديدة.

وبينما جدد وزير التموين والتجارة الداخلية المصري، شريف فاروق، خلال جولة له في الإسكندرية، اليوم (السبت)، «تأكيده التزام الدولة بثبات سعر الخبز المدعم من دون تغيير مع تحمل الدولة فارق الزيادة»، باشر عدد من المحافظين جولاتهم الميدانية للتأكد من «تطبيق التعريفات الجديدة في المواصلات، وتوافر السلع وأسعارها بالمجمعات الاستهلاكية، مع التأكيد على بيع الخبز المدعم للمواطنين بـ20 قرشاً».

ومطلع يونيو (حزيران) الماضي، رفعت الحكومة المصرية للمرة الأولى منذ 36 عاماً، سعر رغيف الخبز المدعم إلى 20 قرشاً للرغيف، بدلاً من 5 قروش (الجنيه يساوي 100 قرش، بينما يعادل الجنيه 0.021 دولار أميركي).

محافظ القاهرة خلال متابعة تطبيق التعريفة الجديدة للمواصلات (محافظة القاهرة)

وقدمت عضوة مجلس النواب المصري (البرلمان)، النائبة راوية مختار، سؤالاً برلمانياً إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير البترول حول تأثير قرار رفع أسعار الوقود على السلع خلال الفترة المقبلة، مؤكدة أن القرار سيؤدي حتماً إلى «زيادة الأسعار» في الأيام المقبلة، بما يشكل عبئاً على المواطن، ويخالف تعهدات الحكومة بالتخفيف عن المواطن.

وأعلنت الحكومة المصرية، الخميس الماضي، زيادة أسعار أنواع الوقود. ووفقاً لما نقلته الجريدة الرسمية عن وزارة البترول، فقد جرت زيادة أسعار بنزين 80 بسعر 12.25 جنيه (0.25 دولار)، وبنزين 92 بسعر 13.75 جنيه، وبنزين 95 بسعر 15 جنيهاً. أما السولار، وهو أحد أكثر أنواع الوقود استخداماً، فشهد زيادة أكبر؛ إذ تقرر رفع سعره إلى 11.50 جنيه (0.24 دولار) من 10 جنيهات.

وبحسب الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور كريم العمدة، فإن «رفع الحكومة لسعر السولار الأكثر استخداماً في سيارات النقل ومركبات الأجرة سيؤدي حتماً إلى زيادة الأسعار بنسب متفاوتة»، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحركات الحكومية من أجل ضبط الأسواق يجب أن تكون أكثر صرامة لضمان عدم استغلال نسب زيادة الوقود في رفع الأسعار بصورة مبالغ فيها»، مضيفاً أن «ارتفاع تكلفة النقل سيؤدي بالتبعية إلى زيادة أسعار السلع بنسب ثابتة، بافتراض ثبات باقي العوامل الأخرى المؤثرة في عملية التسعير».

محافظ الجيزة في جولة تفقدية بأحد الأسواق (محافظة الجيزة)

لكن عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب محمود أبو الخير، يرى أن نسب الزيادة ستكون ذات تأثير محدود على المواطنين «حال نجاح الأجهزة الرقابية في متابعة دورها، ليس فقط على أسعار السلع؛ لكن أيضاً على وسائل النقل وغيرها من الأمور»، لافتاً إلى أن «تحركات المحافظين والوزراء والمسؤولين على الأرض تعكس بوضوح وجود جدية حكومية في هذا الأمر».

وقال أبو الخير لـ«الشرق الأوسط»، إن «جولات المسؤولين المصريين قد تحد من استغلال بعض التجار، الذين يسعون لتحقيق مكاسب إضافية، فور الإعلان عن أي زيادات سعرية»، مشيداً بـ«سرعة التحرك الحكومي لضبط الأسواق وتجنب حدوث مشكلات في توافر بعض السلع».

مسؤولون مصريون يتابعون العمل داخل إحدى محطات الوقود عقب زيادة أسعار البنزين والسولار (الشرق الأوسط)

ومنذ بدء برنامج «الإصلاح الاقتصادي» بمصر مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، اتبعت الحكومة المصرية «إجراءات تقشفية»، على رأسها «تقليل دعم الوقود والكهرباء والمياه بشكل تدريجي»، بحسب مراقبين.

وأكد رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الأربعاء الماضي، «رفع أسعار عدة خدمات حتى نهاية العام المقبل بشكل تدريجي». لكن مدبولي تعهد العمل على «ضبط الأسعار» من خلال «ضخ كميات إضافية من السلع، مما يحقق وفرة في العرض، وبالتالي تحقيق انخفاض في السعر».

وعودة إلى النائب أبو الخير، فقد أكد «أهمية الاستمرار في المتابعة الميدانية لضمان توافر السلع، مع وجود احتياطي استراتيجي منها يكفي لفترات أطول»، لافتاً إلى «ضرورة تفعيل أدوات الرقابة والمحاسبة للمخالفين، الذين يقومون بتخزين السلع لمحاولة احتكارها من أجل زيادة سعرها».