القاهرة وطهران لتعزيز مسار التقارب

شكري وباقري كني توافقا على معالجة «القضايا العالقة»

شكري خلال حديث مع باقري كني في طهران نهاية مايو (أيار) الماضي (وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا»)
شكري خلال حديث مع باقري كني في طهران نهاية مايو (أيار) الماضي (وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا»)
TT

القاهرة وطهران لتعزيز مسار التقارب

شكري خلال حديث مع باقري كني في طهران نهاية مايو (أيار) الماضي (وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا»)
شكري خلال حديث مع باقري كني في طهران نهاية مايو (أيار) الماضي (وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا»)

في اتصال يعزز مسار التقارب المصري الإيراني المكثف، خلال الآونة الأخيرة، توافقت القاهرة وطهران على «أهمية متابعة تطوير العلاقات الثنائية، ومعالجة القضايا العالقة». وأكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال اتصال هاتفي مع وزير خارجية إيران بالوكالة، علي باقري كني، مساء الأربعاء، «العمل على تحقيق مصالح الشعبين، ودعم استقرار المنطقة».

كان البلدان قد قطعا العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1979، قبل أن تُستأنف العلاقات من جديد بعد ذلك بـ11 عاماً، لكن على مستوى القائم بالأعمال ومكاتب المصالح. وشهدت الأشهر الماضية لقاءات بين وزراء مصريين وإيرانيين في مناسبات عدة، لبحث إمكانية تطوير العلاقات. وفي مايو (أيار) 2023، وجّه الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي وزارة الخارجية باتخاذ الإجراءات اللازمة لـ«تعزيز العلاقات مع مصر».

ووفق إفادة لمتحدث وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، فإن باقري كني أعرب، خلال الاتصال مع شكري، عن تقدير الجانب الإيراني قيام الرئيس عبد الفتاح السيسي بتقديم التعازي في وفاة الرئيس الإيراني الراحل، وإيفاده وزير الخارجية إلى طهران؛ لتقديم واجب العزاء، مثمناً، في هذا الصدد، تضامن مصر مع الشعب الإيراني في مُصابه الأليم. وأضاف أن الاتصال تطرَّق إلى الموضوعات المرتبطة بالعلاقات الثنائية بين مصر وإيران، حيث توافق الوزيران على «أهمية متابعة مسار تطوير العلاقات الثنائية بما يضمن معالجة كل القضايا العالقة، تمهيداً لاستعادة العلاقات إلى طبيعتها، استناداً إلى مبادئ الاحترام المتبادل وحسن الجوار، والعمل على تحقيق مصالح الشعبين المصري والإيراني، ودعم استقرار المنطقة».

السيسي ورئيسي خلال محادثات سابقة بالرياض في نوفمبر الماضي (الرئاسة المصرية)

إشارات سابقة

وفي نهاية الشهر الماضي، أكدت إيران، في إفادتين على لسان القائم بأعمال الرئيس الإيراني، محمد مخبر، ووزير الخارجية الإيراني بالوكالة، أن «العلاقات مع القاهرة سوف تستمر بـ(قوة)، وستتم متابعة المحادثات التي بدأها رئيسي، ووزير الخارجية السابق حسين أمير عبداللهيان». وأكد شكري حينها، على هامش زيارته طهران وتقديم العزاء في وفاة رئيسي، «ضرورة استمرار المشاورات في سياق رفع مستوى العلاقات القائمة على أسس مستديمة ومُحكمة».

ووفق نائب وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية، السفير علي الحفني، فإن «مسار العلاقات المصرية الإيرانية هو مسار يرغب فيه البلدان، ويعيد الأمور إلى نصابها؛ بل هو شيء يصب في مصلحة القاهرة وطهران وأمن الدولتين القومي»، لافتاً إلى أنه «مسار يتطور يوماً بعد يوم، وأخذ أشكالاً عدة، سواء خلال اللقاءات والاتصالات على مستوى القيادة، أم على مستوى وزراء الخارجية».

وترجم البلدان مسار التقارب المتدرج عبر لقاء جمع السيسي، ورئيسي، بالرياض، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأعقبه، بعد شهر واحد، أول اتصال هاتفي يجمعهما؛ إذ خيّمت الحرب في غزة وحل القضايا العالقة على المحادثات. ومنذ ذلك الحين، تعددت الاتصالات الهاتفية بين الجانبين، سواء على المستوى الرئاسي أم الوزاري.

ورأى الحفني أن «الفترة المقبلة سوف تشهد عودة للمسار المتبقي للعلاقات»، لكنه أشار إلى أن «المسألة تأخذ وقتاً، ومعقدة؛ لأنها مستمرة منذ عام 1979 وهي تراكمات ومتغيرات عدة على المستويين الدولي والإقليمي». وأضاف، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأمر يحتاج لتدارس الأمور كافة، والاتفاق على خريطة طريق لاستعادة مسار العلاقات بشكل كامل»، لافتاً إلى أن «عودة العلاقات بين البلدين يجب أن تحدث، مهما طال أمد الخلافات».

لقاء سابق جمع شكري وعبداللهيان في نيويورك سبتمبر (أيلول) الماضي («الخارجية» المصرية)

مسار العلاقات

وأكد الباحث المصري بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، كرم سعيد، أن «مسار العلاقات بين القاهرة وطهران موجود، فمصر منفتحة على جميع دول الإقليم بما يخدم مصالحها ومصالح المنطقة، وإيران دولة لها وزنها في المنطقة، واستمرار القطيعة بينهما (ليس مفيداً)». وقال، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر تحاول صياغة استراتيجية إقليمية لتوفير المصالح الجامعة لكل دول المنطقة، وهناك خطوات ملموسة للتقارب بين البلدين منذ عدة شهور، وربما تستمر حالة الانفتاح خلال الفترة المقبلة؛ لكن ستكون عبر (مسارات مدروسة وليست متعجلة لحين ضبط الأمور، والتوافق على حل للنقاط الخلافية؛ ليست بين القاهرة وطهران فقط، وإنما بين إيران ودول المنطقة».

بيان «الخارجية المصرية»، مساء الأربعاء، أشار إلى أن شكري وباقري كني اتفقا، خلال الاتصال الهاتفي، على «الحفاظ على وتيرة التشاور بشأن مسار العلاقات الثنائية، وسبل حلحلة الأزمة الراهنة في قطاع غزة، ومواجهة التحديات المرتبطة بها على الصعيدين الإقليمي والدولي».

كما تطرَّق الحديث، خلال الاتصال، إلى الوضع في قطاع غزة، حيث حرص شكري على استعراض الجهود المبذولة من جانب الوساطة المصرية القطرية بدعم أميركي للتوصل إلى «صفقة تؤدى إلى هدنة تسمح بتبادل الأسرى والمحتجَزين، وإدخال المساعدات إلى الفلسطينيين في القطاع، وصولاً إلى تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وخروج القوات الإسرائيلية من قطاع غزة».

سفينة حاويات تابعة لشركة البحر الأبيض المتوسط للشحن خلال عبورها في وقت سابق قناة السويس باتجاه البحر الأحمر (إ.ب.أ)

حرب غزة

ووفق سعيد، فإن التقارب المصري الإيراني مرتبط، خلال هذا التوقيت، بمتغيرات إقليمية؛ منها استمرار تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والأوضاع الاقتصادية وتأثيرها على دول المنطقة، والتي باتت محفزاً للدول على تحقيق التقارب، فضلاً عن استمرار التوترات في الملاحة بالبحر الأحمر، والدعم الإيراني لجماعة الحوثي، في ظل محاولات من بعض القوى الإقليمية الرئيسية، مثل القاهرة، لوقف هذه التوترات.

وتستهدف جماعة الحوثي اليمنية، منذ نهاية نوفمبر الماضي، سفناً بمنطقة البحر الأحمر وباب المندب، تقول إنها «مملوكة أو تُشغّلها شركات إسرائيلية». وتأتي الهجمات رداً على الحرب المستمرة في قطاع غزة. ودفعت تلك الهجمات شركات شحن عالمية لتجنب المرور في البحر الأحمر، وتغيير مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح.

وتؤكد القاهرة «تراجع عوائد قناة السويس بنحو 60 في المائة بسبب التوترات بمنطقة البحر الأحمر». وتعد القناة من أهم القنوات والمضائق حول العالم، وهي أقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا، وتعد من المصادر الرئيسية للعملات الأجنبية لمصر.

وفي فبراير (شباط) الماضي، نقل شكري لعبداللهيان «قلق مصر البالغ لاتساع رقعة التوترات العسكرية في منطقة جنوب البحر الأحمر، والتي ترتَّب عليها تهديد حركة الملاحة الدولية في أحد أهم ممراتها على نحو غير مسبوق، والضرر المباشر لمصالح عدد كبير من الدول؛ ومن بينها مصر».

وحول استمرار الاتصالات بين البلدين قال الحفني إن «مصر وطهران بدآ الاتصالات منذ فترة، وما زالت مستمرة، وهناك رغبة من البلدين لهذا التواصل، ومناقشة الجوانب السلبية كافة، التي أثّرت في العلاقات خلال الفترة الماضية».

في حين أوضح سعيد أن «هناك نوعاً من الانفتاح لفتح آفاق أوسع، لكن يتبقى جملة من التحديات والقضايا الخلافية ربما تشكل (عثرة) لعدم الوصول إلى تطبيع كامل بين مصر وإيران الآن». وأوجز سعيد هذه التحديات «في السياسات الإيرانية تجاه بعض دول المنطقة، من خلال دعم طهران بعض الأذرع المسلَّحة، فضلاً عن الملفات الإيرانية الغربية، خصوصاً أن مصر لديها قناعة بأن الأمن العربي هو جزء من الأمن القومي المصري».


مقالات ذات صلة

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

شمال افريقيا تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة المصرية للحد من «فوضى» الاعتداءات على الطواقم الطبية بالمستشفيات، عبر إقرار قانون «تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض».

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا مشاركون في ندوة جامعة أسيوط عن «الهجرة غير المشروعة» تحدثوا عن «البدائل الآمنة» (المحافظة)

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

تشير الحكومة المصرية بشكل متكرر إلى «استمرار جهود مواجهة الهجرة غير المشروعة، وذلك بهدف توفير حياة آمنة للمواطنين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
خاص عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

خاص كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

تسبب الوجود السوري المتنامي بمصر في إطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد مشروعاتهم الاستثمارية.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الرئاسة المصرية)

السيسي: الأوضاع المضطربة في المنطقة تفرض بناء قدرات شاملة لحماية مصر

أشاد الرئيس عبد الفتاح السيسي بالجهود التي تبذلها القوات المسلحة لـ«حماية الحدود المصرية من أي تهديدات محتملة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الرئيس التونسي يطالب بـ«حلول جذرية» في مستوى انتظارات الشعب

الرئيس قيس سعيد (أ.ف.ب)
الرئيس قيس سعيد (أ.ف.ب)
TT

الرئيس التونسي يطالب بـ«حلول جذرية» في مستوى انتظارات الشعب

الرئيس قيس سعيد (أ.ف.ب)
الرئيس قيس سعيد (أ.ف.ب)

شدّد رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد خلال اللقاء الذي جمعه، أمس الخميس، بقصر قرطاج، برئيس الحكومة، كمال المدوري، على ضرورة مضاعفة الجهود في كل المجالات، واستنباط «حلول جذرية في جميع القطاعات التي تم تدميرها». مؤكداً على أن تكون التشريعات، التي يتم إعدادها، في مستوى تطلّعات الشعب التونسي، وأن يشعر كل مسؤول، مهما كانت درجة مسؤوليته، أنّ تونس تعيش مرحلة تاريخية جديدة، وأن يستحضر في كل وقت معاناة التونسيين، وفق بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية.

كما أكد سعيد العمل على اقتراح حلول جذرية، «بعيداً عن الترقيع والرتق»، لأوضاع تحتاج إلى بناء صلب «في مستوى انتظارات الشعب، الذي نهبت ثرواته وتم الاستيلاء على مقدراته، وما زالت بعض الدوائر تسعى إلى عرقلة جهود الدولة لزرع بذور اليأس والإحباط»، حسب نص البلاغ. مشيراً أيضاً إلى أنه «لا مجال للتسامح مع كل مسؤول يُعطّل تقديم الخدمات للمواطنين، ومن يتعمد مثل هذه الممارسات فلا بد أن يتحمل تبعاتها القانونية».

في سياق ذلك، تم التعرض خلال اللقاء إلى وضع حد للحالة التي آلت إليها الأملاك المصادرة، ووضع إطار قانوني جديد، «تعود بموجبه الأملاك للدولة وإلى الشعب التونسي وهي من حقه المشروع، فكثيرة هي العقارات التي تم إهمالها، فتقلصت قيمتها في ترتيب مفضوح للتفويت فيها بأبخس الأثمان، وهو ما يجب التصدي له، ومحاسبة كل من تسبب في هذه الجرائم النكراء»، وفق ما جاء في البلاغ.

والتقى رئيس الجمهورية، أمس الخميس بقصر قرطاج، وزيرة العدل، ليلى جفال، وبحث معها الزمن القضائي الذي يستغرقه البت في العديد من القضايا. وأكد وفق بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية، أنه «لا يُمكن تطهير البلاد إلا بقضاء عادل، فلا يُظلم أحد ولا يفلت من المحاسبة أحد»، مشيراً في هذا السياق، إلى وجود كثير من القضاة الشرفاء، الذين يعون «أهمية وظيفتهم النبيلة في إرساء العدل، ويتساوى أمامهم كلّ المتقاضين، فالعدل أساس العمران وغيابه مؤذن بخرابه».

في سياق آخر، أكّد رئيس الجمهورية إعادة مشروع تنقيح مجلة الشغل، بما يضمن حقّ العمال بإنهاء عقود المناولة، ومع التحسّب في هذا المشروع لكلّ من يستبدل بعمّالٍ آخرين، حتى لا تنطبق عليه الأحكام الجديدة مع ترتيب آثار جزائية على هذه الممارسات.

وشدد الرئيس سعيد في هذا السياق على وضع حدّ لما يسمى العقود المحدودة في الزمن في أسرع الأوقات، «لأن العلاقة الشغلية يجب أن تكون عادلة، ولأن العامل له الحقّ في أجر مجز، وفي حياة مستقرّة مع التحسّب أيضاً في مشروع نصّ القانون للحالات، التي يمكن أن يستغلّها ليغمطوا العمّال حقوقهم».

وخلّص رئيس الجمهورية إلى التأكيد على أن الاستقرار الاجتماعي «لا يمكن أن يتحقّق إلا على أساس العدل».