السجن لإعلاميَين بسبب تصريحات منتقدة للسلطات التونسية

سياسيون اتهموا الرئيس باستغلال القضاء لاستبعاد الأصوات المعارضة

صحافيون تظاهروا أمس رفضا للتضييق على الحريات (أ.ب)
صحافيون تظاهروا أمس رفضا للتضييق على الحريات (أ.ب)
TT

السجن لإعلاميَين بسبب تصريحات منتقدة للسلطات التونسية

صحافيون تظاهروا أمس رفضا للتضييق على الحريات (أ.ب)
صحافيون تظاهروا أمس رفضا للتضييق على الحريات (أ.ب)

قضت محكمة تونسية، ليلة أمس الأربعاء، بسجن المحلل والمعلق السياسي مراد الزغيدي، ومقدم البرامج التلفزيونية والإذاعية برهان بسيّس سنة لكل منهما، وذلك على خلفية تصريحات منتقدة للسلطة، وفق ما أفاد متحدث قضائي لوكالة «الصحافة الفرنسية»، في ظل تزايد المخاوف من حملة واسعة تستهدف كل الأصوات المنتقدة في الدولة.

صحافيون تجمعوا للاحتجاج عند باب المحكمة التي شهدت محاكمة الصحافيين (إ.ب.أ)

وقال الناطق باسم المحكمة الابتدائية بتونس، محمد زيتونة، إن المحكمة قررت سجن الزغيدي وبسيّس ستة أشهر «من أجل جريمة استعمال شبكة وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج وترويج وإرسال وإعداد أخبار وإشاعات كاذبة، بهدف الاعتداء على حقوق الغير والإضرار بالأمن العام». كما حكمت عليهما بالسجن 6 أشهر إضافية «من أجل جريمة استغلال أنظمة معلومات لإشاعة أخبار تتضمن نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير، وتشويه سمعة، والإضرار مادياً ومعنوياً»، بحسب زيتونة.

من المظاهرة التي نظمها صحافيون للتضامن مع الإعلاميين المعتقلين (أ.ف.ب)

ودافع الإعلاميان المعروفان عن نفسيهما خلال جلسة محاكمتهما، وأكدا أنهما كانا يمارسان عملهما، المتمثل في تحليل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس، التي اعتبرت مهداً لما يسمى بالربيع العربي. وأوقف مراد الزغيدي وبرهان بسيّس احتياطياً منذ 12 من مايو (أيار) الجاري بسبب تصريحات ومنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي اعتبرت منتقدة لسلطة الرئيس قيس سعيّد. وتمت محاكمتهما بموجب المرسوم 54 الذي أصدره الرئيس سعيّد في سنة 2022 ولقي انتقادات واسعة. وقال الزغيدي خلال الجلسة «إن عملي كمحلل سياسي يتطلب مني التحدث في الشأن العام... أريد أن أعرف ما هي العبارة أو الكلمة التي حكم عليها بأنها مخالفة» للقانون، وفقاً لصحافية في وكالة «الصحافة الفرنسية». ويلاحق الزغيدي بسبب تصريحات إعلامية يعود تاريخها إلى فبراير (شباط) الماضي، ومنشور يدعم فيه الصحافي محمد بوغلاب المسجون والمعروف بانتقاداته للرئيس التونسي.

من المظاهرة التي شارك فيها عدد من رجال الإعلام للاحتجاج على سجن زملاء لهم في المهنة (رويترز)

وأضاف الزغيدي موضحاً: «أنا لست معارضاً ولا مؤيداً للرئيس، أحياناً أؤيد خياراته وأحياناً أنتقدها، وهذا يدخل في عملي الإعلامي». بينما انتقد محاميه كمال مسعود المرسوم عدد 54، ووصفه بأنه «غير دستوري»، داعياً إلى «تجنب استخدامه». مشدداً على أنه «إذا دخلت السياسة قاعات المحاكم فإن العدل يغادرها»، وطالب رئيسة المحكمة بالاستقلالية في حكمها. ويتهم معارضون وسياسيون وكذلك رجال قانون الرئيس باستغلال القضاء لاستبعاد الأصوات المنتقدة. من جهته، قال برهان بسيّس خلال الجلسة: «أنا منشط، لذا يجب أن أطرح كل الآراء بغض النظر عن توجهاتها»، مستنكراً ظروف توقيفه «كما لو كنت مجرماً خطيراً». وتزامن توقيف الزغيدي وبسيّس، وكذا توقيف المحامية والمعلقة التلفزيونية سنية الدهماني بالقوة من قبل رجال الشرطة في 11 مايو الماضي. وطلب محامو الصحافيين بإسقاط الدعوى. وقبيل الجلسة، تظاهر عشرات الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان أمام المحكمة للتنديد بالمحاكمة «القمعيّة» و«المفروضة» من قبل من هم في السلطة، ورفعوا شعارات تطالب بإنهاء ما وصفوه بالقيود والانتهاكات المستمرة على الصحافيين. وقال زياد دبار، نقيب الصحافيين: «كل الصحافيين في حالة سراح مؤقت إلى أن يأتي ما يخالف ذلك... لقد بات باب السجن مفتوحاً أمام الصحافيين بسبب كلمة واحدة... والأخطر هو أن القضاء أصبح يفتش في نيات الصحافيين وما يقصدون بما يقولون ويكتبون». مشيراً إلى أن «التهديدات والقيود التي يواجهها الصحافيون في تونس باتت غير مسبوقة، وسنتجه نحو خطوة تصعيدية».

في السياق، عبّرت دول غربية على غرار فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي عن «القلق» إزاء موجة التوقيفات، غير أن الرئيس سعيّد اعتبر ذلك «تدخلاً سافراً» في الشؤون الداخلية للبلاد، وكلف وزارة الخارجية بدعوة ممثلي هذه الدول للتعبير عن رفضه لتصريحاتها. ويحتكر الرئيس سعيّد، الذي انتخب في العام 2019، السلطات في البلاد منذ صيف 2021، وعمد إلى تغيير الدستور. ومن المرتقب أن تنظم الانتخابات الرئاسية نهاية العام الحالي. وتوجه منظمات حقوقية تونسية ودولية انتقادات شديدة لنظام سعيّد مؤكدة أنه «يقمع الحريّات في البلاد». لكن الرئيس التونسي يكرر أن «الحريّات مضمونة». وفي هذا السياق نددت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في بيان صدر في 17 من مايو الحالي بـ«تصعيد القمع الحكومي في الأسابيع الأخيرة، والإجراءات التي تهدف إلى تكميم حرية التعبير». ولا يزال نحو 40 شخصاً، بعضهم معارضون بارزون ورجال أعمال وناشطون سياسيون، موقوفين منذ فبراير الفائت، ويتهمهم سعيّد «بالتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».



مصر: تعهدات حكومية بإنهاء أزمة نقص الأدوية خلال أسابيع

واجه المرضى نقصاً في الأدوية خلال الشهور الماضية (وزارة الصحة المصرية)
واجه المرضى نقصاً في الأدوية خلال الشهور الماضية (وزارة الصحة المصرية)
TT

مصر: تعهدات حكومية بإنهاء أزمة نقص الأدوية خلال أسابيع

واجه المرضى نقصاً في الأدوية خلال الشهور الماضية (وزارة الصحة المصرية)
واجه المرضى نقصاً في الأدوية خلال الشهور الماضية (وزارة الصحة المصرية)

تواصلت التعهدات الحكومية في مصر من جديد بإنهاء أزمة نقص الأدوية خلال أسابيع. وأَحْدَثُ هذه التعهدات، تأكيدات وزير الصحة، خالد عبدالغفار، خلال مؤتمر طبي، السبت، بتوافر الأدوية الناقصة خلال الأسابيع المقبلة. وأرجع أزمة نقص الدواء التي تشهدها البلاد منذ بداية العام الحالي إلى «عدم توافُر الدولار».

وخفض البنك المركزي المصري سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأميركي منذ مارس (آذار) الماضي، بعد فترة شهدت اضطراباً في توافر الدولار لشركات الأدوية بالسعر الرسمي، «ما أدى إلى إيقاف بعض خطوط الإنتاج المحلية للدواء، وتأخُّر استيراد بعض الأدوية الهامة»، حسب مراقبين.

وقال رئيس «شعبة الدواء» بالغرفة التجارية في مصر، علي عوف، لـ«الشرق الأوسط» إن المؤشرات تشير إلى «قرب انتهاء الأزمة بالفعل مع توفير الدولار، وضخ الأدوية الناقصة في الأسواق خلال الشهر الماضي بكميات تكفي الاحتياج الفعلي للأسواق، وعبر آليات ضبط من (هيئة الدواء) تضمنت عدم تخزين الأدوية، وضمان وصولها إلى المواطن في الوقت نفسه». وأضاف أن «توافر الدولار، والاتفاق على زيادة أسعار أصناف الدواء التي زادت تكلفة إنتاجها بسبب انخفاض قيمة الجنيه، أمران ساعدا على توافر الأدوية بالفعل، بالتنسيق بين الحكومة وشركات الأدوية الخاصة التي انتظمت خطوط الإنتاج فيها، وبدأت في الضخ بالأسواق بالفعل».

وقدَّر وزير الصحة المصري، السبت، إنتاج القطاع الخاص والشركات متعددة الجنسيات بـ90 في المائة من إجمالي الأدوية الموجودة في السوق المصرية، مشيراً إلى أن «حجم سوق الدواء يبلغ نحو 300 مليار جنيه». (الدولار يساوي 48.31 جنيه في البنوك المصرية). ويأمل عضو «لجنة الصحة» بمجلس النواب المصري (الغرفة الأولى للبرلمان)، النائب أحمد العرجاوي، في «تنفيذ وعود المسؤولين بتوافر الدواء»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، رصد تحركات إيجابية من مسؤولين عدة لحل الأزمة بعدما وصلت الأمور إلى ذروتها خلال الصيف بنقص أدوية هامة لا يمكن الاستغناء عنها.

وزير الصحة المصري خلال تفقُّد مخزون الأدوية (وزارة الصحة المصرية)

وخلال اجتماع الحكومة الأخير، الأسبوع الماضي، تَحَدَّثَ رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، عن انتهاء الأزمة بشكل كامل خلال الأسابيع المقبلة، مؤكداً «استمرار العمل على توطين صناعة الدواء محلياً».

تكرار التصريحات الرسمية بشأن أزمة الدواء في أوقات مختلفة «يجعل هناك ترقباً لحدوث انفراجة على أرض الواقع»، وفقاً لعضو «لجنة الصحة» بمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، النائب محمد صلاح البدري، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن هناك وعوداً كثيرة صدرت في الشهور الماضية، لافتاً إلى أن «هناك خطأً حكومياً بعدم التعامل بشكل سريع مع الأزمة وتوفير دعم لمصانع الأدوية لتجنُّب توقُّف خطوط إنتاجها مع زيادة تكلفة استيراد المواد الخام اللازمة لتصنيع الأدوية».

وأضاف أن «هيئة الدواء» تأخرت في إعادة تسعير الأدوية مع تغيُّر سعر الصرف، وفي الوقت نفسه غاب بشكل كامل الدعم لشركات الأدوية التي تعمل من أجل تحقيق أرباح، على أساس أن غالبيتها شركات خاصة، ومن ثم كانت «هناك ضرورة لتسريع وتيرة تغيير الأسعار بما يضمن استمرار توافر الأدوية، لا سيما الخاصة بالأمراض المزمنة».

جولة تفقدية لأحد المسؤولين في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة (مجلس الوزراء المصري)

من جهته، أشار العرجاوي إلى وجود نقص ملحوظ في الأدوية خلال الفترات السابقة من دون وجود تفسيرات واضحة لأسباب حدوثه، وعدم التعامل معه بشكل سريع، لافتاً إلى أن الانفراجة التي حدثت في الأيام الماضية بتوافر أدوية ناقصة لشهور «تعطي أملاً في إتاحة مزيد من الأدوية الناقصة قريباً».

بينما رأى عوف أن «الأمر أصبح مسألة وقت مع انضباط خطوط الإنتاج بالشركات المختلفة خلال الأسابيع الماضية»، مؤكداً أن دورة العمل تسير في الوقت الحالي بشكل جيد في مختلف الشركات المصنِّعة للدواء داخل مصر.

في سياق ذلك، أعلن رئيس مجلس الوزراء «دعم التوجه لكتابة الأدوية بالاسم العلمي للمادة الفعالة بدلاً من الاسم التجاري»، وهي الخطوة التي وصفها رئيس «شعبة الدواء» بالغرفة التجارية بـ«الإيجابية»، مؤكداً أنها «ستساعد المرضى في الحصول على الدواء بالسعر الذي يناسبهم»، لكن عضو «لجنة الصحة» بمجلس الشيوخ أبدى تخوفاً من أن تؤدي هذه الخطوة إلى «القضاء على التنافسية الموجودة بين الشركات في ظل وجود أكثر من شركة تصنع الدواء لكن بأسماء مختلفة، ومن ثم فإن التوجه نحو الأرخص سعراً للبيع سيكون بمثابة ضرر للشركات الأخرى».