انتخابات الرئاسة في موريتانيا «اختبار صعب» لشعبية «تواصل» المعارض

الحزب عرف في السنوات الأخيرة انشقاقات وخلافات كادت تعصف بمستقبله

رئيس حزب «تواصل» حمادي ولد سيدي المختار (الشرق الأوسط)
رئيس حزب «تواصل» حمادي ولد سيدي المختار (الشرق الأوسط)
TT

انتخابات الرئاسة في موريتانيا «اختبار صعب» لشعبية «تواصل» المعارض

رئيس حزب «تواصل» حمادي ولد سيدي المختار (الشرق الأوسط)
رئيس حزب «تواصل» حمادي ولد سيدي المختار (الشرق الأوسط)

قرر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) المشاركة في انتخابات الرئاسة الموريتانية المقررة الشهر المقبل، وذلك للمرة الثانية منذ بدء العمل بالنظام التعددي في البلاد عام 1991، لكنه قرر هذه المرة ترشيح رئيس الحزب، حمادي ولد سيدي المختار، بينما عدّه مراقبون ومحللون سياسيون «اختباراً صعباً لشعبية» الحزب المعارض.

وخرج الحزب الإسلامي بشكل مفاجئ عن نهجه، المتمثل في دعم مرشح معارض في الانتخابات، كما فعل في انتخابات عام 2019، حين أيّد الوزير الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر، الذي حل ثالثاً بحصوله على 17.58 في المائة من الأصوات. وبعد أسابيع من الاجتماعات والنقاشات داخل «تواصل» حول موقفه من الانتخابات الرئاسية، قرر المكتب السياسي للحزب ترشيح ولد سيدي المختار، الذي كان ثالث مرشح يودع ملفه لدى المجلس الدستوري.

موريتانية تدلي بصوتها في الانتخابات السابقة (الشرق الأوسط)

وحزب «تواصل» هو أحد أكبر الأحزاب في موريتانيا، وقد تمكن في الانتخابات النيابية العام الماضي من الحصول على 11 مقعداً ليحل في المرتبة الثانية بعد حزب «الإنصاف»، الذي استحوذ على النصيب الأكبر من المقاعد بعدما حصد 107 مقاعد. ومع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية اتجهت الأنظار إلى ما سيعلن عنه حزب «تواصل»، وذلك لثقله على الساحة السياسية؛ حيث حاول عدد من المرشحين كسب دعمه، غير أن جناحاً يصنّفه مراقبون بأنه «راديكالي» كان رافضاً لفكرة دعم مرشح من خارج الحزب، خشية حدوث تداعيات قد تؤدي إلى انشقاقات كما حدث عام 2019. ويعتقد الصحافي محمد سالم ولد محمد أن الحزب تأثر في السنوات الأخيرة، جراء الانشقاقات والخلافات التي كادت تعصف به، عندما قررت قيادات كبيرة الانشقاق عن الحزب. وقال إن دعم «تواصل» لسيدي محمد ولد بوبكر أغضب بعض قيادات الحزب وأنصاره، وأثار الكثير من الجدل؛ إذ رفض البعض التصويت له أو الانخراط في حملته الانتخابية، مبررين ذلك بأنه «أحد أركان الأنظمة الفاسدة، ولم يظهر إلا مع الانتخابات الرئاسية».

من أجواء حملة الانتخابات السابقة في موريتانيا (الشرق الأوسط)

كان الرئيس الأسبق للحزب محمد جميل منصور، الذي استقال مؤخراً، آخر مرشح دفع به الحزب في عام 2009، عندما حلّ رابعاً بحصوله على 4.76 في المائة من الأصوات. غير أن الكثير قد تغيّر في المشهد السياسي الموريتاني منذ تلك الانتخابات، فقد وصل حزب «تواصل» إلى ذروة شعبيته في عام 2018 وظل متماسكاً وقوياً، إلا أنه بدأ يتراجع منذ عام 2020 مع توالي انسحاب قيادات مؤثرة تملك شعبية كبيرة في الحزب، ومنهم منصور. غير أن الخيارات التي دفع بها الحزب في الانتخابات التشريعية والمحلية أدت إلى تعميق الانقسامات، التي وصلت إلى التراشق اللفظي بين قيادات في الحزب، وأنصاره على مواقع التواصل الاجتماعي. ويرى بعض المحللين أن قرار المكتب السياسي للحزب الدفع بمرشح في الانتخابات الرئاسية يهدف إلى التهدئة بعد الهزات العنيفة، التي تعرض لها في السنوات الأخيرة. وقال الأمين الوطني للإعلام والاتصال بحزب «تواصل» أكناته ولد النقرة، لوكالة أنباء العالم العربي، إن ترشيح ولد سيدي المختار جاء بعد تصويت المكتب السياسي، مشيراً إلى أن رئيس الحزب لم يجد منافسة خلال التصويت، ورفض ربط ترشيحه بمخاوف من خلافات وانشقاقات. وقال الحزب، في بيان، إن قرار ترشيح رئيسه بالانتخابات الرئاسية جاء تلبية «للمطالب الجماهيرية العارمة في التغيير، وصنع مستقبل أفضل يستحقه الشعب الموريتاني، الذي عانى كثيراً من تضييق على الحريات وغلاء المعيشة واستشراء الفساد على اختلاف تمظهراته».

اختبار للشعبية

لم يكن حمادي ولد سيدي المختار من الوجوه السياسية المعروفة في موريتانيا إلى أن برز على الساحة، بعد انتخابه رئيساً لحزب «تواصل» لمدة خمس سنوات في عام 2022، ليكون ثالث رئيس للحزب منذ حصوله على الترخيص في عام 2007، ويترأس المعارضة. ويرى ولد النقرة أن رئيس الحزب «يملك كل المؤهلات القيادية ليكون مرشحهم في الانتخابات الرئاسية». ورغم أن ولد سيدي المختار يحظى بشعبية كبيرة داخل الحزب، فإن البعض يرى أن ترشيحه للرئاسة اختبار صعب لشعبية «تواصل» في موريتانيا. في هذا السياق، قال الصحافي محمد يوسف إن خوض «تواصل» الانتخابات الرئاسية يعد «اختباراً حقيقياً» لشعبيته؛ فالحزب يسعى من خلال هذه المنافسة لإثبات قوته، وقدرته على استقطاب الناخبين في ظل تنافس شرس مع الأحزاب الأخرى. وأضاف يوسف، لوكالة أنباء العالم العربي، أن الانتخابات الرئاسية المقبلة «فرصة حاسمة» لحزب «تواصل» لإثبات شعبيته وتماسكه في وجه التحديات الداخلية والخارجية، مشيراً إلى أن استطلاعات الرأي في الأيام الماضية أظهرت أن مرشح حزب «تواصل» ولد سيدي المختار قد يحل في المرتبة الثانية بحصوله على 39 في المائة من الأصوات.

ولد الغزواني الذي قدم ملف ترشحه للمجلس الدستوري يظل أكثر المرشحين للفوز بولاية ثانية (الشرق الأوسط)

وتابع يوسف: «أعتقد أن ولد سيدي المختار إذا حصل على هذه النسبة سيكون إنجازاً للحزب، وسيؤكد ذلك أنه ما زال حاضراً بقوة في المشهد السياسي الموريتاني، خاصة أن آخر انتخابات رئاسية شارك فيها حصل مرشحه على 4.76 في المائة». وتجري موريتانيا الانتخابات الرئاسية يوم 29 يونيو (حزيران) المقبل. وفي الانتخابات الرئاسية السابقة التي أجريت عام 2019، فاز الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي يخوض الانتخابات المقبلة أيضاً، بحصوله على 52.01 في المائة من الأصوات.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي قلِق من «التقسيم الفعلي لليبيا»

شمال افريقيا الدبيبة يتوسط سفراء الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا (حكومة «الوحدة»)

الاتحاد الأوروبي قلِق من «التقسيم الفعلي لليبيا»

تمسكت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا بدعمها لتجديد شرعية المؤسسات في جميع أنحاء البلاد، وقالت إن الشعب «لديه الحق في اختيار قادته».

جمال جوهر (القاهرة)
أوروبا زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبن (رويترز)

لوبن: ماكرون لن يستطيع إرسال قوات لأوكرانيا إذا فزنا في الانتخابات

أثارت زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبن، اليوم الخميس، الجدل حول من سيكون مسؤولاً عن الجيش إذا قاد حزب «التجمع الوطني» الحكومة بفوزه في الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا مرشحٌ معارض يخطب في أنصاره بنواكشوط أمس ويعدهم بالتغيير (الشرق الأوسط)

التنافسُ يحتدم عشية الاقتراع الرئاسي في موريتانيا

دخل المرشحون السبعة للانتخابات الرئاسية الموريتانية في سباق الأنفاس الأخيرة من الحملة الدعائية التي تختتم عند منتصف ليل الخميس.

الشيخ محمد (نواكشوط)
الولايات المتحدة​ مناظرة جمعت ترمب وبايدن في أكتوبر 2020 (أ.ب)

لحظات فارقة في تاريخ المناظرات الرئاسية الأميركية

شهدت كثير من المناظرات الرئاسية الأميركية السابقة مواقف ولحظات لا تنسى، وشابتها الإخفاقات والسخرية، أو زلات اللسان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي أعلام كردية خلال احتفال عسكري بأربيل عاصمة إقليم كردستان (أرشيفية - أ.ف.ب)

كردستان يحدد موعداً نهائياً لإجراء الانتخابات

أخيراً، تمكن إقليم كردستان العراق من تجاوز التعقيدات والعقبات التي ارتبطت بانتخاب برلمان جديد وامتدت لنحو عامين، بعد تحديد موعد نهائي لإجراء الاقتراع.

فاضل النشمي (بغداد)

​ليبيا: اشتباكات محدودة تعرقل إعادة افتتاح معبر «رأس جدير» مع تونس

الدبيبة في لقاء سابق مع وفد من المجلس البلدي وأعضاء مجلس الأعيان وحكماء زوارة (حكومة الوحدة)
الدبيبة في لقاء سابق مع وفد من المجلس البلدي وأعضاء مجلس الأعيان وحكماء زوارة (حكومة الوحدة)
TT

​ليبيا: اشتباكات محدودة تعرقل إعادة افتتاح معبر «رأس جدير» مع تونس

الدبيبة في لقاء سابق مع وفد من المجلس البلدي وأعضاء مجلس الأعيان وحكماء زوارة (حكومة الوحدة)
الدبيبة في لقاء سابق مع وفد من المجلس البلدي وأعضاء مجلس الأعيان وحكماء زوارة (حكومة الوحدة)

عرقلت اشتباكات مسلحة طارئة إعادة افتتاح معبر «رأس جدير» بين ليبيا وتونس، المغلق منذ 3 أشهر، مما تسبب في تعطيل الحركة التجارية في هذه النقطة الحدودية التي تعدّ «شريان حياة» للمناطق المتاخمة لها من البلدين.

واندلعت الاشتباكات، وفقاً لشهود عيان، في منطقة زوارة بغرب ليبيا، مساء (الأربعاء) بين «الكتيبة 55» برئاسة الميليشياوي معمر الضاوي، التابعة لرئاسة الأركان بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، وقوة عسكرية تتبع «غرفة عمليات» زوارة، ما تسبب في تصاعد الاستنفار الأمني بالطريق الساحلية المؤدية للمعبر.

ووفقاً لاتفاق سابق بين عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة»، ومجلس الأعيان والحكماء ببلدية زوارة، على إعادة فتح المعبر، ذهبت قوة مشتركة تضم اللواءين «55» و«111» للمشاركة في إعادة افتتاح المعبر إلا أنّ اشتباكات وقعت إثر إطلاق نار.

وفيما التزمت حكومة الدبيبة الصمت تباينت روايات شهود العيان حول الواقعة، وقالوا إن أفراداً من القوة المشتركة أطلقوا النار بعد السماح لهم بدخول الحدود الإدارية لزوارة مما تسبب في توتر الأوضاع، لكن هناك من يقول بعكس ذلك، مشيرين إلى أن مسلحين تابعين لـ«غرفة العمليات العسكرية» بزوارة، هم من بادروا بإطلاق الرصاص مما تسبب في إفشال محاولات تشغيل المعبر.

وسعت حكومة الدبيبة غير مرة إلى إزاحة قوة تتبع «المجلس العسكري» لزوارة تتولى إدارة المعبر، وسط رفض المكون الأمازيغي الذي يقطن زوارة ومدناً أخرى بالجنوب لهذا الإجراء، ما تسبب في إغلاق المعبر منذ مارس (آذار) الماضي.

وكان يفترض إعادة افتتاح المعبر منتصف الأسبوع الماضي، لكن مسلحين من مدن الأمازيغ، أغلقوا الطريق الساحلية المؤدية إلى المعبر بالسواتر الترابية، قبل ساعات فقط من الموعد الذي أعلنته الحكومة لإعادة تشغيله رسمياً؛ للضغط على الدبيبة، لتحسين الخدمات والوضع المعيشي في مناطقهم.

وللتغلب على الأزمة التقى الدبيبة الثلاثاء الماضي، في مكتبه، وفداً من أعضاء مجلس الأعيان والحكماء ببلدية زوارة، لبحث مطالبهم، وناقش معهم قضايا خدمية، وأوضاع المعبر على اعتبار زوارة من البلديات الحدودية. كما وجه الشركة العامة للكهرباء، بتوفير المحولات اللازمة لاستقرار الشبكة العامة ببلديات الساحل الغربي.

ودخل معبر «رأس جدير» مثل غيره من المنافذ الحدودية، دائرة الصراع بين سلطات طرابلس و«أمازيغ زوارة»، ما يتسبب في تعطيله وإغلاقه أمام حركة التجارة.

من أعمال صيانة سابقة لمعبر «رأس جدير» (إدارة إنفاذ القانون في داخلية الوحدة)

وعقب الإطاحة بنظام القذافي، تقدّمت مدينة زوارة الصفوف بعد تهميشها طويلاً، واستولت قوّاتها على «رأس جدير»، وضمّت رسمياً المعبر الحدودي إلى المنطقة الإدارية، الواقعة تحت سيطرة بلديتها، لتتحول الأخيرة فيما بعد إلى مركز قوة حقيقي، على الرغم من أنها بقيت اسماً تحت سلطة الحكومات التي اتخذت من طرابلس مقراً لها، وفق محللين ليبيين.

الرئيس التونسي ملتقياً وزير الداخلية خالد النوري وكاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن الوطني سفيان بالصادق (الرئاسة التونسية)

وأمام تعقد الأزمة، قالت الرئاسة التونسية (الأربعاء) إن الرئيس قيس سعيّد، أكد ضرورة «تذليل كل الصعوبات مع الأشقاء الليبيين لإعادة فتح معبر رأس جدير»، وذلك خلال استقباله بقصر قرطاج، كلا من وزير الداخلية خالد النوري وكاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن الوطني سفيان بالصادق.

ويبعد المعبر نحو 60 كيلومتراً عن مدينة زوارة بغرب ليبيا و175 كيلومتراً عن طرابلس العاصمة، بينما يبعد قرابة 32 كيلومتراً عن مدينة بنقردان التونسية، ويمر عبره جزء كبير من التجارة عبر الحدود، بما في ذلك التهريب.

وفتح المعبر جزئياً في 20 يونيو (حزيران)، بعد اتفاق بين وزير الداخلية من الجانبين لعبور الحالات الإنسانية المستعجلة والبعثات الدبلوماسية، لكن لم تستأنف الحركة بشكل كامل أمام المسافرين والتجّار، وتمّ تحويل العبور إلى منفذ الذهيبة - وازن الأصغر مساحة والأقل قدرة على استيعاب حركة المرور.

وعادة ما تتضرر الحركة التجارية في المناطق التونسية القريبة من المعبر، الذي يعد «شريان حياة» لآلاف المواطنين، كما ينظر إليه على أنه «إحدى نقاط التهريب»، ولا سيما الوقود الخارج من ليبيا.

خلال عام 2023 عبر نحو ثلاثة ملايين و400 ألف مسافر من الليبيين والتونسيين من أجل السياحة بين الجانبين، وكذلك من أجل العلاج داخل مصحات ومستشفيات خاصة في تونس بالنسبة لليبيين. أما التونسيون فيتنقلون من أجل التجارة أساساً، وفقاً لـ«الديوان الوطني للمعابر الحدودية البرية» في تونس.

وشهد المعبر الذي أُغلق مرات عدة خلال العقد الماضي، أزمات كثيرة في التنقل، بسبب اتهامات من الجانبين التونسي والليبي بـ«إساءات متبادلة خلال المرور، ووقوع عمليات ابتزاز».

وأدانت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، الاشتباكات المسلحة التي جرت بمحيط مدينة زوارة، مشيرة إلى أن أعمال العُنف والاشتباكات المسلحة، تعدّ «استهتاراً فاضحاً بأمن وسلامة المدنيين، وتعريض الأمن والسلم الاجتماعي للخطر وتقويض الأمن والاستقرار بمدينة زوارة».

وحملت المؤسسة في بيانها مساء الأربعاء الجهات المتورطة بالاشتباكات المسلحة، المسؤولية القانونيّة الكاملة حيال إثارة أعمال العنف بمدينة زوارة وما يترتب عليها من انتهاكات وأضرار.