انتقد مسؤول جزائري شروطاً تضعها فرنسا، مقابل تسليم الجزائر مستندات ووثائق ومواد مرتبطة بمرحلة الاستعمار (1830 -1962)، خصوصاً فترة ثورة التحرير. وكانت هذه المشكلة قد طرحت نهاية العام الماضي، بسبب رفض باريس طلب الجزائر استعادة سيف وبرنس الأمير عبد القادر، قائد الثورة الشعبية الكبيرة ضد الغزو الفرنسي للجزائر في القرن التاسع عشر.
وقال الحسن زغيدي، رئيس «لجنة الذاكرة»، للإذاعة العمومية (الأربعاء)، إن مسعى «الاشتغال على الذاكرة» الجاري مع فرنسا منذ قرابة عامين، بهدف تجاوز مشكلات الماضي الاستعماري، «يواجه صعوبات»، حمّل مسؤوليتها للجانب الفرنسي، وتتعلق حسبه، بـ«القوانين التي تعد كل ما نقل (من الجزائر) إلى فرنسا، من مسروقات ومنهوبات وغيرها، جزءاً لا يتجزأ من السيادة الفرنسية».
وفهم من كلام زغيدي أنه يقصد رفض الحكومة الفرنسية في نهاية 2023 طلباً جزائرياً باستعادة سيف وبرنس الأمير القادر مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، الذي قضى أربع سنوات في الأسر (1884 – 1852) بقصر أمبواز الشهير، وسط فرنسا. وقد صرح وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، حينها بأن باريس «تحججت بضرورة إصدار قانون يسمح بتسليم أغراض الأمير».
وتضم «لجنة الذاكرة» فريقاً يتكون من خمسة باحثين جزائريين، مختصين في تاريخ الاستعمار الفرنسي. ويوجد نظير لها في فرنسا، تتكون أيضاً من نفس عدد الباحثين، يقودهم المؤرخ الشهير بنجامان ستورا، الذي يتحدر من أسرة يهودية عاشت في الجزائر. وتم إطلاق «اللجنتين» عام 2022 إثر زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في صيف العام ذاته.
وقال زغيدي عن العمل الذي يقوم به فريقه إنه «يجري بشكل هادئ وواعٍ، بهدف الوقوف عند كل المواد، التي تعرضت للنهب ذات الصلة بالأرشيف بغرض استعادته، بما فيها المواد التي تعود إلى ما قبل 1830»، أي فترة الوجود العثماني في الجزائر.
كما انتقد ضمناً، الفريق الفرنسي، قائلاً إن «الجميع، بما فيهم نحن، يجب أن نتصرف كأكاديميين لا ينتمون إلى أي من التيارات السياسية، ولا يتلقون أي توجيهات سياسية. علينا تبني الطرح الأكاديمي والعلمي والمنطقي والموضوعي والشفاف... الطرح الذي لا يتعارض مع المنطق والقوانين».
وظهر في كلام زغيدي إيحاء بأن «لجنة الذاكرة»، التي تمثل الطرف الفرنسي، متأثرة بالموقف الحكومي الرافض للنزول عند مطالب الجزائريين، بخصوص استعادة أرشيف الاستعمار الموجود في مراكز بحوث فرنسية.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، عقدت «اللجنتان» اجتماعاً في الجزائر، انتهى إلى اتفاق بتسليم مليوني مادة أرشيفية. وعقد اجتماع ثان في باريس في فبراير (شباط) الماضي، قال زغيدي عنه إن الجانب الجزائري «طالب بتحديد نوع هذه المواد، والمواضيع التي تتضمنها ومكان وجودها». مبرزاً أن بلاده لن تقبل تسلم نسخ إلكترونية، «فنحن لن نتنازل عن الأرشيف الأصلي، ولن نسكت عن المطالبة به».
وأعلن زغيدي عن اجتماع منتظر بالجزائر «في غضون 15 يوماً»، مؤكداً أنه «لا يمكنني الإفصاح عن تفاصيله، لكني أعدكم أن اللجنة ستسعى إلى استعادة كل الأرشيف، ولو بقيت منه ورقة واحدة كتبت في الجزائر».
ومن المقرر أن يتم بحث المشاكل، التي تعترض عمل «اللجنتين»، في الزيارة المقررة للرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس الخريف المقبل (لم يتم الاتفاق على موعدها).
وكان وزير المجاهدين، العيد ربيقة، صرح نهاية 2022 بأن «لجنة الذاكرة»، مكلفة ببحث خمسة ملفات مع الطرف الفرنسي، هي «فتح واستعادة الأرشيف والممتلكات، واسترجاع رفات شهداء المقاومة الشعبية (جرت خلال القرن الـ19)، ودراسة ملف ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في صحراء الجزائر مطلع ستينات القرن الماضي، وملف المفقودين خلال حرب التحرير».