اتهامات حقوقية ليبية لأجهزة أمنية بـ«استغلال» المهاجرين

حكومة حمّاد تجهّز لمؤتمر أفريقي أوروبي لمكافحة الاتجار بالبشر

خفر السواحل بغرب ليبيا خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين (وزارة الداخلية بحكومة الوحدة)
خفر السواحل بغرب ليبيا خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين (وزارة الداخلية بحكومة الوحدة)
TT

اتهامات حقوقية ليبية لأجهزة أمنية بـ«استغلال» المهاجرين

خفر السواحل بغرب ليبيا خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين (وزارة الداخلية بحكومة الوحدة)
خفر السواحل بغرب ليبيا خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين (وزارة الداخلية بحكومة الوحدة)

تصاعدت الاتهامات في ليبيا لأجهزة أمنية بـ«استغلال» المهاجرين غير النظاميين، عقب الإعلان عن إنقاذ 87 مهاجراً في البحر المتوسط كانوا قد أبحروا من مدينة الزاوية غرب البلاد باتجاه الشواطئ الأوروبية. وتقول السلطات الأمنية في ليبيا إنها تواجه عمليات مستمرة لتهريب المهاجرين غير النظاميين من الحدود المترامية للبلاد، عبر عصابات تتاجر بالبشر بقصد نقلهم إلى أوروبا مقابل تحصيل الأموال.

ويرى حقوقيون ليبيون أن جانباً من الأزمة يرجع إلى أن بعض الأجهزة الأمنية بالبلاد «تتاجر بالمهاجرين بصور مختلفة»، مما يفاقم أزمتهم منذ الانفلات الأمني الذي أعقب إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي في عام 2011. وقال طارق لملوم، رئيس مؤسسة «بلادي لحقوق الإنسان»، إن عملية «استغلال المهاجرين القادمين إلى ليبيا تُعدّ عادة قديمة وليست جديدة؛ لكنها زادت بعد الفوضى والنزاع المسلّح الذي شهدته البلاد، وعدم وجود حكومة واحدة».

ورأى لملوم، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن «كل من يجري احتجازهم من المهاجرين وطالبي اللجوء داخل مقار الاحتجاز، سواء أكانت رسمية تابعة لجهاز الهجرة غير المشروعة، أم التابعة للمجموعات المسلَّحة، هم من يقومون ببناء هذه السجون وصيانتها وتنظيفها أيضاً». وقال: «من النادر جداً أن تجد مؤسسة أمنية تجلب عمالاً حقيقيين من خارج البلاد لديهم أوراق ثبوتية ويدخلون البلاد بشكل طبيعي».

ويعتقد أنه «أحياناً يجري القبض على مهاجرين من الشوارع أو من داخل المنازل بغرض استغلالهم؛ وعندما تجري إعادتهم من البحر لدى محاولتهم مغادرة ليبيا، يُطلب منهم العمل عدة أشهر في هذه المجالات أو يدفعون أموالاً مقابل إطلاق سراحهم».

مهاجرون من دول أفريقية ينتظرون بأحد المخيمات فرصة الهجرة خلسة إلى إيطاليا (إ.ب.أ)

ممارسات غير قانونية

وأحصى رئيس المنظمة الدولية للهجرة، أنطونيو فيتورينو، العام الماضي، عدد المهاجرين بمراكز الاحتجاز الرسمية في ليبيا، بـ5 آلاف فرد، لكن هذا العدد لا يمثل سوى جزء بسيط من المحتجَزين بالبلاد، سواء أكانوا الطلقاء أم المغيبين في سجون سرية. وعادة ما يشير حقوقيون ليبيون إلى «ارتكاب ممارسات غير قانونية بحق المهاجرين في المراكز السرية أو غير الرسمية».

وغادر مطار طرابلس، الأسبوع الماضي، 127 لاجئاً ينحدرون من سوريا وإريتريا والسودان وأفريقيا جنوب الصحراء، من بينهم 38 امرأة، و65 طفلاً، وذلك إلى رومانيا، في رحلة إعادة توطين، بمساعدة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة. وسيجري إيواء اللاجئين في مركز استقبال، لعدة أشهر، قبل نقلهم، في نهاية المطاف، إلى النرويج؛ بلد إعادة توطين هذه المجموعة من اللاجئين.

ويرى لملوم أن «استغلال» المهاجرين من قِبل بعض الأجهزة الأمنية لا يتوقف عند استخدامهم للعمل في المقار الحكومية فحسب، «بل يصل الأمر إلى تشغيلهم في البيوت والمزارع والمصانع»، متحدثاً عن «تورط عدد من الأجهزة الأمنية، خصوصاً المنوط بها القبض على المهاجرين أو حراسة أماكن احتجازهم، في إخراجهم من هذه المراكز مقابل مبالغ مالية».

مهاجرون أفارقة أنقذهم خفر السواحل الإسبانية بعد انطلاقهم من شواطئ ليبيا (أ.ب)

قارب مكتظ بالركاب

ولم تعلق السلطات الأمنية، المعنية بالهجرة في ليبيا، على تسرب قارب يقل 87 شخصاً من مدينة الزاوية بغرب البلاد، بعد اعتراضه في البحر المتوسط من قِبل سفينة الإنقاذ، التابعة لمنظمة «طوارئ» الإنسانية الإيطالية. وكانت منظمة الطوارئ الإيطالية غير الحكومية، التي تدير سفينة الإنقاذ «دعم الحياة»، قد قالت إن القارب، الذي انطلق من غرب ليبيا، كان مكتظاً بالركاب، وكان الماء والطعام على متنه قد نفد، ومن بين المهاجرين 8 نساء؛ إحداهن حامل، و3 أطفال، و14 قاصراً.

وقد حددت السلطات الإيطالية مدينة نابولي الجنوبية ميناء لإنزال المهاجرين، ومن المقرر أن تصل سفينة الإنقاذ إلى الميناء، يوم الاثنين، وفق المنظمة. والمهاجرون الـ87 ينتمون إلى دول السودان ونيجيريا والنيجر وجنوب السودان وإريتريا وبنغلاديش ومالي وتوغو وغانا وليبيريا وتشاد والكاميرون والسنغال وساحل العاج، وفقاً للمؤسسة الخيرية.

حكومة حماد تعد لمؤتمر أفريقي أوروبي حول الهجرة غير المشروعة (الحكومة)

يأتي ذلك في وقت قالت فيه الحكومة المكلفة من مجلس النواب، إنها بدأت تجهز لعقد المؤتمر الأفريقي الأوروبي حول الهجرة، المزمع عقده في مدينة بنغازي بنهاية شهر مايو (أيار) الحالي.

وتقول الحكومة إن وزير خارجيتها المفوض عبد الهادي الحويج، ووزير الدولة لشؤون الهجرة فتحي التباوي، يعقدان سلسلة اجتماعات لمتابعة أعمال اللجنة التحضيرية للمؤتمر المرتقب.

وشددت الحكومة على «ضرورة تسريع وتيرة العمل، وتكثيف التواصل والتنسيق لإظهار المؤتمر بالشكل الذي يليق بدور الدولة الليبية، وسعيها الحثيث للحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية وتداعياتها السلبية في البلاد ودول الجوار، وما تتحمله منفردة من أعباء لهذه الظاهرة».

وقالت منظمة «أطباء بلا حدود» إن الافتقار إلى خيارات آمنة وقانونية، إضافة إلى العنف الذي يعانيه المهاجرون في ليبيا، لا يترك لهم خياراً سوى عبور البحر وزيادة عدد الضحايا.


مقالات ذات صلة

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

شمال افريقيا الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

خاص دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

بعد إعلان السلطة في غرب ليبيا عن إجراءات واسعة ضد النساء من بينها "فرض الحجاب الإلزامي"، بدت الأوضاع متجه إلى التصعيد ضد "المتبرجات"، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

بعد 39 عاماً على «إحراق» أرشيف السجل العقاري خلال عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، يطالب ليبيون بفتح تحقيق في هذه القضية لـ«تضررهم من الحادثة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من رؤساء منظمات المجتمع المدني من ليبيا ومن خارجها (البعثة الأممية)

ليبيا: الأمم المتحدة تبحث فرص نزع سلاح الميليشيات و«تفكيكها»

رعت البعثة الأممية اجتماعاً يضم رؤساء منظمات مجتمع مدني ومسؤولين حكوميين لمناقشة قضية نزع سلاح التشكيلات المسلحة وإعادة إدماجها في مؤسسات الدولة.

جمال جوهر (القاهرة)

حوادث مرورية متكرّرة تفجع مصريين

الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
TT

حوادث مرورية متكرّرة تفجع مصريين

الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)

شهدت مناطق متفرقة في مصر حوادث مرورية مفجعة، أخيراً؛ مما أثار تساؤلات حول أسباب تكرارها، في حين رأى خبراء أن «غالبية تلك الحوادث تقع نتيجة لأخطاء من العنصر البشري».

وشهدت مصر، الجمعة، حادثاً أُصيب خلاله نحو 52 شخصاً، إثر انقلاب حافلة (أتوبيس رحلات) على طريق «الجلالة - الزعفرانة» (شمال محافظة البحر الأحمر - جنوب مصر)، قبل توجهها إلى دير الأنبا أنطونيوس بالمحافظة.

وأعلنت وزارة الصحة المصرية «خروج جميع المصابين من المستشفى، بعد تحسّن حالاتهم»، وقالت في إفادة لها، الجمعة، إن «الحادث أسفر عن إصابة 52 راكباً؛ نُقل 31 منهم إلى مستشفى (رأس غارب) التخصصي، في حين تم إسعاف 21 مصاباً آخرين بموقع الحادث».

واحتجزت الأجهزة الأمنية سائق «الحافلة» المتسبّب في الحادث، في حين كلّفت السلطات القضائية لجنة فنية بفحص أسباب وقوع الحادث حول ما إذا كان عطلاً فنياً أم خطأ بشرياً نتيجة للقيادة الخاطئة، حسب وسائل إعلام محلية.

وأعاد انقلاب الحافلة بطريق «الجلالة - الزعفرانة» إلى الأذهان حادث انقلاب حافلة تابعة لجامعة «الجلالة الأهلية»، على الطريق السريع «الجلالة - العين السخنة»، في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ مما أدّى إلى وفاة 7 أشخاص، وإصابة نحو 25 آخرين.

وشهدت منطقة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة) حادث «دهس» سيارة، دراجةً نارية كان يستقلها عامل «دليفري» (التوصيل المنزلي)؛ مما أدى إلى مقتله.

كما شهدت محافظة الفيوم (جنوب القاهرة) حادث انقلاب سيارة نقل ركاب، الخميس، على الطريق الصحراوي السريع؛ مما أدى إلى إصابة 14 شخصاً.

وأظهرت التحريات الأولية للحادث أن السيارة تعرّضت للانقلاب، نتيجة السرعة الزائدة، وفقدان السائق السيطرة عليها.

وسجّلت إصابات حوادث الطرق في مصر ارتفاعاً بنسبة 27 في المائة، على أساس سنوي، بواقع 71016 إصابة عام 2023، في حين بلغ عدد المتوفين في حوادث الطرق خلال العام نفسه 5861 حالة وفاة، بنسبة انخفاض 24.5 في المائة، وفقاً للنشرة السنوية لنتائج حوادث السيارات والقطارات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، في شهر مايو (أيار) الماضي.

طريق الجلالة (وزارة النقل المصرية)

وباعتقاد رئيس الجمعية المصرية لرعايا ضحايا الطرق (منظمة مدنية)، سامي مختار، أن «نحو 80 في المائة من حوادث الطرق يحدّث نتيجة لأخطاء من العنصر البشري»، مشيراً إلى أن «تكرار الحوادث المرورية يستوجب مزيداً من الاهتمام من جهات حكومية؛ للحد من وقوعها، وتعزيز السلامة على الطرق».

ودعا مختار، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى «ضرورة تكثيف حملات التوعية بالسلامة المرورية، لجميع مستخدمي الطرق، من سائقي السيارات والركاب»، قائلاً إن حملات التوعية يجب أن تشمل «التعريف بقواعد وآداب السير على الطرق، وإجراءات السلامة، والكشف على تعاطي المخدرات للسائقين في أثناء السير»، ومشدداً على ضرورة «تكثيف حملات الرقابة بخصوص تعاطي المخدرات في أثناء القيادة».

ولقي حادث انقلاب حافلة طريق «الجلالة» تفاعلاً من رواد منصات التواصل الاجتماعي في مصر؛ حيث دعوا إلى «مراجعة الحالة الفنية للطريق، بعد تكرار حوادث انقلاب حافلات الركاب عليه».

بينما يستبعد أستاذ هندسة الطرق بجامعة عين شمس، حسن مهدي، فرضية أن يكون وقوع الحوادث بسبب الحالة الفنية للطريق، مرجعاً ذلك إلى «عدم تكرار الحوادث في مكان واحد على الطريق»، ومشيراً إلى أن «وقوع الحوادث المرورية في مناطق متفرقة يعني أن السبب قد يكون فنياً؛ بسبب (المركبة)، أو لخطأ بشري من السائق».

وأشار مهدي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى ضرورة «تطبيق منظومة النقل الذكي، للحد من الحوادث، خصوصاً على الطرق السريعة»، مضيفاً أن «التوسع في المراقبة الذكية لحركة السير سيقلّل من الأخطاء، ويُسهم في التزام السائقين بإجراءات السلامة في أثناء القيادة»، وموضحاً أن «مشروع قانون المرور الجديد، المعروض أمام البرلمان ينص على تطبيق هذه المنظومة بشكل موسع».

وتضع الحكومة المصرية «قانون المرور الجديد» ضمن أولوياتها في الأجندة التشريعية لدور الانعقاد الحالي للبرلمان، وناقش مجلس النواب، في شهر أكتوبر الماضي «بعض التعديلات على قانون المرور، تضمّنت عقوبات مغلظة على مخالفات السير، والقيادة دون ترخيص».