معركة «ديان بيان فو» تسلط الضوء على مغاربة حاربوا مع فرنسا في فيتنام

فرنسيون يحتفلون بمرور 70 عاماً على نهاية الحرب

لي توان بِينه يحمل جواز سفره المغربي (أ.ف.ب)
لي توان بِينه يحمل جواز سفره المغربي (أ.ف.ب)
TT

معركة «ديان بيان فو» تسلط الضوء على مغاربة حاربوا مع فرنسا في فيتنام

لي توان بِينه يحمل جواز سفره المغربي (أ.ف.ب)
لي توان بِينه يحمل جواز سفره المغربي (أ.ف.ب)

حارب عشرات الآلاف من أبناء المغرب العربي من أجل فرنسا في الهند الصينية. وبينما غادرت غالبيتهم بعد الحرب، بدأ بعضهم حياة جديدة في فيتنام، حيث يدافع أحفادهم اليوم عن ذكراهم المنسية. لا يخفي لي توان بِينه (64 عاماً) أن «الكثير من المشاعر» تخالجه، بينما يحمل «شاهد قبر» والده محمد، أو مزيد بن علي، وفقاً لما كُتب عليه، والذي توفي في العام 1968. لكن بينه احتفظ باللوح الذي يحدّد الجنسية المغربية للمتوفى.

لي توان بِينه يحمل أوراق ثبوتيته المغربية (أ.ف.ب)

بين العامين 1947 و1954، التحق أكثر من 120 ألفاً من أبناء المغرب العربي، نصفهم من المغرب، الذي لم يكن قد نال استقلاله بعد، بصفوف الجيش الفرنسي في الهند الصينية. وكان والد بِينه من بين نحو 150 مغربياً فاراً أو سجيناً، بقوا في فيتنام الشيوعية لأكثر من عقد من الزمن بعد الهدنة. وتلقي قصّة هذا الأخير الضوء على جانب غير معروف للحرب التي لا تزال تؤثر على الذاكرة الفيتنامية والفرنسية، بعد مرور 70 عاماً على معركة ديان بيان فو ونهاية الحرب.

لي توان بِينه يحمل اللوح الذي يحدّد الجنسية المغربية لوالده المتوفى (أ.ف.ب)

يقول بيار جورنو، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة بول فاليري في مونبيلييه، لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إنّه في فرنسا «بقي تاريخ الشجاعة في ديان بيان فو لفترة طويلة حكراً على البيض، الذين كانوا يشكّلون الغالبية في كوادر القوات المسلّحة.. لكن بعد العام 1947، تمّ الاعتماد على الكتائب الاستعمارية لدعم المجهود الحربي، ومن ثمّ أصبح هؤلاء يشكّلون الأغلبية»، مضيفاً: «لقد فقدنا جزءاً من هذه الذاكرة» للجنود المستعمَرين.

شاي «على الطريقة المغربية»

يقدّم لي توان بينه في منزله الواقع في فو ثو، على بعد ساعتين برّاً شمال هانوي، شاياً أسود بأوراق النعناع التي قطفها من الحديقة. ويقول مازحاً: «على الطريقة المغربية، لكن من دون سكّر». يُلقّب بينه في القرية بـ«الأجنبي» بسبب لون بشرته الداكن، لكنّ مقرّبين منه يلقّبونه بـ«علي»، وهو الاسم الذي أطلقه عليه والده.

لي توان بِينه أو المكي علي في مزرعته في بلدة بو تو (أ.ف.ب)

أدّت الحرب ضدّ الولايات المتحدة والتنمية الاقتصادية إلى تشتيت العائلات المغربية - الفيتنامية القليلة التي كانت تعيش في المنطقة منذ عقود. وقد عاد بعضهم إلى المغرب في السبعينات، لكنّ بينه أراد البقاء مع والدته الفيتنامية وشقيقيه، ويتذكّر قائلاً: «كان والدي يتجنّب الحديث عن الحرب. كان رجلاً قليل الكلام». وتقدّم الدعاية الفيتنامية الفارّين الأجانب على أنّهم رفاق نضال للشعوب المضطهدة. غير أنّ باحثين فرنسيين يشيرون إلى أنّ دوافعهم كانت بعيدة كلّ البعد عن الآيديولوجيا، مثل الحصول على أجور أفضل، أو الخوف من العقاب بعد ارتكاب خطأ.

سائح يلتقط صورة مع بوابة بنين بالطراز المغربي في بلدة بافي في فيتنام (أ.ف.ب)

بعد الحرب، بقي نحو 300 جندي أفريقي وأوروبي «بعد استسلامهم»، وفق هانوي، في مزرعة جماعية في منطقة بافي، الواقعة على بعد ساعة من العاصمة. وفي هذا المكان، التقى والد بينه بامرأة فيتنامية وولد بينه في 1959.

ورغم أنه أزيل هذا الموقع في السبعينات، لكن لا تزال هناك بوابة بارتفاع عدّة أمتار مستوحاة من العمارة المغاربية، بناها عمّال مغاربة تخليداً لبلادهم. ويقع هذا النصب التذكاري في حديقة عائلة فيتنامية، حيث يزوره القليل من الزوّار، بما في ذلك أجانب، كلّ شهر. وبعدما تضرّرت هذه البوابة جراء الإهمال على مدى نصف قرن، استعادت مظهرها بعد أعمال تجديد في عامي 2009 و2018، في وقت بدأت فيه الأبحاث في تسليط الضوء على مقاتلي الكتائب الاستعمارية في الهند الصينية. في هذه الفترة، كان لي توان بينه يناضل من أجل الاعتراف بماضيه. وبعد سنوات من التعقيد الإداري، حصل في العام 2016 على جواز سفر مغربي له ولولدَيه المولودَين لأم فيتنامية، تحت كنية «المكي» التي اختارتها السفارة. تقول ابنته ليلى (36 عاماً) التي تعيش حالياً في الدار البيضاء: «شجّعني والدي على المغادرة. كان يتحدّث عن المغرب منذ أن كنت طفلة». لم تطأ قدما بينه المغرب. لكنه يقول «الآن أنا طاعن في السن، لقد أعطيت الفرصة لابنتي... وأنا سعيد الآن لأن بعض أحلامي تحقّقت».



حملة تعقيم واسعة لمخلفات الحرب في مدينة ود مدني السودانية

من عمليات التنظيف في المدينة (الدفاع المدني )
من عمليات التنظيف في المدينة (الدفاع المدني )
TT

حملة تعقيم واسعة لمخلفات الحرب في مدينة ود مدني السودانية

من عمليات التنظيف في المدينة (الدفاع المدني )
من عمليات التنظيف في المدينة (الدفاع المدني )

نفذت السلطات السودانية حملة تطهير شاملة لمدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد، عبر سيارات مزودة بمواد التعقيم لإزالة كل مخلفات الحرب، وذلك ضمن الإجراءات الوقائية التي تمهد لعودة المواطنين إلى منازلهم بعد أكثر من عام على نزوحهم إلى ولايات أخرى في البلاد.

وقال مدير عام قوات «الدفاع المدني» في السودان، الفريق شرطة عثمان عطا مصطفى، لــ«الشرق الأوسط»، إن الحملة شملت تعقيم المستشفيات والمدارس ودور العبادة (المساجد والكنائس) في مدينة ود مدني والبلدات والقرى من حولها بـ«محلول الكلور»، كما تم تطهير مصادر مياه الشرب.

من الدمار الذي سببته المعارك في ود مدني (أ.ف.ب)

وأكد أن المدينة أصبحت خالية من التلوث البيئي، وتم التأكد من ذلك بواسطة الأجهزة العالية الدقة والجودة التي استخدمتها الفرق الفنية خلال عمليات التعقيم.

وفي الحادي عشر من يناير (كانون الثاني) الحالي، استعاد الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه، مدينة ود مدني، من قبضة «قوات الدعم السريع» التي سيطرت عليها لأكثر من عام.

وأفاد، بأنه تم إجراء مسح شامل بأجهزة متطورة، وإزالة المتفجرات والأجسام الغريبة، بالتعاون مع القوات المسلحة والأدلة الجنائية، وتم العثور على عدد قليل من المقذوفات المتفجرة تسلمتها الأجهزة المختصة التابعة للقوات النظامية في الجيش السوداني.

وقال مدير قوات «الدفاع المدني» إنه تم جمع الجثث المتحللة وتعقيمها قبل دفنها وفقاً للإجراءات الفنية المتعارف عليها في مثل هذه الحالات. وكشف عن أن «غالبية الجثث من الأجانب القتلى الذين سقطوا في المعارك»، لكنه أحجم عن الإدلاء بأي تفاصيل إضافية عن عدد الجثث التي تم العثور عليها داخل المدينة.

وأعلن أيضاً أنه تمت «إبادة أعداد كبيرة من الكلاب الضالة التي كانت تقتات من نهش الجثث والحيوانات النافقة، حتى لا تهدد سلامة وصحة المواطنين عند عودتهم إلى المدينة».

مواطنون ينتظرون دورهم لتعبئة مياه الشرب (أ.ف.ب)

وأضاف أن حكومة ولاية الجزيرة بدأت العمل في إعادة خدمة الكهرباء إلى بعض المناطق في مدينة ود مدني، وشرعت فعلياً في صيانة وتشغيل المرافق الحيوية التي تضررت خلال سيطرة «قوات الدعم السريع»، وعلى وجه الخصوص المؤسسات والمراكز الصحية قبل عودة المواطنين إلى المدينة.

وأفاد مصطفى بأن «قوات الدفاع المدني في السودان لديها إمكانات كبيرة لمواجهة أي أخطار، وأن فرق المهندسين والمختصين كانت قد تلقت تدريبات مكثفة من قبل الأمم المتحدة للحد من الكوارث البيئية».

وتأتي عمليات تعقيم مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، في إطار الإجراءات الاحترازية المعتادة في حالة الحروب خشية من انتشار الأمراض والأوبئة.

وقالت مصادر في ود مدني لــ«الشرق الأوسط»، إن الكثير من المؤسسات والمرافق الحكومية العامة والخاصة تضررت بشدة خلال سيطرة «الدعم السريع» على المدينة.

ورغم استرداد الجيش السوداني ود مدني، فإن «قوات الدعم السريع» لا تزال تنتشر بكثافة في البلدات والقرى المحيطة بها.