«الحرائق في مصر»... وقائع مُتكررة تُثير تساؤلات

«بناية الإسكندرية» الأحدث

آثار حريق «استوديو الأهرام» في مصر الشهر الماضي (مجلس الوزراء المصري)
آثار حريق «استوديو الأهرام» في مصر الشهر الماضي (مجلس الوزراء المصري)
TT

«الحرائق في مصر»... وقائع مُتكررة تُثير تساؤلات

آثار حريق «استوديو الأهرام» في مصر الشهر الماضي (مجلس الوزراء المصري)
آثار حريق «استوديو الأهرام» في مصر الشهر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

أعاد حريق بناية سكنية في الإسكندرية، مساء الخميس، وقبله حريق في إطارات قطار بالقاهرة، التساؤلات مجدداً عن طبيعة الحرائق التي تتكرر في البلاد خلال الآونة الأخيرة، خصوصاً بعدما ربط بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بين هذه الحرائق المتكررة وأهداف سياسية، رغم أن هذه الحرائق لم تُسفر عن أي خسائر بشرية، وتأثيرها كان محدوداً للغاية.

وأبرزت وسائل إعلام محلية أخيراً أخبار الحرائق في مصر بشكل ملحوظ، لتعيد الحديث عن الحرائق، كما رصدت بشكل كبير بعض الحرائق الكبرى على غرار احتراق ديكور الحارة الشعبية في «استوديو الأهرام» الشهر الماضي. ويرى بعض الخبراء أن «تسليط الضوء إعلامياً على حوادث الحرائق حتى لو كانت صغيرة يلعب دوراً في خلق شعور عام بأن الحرائق متزايدة». وأكد الخبراء أن «ما رُصد خلال الفترة الأخيرة من حوادث حرائق أقل من المعدلات الطبيعية». لكنهم انتقدوا «عدم الالتزام بإجراءات الأمن الصناعي المختلفة التي يتوجب تطبيقها».

وشهدت مصر «أكثر من 124 حريقاً في المتوسط اليومي خلال عام 2023»، تراجعاً من متوسط حرائق يومي بلغ أكثر من 139 حريقاً في عام 2020، وفق إحصاءات «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» بمصر، الذي أكد في تقرير رسمي، مطلع العام الحالي، «تراجع معدلات الحرائق في مصر من 51963 حريقاً عام 2020 إلى 45345 حريقاً عام 2023، وبنسبة انخفاض عن عام 2022 الذي شهد اندلاع 49341 حريقاً بلغت نحو 7.9 في المائة».

وانتقل الحديث عن الحرائق في مصر إلى «السوشيال ميديا» خلال الأيام الماضية، حيث شهدت منصات التواصل الاجتماعي سجالات ومناقشات حول أسباب تعدد الحرائق، كما تصدرت هاشتاغات الحرائق «الترند» على منصة «إكس» عدة مرات منذ منتصف الشهر الماضي.

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال تفقد موقع حريق «استوديو الأهرام» الشهر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

وتباينت الآراء في «المناقشات السوشيالية» ما بين التساؤل حول أسباب تعدد الحرائق، واتهامات البعض لتنظيم «الإخوان» المصنف من قبل السلطات المصرية «إرهابياً» بـ«التسبب في الحرائق أو تداولها بشكل مفتعل على منصات التواصل لإرباك المشهد السياسي في البلاد»، فضلاً عن فريق ظهر على «السوشيال ميديا»، وأسند للحكومة المصرية «افتعال الحرائق».

وتساءل حساب باسم «أمان» عبر «إكس»، عن سبب وجود هذا الكم من الحرائق في التوقيت نفسه.

https://x.com/aman1279915/status/1778412135992737884

وتحدث حساب باسم «الشريف السيد» عن «سر الحرائق بكثرة»، مرجحاً إمكانية مسؤولية «الإخوان» عن «إشعال الحرائق بهدف إحداث بلبلبة ونشر الفوضى».

https://twitter.com/AlsherifAl75362/status/1777432370125193264

بينما عزا حساب باسم «رامي» تصدر الحديث عن الحرائق في مصر إلى «اهتمام وسائل الإعلام بالنشر عنها بشكل متكرر».

مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق للحماية المدنية، علاء عبد الظاهر، قال لـ«الشرق الأوسط» إن أعداد الحرائق في مصر تشهد تراجعاً متزايداً عاماً بعد الآخر بسبب المعالجة المستمرة لأسباب تكرار الحرائق، مشيراً إلى أن «ما رُصد حتى الآن أقل من المعدلات الطبيعية». وأضاف أن «تسليط الضوء إعلامياً على حوادث الحرائق، حتى لو كانت صغيرة يلعب دوراً في خلق شعور عام بأن الحرائق متزايدة»، لكن بالعودة لرصد معدلات الحرائق وطبيعتها «فسنجد أن هناك تراجعاً ملحوظاً، ليس فقط في أعداد الحرائق؛ لكن أيضاً في حجمها مع وجود بعض الاستثناءات».

عبد الظاهر انتقد في السياق «عدم الالتزام بإجراءات الأمن الصناعي المختلفة التي يتوجب تطبيقها، خصوصاً في ظل غياب مراجعة إجراءات تشغيلها وصيانتها الدورية بما يضمن عملها بشكل كامل وسليم عند الاحتياج الطارئ إليها»، لافتاً إلى أن «الإجراءات حال تطبيقها ستؤدي للحد من الخسائر بشكل كبير».

كما أرجع الخبير الإعلامي في مصر، خالد البرماوي تركيز وسائل الإعلام على إبراز حوادث الحرائق إلى وجود رواج لها عبر «السوشيال ميديا»، خصوصاً مع حدوثها في فترات متقاربة وبأماكن مشهورة في القاهرة والإسكندرية. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «التغطية الإعلامية القائمة على القواعد المهنية، لا بد أن ترتكز على متابعة الحادث وفق مدى ضخامته، والخسائر التي تسبب فيها ومناقشة أسبابه وغيرها من الأمور»، لافتاً إلى أن الفترة الحالية تشهد اهتماماً بنشر أخبار الحرائق اعتماداً على «الرواج السوشيالي» وهو نفسه ما تكرر في أوقات سابقة عبر تداول قضايا عدة على غرار «التحرش».

رسم بياني يوضح تراجع أعداد الحرائق في مصر (الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء)

ووفق الأستاذ المساعد بقسم العلاقات العامة والإعلان في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، أحمد عبد السلام، فإن «تسليط الضوء إعلامياً على الحرائق يدفع الجمهور إلى اعتقاد أن هناك زيادة على المعدلات الطبيعية خاصة مع غياب المعالجة الموضوعية للحوادث الفردية». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن هناك ما يمكن أن نطلق عليه «عدوى النشر» بين وسائل الإعلام المختلفة، التي تسارع للتفاعل مع مثل هذه الأخبار وإبرازها بشكل يمكن أن يؤدي لتفسيرات وقناعات خاطئة لدى الجمهور العادي.

في سياق ذلك، تحفظ مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، محمد عبد القادر، على «بعض المبالغات التي تنشر في الإعلام عن الحرائق»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «سرعة التعامل مع بعضها بصورة عاجلة يجعلها محدودة التأثير، ومن ثم لا تستحق الضجيج حولها».

وتصدرت «النيران الصناعية» على غرار أعقاب السجائر والمواد المشتعلة إلى جانب الماس الكهربائي، مسببات الحرائق بمصر بنسبة 49.6 في المائة، وفق «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء».

ويلفت عبد الظاهر إلى أن «تطبيق اشتراطات الكود المصري للوقاية من الحرائق في السنوات الماضية ساهم في الحد من أعداد الحرائق الكبيرة وسرعة التعامل معها»، لكن عبد القادر يؤكد «ضرورة التوسع في استقدام معدات الإطفاء الأكثر تطوراً بما يؤدي للحد من الخسائر، خاصة مع عدم كفاية إجراءات الأمن الصناعي في بعض الأحيان».


مقالات ذات صلة

توافق مصري - نرويجي على «حل الدولتين» ووقف إطلاق النار بغزة

شمال افريقيا استقبال رئيس وزراء النرويج للرئيس المصري في أوسلو  (الرئاسة المصرية)

توافق مصري - نرويجي على «حل الدولتين» ووقف إطلاق النار بغزة

أعربت مصر والنرويج عن «قلقهما البالغ إزاء الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك المعاناة الهائلة للمدنيين والاحتياجات الإنسانية الماسة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا محادثات بدر عبد العاطي في تشاد (الخارجية المصرية)

مصر تؤكد دعمها تشاد في مكافحة «الإرهاب والتطرف»

أكدت مصر حرصها على دعم تشاد في مكافحة «الإرهاب» والتطرف

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مقر جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

«الجامعة العربية» تحذر من «إشعال الفتنة» في سوريا

حذرت جامعة الدول العربية، الخميس، من «إشعال فتنة» في سوريا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اجتماع رئيس الوزراء المصري مع عدد من المستثمرين (مجلس الوزراء)

تحويلات المصريين بالخارج تصل إلى أعلى مستوياتها

شهدت تحويلات المصريين العاملين بالخارج «ارتفاعاً قياسياً» أخيراً، وسط تأكيدات مسؤولين مصريين أن ذلك جاء في ظل «تحرير» سعر صرف الجنيه.

محمد عجم (القاهرة )
شمال افريقيا مطار الغردقة الدولي (موقع وزارة الطيران المدني المصرية)

مصر تعوّل على القطاع الخاص في تحسين الخدمات بالمطارات

تُعوّل الحكومة المصرية على «القطاع الخاص» لإدارة وتشغيل المطارات المصرية، سعياً لـ«تحسين جودة الخدمات» الجوية في حركة النقل الجوي.

أحمد إمبابي (القاهرة)

تلميحات الدبيبة بـ«غياب الرقابة» تلاحق «إعادة الإعمار» بشرق ليبيا

أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
TT

تلميحات الدبيبة بـ«غياب الرقابة» تلاحق «إعادة الإعمار» بشرق ليبيا

أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)

دأب رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، على التلميح إلى غياب «الرقابة والشفافية» عن مشروعات إعادة الإعمار بشرق البلاد، التي يديرها «صندوق» يشرف عليه بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر، قائد «الجيش الوطني».

وقال الدبيبة أكثر من مرة، إن أجهزة «تبني مشروعات في بعض مدن ليبيا دون أن تمر على الأجهزة الرقابية»، وهو ما عدّه محللون إشارة ضمنية إلى مشروعات إعمار شرق ليبيا. وسبق ذلك تصريح آخر للدبيبة ضمن فعاليات أقيمت في 9 ديسمبر (كانون الأول)، قدر فيه حجم الإنفاق في هذه المشروعات بأكثر من 40 مليار دينار خلال العام الحالي (الدولار يساوي 4.91 دينار).

وفي حين تجنب الدبيبة توجيه اتهامات مباشرة للصندوق والقائمين عليه، آثر الحديث عما «خصص لإحدى الجهات، غير الخاضعة للرقابة، في دفعة واحدة، ما يتجاوز ميزانية التنمية في ليبيا لأكثر من 4 سنوات». ويأتي حديث الدبيبة في أجواء تتصاعد فيها الاتهامات بـ«الفساد» بين جبهتي شرق ليبيا وغربها.

في هذا السياق، عدّ أستاذ القانون بجامعة طرابلس، فرج حمودة، عدم إخضاع «جهاز الإعمار» في شرق ليبيا لأجهزة الرقابة، «تصرفاً خارج نطاق القانون؛ حتى إن صدر عن جهة تشريعية»، متسائلاً عن سبب عدم اللجوء إلى القضاء الدستوري.

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي «الوحدة الوطنية» في طرابلس، والأخرى مكلَّفة من مجلس النواب، وتدير المنطقة الشرقية وأجزاء من الجنوب، ويقودها أسامة حمّاد.

ويترأس بلقاسم حفتر «صندوق إعمار ليبيا» منذ بداية عام 2024، بتكليف من مجلس النواب الذي مُنح امتيازات واسعة، وفق قانون سنّه البرلمان يستثني كل الإجراءات، والتعاقدات من الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة؛ وهما أرفع جهازين رقابيين سياديين في ليبيا.

بلقاسم حفتر يتفقد مشروعات يشرف عليها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)

ويتمسك فرج حمودة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بالقول إن الأجهزة الرقابية تفرض رقابة سابقة ولاحقة على هذه المشروعات، حفاظاً على المال العام، محذراً مما يعتقد أنه «باب مفتوح على مصراعيه لمزيد من التجاوزات المالية، خصوصاً مع الإنفاق عالي التكلفة».

ولا توجد أرقام مفصلة لميزانية إعادة إعمار المنطقة الشرقية، التي ينفذها «الصندوق» بتعاون مع شركات عربية وأجنبية، لكن التكلفة الاستثمارية بلغت نحو 950 مليون دولار خلال الفترة الممتدة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر (أيلول) الماضيين، وفق آخر أرقام مصرف ليبيا المركزي.

وفي مقابل ما ذهب إليه حمودة، يعتقد المحلل الاقتصادي الليبي، علي الصلح، أن إنشاء صندوق إعمار ليبيا «جاء متماشياً مع متطلبات المرحلة واحتياجات المواطنين، وفي ظل منافسة باتت واضحة، في مقارنة ما يبدو مع مشروعات تنفذها حكومة الدبيبة في العاصمة».

ورغم أن الصلح يقر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «إصدار قانون خاص للصندوق واستثناءه من الرقابة أصبحا محل جدل»، إلا أنه «تخلص من قيود ومراجعات قد تكون دون جدوى، وسرّع وتيرة جهود البناء والإعمار، بما لقي ارتياح المواطنين»، وفق اعتقاده.

وذهب الصلح إلى القول إن أهمية «تحديد حجم نفقات المال العام وغرضها يأتيان أولوية قبل الرقابة، دون مساءلة ومحاسبة حقيقيتين»، متسائلاً في المقابل عما رآها «نفقات عامة لحكومة (الوحدة) لا تخضع لمعايير واضحة».

صورة توضح حجم الدمار الذي تعرضت له أحياء درنة جراء الإعصار (أ.ف.ب)

ومؤخراً، ذكرت وكالة التحقيق الأميركية «سنتري» أن تكلفة إعادة الإعمار أثقلت كاهل الميزانية العامة، مما تسبب في أزمة لمصرف ليبيا المركزي.

لكن، وعلى نحو أبعد من الحديث عن الأرقام والشفافية، تبدو «المناكفة» تفسيراً مرجحاً لتلميحات الدبيبة، وفق عضو المجلس الأعلى للدولة، بلقاسم قزيط، الذي أشار إلى «غياب تام للرقابة والشفافية في ليبيا».

ويبدو أن الهدف من هذه التلميحات، حسب تصريح قزيط لـ«الشرق الأوسط»، هو «حشد خصوم حفتر في غرب البلاد»، متوقعاً «تبخر هذه الاتهامات حال إتمام صفقة توحيد». كما تحدث عما قال إنه «تواصل لم ينقطع بين رئيس حكومة (الوحدة) وقائد الجيش الوطني وصفقات أنجزت بينهما».

ومن بين عدة مدن بشرق ليبيا، كانت مدينة درنة هي الأكثر في تكبد فاتورة الخسائر البشرية والمادية جراء فيضانات سبتمبر 2023، إذ اختفت أحياء بكاملها، ودمرت مدارس وأسواق وبنيات تحتية عامة؛ إلى جانب آلاف الوفيات، ونزوح آلاف آخرين من منازلهم.

لكن درنة شهدت مؤخراً افتتاح عدد من المشروعات، التي يشرف عليها «صندوق إعادة إعمار ليبيا»، من بينها «جسر وادي الناقة»، ومقرّ مديرية أمن درنة، بالإضافة إلى مسجد الصحابة.