السودان: الكباشي والعطا... صراع نفوذ أم تبادل أدوار؟

تباين في تفسير تضارب المواقف بين الرجلين

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا في أم درمان (الجيش السوداني)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا في أم درمان (الجيش السوداني)
TT

السودان: الكباشي والعطا... صراع نفوذ أم تبادل أدوار؟

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا في أم درمان (الجيش السوداني)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا في أم درمان (الجيش السوداني)

أدلى كل من نائب القائد العام للجيش السوداني، الفريق أول شمس الدين كباشي، ومساعده الفريق أول ياسر العطا، بتصريحات متضاربة تتعلق بالمقاومة الشعبية، والموقف من التفاوض من أجل وقف الحرب، بدت لكثير من المراقبين كأنها «إشارة» إلى وجود «صراع» أو تباين في الرؤى بين الرجلين، لا يقتصر عليهما، بل عده البعض صراعاً داخل قيادة الجيش، فيما يراه آخرون «تبادل أدوار»، أو شكلين من الخطاب، أحدهما موجه للداخل والآخر للخارج.

خلاف المقاومة الشعبية

وكان الفريق أول الكباشي قد حذر في خطاب أمام عسكريين في مدينة «القضارف»، مما أطلق عليه «خطر» عمل «المقاومة الشعبية المسلحة» خارج إمرة القوات المسلحة، وندد باستغلال الأحزاب السياسية لمعسكرات الجيش، ورفع شعاراتها، وهو ما عدّه البعض حديثاً موجهاً لـ«الإسلاميين» الذين ينشطون في التعبئة الشعبية لصالح الجيش داخل المقرات العسكرية.

وبعد ذلك بثلاثة أيام، دعا العطا إلى التوقف عما سمّاه اتهام الجيش بالتحالف مع مؤيدي النظام السابق من الإسلاميين، مبدياً ترحيبه بكل من يقاتل في صفوف الجيش، وطالب بانتخاب لجان المقاومة الشعبية ابتداء من الأحياء، لتقاتل مع الجيش، وفوضها العمل في القضايا الإنسانية، وحماية الشعب مما سمّاه «العمالة والارتزاق».

شمس الدين كباشي خلال حفل تخرج مقاتلين جدد في مدينة القضارف 28 مارس (أ.ف.ب)

وتم تأسيس «المقاومة الشعبية» إثر استيلاء «قوات الدعم السريع» على ولاية الجزيرة وسط البلاد، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، استجابة لدعوات من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان موجهة للمدنيين للتسلح وحماية مناطقهم من «قوات الدعم السريع» التي استولت على عدد من ولايات البلاد، ومارست ما وصف بأنه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في المناطق التي سيطرت عليها، بما في ذلك القتل والنهب والاغتصاب وترويع السكان.

وأثارت تصريحات الرجلين، التي بدت «متضاربة»، بل تحمل نفَساً صراعياً بين الرجلين، تعليقات عدة.

فقد عدّها دعاة وقف الحرب مؤشراً قوياً على وجود صراع في قيادة الجيش حول الموقف من الحرب والسلام، ورأوا تصريحات الكباشي توجهاً لوقف الحرب عبر التفاوض، وربطوا ذلك بأن الرجل عقب خروجه من الحصار داخل القيادة العامة للجيش أعلن عودة فريقه إلى التفاوض في منبر جدة، إضافة إلى أنه توصل لمشروع اتفاق مع نائب قائد «قوات الدعم السريع» في العاصمة البحرينية المنامة، بوساطة رباعية، سعودية أميركية إماراتية مصرية.

اللواء إسماعيل: صراع مصالح

وفي تفسيره لما بدا صراعاً داخل قيادة الجيش السوداني، قال اللواء المتقاعد كمال إسماعيل لـ«الشرق الأوسط»، إن ما حدث من تراشق بين الرجلين هو «صراع مصالح»؛ لأن الجيوش لا يوجد فيها مجال لرؤى عسكرية مختلفة، و«المؤسسة العسكرية ليست حزباً أو نقابة لتأخذ رأي شخص». وتابع: «هذه مواقف شخصية وصراع حقيقي على النفوذ والسلطة بين الرجلين، ومن يظن أنه تبادل أدوار فهو واهم»، معتبراً ذلك صراعاً على المركز الأول في السلطة بقوله: «أي ضابط، حين يدخل الكلية الحربية، يكون هدفه الأساسي أن يكون القائد العام، وهو طموح مشروع، لكن الطموح السياسي غير مشروع».

ياسر عرمان: الهدف القضاء على الثورة

لكن القيادي في «الحركة الشعبية لتحرير السودان - التيار الثوري»، ياسر عرمان، كان له رأي مخالف. فهو يقول في مقال نشره على منصات التواصل الاجتماعي، إن الرجلين، وطوال فترة ما بعد الثورة، اعتادا على «الحديث بأكثر من لسان، ويظل هدفهما الثابت هو القضاء على الثورة وشعاراتها، وأحياناً وراثة البرهان، وامتلاك مصادر القوة داخل الجيش، والتباري لكسب ود الإسلاميين أو المجتمع الإقليمي والدولي أحياناً».

ياسر عرمان القيادي في «الحرية والتغيير» (الشرق الأوسط)

وشكك عرمان في وجود خلاف حقيقي بين الرجلين، مرجحاً أن يكون مجرد تبادل أدوار، وحذر من تأثيراته على استمرار الحرب بقوله: «إذا كان الخلاف حقيقياً، وهو أمر مشكوك فيه، فإنه سيزيد من أوار الحرب ويفرخ المزيد من أمرائها».

المؤتمر السوداني: خلاف عميق

بدوره، قال المتحدث السياسي لحزب «المؤتمر السوداني»، والقيادي في «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، شريف محمد عثمان، لـ«الشرق الأوسط»، إن ما ظهر من تباين بين الفريق أول كباشي والفريق أول العطا، يجسد خلافاً عميقاً على قضايا قد تحدد مصير السودان. وتابع: «القضية موضوع الخلاف بين الرجلين تتعلق بالسلاح الموزع دون ضوابط، والجهات المسؤولة عنه، والسيطرة عليه، وهي قضايا ليست سهلة». وأضاف: «قضية الخلاف على التسليح ووصوله للعلن تكشف عن خلافات عميقة داخل قيادة الجيش».

ودعا شريف الطرفين لإدارة الخلافات بالنقاش الداخلي، بقوله: «نحن حريصون على قضية إنهاء الحرب، وهي تتطلب تماسك الأطراف المتحاربة، وحدوث أي شروخ أو انقسامات داخلها تهدد فرص الوصول لسلام». واستطرد: «نحن ندرك أجندات الإخوان المسلمين والمؤتمر الوطني (حزب الرئيس السابق المنحل) وعناصر النظام البائد التي تحاول صناعة ذراع مسلحة خاصة بها عن طريق تنظيمات المقاومة الشعبية، وهذا أمر يجب أن تتصدى له قيادة القوات المسلحة؛ لأنه سيقود السودان إلى التقسيم، وإلى ولادة ميليشيا جديدة تحارب الدولة مرة أخرى».


مقالات ذات صلة

السعودية تدعو المجتمع الدولي للتحرك لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الخليج الأمير فيصل بن فرحان خلال مشاركته بالجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع في إيطاليا (واس)

السعودية تدعو المجتمع الدولي للتحرك لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

شددت السعودية، الاثنين، خلال الجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع (G7)، على ضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان.

«الشرق الأوسط» (فيوجي)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

البرهان يسمح للمنظمات الإغاثية باستخدام 3 مطارات لتخزين مواد الإغاثة

وجه رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، بالسماح لمنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة باستخدام 3 مطارات بوصفها مراكز لتخزين مواد الإغاثة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

توعدت «الدعم السريع» بمواصلة «العمليات الخاصة النوعية»، لتشمل «جميع المواقع العسكرية لميليشيات البرهان والحركة الإسلامية الإرهابية»، واعتبارها أهدافاً بمتناولها

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من «قوات الدعم السريع»

أعلن الجيش السوداني، اليوم السبت، «تحرير» مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، من عناصر «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

الجزائر: تبون يهاجم فترة حكم بوتفليقة في ملف «محاسبة المسيرين النزهاء»

تبون يلقي خطاباً أمام القضاة (الرئاسة)
تبون يلقي خطاباً أمام القضاة (الرئاسة)
TT

الجزائر: تبون يهاجم فترة حكم بوتفليقة في ملف «محاسبة المسيرين النزهاء»

تبون يلقي خطاباً أمام القضاة (الرئاسة)
تبون يلقي خطاباً أمام القضاة (الرئاسة)

هاجم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وجهاء النظام من فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، من دون تسمية أحدهم، قائلاً إن «العصابة وأبواقها سممت الأوضاع على المسيرين النزهاء في الجزائر».

وكان الرئيس يتحدث إلى جمع من القضاة ورجال القانون، الاثنين، بمقر «المحكمة العليا» بالعاصمة، بمناسبة بدء «السنة القضائية»، حيث أكد أن «الجزائر استكملت بناء منظومة قضائية جمهورية، مُحصّنة بثقة الشعب»، في إشارة إلى مؤسسات جديدة جاء بها دستور سنة 2020، تتمثل أساساً في «المحكمة الدستورية» التي استخلفت «المجلس الدستوري»، وهي أعلى هيئة قضائية مكلفة بدارسة مدى مطابقة القوانين مع الدستور.

تبون أثناء خطابه في المحكمة العليا (الرئاسة)

وعندما أشار إلى «العصابة» و«المسيرين النزهاء»، فهو يقصد سجن عشرات الكوادر في الشركات والأجهزة الحكومية، بتهم «اختلاس مال عام»، و«استعمال النفوذ بغرض التربح غير المشروع»، وبأن ذلك تم بسبب «مؤامرات ودسائس»، كان وراءها مسؤولون في الحكم، بينما هم بريئون من هذه التهم، في تقدير الرئيس.

وأكد تبون بهذا الخصوص: «منذ سريان الدستور الجديد، تعززت مكانة العدالة وتجذرت بأحكامه استقلالية القضاء».

ويشار إلى أن كثيراً من المحامين والمنظمات الحقوقية، ترى عكس ما يقول تبون، فغالباً ما احتجت على «خضوع القضاة لإملاءات فوقية»، بشأن معالجة ملفات فساد وملاحقة مسؤولين بارزين من فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999 - 2019). زيادة على التنديد بسجن نحو 200 ناشط من الحراك الشعبي، فهم في نظرهم سجناء رأي، بينما تبون نفسه يرفض التسليم لهم بهذه الصفة، وبأن التهم التي وجهتها لهم النيابة ليست سياسية، كما تقول أحزاب المعارضة.

وبحسب تبون، فإن «مؤسسات الجمهورية قوية بالنساء والرجال المخلصين النزهاء، ومنهم أنتم السادة القضاة... فلكم مني أفضل تحية». وأضاف: «يمكنني التحدث باطمئنان عن الخطوات التي قطعناها، لاستعادة ثقة الدولة وتوطيد مقتضيات الحوكمة».

الرئيس أثناء إطلاقه السنة القضائية الجديدة (الرئاسة)

ويأتي حديث تبون عن أداء القضاء، في سياق جدل حول إطلاق متابعة قضائية ضد الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، بتهمة «سرقة قصة» امرأة جزائرية من ضحايا الإرهاب، وإسقاطها في روايته «حوريات» التي نال بها جائزة «غونكور» الفرنسية المرموقة.

وتناول تبون في خطابه، نصوصاً تشريعية كثيرة صدرت هذا العام، عددها 12، وأبرزها تعديل قانون العقوبات، فقال إنه «جسّد وعوده التي تعهد بها أمام الشعب بخصوص أخلقة الحياة العامة، ومكافحة الفساد والانحرافات بلا هوادة»، مشيداً «بالتزام المنتسبين لقطاع العدالة وبحرصهم على أداء الواجب الأخلاقي والمهني، وإدراكهم للأمانة الملقاة عليهم في سبيل إرساء دولة القانون».

ووفق تبون، فقد بذلت الحكومة «جهوداً من أجل تحديث ورقمنة قطاع العدالة»، وأن ذلك تجلى، حسبه، في «حسن مستوى الأداء، وتجاوز الأساليب التقليدية البيروقراطية... ويحذوني اليقين بمزيد من الإنجازات في قطاع العدالة بالفترة المقبلة، وبخاصة في مجالي التحديث والرقمنة». وتابع أنه يتعهد «بحل كل المشاكل الاجتماعية والشخصية والعائلية للقضاة، ليؤدوا مهامهم النبيلة على أكمل وجه».

وتطرق تبون إلى مذكرات الاعتقال التي أصدرتها حديثاً، المحكمة الجنائية الدولية، ضد مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، بناء على تهم تخص الجرائم التي ارتكبوها في غزة، مؤكداً أن «نداء الجزائر سمع من طرف قتلة الشعب الفلسطيني... فالشكر لهؤلاء الرجال النزهاء عبر العالم، ومنهم إخواننا في جنوب أفريقيا».