السودان: إدانات لانتهاكات «الدعم السريع» في الجزيرة

قتل وتهجير قسري لسكان القرى في الولاية

وحدة من «قوات الدعم السريع» السودانية (أرشيفية - أ.ف.ب)
وحدة من «قوات الدعم السريع» السودانية (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

السودان: إدانات لانتهاكات «الدعم السريع» في الجزيرة

وحدة من «قوات الدعم السريع» السودانية (أرشيفية - أ.ف.ب)
وحدة من «قوات الدعم السريع» السودانية (أرشيفية - أ.ف.ب)

نددت قوى مدنية وسياسية في السودان بما وصفتها بالانتهاكات المروعة لقوات «الدعم السريع»، ضد سكان بلدات وقرى ولاية الجزيرة (وسط السودان)، التي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، كما دفعت عشرات الآلاف من المواطنين إلى النزوح والتهجير القسري من مناطقهم.

وقالت مبادرة «نداء الجزيرة» إن قوات «الدعم السريع» هاجمت الجمعة، بلدة أبوأمنة، ما أدى إلى مقتل 11 شخصاً وإصابة 16 آخرين حالاتهم متفاوتة، وفق إحصائية أولية تحصلت عليها.

ووفق «نداء الجزيرة»، لا تزال القرى والبلدات تواجه تهديدات بالاقتحام من «الدعم السريع»، ما يؤشر إلى أن الأيام المقبلة ستشهد سقوط ضحايا وسط المدنيين.

ووصلت الأحوال الإنسانية في ولاية الجزيرة إلى مرحلة سيئة، بسبب نقص الغذاء والمياه جراء انقطاع الكهرباء وخدمات الاتصالات والإنترنت لأكثر من شهرين.

وقالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط»: «لا توجد مناطق آمنة داخل الجزيرة يمكن أن يلجأ إليها»، وعلى الرغم من ذلك، تفر مئات العائلات من منازلها.

وقال مقيمون في قرى الجزيرة: «يتعرض سكان الريف والغالبية العظمى من المزارعين والرعاة إلى نهب وسرقة ممتلكاتهم من الأموال والسيارات، وحالياً تسرق المحاصيل الزراعية (الذرة والقمح) الغذاء الأساسي، وقريباً سيفقدون الدقيق والمياه».

سودانيون فارون من مناطق الاقتتال يفطرون في مخيم للنازحين (أرشيفية - أ.ف.ب)

وتوسعت «الدعم السريع» في شن هجماتها البرية على القرى والبلدات، ما أدى إلى نزوح الآلاف من مناطقهم ويتكدسون الآن في الخلاء.

والأسبوع الماضي، أعلنت «الدعم السريع» عن تشكيل إدارة مدنية في ولاية الجزيرة التي تسيطر عليها منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتفيد لجان مقاومة وجماعات محلية بأن انتهاكات «الدعم السريع» طالت أكثر من 170 بلدة كبيرة وصغيرة تقع في حدود ولاية الجزيرة، جرت خلالها أعمال قتل وإصابات وسط المدنيين العزل.

ولا تقتصر معاناة سكان الولاية الوسطية على الفظائع والانتهاكات ونقص الغذاء، وإنما يواجهون أزمة حادة في نقص مياه الشرب بسبب تعطل محطات الضخ لانقطاع الإمداد الكهربائي.

ويضاعف انقطاع الاتصالات الهاتفية والإنترنت الذي قارب على الشهرين، من معاناة المواطنين في التواصل مع المناطق المحيطة للحصول على الغذاء والمياه.

وقال حزب «المؤتمر السوداني»، السبت، في بيان: «يتعرض المدنيون والمدنيات العزل في إقليم الجزيرة إلى أصناف متنوعة من الجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الممنهجة»، منذ سيطرة قوات «الدعم السريع» على الولاية وعاصمتها ود مدني.

سودانية في مخيم للنازحين الفارين من أماكن القتال (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأضاف «المؤتمر» أن التقارير الواردة والإفادات الموثوقة والمقلقة تشير إلى استباحة كاملة للقرى، وتهجير قاطنيها وإزهاق أرواح عدد من الأبرياء والإخفاء القسري.

وأدان «المؤتمر السوداني» ما سماه جرائم قوات «الدعم السريع» في الجزيرة وعلى تخوم ولاية سنار، وقال: «نحملها كامل المسؤولية عنها، ونطالبها بالتوقف فوراً عن ارتكاب مزيد من الجرائم بحق المدنيين العزل».

وقال «محامو الطوارئ» (هيئة قانونية) إن مجموعات تتبع لـ«قوات الدعم السريع»، اغتالت خلال الأيام الماضية، العشرات من المدنيين العزل في هجمات على قرى الجزيرة.

وأضافوا: «فر مئات المدنيين من قرى محليتي الحصاحيصا وجنوب الجزيرة على أثر تصاعد انتهاكات (الدعم السريع)، خصوصاً المرتبطة بالعنف الجنسي والاحتجاز غير المشروع».

وتابعوا في بيان: «نود أن نلفت انتباه العالم لحجم المأساة والكارثة التي يتعرض لها سكان الجزيرة بالاعتداء على المدنيين وقتلهم وتهجيرهم قسرياً»، مشيرين إلى أن القانون الدولي يحظر بشكل صريح أعمال النهب والسلب التي تستهدف المدنيين وممتلكاتهم في حالات النزاع المسلح.

بدورها، قالت لجان المقاومة في «مدني والحصاحيصا»، إن حملة شرسة وممنهجة شنتها «ميليشيا الدعم السريع» مارست فيها لأسابيع القتل والنهب، ما أسفر عن وقوع عشرات القتلى وأعداد كبيرة من المصابين.

وأفادت اللجان بأن هذه الجرائم تقع أمام مرأى ومسمع قوات الجيش السوداني وضباطه الذين لم يحركوا ساكناً للدفاع عن الجزيرة وأهلها منذ انسحاب الجيش منها قبل 3 أشهر.

وأعلن القيادي بـ«تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم) خالد عمر يوسف، ازدياد الانتهاكات المروعة التي يتعرض لها المدنيون العزل في الجزيرة على يد «قوات الدعم السريع» بصورة بشعة، مضيفاً أن كل أشكال التنكيل من قتل وسلب ونهب جرائم مدانة بشدة، ويجب أن تتوقف فوراً، وألا تمر دون حساب أو عقاب.

ودعا في منشور على حسابه بمنصة «إكس»، إلى وقف الحرب دون تأخير، وخروج كل القوات المقاتلة من المناطق المدنية، في ظل وجود آليات رقابة حقيقية ملزمة.

ووثقت تجمعات أهلية بالجزيرة مقتل أكثر من 100 شخص في هجمات «الدعم السريع» في بلدات الولاية.

وسيطرت «الدعم السريع» على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في 19 ديسمبر العام الماضي، التي كانت تعد المركز الرئيسي للعمليات الإنسانية لوكالات الأمم المتحدة.


مقالات ذات صلة

مستشار حميدتي لـ«الشرق الأوسط»: ندعم حكومة «موازية» عاصمتها الخرطوم

خاص محمد حمدان دقلو «حميدتي» (الشرق الأوسط)

مستشار حميدتي لـ«الشرق الأوسط»: ندعم حكومة «موازية» عاصمتها الخرطوم

أكد مستشار قائد «قوات الدعم السريع»، إبراهيم مخير، أنهم سيدعمون الأطراف السياسية والمدنية في سعيها لتشكيل حكومة «موازية» في السودان، عاصمتها الخرطوم.

وجدان طلحة (بورتسودان)
خاص فارون من المعارك ينقلون بشاحنات من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان إلى رصيف لمواصلة رحلتهم إلى وجهتهم التالية (د.ب.أ)

خاص السودان في 25 عاماً... حرب تلد حروباً

رغم أن الحرب الحالية في السودان هي حرب بين جيشين «نظاميين»، لكن جذورها تتصل «بمتلازمة التهميش وعدم الاعتراف بالتنوع».

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا السودان التزم بتقديم جميع التسهيلات المعنية «بانسياب تدفق المساعدات الإنسانية» (وسائل إعلام سودانية)

وصول أولى المساعدات الإنسانية إلى الخرطوم

وصلت شاحنات محملة بالمساعدات الإنسانية إلى جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، للمرة الأولى بعد 21 شهراً من اندلاع الحرب في البلاد بين الجيش و«قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)

نائب حمدوك يؤكد تمسكهم بتشكيل حكومة «موازية»

أعلن نائب رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، الهادي إدريس، تمسكه بتشكيل «حكومة مدنية» في السودان.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا مشاهد الدمار في أحد أحياء أم درمان بالسودان في أغسطس الماضي (د.ب.أ)

مقتل 10 جنود سودانيين في هجوم بالمسيّرات على قاعدة عسكرية

لقي 10 جنود من الجيش السوداني في هجوم بطائرات مسيّرة شنته قوات «الدعم السريع» على قاعدة عسكرية بمدينة شندي (شمال) في توسع بنطاق استخدام المسيّرات الانتحارية

محمد أمين ياسين (نيروبي)

تلميحات الدبيبة بـ«غياب الرقابة» تلاحق «إعادة الإعمار» بشرق ليبيا

أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
TT

تلميحات الدبيبة بـ«غياب الرقابة» تلاحق «إعادة الإعمار» بشرق ليبيا

أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)

دأب رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، على التلميح إلى غياب «الرقابة والشفافية» عن مشروعات إعادة الإعمار بشرق البلاد، التي يديرها «صندوق» يشرف عليه بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر، قائد «الجيش الوطني».

وقال الدبيبة أكثر من مرة، إن أجهزة «تبني مشروعات في بعض مدن ليبيا دون أن تمر على الأجهزة الرقابية»، وهو ما عدّه محللون إشارة ضمنية إلى مشروعات إعمار شرق ليبيا. وسبق ذلك تصريح آخر للدبيبة ضمن فعاليات أقيمت في 9 ديسمبر (كانون الأول)، قدر فيه حجم الإنفاق في هذه المشروعات بأكثر من 40 مليار دينار خلال العام الحالي (الدولار يساوي 4.91 دينار).

وفي حين تجنب الدبيبة توجيه اتهامات مباشرة للصندوق والقائمين عليه، آثر الحديث عما «خصص لإحدى الجهات، غير الخاضعة للرقابة، في دفعة واحدة، ما يتجاوز ميزانية التنمية في ليبيا لأكثر من 4 سنوات». ويأتي حديث الدبيبة في أجواء تتصاعد فيها الاتهامات بـ«الفساد» بين جبهتي شرق ليبيا وغربها.

في هذا السياق، عدّ أستاذ القانون بجامعة طرابلس، فرج حمودة، عدم إخضاع «جهاز الإعمار» في شرق ليبيا لأجهزة الرقابة، «تصرفاً خارج نطاق القانون؛ حتى إن صدر عن جهة تشريعية»، متسائلاً عن سبب عدم اللجوء إلى القضاء الدستوري.

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي «الوحدة الوطنية» في طرابلس، والأخرى مكلَّفة من مجلس النواب، وتدير المنطقة الشرقية وأجزاء من الجنوب، ويقودها أسامة حمّاد.

ويترأس بلقاسم حفتر «صندوق إعمار ليبيا» منذ بداية عام 2024، بتكليف من مجلس النواب الذي مُنح امتيازات واسعة، وفق قانون سنّه البرلمان يستثني كل الإجراءات، والتعاقدات من الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة؛ وهما أرفع جهازين رقابيين سياديين في ليبيا.

بلقاسم حفتر يتفقد مشروعات يشرف عليها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)

ويتمسك فرج حمودة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بالقول إن الأجهزة الرقابية تفرض رقابة سابقة ولاحقة على هذه المشروعات، حفاظاً على المال العام، محذراً مما يعتقد أنه «باب مفتوح على مصراعيه لمزيد من التجاوزات المالية، خصوصاً مع الإنفاق عالي التكلفة».

ولا توجد أرقام مفصلة لميزانية إعادة إعمار المنطقة الشرقية، التي ينفذها «الصندوق» بتعاون مع شركات عربية وأجنبية، لكن التكلفة الاستثمارية بلغت نحو 950 مليون دولار خلال الفترة الممتدة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر (أيلول) الماضيين، وفق آخر أرقام مصرف ليبيا المركزي.

وفي مقابل ما ذهب إليه حمودة، يعتقد المحلل الاقتصادي الليبي، علي الصلح، أن إنشاء صندوق إعمار ليبيا «جاء متماشياً مع متطلبات المرحلة واحتياجات المواطنين، وفي ظل منافسة باتت واضحة، في مقارنة ما يبدو مع مشروعات تنفذها حكومة الدبيبة في العاصمة».

ورغم أن الصلح يقر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «إصدار قانون خاص للصندوق واستثناءه من الرقابة أصبحا محل جدل»، إلا أنه «تخلص من قيود ومراجعات قد تكون دون جدوى، وسرّع وتيرة جهود البناء والإعمار، بما لقي ارتياح المواطنين»، وفق اعتقاده.

وذهب الصلح إلى القول إن أهمية «تحديد حجم نفقات المال العام وغرضها يأتيان أولوية قبل الرقابة، دون مساءلة ومحاسبة حقيقيتين»، متسائلاً في المقابل عما رآها «نفقات عامة لحكومة (الوحدة) لا تخضع لمعايير واضحة».

صورة توضح حجم الدمار الذي تعرضت له أحياء درنة جراء الإعصار (أ.ف.ب)

ومؤخراً، ذكرت وكالة التحقيق الأميركية «سنتري» أن تكلفة إعادة الإعمار أثقلت كاهل الميزانية العامة، مما تسبب في أزمة لمصرف ليبيا المركزي.

لكن، وعلى نحو أبعد من الحديث عن الأرقام والشفافية، تبدو «المناكفة» تفسيراً مرجحاً لتلميحات الدبيبة، وفق عضو المجلس الأعلى للدولة، بلقاسم قزيط، الذي أشار إلى «غياب تام للرقابة والشفافية في ليبيا».

ويبدو أن الهدف من هذه التلميحات، حسب تصريح قزيط لـ«الشرق الأوسط»، هو «حشد خصوم حفتر في غرب البلاد»، متوقعاً «تبخر هذه الاتهامات حال إتمام صفقة توحيد». كما تحدث عما قال إنه «تواصل لم ينقطع بين رئيس حكومة (الوحدة) وقائد الجيش الوطني وصفقات أنجزت بينهما».

ومن بين عدة مدن بشرق ليبيا، كانت مدينة درنة هي الأكثر في تكبد فاتورة الخسائر البشرية والمادية جراء فيضانات سبتمبر 2023، إذ اختفت أحياء بكاملها، ودمرت مدارس وأسواق وبنيات تحتية عامة؛ إلى جانب آلاف الوفيات، ونزوح آلاف آخرين من منازلهم.

لكن درنة شهدت مؤخراً افتتاح عدد من المشروعات، التي يشرف عليها «صندوق إعادة إعمار ليبيا»، من بينها «جسر وادي الناقة»، ومقرّ مديرية أمن درنة، بالإضافة إلى مسجد الصحابة.