هل ستتمكن «الوحدة» الليبية من إبعاد الميليشيات عن إدارة المعابر الحدودية؟

بعد أزمة «رأس جدير» التي شهدت اشتباكات عنيفة وخلفت خسائر بالجملة

 معبر «رأس جدير» الحدودي بين ليبيا وتونس (أرشيفية - داخلية الدبيبة)
معبر «رأس جدير» الحدودي بين ليبيا وتونس (أرشيفية - داخلية الدبيبة)
TT

هل ستتمكن «الوحدة» الليبية من إبعاد الميليشيات عن إدارة المعابر الحدودية؟

 معبر «رأس جدير» الحدودي بين ليبيا وتونس (أرشيفية - داخلية الدبيبة)
معبر «رأس جدير» الحدودي بين ليبيا وتونس (أرشيفية - داخلية الدبيبة)

أعادت أزمة معبر «رأس جدير» الحدودي بين ليبيا وتونس إلى واجهة الأحداث باقي المنافذ التابعة اسماً لسلطة الدولة، لكنها تدار غالباً بواسطة تشكيلات مسلحة.

وشهد معبر «رأس جدير»، الأسبوع الماضي، اشتباكات بين قوة تابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، وأخرى مسلحة تابعة للغرفة العسكرية بمدينة زوارة من مكون الأمازيغ، التي تبسط نفوذها على المعبر منذ الإطاحة بالنظام السابق 2011، خلفت عدة جرحى وخسائر مالية كبيرة، ما دفع سلطات طرابلس لإعلان إغلاقه.

ويرى الباحث في مؤسسة «غلوبال أنيشاتيف»، جلال حرشاوي، أن حكومة «الوحدة»، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، «لا تسيطر بشكل كامل على أي معبر حدودي بالمنطقة الغربية».

وكان وزير الداخلية المكلف بحكومة «الوحدة»، عماد الطرابلسي، قد لوح باستخدام القوة المسلحة للسيطرة على معبر «رأس جدير»، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات عدة تتعلق بمآلات الصراع بين قواته وأي تشكيل عسكري جهوي للسيطرة على المعابر الحدودية الواقعة بنطاق سيطرتها.

عماد الطرابلسي وزير الداخلية بحكومة الدبيبة يشرح آخر التطورات بخصوص المعبر الحدودي (أ.ف.ب)

وبخصوص تطور المواجهة حول «رأس جدير»، أوضح حرشاوي لـ«الشرق الأوسط» أن الطرابلسي «لا يملك القوة العسكرية الكافية لهزيمة المجموعات التي تسيطر حالياً على المعبر»، موضحاً أن المجلس العسكري لزوارة «سيقاتل للمحافظة عليه كونه يعد مصلحة استراتيجية حيوية لهم».

وإضافة إلى «رأس جدير»، يوجد معبر «الذهيبة - وزان» بين ليبيا وتونس، وأيضاً «غدامس - الدبداب» الحدودي مع الجزائر.

وكانت السلطات المحلية بمدينة غدامس الليبية، القريبة من المعبر الحدودي مع الجزائر (600 كيلومتر جنوب غربي طرابلس)، قد قامت بعد أيام قليلة من إعادة افتتاح المعبر بشكل رسمي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، برفض وجود قوات مسلحة تابعة لحكومة الدبيبة، متهمين إياها «بإحداث فوضى داخل مدينتهم».

ويرى وزير الداخلية الليبي الأسبق، عاشور شوايل، أن «ميزان القوة العددية والتسليحية سيميل بلا جدال لحكومة الدبيبة في أي مواجهة مسلحة قد تندلع بينها وبين أي تشكيل مسلح جهوي». وحذر شوايل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من «خطورة الدخول بأي مواجهات مسلحة»، متوقعاً «ارتفاع حصيلة القتلى بين قوات الدبيبة وأي تشكيل جهوي؛ بسبب افتقاد الجميع الانضباط والمهنية».

جلال حرشاوي يرى أن حكومة الدبيبة «لا تسيطر بشكل كامل على أي معبر حدودي بالمنطقة الغربية» (د.ب.أ)

ولم يستبعد شوايل أن يُفعّل الطرابلسي خيار المواجهة المسلحة، «إذا لم تسارع الشخصيات المدنية والقبلية لعقد وساطات للصلح بين الطرفين»، محذراً من غياب فرض الدولة سلطاتها على عموم البلاد، ومعتبراً أن وجود أكثر من معبر رئيسي مع دول الجوار «خطأ أمني فادح... ذلك أن أي معبر حدودي لا يدار بعناصر مهنية ومنضبطة، ولمدد زمنية محدودة، قد يضاعف من عمليات التهريب».

وكان الطرابلسي قد تعهد باستعادة وزارته السيطرة على معبر «رأس جدير» حتى لو اضطر الأمر «لاستخدام القوة»، متهماً من أسماها «مجموعة صغيرة من مدينة زوارة باستغلال المعبر في أنشطة التهريب».

من جهته، استبعد المحلل السياسي الليبي، سالم أبو خزام، «تمكن حكومة الدبيبة من السيطرة على المعابر الحدودية». ورأى أبو خزام في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه بالإضافة لعدم قدرة حكومة الدبيبة على التحرك عسكرياً، بدرجة ما خارج حدود طرابلس، فإن «السيطرة على المعابر قد لا تعني مواجهة مع تشكيل مسلح بعينه، وإنما مع أهالي مدينة بأكملها، تستفيد من عوائد هذا المعبر بشكل أو بآخر».

أما رئيس مركز الأمة للدراسات الاستراتيجية، الليبي محمد الأسمر، ورغم تأكيده على أن الغلبة ستكون لحكومة الدبيبة في أي مواجهة مسلحة حول المعابر، فإنه رأى أن خوص المواجهة بالأساس قد يكون «خياراً مستبعداً». وأرجع الأسمر ذلك في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «لعدم رغبة كثير من التشكيلات المسلحة المتحالفة مع حكومة الدبيبة، المتمركزة بطرابلس أو مصراتة، الانخراط في صراع ما فجّره أحد قيادات تلك الحكومة دون أن يكون له مصلحة ما».

عناصر تشكيلات مسلحة وسط العاصمة (الشرق الأوسط)

وتوقع الأسمر أن تشهد أزمة معبر «رأس جدير» انفراجة عبر «سياسة الترضيات المالية التي لطالما انتجهتها حكومة الدبيبة لحل الصراعات التي تقع ما بين التشكيلات المسلحة التابعة لها على مناطق النفوذ بالمنطقة الغربية».

وتحدث الأسمر في هذا السياق عن وجود وساطات تجري حالياً، «وقد يتم التوصل لحل سلمي، يظهر عبره سيطرة الحكومة على المعبر، لكن الحقيقة سيتم ترضية القوة التابعة للمجلس العسكري في زوارة بالأموال، وإعادة جزء ما من نفوذها على المعبر».


مقالات ذات صلة

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

شمال افريقيا زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

يعتقد ليبيون بأن «نفوذاً روسياً يتمدد في جنوب البلاد ليس بمنأى عن توجهات الاستراتيجية الأميركية للمناطق الهشة وزيارة نورلاند الأخيرة إلى سبها».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة في غينيا (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)

الدبيبة يسعى لاستعادة «أكبر مزرعة» ليبية في غينيا

المزرعة الليبية في غينيا تبلغ مساحتها 2150 هكتاراً ومخصصة لإنتاج المانجو والأناناس وملحق بها مصنع للعصائر وسبع بحيرات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع المنفي ولجنة الحدود (المجلس الرئاسي الليبي)

مقتل 3 مواطنين في اشتباكات بالزاوية الليبية

توقفت الاشتباكات التي جرت بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، في جزيرة الركينة، بالقرب من مصفاة الزاوية الليبية مخلفة 3 قتلى و5 جرحى.

خالد محمود (القاهرة)
يوميات الشرق بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

في خطوة عدّها الاتحاد الأوروبي «علامة فارقة في الشراكة الثقافية مع ليبيا»، يواصل مهرجان للأفلام الأوروبية عرض الأعمال المشاركة في العاصمة طرابلس حتى الخميس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا يرى ليبيون أن «خطاب الكراهية يعد عاملاً من العوامل المساهمة في النزاع الاجتماعي» (البعثة الأممية)

ليبيون يتخوفون من تصاعد «خطاب الكراهية» على خلفية سياسية

قالت سميرة بوسلامة، عضو فريق حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، إنه «يجب على أصحاب المناصب اختيار كلماتهم بعناية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصر: ترحيب الأزهر باستبعاد المئات من «قوائم الإرهابيين» يثير تفاعلاً على مواقع التواصل

محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)
محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)
TT

مصر: ترحيب الأزهر باستبعاد المئات من «قوائم الإرهابيين» يثير تفاعلاً على مواقع التواصل

محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)
محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)

أثار ترحيب الأزهر باستبعاد المئات من «قوائم الإرهابيين» في مصر تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، امتزج بحالة من الجدل المستمر بشأن القرار، الذي يخشى البعض أن يكون مدخلاً لـ«المصالحة» مع تنظيم «الإخوان»، لا سيما أنه تضمّن أسماء عدد من قياداته.

ورفعت مصر، الأحد الماضي، أسماء 716 شخصاً من «قوائم الإرهابيين والكيانات الإرهابية»، بعد تحريات أمنية أسفرت عن «توقف المذكورين عن القيام بأي أنشطة غير مشروعة ضد الدولة أو مؤسساتها»، مع «الاستمرار في مراجعة موقف بقية المدرجين في القوائم لرفع أسماء مَن يثبت توقفه عن أنشطة ضد الدولة».

وعقب البيان الذي أصدرته النيابة المصرية، أشارت قناة «إكسترا نيوز» المصرية إلى أن «القرار جاء استجابةً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي». ونقلت عنه تأكيده أنه «حريص على أبنائه، ويفتح لهم صفحةً جديدةً للانخراط في المجتمع، كمواطنين صالحين يحافظون على بلدهم، ويعيشون في أمان على أرضها».

ورحَّب الأزهر بالقرار، وأكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في بيان على «إكس»، ترحيبه العميق «بتوجيهات الرئيس السيسي التي مهَّدت الطريق لإعطاء الفرصة لهم لبدء صفحة جديدة للعيش بصورة طبيعيَّة في وطنهم ولمِّ شمل أسرهم».

وأثار ترحيب الأزهر ردود فعل عدة على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد عدّ الترحيب «خطوةً في صالح المجتمع»، ومعارضٍ انتقد تعليق الأزهر، بصفته مؤسسةً تعليميةً دينيةً، على أمور سياسية، في حين ذهب البعض إلى حد اتهام بعض قادة الأزهر بـ«دعم الإخوان».

وسعت «الشرق الأوسط» إلى الحصول على تعليق من مصادر مسؤولة بالأزهر، لكن لم يتسنَّ لها ذلك.

وبينما رفض أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور مصطفى كامل السيد، الانتقادات الموجَّهة للأزهر؛ بسبب ترحيبه بالقرار، أرجع حالة الجدل إلى «غياب ونقص المعلومات بشأن أسباب صدور القرار ومعناه، لا سيما أن بعض مَن وردت أسماؤهم في القرار لا يزالون في السجون».

وأكد السيد، لـ«الشرق الأوسط»، أن «القرار خطوة جيدة واستجابة لحكم محكمة النقض»، مشيراً إلى أن «تضمينه أسماء عدد من قيادات الإخوان يثير تساؤلات بشأن نية الدولة للمصالحة، وهي تساؤلات من الصعب الإجابة عنها في ظل نقص المعلومات».

ووفقاً لما نشرته وسائل إعلام محلية، فإن قرار الاستبعاد تضمّن أشخاصاً يُحاكَمون على «ذمة قضايا أخرى»، من بينهم وجدي غنيم، وإن القرار متعلق بقضية واحدة فقط؛ وهي القضية المعروفة إعلامياً باسم «تمويل جماعة الإخوان».

وتعود القضية إلى عام 2014، وأُدرج بموجبها 1526 شخصاً على «قوائم الإرهاب»، عام 2018 لمدة 5 سنوات. وفي 18 مايو (أيار) الماضي، قضت محكمة النقض المصرية بإلغاء حكم «جنايات القاهرة» بتمديد إدراج هؤلاء على «قوائم الإرهاب» لمدة 5 سنوات أخرى، لأن قرار التمديد «لم يُبيِّن بوضوح الوقائع والأفعال التي ارتكبها كل منهم».

وعدّت رئيسة «المجلس القومي لحقوق الإنسان» السفيرة مشيرة خطاب، قرار الاستبعاد «خطوةً إيجابيةً»، مشيرة إلى أنه «جاء بعد دراسة متأنية من الجهات القانونية المختصة، ولم يكن عشوائياً». وأكدت أن «هناك دستوراً للبلاد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال خرقه أو تجاوزه».

وأشارت خطاب، في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى «ضرورة تأهيل المستبعدين من قوائم الإرهاب، كونهم تعرَّضوا لضغوط نفسية واجتماعية، ما يتطلب العمل على إعادة دمجهم في المجتمع». وقالت: «برامج التأهيل لا بد أن توضع بعناية بمشاركة عدد من الجهات المعنية، وبعد دراسة القوائم، وخلفية المدرجين عليها، ومواقعهم، والأدوار التي قاموا بها».

ويتعرَّض كل مَن يتم إدراجه على «قوائم الإرهابيين» لتجميد الأموال وحظر التصرف في الممتلكات، والمنع من السفر، وفقاً لقانون «الكيانات الإرهابية» الذي أصدره الرئيس المصري عام 2015.

بدوره، قال الخبير بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو هاشم ربيع، لـ«الشرق الأوسط» إن القرار «خطوة على طريق التسامح والعدالة الانتقالية»، رافضاً حالة الجدل الدائرة بشأنه، ومتهماً منتقدي القرار بأنهم «يسعون لإبقاء الأوضاع مشتعلةً في البلاد».

وأثار قرار الاستبعاد جدلاً وانتقادات إعلامية، وعلى منصات التواصل الاجتماعي. وقال الإعلامي المصري أحمد موسى، في منشور عبر حسابه على «إكس»، إن موقفه «واضح ودون مواربة... لا أمان ولا عهد للإخوان، ولن نتسامح معهم».

وأعرب عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن مخاوفهم من أن يدفع القرار نحو «المصالحة» مع تنظيم «الإخوان». وانتقدت الإعلامية لميس الحديدي، القرار، وقالت عبر «إكس»: «نريد أن نفهم ماذا يعني توجه الدولة لمراجعة القوائم ولماذا الآن؟ هل هناك ضغوط دولية لإبرام مصالحة مع الإخوان مثلاً؟».

لكن عضو مجلس النواب محمود بدر، نفى الاتجاه للمصالحة. وقال، عبر «إكس»: «السيسي هو الضمان الأكبر، وربما الوحيد لرفض المصالحة مع الإخوان»، مؤكداً سعادته بـ«ردود الفعل ورفض الناس فكرة المصالحة».

وقال الإعلامي المصري عمرو أديب، في برنامج «الحكاية» على فضائية «إم بي سي»، مساء الاثنين، إن «التفاعل مع القرار أحدث استفتاءً شعبياً بأن 99.9 في المائة من المصريين ضد الإخوان».

ورداً على تلك الانتقادات، قالت خطاب: «الشعب عانى كثيراً من الإخوان، وتعرَّض لمآسٍ، لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن نخرق القانون... والعقاب لن يستمر مدى الحياة». وأضافت: «مسؤولية الدولة هي إصلاح مَن فسد، والأجدى للمجتمع محاولة إصلاح وتأهيل مَن غرَّر به بدلاً مِن السعي للانتقام ضمن دائرة مفتوحة لا تنتهي».

وعكست الانتقادات حالة من الاحتقان الشعبي، «نبهت إلى دور الإعلام والمؤسسات الدينية في نشر المعلومات لإزالة الشقاق على أساس احترام الدستور والقانون»، بحسب رئيسة «المجلس القومي لحقوق الإنسان».