ما إمكانية فرض «المركزي» الليبي حراسة قضائية على عوائد النفط؟

الخطوة تهدد بقطع جميع التدفقات المالية عن حكومة الدبيبة

الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي في أحد المؤتمرات (المصرف المركزي)
الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي في أحد المؤتمرات (المصرف المركزي)
TT

ما إمكانية فرض «المركزي» الليبي حراسة قضائية على عوائد النفط؟

الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي في أحد المؤتمرات (المصرف المركزي)
الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي في أحد المؤتمرات (المصرف المركزي)

طالب رئيس حكومة «الاستقرار» الليبية المكلفة من مجلس النواب، أسامة حماد، محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، ونائبه مرعي البرعصي، بتنفيذ حكم قضائي صدر الأسبوع الماضي بفرض الحراسة القضائية على إيرادات النفط. لكن هذا الحكم طرح تساؤلات جدية عن مدى إمكانية إقدام الكبير على تنفيذه، حيث عدّه البعض يمثل في حال تطبيقه حصاراً مالياً على حكومة الوحدة «المؤقتة»، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة.

ويرى الباحث في مؤسسة «غلوبال أنيشاتيف»، جلال حرشاوي، أن هناك صعوبة كبيرة في تنفيذ الحكم، وقطع جميع التدفقات المالية عن حكومة الدبيبة المتمركزة بطرابلس. وعدّ حرشاوي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الكبير «في موقف صعب جداً، فقد تم رفض الاستشكال ضد الحكم وبات واجب التنفيذ».

وكانت محكمة أجدابيا الابتدائية قد قضت بوضع إيرادات النفط الليبي المحصلة والواردة إلى المصرف الليبي الخارجي، ومصرف ليبيا المركزي بطرابلس، تحت الحراسة القضائية، ومنع حكومة الدبيبة من التصرف فيها، بناء على طلب من غريمتها حكومة حماد.

من جانبه، توقع المحلل السياسي الليبي، أحمد المهدوي، أن يعلن محافظ المصرف المركزي موافقته بشكل واضح على تكليفه ونائبه البرعصي كأعضاء بلجنة الحراسة القضائية على إيرادات النفط، وذلك في ضوء تصاعد الخلاف بينه وبين حليفه السابق الدبيبة.

اتهام حكومة الدبيبة بالتوسع في الإنفاق العام الذي قدّره بـ420 مليار دينار خلال السنوات الثلاث الماضية (الوحدة)

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، ذهب المهدوي إلى أن أغلب تصريحات الكبير حول توسع حكومة الدبيبة في الإنفاق العام، الذي قدره بـ420 مليار دينار خلال السنوات الثلاث الماضية، وكذلك مطالبته بتعديل سعر صرف الدينار، قد تصبّ في زيادة الغضب الشعبي تجاه حكومة «الوحدة».

ولفت عدد من المراقبين لموافقة رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، على المقترح الذي تقدم به الكبير بتعديل سعر صرف الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، وفرض ضريبة بـ27 في المائة على النقد الأجنبي، على الرغم من اعتراض وتحذير عدد من النواب من التداعيات السلبية لهذا القرار.

وتوقع المهدوي أنه مع إعلان المصرف تنفيذ حكم فرض الحراسة على الإيرادات النفطية «قد يفقد الدبيبة ما تبقى له من حلفاء داخل الساحة الداخلية، من رجال مال وأعمال وقادة تشكيلات مسلحة، وهو ما يقود لتحجيم قدرته على فرض أي شروط له بالبقاء لمدة أطول في منصبه في أي مفاوضات تعقد برعاية البعثة الأممية بشأن المسار السياسي».

لفت عدد من المراقبين لموافقة رئيس «النواب» عقيلة صالح على المقترح الذي تقدم به الكبير بتعديل سعر صرف الدينار الليبي (الشرق الأوسط)

ووفقاً لرؤية المهدوي، فإن أغلب القوى الدولية، باستثناء تركيا المستفيدة من بقاء الدبيبة، «قد لا تعارض توجه تولي الكبير الحراسة القضائية على الإيرادات النفطية». مشيراً إلى أن محافظ المركزي هو الشخصية المقربة للمملكة المتحدة، في ضوء ما تبديه من اهتمام كبير بالسياسة المالية للبلاد.

من جانبه، وصف عضو مجلس النواب الليبي، صلاح أبو شلبي، قبول الكبير والبرعصي مطالبة حماد «بالمسألة الاعتيادية تنفيذاً لقرار قضائي» أصدرته محكمة أجدابيا في يوليو (تموز) الماضي بتعيينهما ضمن أعضاء لجنة حراسة قضائية على إيرادات النفط. ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الرجلين لم يبديا أي اعتراض على هذا القرار القضائي حينذاك، إلا أن حكومة الدبيبة «سارعت حينها بالاستشكال على قرار فرض الحراسة على إيرادات النفط، والآن مع رفض القضاء قبل أيام قليلة هذا الاستشكال، تجددت مطالب حكومة حماد لهما بتنفيذ الحكم».


مقالات ذات صلة

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

شمال افريقيا زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

يعتقد ليبيون بأن «نفوذاً روسياً يتمدد في جنوب البلاد ليس بمنأى عن توجهات الاستراتيجية الأميركية للمناطق الهشة وزيارة نورلاند الأخيرة إلى سبها».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة في غينيا (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)

الدبيبة يسعى لاستعادة «أكبر مزرعة» ليبية في غينيا

المزرعة الليبية في غينيا تبلغ مساحتها 2150 هكتاراً ومخصصة لإنتاج المانجو والأناناس وملحق بها مصنع للعصائر وسبع بحيرات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع المنفي ولجنة الحدود (المجلس الرئاسي الليبي)

مقتل 3 مواطنين في اشتباكات بالزاوية الليبية

توقفت الاشتباكات التي جرت بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، في جزيرة الركينة، بالقرب من مصفاة الزاوية الليبية مخلفة 3 قتلى و5 جرحى.

خالد محمود (القاهرة)
يوميات الشرق بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

في خطوة عدّها الاتحاد الأوروبي «علامة فارقة في الشراكة الثقافية مع ليبيا»، يواصل مهرجان للأفلام الأوروبية عرض الأعمال المشاركة في العاصمة طرابلس حتى الخميس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا يرى ليبيون أن «خطاب الكراهية يعد عاملاً من العوامل المساهمة في النزاع الاجتماعي» (البعثة الأممية)

ليبيون يتخوفون من تصاعد «خطاب الكراهية» على خلفية سياسية

قالت سميرة بوسلامة، عضو فريق حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، إنه «يجب على أصحاب المناصب اختيار كلماتهم بعناية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصر: ترحيب الأزهر باستبعاد المئات من «قوائم الإرهابيين» يثير تفاعلاً على مواقع التواصل

محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)
محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)
TT

مصر: ترحيب الأزهر باستبعاد المئات من «قوائم الإرهابيين» يثير تفاعلاً على مواقع التواصل

محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)
محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)

أثار ترحيب الأزهر باستبعاد المئات من «قوائم الإرهابيين» في مصر تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، امتزج بحالة من الجدل المستمر بشأن القرار، الذي يخشى البعض أن يكون مدخلاً لـ«المصالحة» مع تنظيم «الإخوان»، لا سيما أنه تضمّن أسماء عدد من قياداته.

ورفعت مصر، الأحد الماضي، أسماء 716 شخصاً من «قوائم الإرهابيين والكيانات الإرهابية»، بعد تحريات أمنية أسفرت عن «توقف المذكورين عن القيام بأي أنشطة غير مشروعة ضد الدولة أو مؤسساتها»، مع «الاستمرار في مراجعة موقف بقية المدرجين في القوائم لرفع أسماء مَن يثبت توقفه عن أنشطة ضد الدولة».

وعقب البيان الذي أصدرته النيابة المصرية، أشارت قناة «إكسترا نيوز» المصرية إلى أن «القرار جاء استجابةً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي». ونقلت عنه تأكيده أنه «حريص على أبنائه، ويفتح لهم صفحةً جديدةً للانخراط في المجتمع، كمواطنين صالحين يحافظون على بلدهم، ويعيشون في أمان على أرضها».

ورحَّب الأزهر بالقرار، وأكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في بيان على «إكس»، ترحيبه العميق «بتوجيهات الرئيس السيسي التي مهَّدت الطريق لإعطاء الفرصة لهم لبدء صفحة جديدة للعيش بصورة طبيعيَّة في وطنهم ولمِّ شمل أسرهم».

وأثار ترحيب الأزهر ردود فعل عدة على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد عدّ الترحيب «خطوةً في صالح المجتمع»، ومعارضٍ انتقد تعليق الأزهر، بصفته مؤسسةً تعليميةً دينيةً، على أمور سياسية، في حين ذهب البعض إلى حد اتهام بعض قادة الأزهر بـ«دعم الإخوان».

وسعت «الشرق الأوسط» إلى الحصول على تعليق من مصادر مسؤولة بالأزهر، لكن لم يتسنَّ لها ذلك.

وبينما رفض أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور مصطفى كامل السيد، الانتقادات الموجَّهة للأزهر؛ بسبب ترحيبه بالقرار، أرجع حالة الجدل إلى «غياب ونقص المعلومات بشأن أسباب صدور القرار ومعناه، لا سيما أن بعض مَن وردت أسماؤهم في القرار لا يزالون في السجون».

وأكد السيد، لـ«الشرق الأوسط»، أن «القرار خطوة جيدة واستجابة لحكم محكمة النقض»، مشيراً إلى أن «تضمينه أسماء عدد من قيادات الإخوان يثير تساؤلات بشأن نية الدولة للمصالحة، وهي تساؤلات من الصعب الإجابة عنها في ظل نقص المعلومات».

ووفقاً لما نشرته وسائل إعلام محلية، فإن قرار الاستبعاد تضمّن أشخاصاً يُحاكَمون على «ذمة قضايا أخرى»، من بينهم وجدي غنيم، وإن القرار متعلق بقضية واحدة فقط؛ وهي القضية المعروفة إعلامياً باسم «تمويل جماعة الإخوان».

وتعود القضية إلى عام 2014، وأُدرج بموجبها 1526 شخصاً على «قوائم الإرهاب»، عام 2018 لمدة 5 سنوات. وفي 18 مايو (أيار) الماضي، قضت محكمة النقض المصرية بإلغاء حكم «جنايات القاهرة» بتمديد إدراج هؤلاء على «قوائم الإرهاب» لمدة 5 سنوات أخرى، لأن قرار التمديد «لم يُبيِّن بوضوح الوقائع والأفعال التي ارتكبها كل منهم».

وعدّت رئيسة «المجلس القومي لحقوق الإنسان» السفيرة مشيرة خطاب، قرار الاستبعاد «خطوةً إيجابيةً»، مشيرة إلى أنه «جاء بعد دراسة متأنية من الجهات القانونية المختصة، ولم يكن عشوائياً». وأكدت أن «هناك دستوراً للبلاد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال خرقه أو تجاوزه».

وأشارت خطاب، في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى «ضرورة تأهيل المستبعدين من قوائم الإرهاب، كونهم تعرَّضوا لضغوط نفسية واجتماعية، ما يتطلب العمل على إعادة دمجهم في المجتمع». وقالت: «برامج التأهيل لا بد أن توضع بعناية بمشاركة عدد من الجهات المعنية، وبعد دراسة القوائم، وخلفية المدرجين عليها، ومواقعهم، والأدوار التي قاموا بها».

ويتعرَّض كل مَن يتم إدراجه على «قوائم الإرهابيين» لتجميد الأموال وحظر التصرف في الممتلكات، والمنع من السفر، وفقاً لقانون «الكيانات الإرهابية» الذي أصدره الرئيس المصري عام 2015.

بدوره، قال الخبير بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو هاشم ربيع، لـ«الشرق الأوسط» إن القرار «خطوة على طريق التسامح والعدالة الانتقالية»، رافضاً حالة الجدل الدائرة بشأنه، ومتهماً منتقدي القرار بأنهم «يسعون لإبقاء الأوضاع مشتعلةً في البلاد».

وأثار قرار الاستبعاد جدلاً وانتقادات إعلامية، وعلى منصات التواصل الاجتماعي. وقال الإعلامي المصري أحمد موسى، في منشور عبر حسابه على «إكس»، إن موقفه «واضح ودون مواربة... لا أمان ولا عهد للإخوان، ولن نتسامح معهم».

وأعرب عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن مخاوفهم من أن يدفع القرار نحو «المصالحة» مع تنظيم «الإخوان». وانتقدت الإعلامية لميس الحديدي، القرار، وقالت عبر «إكس»: «نريد أن نفهم ماذا يعني توجه الدولة لمراجعة القوائم ولماذا الآن؟ هل هناك ضغوط دولية لإبرام مصالحة مع الإخوان مثلاً؟».

لكن عضو مجلس النواب محمود بدر، نفى الاتجاه للمصالحة. وقال، عبر «إكس»: «السيسي هو الضمان الأكبر، وربما الوحيد لرفض المصالحة مع الإخوان»، مؤكداً سعادته بـ«ردود الفعل ورفض الناس فكرة المصالحة».

وقال الإعلامي المصري عمرو أديب، في برنامج «الحكاية» على فضائية «إم بي سي»، مساء الاثنين، إن «التفاعل مع القرار أحدث استفتاءً شعبياً بأن 99.9 في المائة من المصريين ضد الإخوان».

ورداً على تلك الانتقادات، قالت خطاب: «الشعب عانى كثيراً من الإخوان، وتعرَّض لمآسٍ، لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن نخرق القانون... والعقاب لن يستمر مدى الحياة». وأضافت: «مسؤولية الدولة هي إصلاح مَن فسد، والأجدى للمجتمع محاولة إصلاح وتأهيل مَن غرَّر به بدلاً مِن السعي للانتقام ضمن دائرة مفتوحة لا تنتهي».

وعكست الانتقادات حالة من الاحتقان الشعبي، «نبهت إلى دور الإعلام والمؤسسات الدينية في نشر المعلومات لإزالة الشقاق على أساس احترام الدستور والقانون»، بحسب رئيسة «المجلس القومي لحقوق الإنسان».