جدل في فرنسا بسبب تمثال يخلّد عسكرياً اشتهر بتعذيب الجزائريين

في وقت يسعى فيه البلدان لتجاوز «آلام الماضي الاستعماري»

التمثال محل جدل بعد إنجازه من طرف النحات الفرنسي بوريس لوجان (موقع تاريخ الاستعمار)
التمثال محل جدل بعد إنجازه من طرف النحات الفرنسي بوريس لوجان (موقع تاريخ الاستعمار)
TT

جدل في فرنسا بسبب تمثال يخلّد عسكرياً اشتهر بتعذيب الجزائريين

التمثال محل جدل بعد إنجازه من طرف النحات الفرنسي بوريس لوجان (موقع تاريخ الاستعمار)
التمثال محل جدل بعد إنجازه من طرف النحات الفرنسي بوريس لوجان (موقع تاريخ الاستعمار)

بينما تسعى الجزائر وفرنسا، بصعوبة بالغة، لتجاوز أوجاع ماضي الاستعمار لبناء علاقة طبيعية، احتج باحثون فرنسيون مختصون في التاريخ، بشدة، على قرار بلدية تول (شرق)، إقامة تمثال للعقيد المظلي مارسيل بيجار، الذي عُرف بممارسة التعذيب في صفوف الجيش الفرنسي بالجزائر والهند الصينية، سابقاً، خلال خمسينات القرن الماضي.

العقيد مارسيل بيجار (مواقع مهتمة بالتاريخ)

«كيف يمكننا التخطيط لإقامة تمثال للمظلي مارسيل بيجار، كما هي الحال في بلدية تول؟ وهل يعقل تمجيد ممارسة التعذيب الاستعماري الذي هو أحد رموزه؟».

هكذا تساءل المؤرخان الفرنسيان فابريس ريسيبوتي، وآلان روسي في لائحة طويلة تحمل توقيعيهما، نشرها اليوم (السبت) موقع «تاريخ الاستعمار» (أطلقه باحثون وأساتذة مهتمون بالتاريخ في فرنسا عام 2017)، وهو موجه للرأي العام في فرنسا.

المؤرخ فابريس ريسيبوتي (حسابه الشخصي بالإعلام الاجتماعي)

وأعلن المؤرخان أن «جمعية تاريخ الاستعمار» الفرنسية تعتزم الضغط على بلدية تول، التي يتحدر منها بيجار (توفي في 2010)، لثنيها عن وضع التمثال. وأكدت اللائحة أن «العمل الذي ستقدم عليه بلدية تول يحدث في وقت أزالت فيه بلديتا باريس ومرسيليا اللوحات، التي تكرم الماريشال بوجو، جلاد الشعب الجزائري في أثناء الغزو الاستعماري».

المؤرخ ألان روسيو (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

ولدعم احتجاجهما على مسعى البلدية، تناول فابريس ريسيبوتي، وآلان روسي في لائحتهما أعمال التعذيب، التي تضمنها الأرشيف الفرنسي، والمنسوبة للمظلي بيجار خلال «معركة الجزائر العاصمة»، التي جرت خلال عام 1957، التي مسّت مئات المناضلين الجزائريين المعتقلين. وعُرفت الحادثة بـ«ملف الاعتقالات»، بقيادة أفواج الفرقة العاشرة للمظليين، تحت أوامر مباشرة من مارسيل بيجار، الذي كان يومها حديث عهد بثورة الجزائر، قادماً من الهند الصينية، حيث اشتهر بالتعذيب وقمع المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي.

رجل الثورة العربي بن مهيدي خلال اعتقاله عام 1957 (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

ومن أشهر قادة «معركة الجزائر»، الذين طالهم التعذيب بأوامر من بيجار، الشهيد البطل محمد العربي بن مهيدي الذي تعرّض للاعتقال بالعاصمة في 23 فبراير (شباط) 1957، من طرف فرقة للمظليين، وتم شنقه بعد أن ذاق صنوف التعذيب لرفضه بيع رفاقه في السلاح.

وكانت ظريفة بن مهيدي، شقيقة رجل الثورة، قد روت لـ«فرنس 24» عام 2021، تفاصيل ما دار بينها وبين بيجار في لقاء معه قبل سنوات طويلة. فقد نقلت عنه قوله: «أنا لم أقتله، لكن أرسلته إلى الجنرال أوساريس!». وكان أوساريس قدم شهادته عن بن مهيدي عام 2001، أكد فيها «إننا نزعنا أظافره وجلده وأجزاء من جسده، لكن لا كلمة خرجت من فمه، بل واصل تحدينا بشتمنا والبصق على وجوهنا قبل تنفيذ حكم الإعدام». كما أكد أوساريس أن بيجار «لم يمانع الانتهاكات التي نفذناها على بن مهيدي».

صورة أرشيفية للكولونيل مارسيل بيجار (واقفاً على اليمين) في معاقل الثورة الجزائرية (مواقع مهتمة بحرب الجزائر)

بدوره، ذكر الصحافي الجزائري الشهير، ناصر السعدي، أن الساحة التهبت في منتصف ثمانينات القرن الماضي، بإقدام جريدة «آلجيري أكتياليتي» الحكومية، على إجراء حوار مع الجنرال السفاح مارسيل بيجار، أحد أهم ضباط فرنسا في حرب الجزائر، وصاحب مقولة «التعذيب شر لا بد منه»، مبرزاً أن أصواتاً تعالت يومها لمحاسبة مديرها، كمال بلقاسم، والصحافي حمزة تيجيني معد الحوار.

وبمناسبة مرور 67 سنة على قتل بن مهيدي، راسلت 20 منظمة في فرنسا،«الإليزيه» في الرابع من مارس (آذار) الحالي، تطالبه بـ«اعتراف الدولة الفرنسية بمسؤوليتها عن ممارسة التعذيب» خلال ثورة الجزائر. وتم تقديم الرسالة في مؤتمر صحافي بباريس، جاء فيه أن «انتهاج طريق فهم الدوامة القمعية، التي أدت إلى ممارسة التعذيب، والذي شكّل الاغتصاب أداته الأساسية (...) ليس تعبيراً عن الندم، بل هو عامل من عوامل الثقة بقيم الأمة».

ومن بين هذه المنظمات «رابطة حقوق الإنسان»، و«المجندون السابقون في (حرب) الجزائر، وأصدقاؤهم ضد الحرب».



اتهامات متبادلة تهدد بانهيار مفاوضات «هدنة غزة»

فلسطينية تسير بجوار شاب يحمل جثمان طفلها الذي قُتل في غارة إسرائيلية أمام مستشفى المعمداني (أ.ف.ب)
فلسطينية تسير بجوار شاب يحمل جثمان طفلها الذي قُتل في غارة إسرائيلية أمام مستشفى المعمداني (أ.ف.ب)
TT

اتهامات متبادلة تهدد بانهيار مفاوضات «هدنة غزة»

فلسطينية تسير بجوار شاب يحمل جثمان طفلها الذي قُتل في غارة إسرائيلية أمام مستشفى المعمداني (أ.ف.ب)
فلسطينية تسير بجوار شاب يحمل جثمان طفلها الذي قُتل في غارة إسرائيلية أمام مستشفى المعمداني (أ.ف.ب)

اتهامات متبادلة جديدة تتصاعد وتيرتها بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحركة «حماس»، ألقت بظلالها على مفاوضات وصلت لليوم الثامن في الدوحة، دون نتائج، مع خلافات بشأن رفض الحركة خريطة الانسحابات الإسرائيلية من قطاع غزة.

وبينما تشكو «حماس» من «تعنت ومماطلة» نتنياهو تحت ضربات الجيش الإسرائيلي التي تحصد أرواح العشرات من الفلسطينيين يومياً، يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن واشنطن ستحاول منع انهيار المفاوضات عبر الضغط على إسرائيل، كما سيعمل الوسيطان مصر وقطر على دفع «حماس» للاستمرار بالمحادثات، والسعي لإبرام صفقة تنهي الأوضاع الكارثية بالقطاع، شريطة تقديم إسرائيل هي الأخرى تنازلات خاصة في بند الانسحابات.

وأفاد مصدر فلسطيني مطلع على مسار المفاوضات بالدوحة لـ«الشرق الأوسط»، الأحد، بأنه «من المبكر الحديث عن فشل المفاوضات التي لا تزال مستمرة وسط حراك من الوسطاء، رغم عراقيل نتنياهو ومحاولة المماطلة في الذهاب لحلول».

وأكد أن «(حماس) طلبت تحسينات محدودة على بعض البنود، خصوصاً ما يتعلق بضمان الانسحاب الإسرائيلي من مدينة رفح، والحركة أجرت مشاورات معمقة مع جميع الفصائل الفلسطينية، وكان هناك إجماع على هذا الموقف».

وفي خطاب متلفز، مساء الأحد، قال نتنياهو إن «الإعلام الإسرائيلي يتهمني بإفشال مساعي إنجاز صفقة تبادل ويردد دعاية (حماس)، و(الحركة هي من) رفضت مقترح الصفقة (60 يوماً) وتصر على البقاء في غزة وإعادة التسلح، وهذا غير مقبول»، مضيفاً: «نريد صفقة؛ لكن ليس صفقة تترك (حماس) قادرة على تكرار ما فعلته من جرائم، وعازمون على إعادة المخطوفين، لكن مع القضاء على (حماس) كذلك».

ويستكمل نتنياهو جملة اتهامات إسرائيلية كررها مسؤول سياسي، مساء السبت، ونقلتها «وكالة الصحافة الفرنسية»، مؤكداً أن «(حماس) رفضت مقترح الوسطاء، وتضع عقبات، وترفض التنازل، وتواكب المحادثات بحملة حرب نفسية تهدف إلى تقويض المفاوضات».

وهذا قريب مما ذكره مسؤول إسرائيلي لقناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، رداً على «التقارير المتشائمة خلال الـ24 ساعة الماضية عن انهيار في محادثات الصفقة بين (حماس) وإسرائيل»، مؤكداً أن «(حماس) تثير الصعوبات، ولا تتنازل، وترافق المحادثات بحرب توعوية تهدف إلى تخريب المفاوضات».

وتلك الاتهامات تأتي مع شكوى «حماس» في بيان، الخميس، من «تعنت» نتنياهو، واتهامه بوضع «عراقيل» أمام التوصل لاتفاق، وسعيه المتعمد لإفشال أي جهود لإطلاق سراح الأسرى، مؤكدة أنه لا يزال «يماطل ويضع المزيد من العراقيل أمام التوصل إلى اتفاق».

شاب يحمل فلسطينياً مصاباً في غارة إسرائيلية خارج مستشفى المعمداني (أ.ف.ب)

وهذا التصعيد الإسرائيلي، لا سيما من نتنياهو، يتواصل مع اقتراب دخول الكنيست إجازته الصيفية التي تبدأ في الـ24 من الشهر الجاري وتستمر نحو ثلاثة أشهر، والتي تحول دون إسقاط حكومته.

الخبير في الشؤون السياسية بـ«مركز الأهرام للدراسات»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن تبادل الاتهامات وتصاعد وتيرتها يمسان استمرار المفاوضات بقوة، وهذا سيدفع الوسطاء للتدخل بضغوط لإنقاذ مسار المحادثات، مستبعداً أن نتنياهو يناور من أجل دخول الكنيست في إجازة لعدم سحب الثقة من حكومته، خاصة وأن هناك وقائع سابقة ضمنت له عدم حدوث ذلك.

بينما يتهم المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، نتنياهو بأنه يريد التهرب من الاتفاق وكسب الوقت وانتظار إجازة الكنيست لعدم سحب الثقة من حكومته، متوقعاً استمرار المفاوضات الجارية والتدخل الأميركي للضغط على الجانبين، مع السماح لنتنياهو بهامش للنجاة بحكومته، وأن وقت إبرام الصفقة سيتأخر مع تصعيد من نتنياهو الفترة الحالية لمزيد من الضغوط على «حماس».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني المختص بشؤون «حماس»، إبراهيم المدهون، أن «تصريحات نتنياهو الأخيرة تكشف عن تناقضه وتخبطه السياسي، ومحاولة تحميل المسؤولية للطرف الآخر، كما تأكد على أنه غير معني أصلاً بإنجاح المسار التفاوضي، وأنه لا يرغب به».

وكانت القناة «12» الإسرائيلية، أكدت، السبت، أن «المحادثات لم تنهر، ولا يزال الفريق التفاوضي الإسرائيلي في الدوحة»، تزامناً مع حديث مصادر فلسطينية وإسرائيلية مطلعة لـ«رويترز» ولـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن المحادثات «تتعثر» حول مسألة نطاق انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، ووصلت إلى «طريق مسدود» على ما يبدو مع انقسام الجانبين حول نطاق الانسحاب و«إصرار إسرائيل على إعادة انتشار وإعادة تموضع الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وإبقاء قواتها على أكثر من 40 في المائة من مساحة قطاع غزة، وهو ما ترفضه (حماس)».

أشخاصٌ يتفقدون أنقاض مبنى مدمر إثر قصف إسرائيلي على مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين في وقت سابق (أ.ف.ب)

وتحدث موقع «واللا» الإسرائيلي، الأحد، أنه إذا فشلت المفاوضات مع «حماس» فإن الجيش الإسرائيلي سيشن مناورة في قلب غزة وتطويق المناطق المركزية، مشيراً إلى أن، يوم الأحد، هو اللحظة الحاسمة.

وفي وقت تتعثر مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس»، أعلن جهاز الدفاع المدني في غزة، في بيان، مقتل 43 فلسطينياً في غارات جوية إسرائيلية الأحد في مناطق مختلفة من القطاع، معظمهم في سوق وفي نقطة توزيع مياه.

وفي ضوء تلك التطورات، يرى عكاشة أن الاتفاق سيبقى في «غرفة الإنعاش» في مفاوضات الدوحة ومعرض للانهيار، والرهان سيكون على بذل الوسطاء جهوداً إضافية لإنقاذه، والضغط أكثر على «حماس» التي ستكون أكثر الخاسرين حال انهار وقبلها الشعب الفلسطيني.

ويرجح الرقب أن يتدخل الوسطاء بقوة لمنع انهيار المفاوضات، والضغط لتقديم تنازلات من الجانبين تحقق هدنة مؤقتة، متوقعاً أن يلعب الرئيس الأميركي دونالد ترمب دوراً أكبر الأيام المقبلة.

ووفق المدهون فإن «(حماس) قدمت تنازلات واضحة: وافقت على هدنة محدودة، وقبلت إطلاق سراح عشرة أسرى في المرحلة الأولى، بل وتراجعت عن مطلب وقف إطلاق النار الدائم باعتباره بنداً أساسياً. لكن يبدو أن نتنياهو يصر على استمرار المجازر، مستفيداً من حالة الضعف الدولي والتواطؤ الأميركي»، مرجحاً تدخل الوسطاء لحل الأزمة.