قررت الرئاسة الجزائرية إعادة معالجة «ملف أحداث الصراع المذهبي»، الذي وقع في ولاية غرداية (600 كلم جنوب) بين 2013 و2015، وذلك بمراجعة أحكام السجن مدى الحياة، التي صدرت بحق عشرات الأشخاص، بعد أن أدانهم القضاء بـ«القتل وتخريب الأملاك العامة والخاصة، ونشر الرعب في أوساط المواطنين».
وأكد وزير العدل عبد الرشيد طبي، مساء أمس الخميس، في حديثه مع أعيان غرداية، خلال وجوده بها لفتح محكمة محلية جديدة، أن لائحة تلقاها من الرئاسة «تتضمن التكفل بالمطالب التي رفعتموها إلى السيد الرئيس». مشيرا إلى أن وزارة العدل «بدأت تشتغل على الملف، ونحن على علم بما وصل إليه الوضع ومتابعون له». لكن طبي لم يتعهد بتلبية طلب وجهاء المنطقة، وهو الإفراج عن الأشخاص الذين صدرت بحقهم أحكام ثقيلة، واكتفى بالقول: «تبقى الأمور الأخرى بيد القضاء، فما نحن إلا مسهلون... صحيح أن لدينا أوامر بالتعامل مع مطالبكم، لكن ذلك سيكون وفق ما يقره القانون».
وخاض الوزير في «قضية المحكوم عليهم بالإعدام في أحداث غرداية»، عندما ناشده منتخب ببلدية غرداية، أن «تضعوا ملف أحكام المؤبد فوق مكتبكم لمدارسته، وإننا على يقين بأن النتيجة ستكون إيجابية، ولعل شهر رمضان الذي هو على الأبواب سيكون بادرة خير، ونحن متأكدون أنه لا يظلم عندكم أحد». وكان المنتخب المحلي محاطا برموز من سكان المنطقة، المعروفة بخصوصيتها الدينية والثقافية، وقد اغتنموا فرصة وجود المسؤول الحكومي بينهم لمطالبته بإعادة النظر في الأحكام القاسية التي أنزلها القضاء بنحو 30 شخصا، وفق حقوقيين في المنطقة على أساس أنهم «كانوا ضحايا ظرف سياسي».
ويتهم غالبية أصحاب هذا المطلب الحكومة في عهد رئيس الوزراء السابق، عبد المالك سلال (في السجن منذ 2019 بتهمة الفساد)، بـ«تصعيد المواجهات الدامية، بسبب تفضيلها الحلول الأمنية الراديكالية، بدل السعي للصلح». وتوجه المآخذ أساسا إلى وزير الداخلية آنذاك، دحو ولد قابلية، ومسؤولي جهازي الشرطة والدرك وقتذاك، فيما يعد أصحاب المطلب أن مسعى الدولة لـ«طي صفحة نظام الرئيس السابق بوتفليقة ينبغي أن يشمل ملف مساجين غرداية».
ويصف الإعلام الأحداث بأنها «مواجهات مذهبية بين العرب السنة والأمازيغ الإباضيين»، وهما المكونان الثقافيان والدينيان الوحيدان في غرداية، واللذان عاشا مئات السنين في وئام وتصالح. وقد عد قطاع من المراقبين أنها «صراع عرقي نشب بين عرب وأمازيغ». لكن رغم مرور تسع سنوات على الوقائع، ليس بإمكان أحد أن يذكر بدقة ما هي الأسباب، التي أدت إلى اندلاع مواجهات بالأسلحة البيضاء في الشوارع، والتي خلفت وراءها 25 قتيلا. غير أن مراقبين محليين يؤكدون أن حالة احتقان حادة سادت المنطقة سبقت الأحداث، سببها ملف التشغيل. فبنو ميزاب، بحسبهم، اتهموا الحكومة وممثليها المحليين، بـ«ممارسة مقاييس مزدوجة» في منح المناصب بالمرافق العامة والمؤسسات الحكومية بالمنطقة، وبأنهم يفضلون عليهم جيرانهم السنة العرب في ملف التوظيف.
أما المالكية الشعانبة فيقولون إن أغلب بني ميزاب حالتهم ميسورة بفضل التجارة، وهي تخصصهم منذ قرون، وإن ما يأتيهم منها يغنيهم عن طلب العمل عند الدولة. كما أنهم يشتكون من «احتكار النشاط التجاري، ورفض تشغيل السنة في محلات الإباضيين».
وتدخَّل على خط المواجهة نشطاء سياسيون معروفون، ما زاد حدّة الأزمة، وأبرزهم الطبيب الميزابي، والقيادي في الحزب المعارض «جبهة القوى الاشتراكية»، كمال الدين فخار، الذي اتهم قوات الشرطة بـ«الانحياز إلى الشعانبة». ودعا أبناء مذهبه إلى «الدفاع عن أنفسكم بأنفسكم وعدم طلب الحماية من الشرطة». وكان هذا الموقف أحد أسباب سجنه، حيث توفي في 28 من مايو (أيار) 2019 متأثرا بتبعات إضراب عن الطعام.
وحاولت السلطات في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999- 2019)، احتواء الوضع بإطلاق مصالحة بين الجانبين. وتم عقد «اتفاق» يتضمن تعهدا منهما بالاحتكام إلى «العقلاء»، في حال وقوع أي خلاف. غير أن الوثيقة لم تصمد طويلا، فعادت معارك الشوارع، ما دفع الحكومة إلى إرسال قوات الجيش إلى غرداية لحسم الوضع. وتم تنظيم عشرات المحاكمات، وصدرت عقوبات قاسية ضد عدد كبير من الموقوفين في تلك الأحداث.