مصر: «الازدواج الكامل» لقناة السويس يثير جدلاً حول التوقيت والتمويل

دراسات الجدوى تستغرق 16 شهراً... والتنفيذ «خارج موازنة الدولة»

سفينة حاويات تمر عبر قناة السويس المصرية (أ.ف.ب)
سفينة حاويات تمر عبر قناة السويس المصرية (أ.ف.ب)
TT

مصر: «الازدواج الكامل» لقناة السويس يثير جدلاً حول التوقيت والتمويل

سفينة حاويات تمر عبر قناة السويس المصرية (أ.ف.ب)
سفينة حاويات تمر عبر قناة السويس المصرية (أ.ف.ب)

أثار مشروع مصري جديد لازدواج قناة السويس بالكامل حالة من الجدل، خاصة ما يتعلق بتوافر مصادر التمويل وتوقيت إعلان المشروع في وقت يواجه فيه الاقتصاد المصري ضغوطاً على الموارد الدولارية، إضافة إلى تراجع عائدات قناة السويس جراء التوتر المتصاعد في البحر الأحمر.

وأعلن رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، عن دراسة مشروع لازدواج القناة بالكامل، بالتعاون مع شركتين دوليتين، موضحاً خلال مشاركته، الأحد، في مؤتمر للنقل البحري واللوجستيات، أن المشروع «يأتي في ظل التحديات التي تواجهها القناة نتيجة هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن».

ونحو 80 كيلومتراً في قناة السويس لا يوجد فيها ازدواج، منها 50 كيلومتراً في الشمال و30 كيلومتراً في الجنوب، وفق تصريحات متلفزة لرئيس هيئة قناة السويس، الأحد.

وعقب جدل أثاره الإعلان، شدد ربيع، في بيان الاثنين، على أن مشروع الازدواج الكامل للمجرى الملاحي للقناة «ما زال في مرحلة الدراسة»، التي تمتد لتشمل دراسات الجدوى والدراسات البيئية والدراسات الهندسية والمدنية وبحوث التربة والتكريك، وغيرها من الدراسات التي ستعكف الهيئة على تنفيذها بالتعاون مع كبرى الشركات الاستشارية العالمية المتخصصة في هذا المجال.

وستنتهي مرحلة الدراسة خلال 16 شهراً تقريباً، كما أشار البيان، تمهيداً لعرض المشروع على الحكومة، على أن «يتم توفير التمويل اللازم لتنفيذ المشروع مستقبلاً من الميزانية الاستثمارية للهيئة المعتمدة من وزارة المالية دون تحميل أي أعباء إضافية على الموازنة العامة للدولة».

وأوضح رئيس الهيئة أن مشروع الازدواج الكامل للقناة يستهدف رفع تصنيف القناة وزيادة تنافسيتها، فضلاً عن زيادة القدرة العددية والاستيعابية للقناة لتصبح قادرة على استيعاب كل فئات وأحجام سفن الأسطول العالمي.

كانت مصر افتتحت في أغسطس (آب) 2015 مشروع ازدواج القناة، الذي اشتهر باسم «قناة السويس الجديدة» بطول 35 كم، وتم تنفيذه خلال عام واحد فقط بمشاركة العديد من الشركات الأجنبية لتنفيذ أعمال الحفر وتجهيز المجرى الملاحي.

ويصف الخبير البحري اللواء عصام الدين بدوي المشروع الجديد بأنه «واعد»، خاصة في ظل مساعي بعض الدول في المنطقة لإيجاد بدائل للقناة، عادّاً أن تنفيذ الازدواج الكامل يجعل من قناة السويس «غير قابلة للمنافسة»، إلا أن بدوي أشار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الأمور المتعلقة بتوقيت إعلان المشروع، وكذلك التساؤلات حول مصادر تمويله «تحتاج إلى مراجعة»، خاصة أن مشروعاً بهذه الضخامة سيتطلب الاستعانة بشركات أجنبية، ومن ثم ينبغي توفير موارد كبيرة بالعملة الأجنبية، مضيفاً أن هيئة قناة السويس لديها إمكانات كبيرة للحفر وتنفيذ المشروع، لكن الأمر قد يستغرق باستخدام الإمكانات الذاتية فترة طويلة، ما يحتم الاستعانة بشركات أجنبية، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضغوط على موارد القناة.

بدوره، تساءل الخبير الاقتصادي رشاد عبده عن دلالة توقيت طرح مشروع كبير لتنفيذ ازدواج قناة السويس من الناحية الاقتصادية، مشيراً إلى أن إيرادات القناة تراجعت بسبب التوترات في البحر الأحمر بنسبة تقترب من 50 في المائة، فضلاً عن تراجع الموارد الدولارية من المصادر الأخرى كتحويلات المصريين في الخارج والسياحة.

وأوضح عبده لـ«الشرق الأوسط» أن توصيات صندوق النقد الدولي للحكومة المصرية ركزت على وقف أي مشروعات مستقبلية تؤدي إلى الضغط على الموارد الدولارية، متسائلاً عن مغزى طرح المشروع الجديد في ظل تلك التوصيات، مشدداً على الحاجة الماسة إلى عمل دراسة جدوى من خلال مؤسسات عالمية وإشراك خبراء اقتصاديين لتحديد أولويات الاستثمار في المرحلة المقبلة.

وتسببت عمليات الاستهداف التي ينفذها الحوثيون لسفن تجارية في مدخل البحر الأحمر في خسائر كبيرة لقناة السويس؛ إذ قدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في تصريحات له الشهر الماضي، تراجع عائدات القناة «بنسبة بين 40 و50 في المائة».

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، أوردت وكالة «بلومبرغ» أن حركة الملاحة في قناة السويس تراجعت بنسبة 41 في المائة عن ذروة عام 2023، وسط تصاعد التوترات جنوب البحر الأحمر بسبب استهداف الحوثيين سفناً في إطار ما يقولون إنه لدعم غزة.

وكان رئيس هيئة قناة السويس، قال في تصريحات سابقة مطلع الشهر الماضي، إن إيرادات القناة انخفضت في يناير 46 في المائة على أساس سنوي، من 804 ملايين دولار إلى 428 مليوناً، مشيراً إلى أن هذه «أول مرة تمر فيها قناة السويس بأزمة بهذا الشكل».

وتسبب الإعلان عن مشروع الازدواج الكامل للممر الملاحي لقناة السويس في حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، ما بين مؤيد للمشروع باعتباره مشروعاً مستقبلياً واعداً يخدم أهداف التنمية ويحقق مزايا تنافسية إضافية للقناة، في حين انتقد آخرون توقيت طرح المشروع في وقت يواجه فيه الاقتصاد المصري ضغوطاً متزايدة على العملات الأجنبية، وسط حالة من التوتر الإقليمي المتصاعد.

وأشاد المدون المصري لؤي الخطيب بالمشروع، موضحاً في منشور له على موقع «فيسبوك» أن حفر «قناة السويس الجديدة» كلف نحو 2.5 مليار دولار، في حين بلغت إيرادات القناة في 2015 (سنة الافتتاح) نحو 5 مليارات دولار، كما شهدت إيرادات القناة زيادة تدريجية حتى وصلت في 2023 إلى 10 مليارات دولار، عادّاً ازدواج قناة السويس «نموذجاً للمشروع الناجح».

في المقابل، أثار مدونون آخرون على مواقع التواصل الاجتماعي مخاوف من توقيت طرح المشروع، وأشار حساب باسم «Eman» على منصة «إكس» إلى أن مشروع ازدواج قناة السويس «مشروع حلو وعالمي وزي الفل بس مش وقته... نشوف مشاريع ذات عائد مالي سريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه».


مقالات ذات صلة

مصر: تعويض خسائر قناة السويس عبر تنويع خدماتها

العالم العربي عبور الحوض العائم «دورادو» الجمعة الماضي كأكبر وحدة عائمة تعبر قناة السويس في تاريخها (هيئة قناة السويس)

مصر: تعويض خسائر قناة السويس عبر تنويع خدماتها

تتّجه قناة السويس المصرية إلى «تنويع مصادر دخلها»، عبر التوسع في تقديم الخدمات الملاحية والبحرية للسفن المارّة بالمجرى الملاحي، في محاولة لتعويض خسائرها.

أحمد إمبابي (القاهرة)
الاقتصاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد (أرشيفية - رويترز)

السيسي يدعو مديرة صندوق النقد إلى «مراعاة التحديات»

أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تطلع بلاده لاستكمال التعاون مع صندوق النقد الدولي، والبناء على ما تَحقَّق «بهدف تعزيز استقرار الأوضاع الاقتصادية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد سفينة شحن تابعة لـ«ميرسك» تمر عبر قناة السويس المصرية العام قبل الماضي (رويترز)

«ميرسك» تستبعد عودتها قريباً لقناة السويس بسبب تهديدات البحر الأحمر

قالت «ميرسك»، الخميس، إنها لا تتوقع استئناف الإبحار عبر قناة السويس حتى عام 2025.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
الاقتصاد رئيس المنطقة الاقتصادية بقناة السويس وليد جمال الدين يشهد توقيع عقد مع مجموعة «بيرل» لإنتاج البولي يوريثان (حساب مجلس الوزراء على فيسبوك)

مصر: «اقتصادية قناة السويس» توقّع عقد مشروع لإنتاج البولي يوريثان مع «بيرل»

أعلنت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس في مصر، توقيع عقد مع مجموعة «بيرل» بشأن مشروع لإنتاج البولي يوريثان في المنطقة الصناعية بالعين السخنة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية مراسم رسمية في ميناءي مقديشو خلال استقبال السفينة التركية «أوروتش رئيس» في مستهل مهمتها قبالة السواحل الصومالية (من حساب وزير الطاقة التركي على «إكس»)

سفينة «أوروتش رئيس» التركية تبدأ البحث عن النفط والغاز قبالة سواحل الصومال

تبدأ سفينة الأبحاث السيزمية التركية «أوروتش رئيس»، خلال الأسبوع الحالي، أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة بالصومال.


البرلمان المصري يفتح باب تعديل مشروع قانون «الإجراءات الجنائية»

جانب من جلسات مجلس النواب (الحكومة المصرية)
جانب من جلسات مجلس النواب (الحكومة المصرية)
TT

البرلمان المصري يفتح باب تعديل مشروع قانون «الإجراءات الجنائية»

جانب من جلسات مجلس النواب (الحكومة المصرية)
جانب من جلسات مجلس النواب (الحكومة المصرية)

فتح مجلس النواب المصري الباب أمام إدخال تعديلات على مشروع قانون «الإجراءات الجنائية» المعروض للمناقشة في الجلسات العامة، وسط سجالات ومناقشات بين مؤيد ومعارض للقانون، الذي يعد أحد أكثر القوانين إثارة للجدل تحت قبة البرلمان منذ الإعلان عن مناقشته نهاية أغسطس (آب) الماضي.

وخلال جلسة عقدت، الثلاثاء، قال رئيس مجلس النواب حنفي جبالي، إن الملاحظات التي أرسلت من نقابة الصحافيين جرى الرد عليها عبر 3 أوجه؛ الأول تضمن استجابة لبعض الملاحظات وجرى تلافيها، مع وضع بعض الاعتراضات محل نقاش، فيما تثور شبهات حول عدم دستورية بعض المقترحات.

وأكد جبالي أن المجلس رد على مختلف المنظمات الحقوقية والنقابات الوطنية التي أرسلت تعقيبات على مشروع القانون، مشيراً إلى أن الباب لا يزال مفتوحاً لتلقي المقترحات، في ظل المناقشات الجارية لتمرير القانون الذي يتمتع بأهمية كبيرة.

وكانت نقابة الصحافيين المصرية أرسلت، الأسبوع الماضي، رداً جديداً على البرلمان تطالب فيه بـ«حوار مجتمعي»، وتعديل عدد من مواد القانون، مع التحذير من الخلط في القانون بين «البث» و«نقل وقائع جلسات المحاكمات»، الأمر الذي رأته يفرض مزيداً من القيود على تغطية المحاكمات التي تعد جزءاً من صميم العمل الصحافي.

ورأت النقابة «أن عدم جواز نقل وقائع الجلسات سواء بسواء مع بثها بأي طريقة، إلا بموافقة كتابية من رئيس الدائرة بعد أخذ رأي النيابة العامة، هو بمثابة اعتداء على حرية الصحافة والإعلام». وقدمت اقتراحاً بتعديلها، مع 4 ملاحظات رئيسية تضمنت ما عدّته النقابة «عيوباً ومخالفات دستورية».

ولا يرى وكيل اللجنة التشريعية بالبرلمان، ورئيس اللجنة الفرعية التي أعدت مشروع القانون، النائب إيهاب الطماوي، أن وصف «مثير للجدل صحيح بحق القانون الذي جرت مناقشته بشكل مستفيض بالفعل على مدار أكثر من عامين، وبوجود ممثلين من مختلف أطياف المجتمع»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» الانفتاح طوال الوقت «على إدخال تعديلات بما يتناسب مع متطلبات مختلف الجهات، ويحقق العدالة المنشودة، ويجعل القانون مواكباً لتغيرات العصر».

وأضاف أن ما قُدم حتى الآن لا يزال مشروع قانون، وبالتالي هناك إمكانية للتعديل عليه، وهو ما كرره البرلمان خلال المناقشات، سواء في اللجنة التشريعية أو في المناقشات خلال الجلسة العامة مع استقبال الملاحظات المختلفة والرد عليها، وتفسير الصياغات الموجودة بمواد القانون.

وشهدت جلسة النواب مناقشات موسعة حول القانون، وسط تباين في آراء النواب بشأنه... وانتقد النائب الوفدي محمد عبد العليم داود مشروع القانون، مؤكداً وجود العديد من الملاحظات، وتمسك بأهمية «إقرار قانون جديد لكن بعد حوار مجتمعي، وإعطاء فرصة لنقابة الصحافيين والأزهر من أجل الاستماع إلى ملاحظاتهما».

كما دعا النائب أحمد بلال البرلسي، عضو الهيئة البرلمانية لحزب «التجمع»، لحوار وطني بشأن القانون «من أجل خروجه بشكل يجعله أكثر قوة»، مشيراً إلى تمسك الحزب بضرورة خروج القانون للنور بإطار توافق وطني.

لكن النائبة أمل زكريا وصفت القانون بـ«مشروع القرن» الذي يستهدف سد أي ثغرة تؤثر على المواطنين في عمليات وإجراءات التقاضي، في وقت يحظى فيه المشروع بموافقة الأغلبية البرلمانية، لكن جلسات المناقشة لا تزال مستمرة للاستماع لمختلف الآراء والتعليقات.

وقال المحامي المصري محمد عبد السلام لـ«الشرق الأوسط»، إن البرلمان استجاب لمطالب نقابة المحامين بالفعل فيما يتعلق بالقانون، مشيراً إلى أن التعديلات التي يدخلها تتضمن مزايا إيجابية عدة تواكب التطورات الحالية.

وأكد محمود كامل، وكيل نقابة الصحافيين ورئيس لجنة الحريات بنقابة الصحافيين لـ«الشرق الأوسط»، أن البرلمان رد على النقابة في المذكرة الأولى، وبانتظار رده على المذكرة الثانية التي تضمنت أموراً جوهرية بشأن القانون.