مصر: تباين «سوشيالي» إزاء تداعيات «صفقة رأس الحكمة» على الدولار

مصطفى مدبولي خلال الإعلان عن "الصفقة الضخمة" (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي خلال الإعلان عن "الصفقة الضخمة" (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر: تباين «سوشيالي» إزاء تداعيات «صفقة رأس الحكمة» على الدولار

مصطفى مدبولي خلال الإعلان عن "الصفقة الضخمة" (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي خلال الإعلان عن "الصفقة الضخمة" (مجلس الوزراء المصري)

لا تزال أصداء «صفقة رأس الحكمة» التي أعلنت عنها مصر، أخيراً، تتصدر اهتمامات المصريين، وسط تباين «سوشيالي» بشأن تداعياتها على «دولار السوق السوداء»، وعلى أسعار السلع في الأسواق المصرية، بين متفائل يتحدث عن «انهيار السوق الموازية للدولار»، ويتوقع انخفاضاً كبيراً في الأسعار، وآخر متشكك «لا يرى لـ(الصفقة) انعكاساً على الأسواق»، وسط تساؤلات عن خطوات الحكومة المصرية المقبلة في التعامل مع التدفقات الدولارية من الصفقة.

ووقعت مصر والإمارات، الجمعة، اتفاقاً لتنمية منطقة «رأس الحكمة» بالساحل الشمالي الغربي لمصر. وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحافي عقب التوقيع، إن صفقة رأس الحكمة «ستتضمن استثماراً أجنبياً مباشراً بقيمة 35 مليار دولار خلال شهرين، وهذه الصفقة تتم في إطار قوانين الاستثمار المصرية».

وتصدرت الصفقة محركات البحث على مواقع التواصل و«التريند» في مصر، السبت، وسط تساؤلات عن تفاصيلها وتأثيرها على الأسواق، لا سيما في ظل موجة غلاء تشهدها البلاد منذ عدة شهور، إثر تباين لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار بين السوق الرسمية و«الموازية»، حيث استقر سعر الدولار في السوق الرسمية بالبنوك عند 30.9 جنيه، في حين تعدى سعر الدولار في «السوق السوداء» خلال الفترة الماضية حاجز الـ70 جنيهاً للدولار. ومع تداول أنباء «الصفقة الضخمة» تحدثت وسائل إعلام محلية، السبت، عن «هبوط سعر الدولار مقابل الجنيه في (السوق السوداء) من نحو 64 جنيهاً إلى 52 جنيهاً».

مخطط مدينة رأس الحكمة (موقع خريطة مشروعات مصر)

وعدّ رجل الأعمال والاقتصادي المصري حسن هيكل، الصفقة «فرصة لانطلاقة جديدة، يجب أن ترتبط بإعادة النظر في الأولويات، وحديث جدي عن دور الدولة في الاقتصاد»، وأجاب هيكل في منشور مطول على حسابه عبر «إكس»، السبت، عن بعض التساؤلات المتداولة بشأن الصفقة، من بينها «عدم طرحها في مناقصة عامة»، وقال: إن «مبلغاً بهذه القيمة لا يمكن لمطور أو مستثمر أن يدفعه مرة واحدة». وأضاف أن «بدايات الحل الاقتصادي تحتاج إلى هزة إيجابية للمنظومة بمبلغ ضخم، فأهمية الصفقة في حجمها».

من جانبه، أشاد رجل الأعمال الإماراتي، خلف الحبتور، بالصفقة. وقال عبر حسابه على «إكس»: «هذا أضخم مشروع في تاريخ مصر... مصر دولة محورية وهي عمود الوطن العربي، وعلينا أن نقف جميعاً لمؤازرتها في أيام الشدة». وأضاف: «هذه المبادرة الإماراتية جاءت في وقتها المناسب لتقوية وإنعاش الاقتصاد المصري، وهي فرصة ذهبية لتحريك عجلة الاقتصاد في مساره الصحيح، وهي ستعمل دون شك في تحريك وتفعيل دور القطاع الخاص بشكل كبير، وستساهم في توفير فرص عمل كثيرة، وستحيي قطاعات اقتصادية مختلفة».

وبعيداً عن رصد تداعيات الصفقة، طالبت الإعلامية المصرية، داليا أبو عمر، الدولة المصرية بالتركيز على التصنيع وحل مشاكل المصنعين، وإزالة «العراقيل» أمام عملهم، وأن يكون العام الجاري هو عام التصنيع. وقالت، في منشور على «إكس»، السبت، إن «التصنيع هو طوق النجاة».

وفي هذا السياق، ورداً على منشور لمواطن كان يتمنى أن تكون الصفقة صناعية أو زراعية وليست عقارية، أكد رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، «عدم أهمية ذلك». وقال، عبر حسابه على «إكس»، «المهم تدفق العملة الأجنبية وفك أزمتها، واستقرار سوق الصرف... وتوفير فرص عمل».

وانشغل عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي برصد تأثير «الصفقة الضخمة» على الأسواق المصرية. وعلق حساب باسم «روزا مصر» عبر «إكس» على الأسعار، بقوله إنه «لم يحدث أي تخفيض في الأسعار، رغم انهيار (السوق السوداء) للدولار». كما شكا من «صعوبة العثور على السكر».

وعلق حساب آخر على «إكس» باسم «راجي عفو الله»، على من يحتفون بالصفقة و«انهيار الدولار»، مطالباً بمراقبة تأثير ذلك «بشكل عملي في الشارع»، وكيف سينعكس على أسعار السلع الغذائية، كما تفاعل عدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مع الآراء التي تحدثت عن تأثير «صفقة رأس الحكمة» على «دولار السوق السوداء»، وتصدر هاشتاغ «#انهيار_السوق_السوداء» مواقع التواصل الاجتماعي، السبت.

وبعيداً عن تباين «السوشيال ميديا» بشأن «الصفقة الضخمة»، وقفت فاطمة علي وخطيبها حسين محمود حائريْن داخل أحد المراكز التجارية بحي مصر الجديدة (شرق القاهرة)، لا يعلمان إن كان ينبغي عليهما شراء الأجهزة المنزلية اللازمة لتجهيز منزلهما الآن، أم انتظار انخفاض الأسعار. وقالت الفتاة العشرينية، التي تعمل موظفة في إحدى شركات القطاع الخاص لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجميع يتحدث عن انخفاض متوقع في الأسعار، لكن الوضع مختلف على الأرض والأسعار ترتفع يومياً». وأضافت أنها «حائرة لا تستطيع اتخاذ قرار. لكن زملاء لها نصحوها بعدم الانتظار بداعي (مافيش حاجة بترخص في مصر)».

ولا يعتقد الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور عز الدين حسانين، أن «صفقة رأس الحكمة»، «ستدفع نحو انخفاض الأسعار في الأسواق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لن يحدث تراجع في الأسعار، وإن حدث فلن يكون كبيراً؛ لأن معظم التجار يبيعون سلعاً تم شراؤها بأسعار مرتفعة للدولار مقابل الجنيه». وأضاف: «لن تكون هناك تأثيرات جوهرية للصفقة على الأسعار حالياً، لكن ربما مع ثبات العوامل الاقتصادية الأخرى والسيطرة على (السوق السوداء) وسعر الصرف، قد يحدث تأثير بعد عام». ولفت إلى أن «السوق المصرية شهدت على مدار الأيام الماضية ارتفاعاً في أسعار بعض السلع، رغم الحديث عن الصفقة والتدفقات الدولارية المنتظرة».

رئيس الوزراء المصري يشهد مراسم توقيع «صفقة رأس الحكمة» (مجلس الوزراء المصري)

لكن الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور مدحت نافع، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «أي ضبط للانفلات الدولاري مع فرص بقاء العوامل الأخرى سيحدث راحة في الأسواق». وأوضح أن «جانباً كبيراً من التضخم في مصر مرتبط بسعر الدولار، لذلك فإن أي تحسن قد ينعكس على أسعار السلع». لكنه أشار إلى أن «مرونة رفع الأسعار تكون أسرع من خفضها، حيث الأمر معتمد على توقعات التجار للسوق في الفترة المقبلة».

وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري انخفاض معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني الوقود وبعض السلع الغذائية متقلبة الأسعار، إلى 29 في المائة على أساس سنوي في يناير (كانون الثاني) الماضي، مقارنة بـ34.2 في المائة في ديسمبر (كانون الأول)، لكن ذلك لم يحد من شكوى المصريين من الغلاء.

ويترقب الجميع تأثيرات «الصفقة الضخمة» على سعر الصرف، وقال حسانين إن «الصفقة ستوفر سيولة دولارية تحدث انتعاشة في البنك المركزي، يمكن استخدامها في حل أزمة البضائع المكدسة في الموانئ، وبالتالي زيادة المعروض السلعي في الأسواق وتوفير مستلزمات الإنتاج»، مضيفاً أن «مثل هذه الإجراءات ستحدث صدمة في السوق، تدفع لتقليل الطلب على الدولار في (السوق الموازية)، ما يؤدي لتراجع سعر الدولار ليقترب من السعر الرسمي».

مصريون يترقبون تأثيرات «الصفقة الضخمة» على «دولار السوق السوداء» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأوضح حسانين أن «التدفقات الدولارية لمصر من الصفقة تتطلب اتخاذ إجراءات للاستفادة منها، من بينها تحريك سعر الصرف الرسمي لجمع الدولار من (السوق السوداء)، واستعادة تحويلات المصريين في الخارج»، مقترحاً «تقديم تسهيلات للمواطنين لإيداع وتغيير العملات الأجنبية في البنوك، ولو فترة مؤقتة على غرار ما تم عام 2016».

بينما أكد نافع «ضرورة التعامل مع الصفقة بوصفها مشروعاً اقتصادياً لا بد أن يترافق مع تدابير عدة للاستفادة منه». وقال: «من المهم معرفة كيف سيتم الاستفادة من السيولة الدولارية التي ستوفرها الصفقة، وهل ستنفق على مشروعات استهلاكية تستنزفها، أم أن الحكومة ستعتمد إجراءات تقشفية وسياسة للضبط النقدي».

وشدد نافع على «ضرورة أن تترافق الصفقة مع سياسات الضبط النقدي، مع تخفيف الإنفاق على المشروعات الكبرى، وتقليل الاستيراد، واعتماد سعر صرف ربط مرن للجنيه، ما يُسهم في تحسين الإيرادات الدولارية للبلاد من تحويلات المصريين في الخارج وغيره».


مقالات ذات صلة

الصيف على الأبواب... فهل تلجأ مصر إلى تخفيف أحمال الكهرباء؟

شمال افريقيا منطقة المقطم في القاهرة خلال انقطاع الكهرباء في وقت سابق (أرشيفية - أ.ف.ب)

الصيف على الأبواب... فهل تلجأ مصر إلى تخفيف أحمال الكهرباء؟

واجهت مصر أزمة بلغت ذروتها الصيف الماضي؛ بسبب نقص الوقود والغاز اللازمين لتشغيل محطات الكهرباء مع زيادة الاستهلاك نتيجة موجات الحر.

أحمد عدلي (القاهرة )
المشرق العربي قادة يحضرون الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الرابعة والثلاثين في بغداد بالعراق (أ.ب) play-circle

«قمة بغداد»... دعوات لوقف النار في غزة ورفض لتهجير الفلسطينيين

بدأت القمة العربية الرابعة والثلاثون على مستوى القادة في بغداد اليوم السبت لبحث عدد من القضايا الإقليمية على رأسها الأوضاع في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
شمال افريقيا محطة «الضبعة النووية» (هيئة المحطات النووية)

مصر وروسيا لتسريع العمل بمشروع «الضبعة» النووي

تستهدف مصر وروسيا تسريع العمل بمشروع محطة «الضبعة» النووي، لتوليد الكهرباء، وتنفيذ مراحله، وفق المخطط الزمني.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الاقتصاد  الحكومة المصرية تقدم تسهيلات للمزارعين من أجل توريد القمح (وزارة الزراعة)

هل تُحفز تيسيرات الحكومة المصرية المزارعين على توريد القمح؟

تسعى الحكومة المصرية لتشجيع المزارعين على سرعة توريد القمح خلال الموسم الحالي، الذي بدأ منتصف الشهر الماضي.

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا السلطات المصرية تحدثت عن انتهاء 60في المائة من أعمال إنشاء خط سكة حديد متكامل يربط سيناء بشتى أنحاء البلاد (وزارة النقل)

مصر: خط سكة حديد في سيناء... ماذا يعني؟

تعمل السلطات المصرية على تدشين خط سكة حديد جديد يربط شمال سيناء بشبكة السكك الحديدية في البلاد.

هشام المياني (القاهرة )

«إعلان بغداد»: فلسطين «قضية مركزية»... ولا رجعة عن حل الدولتين

القادة المشاركون في «قمة بغداد» (الرئاسة المصرية)
القادة المشاركون في «قمة بغداد» (الرئاسة المصرية)
TT

«إعلان بغداد»: فلسطين «قضية مركزية»... ولا رجعة عن حل الدولتين

القادة المشاركون في «قمة بغداد» (الرئاسة المصرية)
القادة المشاركون في «قمة بغداد» (الرئاسة المصرية)

جدّد «إعلان بغداد» تأكيد الثوابت بشأن القضية الفلسطينية بصفتها «قضية العرب المركزية»، مشدداً على «الالتزام بمبادئ حسن الجوار، وحل الخلافات سلمياً»، وداعياً إلى حوار سوري شامل، وتشكيل حكومة مدنية منتخبة في السودان.

واستضافت العاصمة العراقية بغداد فعاليات الدورة الـ34 للقمة العربية التي عُقدت في ظروف تُوصف بأنها «الأسوأ» في تاريخ المنطقة، لا سيما مع استمرار حرب غزة، ومعاناة دول عربية من صراعات داخلية، بالإضافة إلى خلافات بينية عربية، وهو ما انعكس على مخرجات القمة.

وجاءت ديباجة «إعلان بغداد»، المكوّن من 19 صفحة، لتؤكد أن انعقاد القمة يأتي «رغبة في تحقيق الاستقرار والازدهار للأمة العربية، واستجابة للتحدّيات التي تواجهها في ظل التحولات الإقليمية والدولية الراهنة».

وقد شمل الإعلان ثلاثة أقسام، يتعلّق الأول بقرارات القمة العربية، والثاني بالقمة التنموية، أما الأخير فضم 16 مبادرة أطلقها العراق.

قضية العرب المركزية

وجاءت القضية الفلسطينية على رأس القسم الأول من الإعلان، مؤكداً الدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني؛ ومن بينها حق إقامة الدولة وحق العودة والتعويض للاجئين. وطالب بـ«الوقف الفوري للحرب في غزة». ودعا جميع الدول إلى تقديم الدعم السياسي والمالي والقانوني للخطة العربية - الإسلامية المشتركة بشأن إعادة الإعمار والتعافي المبكر في غزة التي اعتمدتها القمة العربية الطارئة بالقاهرة، في مارس (آذار) الماضي، ووزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في الشهر نفسه بجدة.

ورحّب الإعلان بالمقترحات والمبادرات التي تقدّمت بها الدول العربية لإنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة. وشدّد على أهمية التنسيق المشترك للضغط باتجاه فتح جميع المعابر أمام إدخال المساعدات الإنسانية، وتمكين وكالات الأمم المتحدة، ولا سيما «الأونروا»، من العمل في الأراضي الفلسطينية.

صورة وزّعها مكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهو يلتقي رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز (إ.ب.أ)

وجدّد تأكيد «المواقف السابقة بالرفض القاطع لأي شكل من أشكال التهجير والنزوح للشعب الفلسطيني من أرضه، وتحت أيّ مُسمَّى أو ظرف أو مُبرِّر؛ الأمر الذي يُعَدُّ انتهاكاً جسيماً لمبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وجريمة ضد الإنسانية، وتطهيراً عِرقيّاً». وأيّد «دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى عقد مؤتمر دولي للسلام، واتخاذ خطوات لا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتَيْن».

وفي هذا الصدد، دعّم إعلان بغداد «جُهود عقد مؤتمر دولي رفيع المستوى لتطبيق حل الدولتَيْن، وتجسيد استقلال فلسطين برئاسة مشتركة سعودية - فرنسية خلال يونيو (حزيران) المقبل في مقر الأمم المتحدة».

وطالب بنشر قوات حماية للشعب الفلسطيني وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في فلسطين إلى حين تنفيذ حل الدولتَيْن، داعياً مجلس الأمن الدولي إلى «اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ حل الدولتَيْن»، مشدداً على «ضرورة وضع سقف زمني لهذه العملية».

وأكد الإعلان «دعم رؤية الرئيس الفلسطيني حول أهمية تحقيق الوحدة الوطنية على قاعدة الالتزام بمنظمة التحرير الفلسطينية المُمثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وفق مبدأ النظام الواحد، والقانون الواحد، والسلاح الشرعي الواحد»، مع «تمكين حكومة دولة فلسطين من تولّي الحكم في غزة».

كما أكد أن «الخيار الديمقراطي والاحتكام إلى صندوق الاقتراع هما الطريق الوحيد لاحترام إرادة الشعب؛ لاختيار من يُمثّله عبر انتخابات عامة رئاسية وتشريعية تُجرى في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية».

ورحّب بـ«الجهود المستمرة للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتَيْن، الذي أُطلق بنيويورك في سبتمبر (أيلول) 2024 من قِبل المملكة العربية السعودية». ودعّم «الجهود الدبلوماسيّة الحثيثة للجنة الوزارية المنبثقة عن القمة العربية - الإسلامية المشتركة بشأن غزة؛ للحثّ على وقف إطلاق نار فوري، وبدء اتخاذ خطوات عملية لتنفيذ حل الدولتَيْن».

حوار وطني سوري

وحول الوضع في سوريا، أكد «إعلان بغداد» احترام خيارات الشعب السوري، بكل مُكوّناته وأطيافه، ودعم وحدة الأراضي السورية، ورفض جميع التدخلات في الشأن السوري. كما أدان «الاعتداءات الإسرائيليّة المُستمِرَّة على الأراضي السورية». ودعا المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي إلى «مُمارسة الضغط لوقف هذه الاعتداءات».

وأكد «ضرورة المُضِي بعملية سياسية انتقالية شاملة تحفظ التنوع والسلم المُجتمعي مع أهمية احترام معتقدات ومُقدَّسات فئات ومُكوَّنات الشـعب السوري كافّة». ورحب بإعلان رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب الأخير رفع العقوبات المفروضة على سوريا، موجهاً الشكر إلى السعودية على الجهود المبذولة لدعم الموقف السوري في هذا الشأن. كما رحّب بتخفيف العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا. ودعا إلى تبنّي مُؤتمر حوار وطني شامل يضمُّ مُكوّنات الشعب السوري كافّة».

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في قمة بغداد (أ.ب)

حكومة سودانية منتخبة

وأكد إعلان بغداد «دعمه الدائم للبنان في مواجهة التحدّيات، والحفاظ على أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها وحماية حدودها المُعترف بها دولياً في وجه أي اعتداءات عليها وعلى سيادتها، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية»، مشدداً على «ضرورة تطبيق الترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية بجميع بنوده، والالتزام بقرار مجلس الأمن رقم (1701) بكامل مندرجاته، وإدانة خروقات إسرائيل لهما، ومطالبتها بالانسحاب الكامل والفوري وغير المشروط من لبنان إلى الحدود المُعترف بها دولياً».

وجدد الإعلان تأكيد «الدعم الثابت لمجلس القيادة الرئاسي في اليمن برئاسة الدكتور رشاد محمد العليمي»، مؤكداً «مُساندة جُهود الحُكومة اليمنية الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية بين مكوّنات الشعب اليمني كافّة». كما أيّد «المساعي الأممية والإقليمية الهادفة إلى التوصل لحل سياسي شامل للأزمة اليمنية».

وأكد «التضامن مع السودان وشعبه في سعيه لتأمين مُقدَّراته وحماية أراضيه وبنيته التحتية الحيوية، والحفاظ على سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه، ورفض التدخل في شؤونه، وتعزيز جهوده في الحفاظ على مؤسساته الوطنية، والحيلولة دون انهيارها عن طريق تشكيل حكومة مدنيّة مُستقلّة ومُنتخَبة».

ودعا إلى «بحث إمكانية الدعوة إلى استئناف مسار جدة (3) للتوصل إلى الحلول السلمية المستدامة». وطالب مجموعة الاتصال العربيّة المُشكَّلة من وزراء خارجية مصر والسعودية والأمين العام لجامعة الدول العربية بـ«مواصلة جهودهم ومساعيهم الحميدة بغية التوصل إلى حلول تُلبّي التطلعات السودانية في الاستقرار والتنمية».

وأكد الإعلان «دعم ليبيا الكامل، وحل الأزمة فيها عبر الحوار الوطني بما يحفظ وحدة الدولة»، مع «رفض جميع أشكال التدخل في شُؤُونها الداخلية». وجدد دعمه «خروج القوات الأجنبية والمرتزقة كافّة من ليبيا في مدى زمني مُحدَّد».

وأكد سيادة الإمارات على جُزُرها الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى)، داعياً إيران إلى «التجاوب مع مُبادرة الإمارات لإيجاد حل سلمي لهذه القضية عبر المُفاوضات المُباشرة، أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية؛ وفقاً لقواعد القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة».

وأكد ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وفقاً للمرجعيات المُتفق عليها. وشدد على أنَّ الأمن المائي يُشكّل ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي العربي. وأبرز في هذا السياق أهمية دعم الجهود التي تبذلها كلّ من العراق، ومصر، والسودان، وسوريا؛ لضمان حقوقها المائية المشروعة.

وأدان جميع أشكال وأنماط الإرهاب والأفكار المرتبطة به، مشدداً على التصدّي للجريمة المنظمة، ومكافحة المُخدّرات والاتجار بالبشر، وغسل الأموال. كما دعا إلى تفعيل الإجراءات الرادعة لمكافحة خطاب الكراهية والتطرف والتحريض.

وحول الأوضاع الإقليمية والدولية، أكد أن «التوترات المتصاعدة على الساحة الدولية تسلط الضوء على تراجع الدبلوماسية مقابل استخدام القوة في تسوية الخلافات والنزاعات، مما يُنذر بخطر انعدام الحلول العادلة والمنصفة».

وفي هذا الصدد أعرب القادة العرب عن دعم المحادثات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية للتوصل إلى نتائج إيجابية لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. كما ثمّن الإعلان دور سلطنة عُمان في هذه المحادثات، مؤكداً من جديد الحرص على التعاون الوثيق مع منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.

استراتيجية الأمن الغذائي

وتضمّن القسم الثاني من إعلان بغداد القرارات الخاصة بالقمة التنموية الخامسة؛ إذ أشاد بمبادرة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، حول الاقتصاد الأزرق. ورحّب بالمبادرة العربية للذكاء الاصطناعي. وأشاد بمبادرة مصر في مجال مكافحة الأمراض. وحيّا دور الإمارات في مبادرة صنع الأمل والمستقبل الأفضل للإنسان العربي.

وأقر الاستراتيجية العربية للأمن الغذائي للفترة (2025-2035)، داعياً إلى دعم خطة الاحتياجات التنموية، ومشاريع البنية التحتية في اليمن، ودعم مشاريع التنمية المقدمة من السودان. وأقر مشروع دعم وإيواء الأسر النازحة جراء العدوان الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية. وطالب برفع العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة والكهرباء في سوريا. ورحّب باعتماد الخطة التنفيذية للاستراتيجية العربية للأمن المائي 2030.

مبادرات عراقية

واختتم إعلان بغداد بالترحيب بالمبادرات التي أطلقها العراق، منها «المبادرة العربية للدعم الإنساني والتنموي» التي تمّ من خلالها إنشاء «الصندوق العربي لدعم جهود التعافي وإعادة الإعمار من آثار الأزمات»؛ إذ أعلن العراق التبرُّع بمبلغ قدره 40 مليون دولار إلى الصندوق؛ تُخصص 20 مليون دولار لدعم الجهود الإنسانيّة، وإعادة الإعمار في قطاع غزة، و20 مليون دولار لدعم جهود إعادة الإعمار في لبنان.

وتضمن الإعلان إطلاق مبادرة «العهد العربي لدعم الشعب السوريّ»؛ لدعم التأسيس لعملية انتقالية سياسية شاملة في سوريا، وتدعم المُبادرة تنظيم مؤتمر دولي لتحشيد الدعم الدولي لعملية إعادة الإعمار في سوريا، وتعزيز جهود العودة الآمنة والمنظمة والكريمة لأبناء الشعب السوري النازحين والمهجرين.

ورحّب بدعوة العراق إلى مشاركة الدول العربية في «مشروع طريق التنمية»، بوصفه من المشاريع العربية التنموية والاستراتيجية في المنطقة.

كما رحب بدعوة بغداد إلى «تشكيل لجنة وزارية عليا مفتوحة العضوية تتكوّن من العراق والبحرين والأمين العام لجامعة الدول العربية، والدول العربية الراغبة في الانضمام إليها، تتولّى مهمة تقريب وجهات النظر بين الأشقاء لتسوية الخلافات وتهدئة الأجواء».

ومع تأييد العراق جميع ما جاء في الفقرات الخاصة بالقضية الفلسطينية سجّل «تحفظه على عبارة (حدود الرابع من حزيران 1967)، وعبارة (القدس الشرقية)، وعبارة (حل الدولتَيْن)، وأي عبارة تدل صراحة أو ضمناً إلى الكيان الإسرائيلي كـ(دولة) أينما يتمّ ذكرها، وذلك في إطار الحفاظ على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس، لكونها لا تتماشى مع القوانين العراقية النافذة».