واشنطن تتهم الجيش السوداني بعرقلة المساعدات عبر الحدود مع تشاد

«قوات الدعم السريع» تعلن تدمير طائرة في قاعدة «وادي سيدنا»

مساعدات إغاثية تأتي من مدينة القضارف في شرق السودان 22 فبراير (أ.ف.ب)
مساعدات إغاثية تأتي من مدينة القضارف في شرق السودان 22 فبراير (أ.ف.ب)
TT

واشنطن تتهم الجيش السوداني بعرقلة المساعدات عبر الحدود مع تشاد

مساعدات إغاثية تأتي من مدينة القضارف في شرق السودان 22 فبراير (أ.ف.ب)
مساعدات إغاثية تأتي من مدينة القضارف في شرق السودان 22 فبراير (أ.ف.ب)

رفضت الحكومة السودانية اتهامات وزارة الخارجية الأميركية للجيش بأنه يعرقل وصول مساعدات الإغاثة الإنسانية للمناطق التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع»، وعدَّتها «باطلة». وأضافت الحكومة أن واشنطن، في المقابل، تجاهلت إدانة «قوات الدعم السريع» على ما سمته «جرائم الإبادة الجماعية»، قائلة إن موقف الخارجية الأميركية يعد «سعياً متعسفاً، وتوزيعاً للإدانات على الجميع بقصد إقحام الجيش السوداني في هذه الاتهامات».

وأبدت وزارة الخارجية الأميركية في بيان صحافي قلقها العميق إزاء ما سمته قرار الجيش السوداني بحظر المساعدات الإنسانية عبر الحدود مع تشاد، وعرقلة وصولها للمناطق التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع»، وفي ذات الوقت نددت بقيام «قوات الدعم السريع» بنهب المنازل والأسواق ومستودعات المساعدات الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها.

طائرة إغاثية سعودية تحمل على متنها 30 طناً من السلال الغذائية والمواد الطبية (واس)

الالتزام بـ«إعلان جدة»

وذكّر البيان الأميركي طرفي القتال في السودان بالتزاماتهما بالقانون الإنساني الدولي في «إعلان جدة» الخاص بحماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات إليهم. وقالت الخارجية الأميركية إنها تدين بشدة ما سمته تصرفات الجيش و«قوات الدعم السريع» وبعض المسؤولين المدنيين، في تقييد «الحيز المدني، والوصول إلى الإنترنت وشبكات الهاتف المحمول، وتأجيج الصراع العرقي، وتجريم المجموعات التي تقدم الدعم للمجتمعات المتضررة من الصراع».

كما أشارت إلى ما أطلقت عليه «تصاعد وتيرة خطاب الكراهية، والتشهير بالأفراد الذين يدعون إلى وقف القتال، مثل استهداف لجان المقاومة والناشطين المؤيدين للسلام وقادة المجتمع المدني، وكذلك الجهات الفاعلة الإنسانية والعاملين في المجال الطبي والصحافيين بالإضافة إلى أعضاء الأحزاب السياسية». وأكدت الخارجية الأميركية إدانتها الصريحة لتفشي عمليات الاغتصاب والتعذيب وغيرها من الانتهاكات المشينة ضد المدنيين، قائلة: «نحن ندين على نحو لا لبس فيه هذه الأعمال».

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان خلال تفقد عدد من قواته (إعلام مجلس السيادة السوداني)

«اتهامات باطلة»

ومن جانبها، أعلنت وزارة الخارجية السودانية في نشرة صحافية، يوم السبت، رفضها ما سمته «الاتهامات الباطلة» التي تضمنها بيان وزارة الخارجية الأميركية ضد الجيش وحكومة السودان بشأن المساعدات الإنسانية والأنشطة المدنية.

وقالت إن بيان الخارجية الأميركية تجاهل «إدانة صريحة وواضحة وحصرية، ضد الميليشيا الإرهابية المسؤولة عن جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعنف الجنسي والجرائم ضد الإنسانية في السودان، الذي أقرته الإدارة والمؤسسة التشريعية الأميركية». وأضافت الخارجية السودانية أن البيان الأميركي «سعى بطريقة متعسفة لتوزيع الإدانات عبر إقحام الجيش في مسائل لا صلة له بها، متجاهلاً أن الحدود التشادية تسيطر عليها (قوات الدعم السريع)».

وتابعت الخارجية السودانية أن البيان الأميركي «أقحم الجيش أيضاً في قطع الاتصالات الذي تتحمل مسؤوليته (قوات الدعم السريع) وحدها، وأنه رغم إشارته لانتشار عمليات الاغتصاب والتنكيل بالمدنيين لم يحدد المسؤول عن تلك الجرائم التي ترتكبها الميليشيا الإرهابية»، في إشارة إلى «قوات الدعم السريع».

ويتبادل الطرفان المتحاربان في السودان الاتهامات بقطع الاتصالات وخدمة الإنترنت، إذ اتهمت الجهات الحكومية المختصة بالاتصالات «قوات الدعم السريع» بقطع هذه الخدمة، زاعمة أن الجيش أمر بقطعها عن المناطق التي يسيطر عليها. وفي المقابل، تتهم «قوات الدعم السريع» الحكومة بقطع الخدمة عمداً عن إقليمي كردفان ودارفور اللذين يعدان حاضنة اجتماعية لـ«قوات الدعم السريع».

وجددت الخارجية السودانية تأكيد التزام الحكومة بـ«إعلان جدة الإنساني» الموقَّع في 11 مايو (أيار) الماضي، وانتقدت ما سمته مواقف الإدارة الأميركية المترددة تجاه «تنصل الميليشيا من هذا الإعلان».

«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

تدمير طائرة «أنتنوف»

ميدانياً، أعلنت «قوات الدعم السريع» أن القوات الخاصة التابعة لها، نفذت يوم السبت، ما وصفته بعملية «نوعية كبيرة» استهدفت مواقع للجيش في منطقة «وادي سيدنا» التي توجد بها قاعدة جوية رئيسية تتبع الجيش، وفي كرري شمال مدينة أمدرمان. وأضافت في بيان عبر منصة «إكس»، أن قواتها تمكنت في هذه العملية من تدمير طائرة «أنتنوف»، وإصابة طاقمها، مشيرة إلى أن هذه الطائرة «كانت تقوم بإسقاط البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين الأبرياء في مدن السودان المختلفة». وأشارت «قوات الدعم السريع» إلى تنفيذ عملية نوعية ثانية استهدفت منطقة كرري تم فيها تدمير عدد من المدافع والآليات العسكرية، وفق البيان الذي نقلته «وكالة أنباء العالم العربي». واندلعت الحرب في السودان بين الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، في 15 أبريل (نيسان) الماضي؛ ما أسفر عن مقتل نحو 14 ألف شخص.


مقالات ذات صلة

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

شمال افريقيا البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

تشهد مدينة بورتسودان حراكاً دبلوماسياً مطرداً لإنهاء الاقتتال بوصل المبعوث الأممي، رمطان لعمامرة، ومباحثات خاطفة أجراها نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)

ماكرون يدعو إلى «إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار» في السودان

دعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، طرفي النزاع في السودان إلى «إلقاء السلاح» بعد عام ونصف العام من الحرب التي تعصف بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
شمال افريقيا من داخل أحد الصفوف بمدرسة «الوحدة» في بورتسودان (أ.ف.ب)

الحرب تحرم آلاف الطلاب السودانيين من امتحانات «الثانوية»

أعلنت الحكومة السودانية في بورتسودان عن عزمها عقد امتحانات الشهادة الثانوية، السبت المقبل، في مناطق سيطرة الجيش وفي مصر، لأول مرة منذ اندلاع الحرب.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا لقاء حاكم اقليم دارفور و نائب وزير الخارجية الروسي في موسكو (فيسبوك)

مناوي: أجندتنا المحافظة على السودان وليس الانتصار في الحرب

قال حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة «جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، إن أجندة الحركة «تتمثل في كيفية المحافظة على السودان، وليس الانتصار في الحرب».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا 
أرشيفية لمتظاهرين في واشنطن يطالبون البيت الأبيض بالتدخل لوقف حرب السودان في أبريل 2023 (أ.ف.ب)

سودانيون يحيون ذكرى ثورة 19 ديسمبر بـ«احتجاجات إسفيرية»

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي السودانية إلى «ساحة نزال لفظي عنيف» في الذكرى السادسة لثورة 19 ديسمبر (كانون الأول) التي أنهت حكم البشير بعد 30 عاماً في السلطة.

أحمد يونس (كمبالا)

تباين ليبي بشأن تفعيل مخرجات «اجتماع بوزنيقة»

جانب من اجتماع أعضاء بمجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» في بوزنيقة بالمغرب (المتحدث باسم مجلس النواب)
جانب من اجتماع أعضاء بمجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» في بوزنيقة بالمغرب (المتحدث باسم مجلس النواب)
TT

تباين ليبي بشأن تفعيل مخرجات «اجتماع بوزنيقة»

جانب من اجتماع أعضاء بمجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» في بوزنيقة بالمغرب (المتحدث باسم مجلس النواب)
جانب من اجتماع أعضاء بمجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» في بوزنيقة بالمغرب (المتحدث باسم مجلس النواب)

أعلن ممثلون عن مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا، نهاية الأسبوع الماضي، توصلهم إلى اتفاق يستهدف إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في البلاد، بما يضمن التمهيد لإجراء الانتخابات العامة بالبلاد.

وجاء الاتفاق، الذي توصّل له المجتمعون في مدينة بوزنيقة المغربية، بعد أيام قليلة من طرح المبعوثة الأممية بالإنابة، ستيفاني خوري، «مبادرة جديدة»، تستهدف كسر الجمود الراهن بالأزمة السياسية، والمضي قدماً نحو إجراء الاستحقاق الانتخابي المنتظر.

من جلسة سابقة لأعضاء المجلس الأعلى للدولة (المجلس)

ووسط تباين ردود الفعل حول مخرجات اجتماع المجلسين، بين مرحّب بها، بوصفها «خطوةً لتجاوز الأزمة السياسية»، ومَن عدّها تدشيناً لمسار مضاد لمبادرة خوري، ومحاولة مكررة من البرلمان لإزاحة حكومة «الوحدة الوطنية»، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، في ضوء تصاعد الخصومة بينهما، تركزت التساؤلات حول مدى إمكانية تفعيل مخرجات هذا الاتفاق، خصوصاً في ظل افتقاره لأي دعم دولي أو إقليمي.

بداية، يرى رئيس لجنة الشؤون السياسية بالمجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، أن اجتماع بوزنيقة التشاوري هو «امتداد لسلسلة اجتماعات سابقة، عقدها أعضاء بالبرلمان مع كتلة من أعضاء (الأعلى للدولة) في كل من تونس والقاهرة خلال الأشهر الماضية»، مشيراً إلى أنها «لم تسفر عن أي جديد، ولم يتم تنفيذ أي من مخرجاتها، التي تَقدَّمها أيضاً مقترح تشكيل حكومة جديدة، ودعوة البرلمان لفتح باب الترشح لرئاستها».

ويعتقد معزب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «الهدف الرئيسي لهؤلاء المجتمعين، الذين تجاوز عددهم 50 شخصاً، هو تغيير الحكومة القائمة بطرابلس، وليس العمل على الوصول للانتخابات»، لافتاً إلى أن بنود الاتفاق «تجاهلت الاعتراضات على القانونَين المنظِّمَين للاستحقاق الانتخابي». كما تم «التغافل عن سعي خوري لتشكيل لجنة استشارية لحلحلة المسائل العالقة بالقانونَين».

عدد من أعضاء مجلس النواب الليبي (مجلس النواب)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي «الوحدة» ومقرها طرابلس، والأخرى مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب.

ويعدّ ملف تشكيل «حكومة جديدة» من القضايا الخلافية بين القوى والأطراف الرئيسية في ليبيا، حيث يتمسّك البرلمان بضرورة تشكيلها بهدف إجراء الانتخابات، لكن في المقابل يرفض الدبيبة القوانين الانتخابية التي أقرّها البرلمان، ويصفها بأنها «غير عادلة»، ويطالب بقوانين تُجرى على أساسها الانتخابات، وبعدها يُسلِّم السلطة.

وانتقدت بعض الأوساط السياسية تغافل المجتمعين في بوزنيقة وجود نزاع منظور أمام القضاء، منذ 4 أشهر على رئاسة «الأعلى للدولة»، بين كل من خالد المشري ومحمد تكالة، ومعارضة الأخير لأي تقارب مع البرلمان قبل تعديل القوانين الانتخابية.

خالد المشري (المكتب الإعلامي للمجلس)

من جانبه، ذهب الناشط السياسي الليبي، أحمد التواتي، إلى أن ما ورد في بنود اتفاق المجلسين في بوزنيقة من «تشكيل لجان مختلفة لوضع تقارير خلال شهر حول كيفية معالجة قضايا متجذرة، منها محاربة الفساد، وإعادة تكليف المناصب السيادية، يثير كثيراً من التساؤلات حول أهداف ونوايا المجلسين، قبل قدرتهما على تفعيل تلك المخرجات».

وقال التواتي لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كان المجلسان لا يهدفان للتشويش على مبادرة خوري، بالعمل على استنزاف الوقت لحين انتهاء مهمة البعثة في نهاية يناير (كانون الثاني) المقبل، فهذا يعني أنهما عرقلا طيلة السنوات السابقة التوافق بينهما بشأن معالجة الملفات المصيرية، التي كانت سبباً في معاناة الليبيين». واستبعد التواتي أن يؤدي هذا الاتفاق «لتحقيق هدف المجتمعين، المتمثل في إزاحة حكومة الدبيبة؛ التي جاءت باتفاق سياسي برعاية أممية، وفي الأغلب لن تغادر دون اتفاق مماثل».

ليبيون عدّوا مخرجات اجتماع بوزنيقة تدشيناً لمسار مضاد لمبادرة خوري (البعثة)

بالمقابل، دافع عضو مجلس النواب الليبي، حسن الزرقاء، عن الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في المغرب، عادّاً أنه «سيقود البلاد نحو إجراء الانتخابات».

وقال الزرقاء لـ«الشرق الأوسط» إن «اللجان التي انتهى إليها الاتفاق بدأت عملها؛ وبعد شهر ستضع رؤيتها لمعالجة كثير من القضايا التي سبق أن عرقلت إجراء الانتخابات»، ومن بينها توفير الموارد لمشروع التعداد الوطني.

وانتقد الزرقاء ما يتردد حول أن مخرجات بوزنيقة «هي خطوة لعرقلة مبادرة خوري»، وقال موضحاً: «بالعكس من ذلك... الاتفاق بمثابة خطة داعمة للمبادرة. واجتماع ممثلي المجلسين يرسخ استعادة القوى الوطنية زمام المبادرة لحل الأزمة السياسية، بعيداً عن أي تدخلات دولية».

ورغم إقراره بوجود خصومة بين البرلمان وحكومة الدبيبة، فقد شدَّد الزرقاء على أن «الهدف الرئيسي للاجتماع هو إيجاد حكومة موحدة تمهِّد للانتخابات، ومن ثم ستزيح الدبيبة وأيضاً حكومة أسامة حماد».

وانضم الزرقاء إلى آراء كثيرين من أعضاء البرلمان، الذين اعترضوا على دعوة خوري لتشكيل لجنة استشارية لحلحلة القضايا العالقة بقانونَي الانتخابات، موضحاً أن القوانين التي أقرّها البرلمان «هي نتاج لجنة مؤلفة من أعضاء المجلسين، ومعظمهم شارك في اجتماع بوزنيقة، وتوافقوا حول مخرجاته، وهو ما يفنِّد الاحتياج للجنة جديدة».

وأوضح: «نفضِّل أن تركز البعثة في مساعدة الليبيين على الوصول للاستحقاق، عبر دعم حلول وطنية، لا المساس بقوانين تم إقرارها من سلطة تشريعية منتخبة، وصرَّحت المفوضية الوطنية للانتخابات بأنها قابلة للتنفيذ».