ما أسباب تجاهل قرار «النواب» الليبي حظر تمويل حكومة الدبيبة؟

الزرقاء: هذا القرار لا يُعتد به في ظل الانقسام السياسي والحكومي

عقيلة صالح خلال جلسة سابقة لمجلس النواب (مجلس النواب)
عقيلة صالح خلال جلسة سابقة لمجلس النواب (مجلس النواب)
TT

ما أسباب تجاهل قرار «النواب» الليبي حظر تمويل حكومة الدبيبة؟

عقيلة صالح خلال جلسة سابقة لمجلس النواب (مجلس النواب)
عقيلة صالح خلال جلسة سابقة لمجلس النواب (مجلس النواب)

مضى نحو أسبوع على مطالبة رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، النائب العام والمصرف المركزي وديوان المحاسبة ومؤسسة النفط بحظر تمويل حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وهو ما طرح عدة تساؤلات حول أسباب عدم تفعيل هذا القرار، ولماذا تم اتخاذه؟

وبينما عدَّ البعض القرار خطوة من السلطة التشريعية لـ«إيقاف إهدار المال العام» من قبل حكومة الدبيبة، وصفه آخرون بكونه محاولة من البرلمان لتوظيف ما يتردد عن وجود خلاف قائم بين الدبيبة ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير.

ورأى عضو مجلس النواب الليبي، حسن الزرقاء، أن القرار يمثل خطوة تصعيدية من مجلسه تجاه الدبيبة «دون أن تكون هناك ضمانات بإمكانية تنفيذه من عدمه». وقال الزرقاء لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يُعتد بهذا القرار في ظل الانقسام السياسي والحكومي الراهن؛ لكن كان يجب على البرلمان اتخاذ أي خطوة لتبرئة موقفه أمام الرأي العام»، متحدثاً عما سمَّاه «الإنفاق المتزايد لحكومة الدبيبة، دون أي سند قانوني؛ إلى جانب محاولتها خصخصة عدد من الشركات؛ لولا تدخل النائب العام لوقف هذه الخطوة».

ووفق بعض المراقبين، فإن القرار الأخير جاء في إطار الرد على اتهام الدبيبة للبرلمان بعدم اعتماد الميزانية العامة للبلاد، وهو ما ترتب عليه تأخر حكومته في صرف رواتب العاملين بالدولة، وهو ما نفاه كثير من البرلمانيين.

وعدَّ الكاتب والمحلل السياسي الليبي، عبد الله الكبير، قرار مجلس النواب «محاولة تصعيدية جدية» في مواجهة الدبيبة، وذلك عبر ما سمَّاه «انتهاز الفرصة لتوظيف الخلاف بين الأخير وبين محافظ المصرف المركزي». وقال الكبير لـ«الشرق الأوسط» إن البرلمان «يحاول توفير الذريعة القانونية لمحافظ (المركزي) كي يُقْدم -إذا ما رغب في ذلك- على محاصرة حكومة الدبيبة مالياً، وبالتالي تسهل إزاحته؛ لكن تحقيق ذلك ليس متوقعاً»؛ مضيفاً أن البرلمان «سبق أن سحب الثقة من حكومة (الوحدة)، وأعلن انتهاء ولايتها، فلماذا يستمر في إصدار القرارات بشأنها؟»، مبرزاً أن المجلس «سبق أن أقال محافظ المركزي عام 2014، ثم يأتي اليوم ليدعوه إلى تنفيذ قرار الحظر».

ونوَّه الكبير إلى الاعتراف الدولي بحكومة «الوحدة الوطنية»، في مقابل عدم الاعتراف بحكومة «الاستقرار» المكلفة من البرلمان؛ «وبالتالي فإن هذا القرار لن يجد أي صدى له، مثل قرارات سابقة أصدرها البرلمان وقوبلت بالرفض والاعتراض».

وكان المجلس الأعلى للدولة قد سارع بإعلان رفضه لقرار مجلس النواب، القاضي بإنشاء «صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا»، وعدَّه «تعدياً على اختصاصات السلطة التنفيذية».

عبد الحميد الدبيبة (حكومة الوحدة)

ولم يبتعد أستاذ العلاقات الدولية والسياسات المقارنة، إبراهيم هيبة، عن الآراء السابقة؛ حيث وصف قرار مجلس النواب بأنه «محاولة جديدة للضغط على الدبيبة المتشبث ببقاء حكومته لحين إجراء الانتخابات، بالمخالفة لرغبة البرلمان وعدد من القوى السياسية بالبلاد في تشكيل حكومة جديدة، تمهد لإجراء الاستحقاق الانتخابي». وأشار هيبة لإمكانية «التزام رؤساء المؤسسات المالية بالقرار والتضحية بالدبيبة، إذا ما أدركوا فقد الأخير لحلفائه تدريجياً... لكن هذا الأمر قد يستغرق بعض الوقت، ولن يكون سهلاً وسريعاً».

ورغم إقراره بأن الدبيبة لا يزال يملك كثيراً من الأوراق التي تبقيه بالسلطة، يرى هيبة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «فقدان الدبيبة للمال تحديداً سيفقده تحالف كثير من القوى والشخصيات السياسية بالمنطقة الغربية، والأهم أنه سيُفقده ولاء الجماعات المسلحة المتمركزة بالعاصمة، وتقوم بحماية سلطته هناك».

وعلى الرغم من توافقه مع كثير من الأصوات في الساحة على أن هناك «مصلحة مشتركة بين أفرقاء الصراع ببقاء الوضع الراهن وإطالة أمده»، يشير هيبة إلى «وجود حراك دولي في اتجاه دعم إجراء الانتخابات».


مقالات ذات صلة

ليبيا: «الرئاسي» يصعّد ضد «النواب» بشأن «المصالحة الوطنية»

شمال افريقيا المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)

ليبيا: «الرئاسي» يصعّد ضد «النواب» بشأن «المصالحة الوطنية»

طالب المجلس الرئاسي الليبي البرلمان بتجنب «القرارات الأحادية» التي قال إنها «تقوض الشراكة الوطنية وتؤثر سلباً على أمن واستقرار البلاد».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع الدبيبة مع سفير تركيا وملحقها العسكري (حكومة الوحدة)

ليبيا: مطالب بالتحقيق مع الدبيبة والمنقوش بسبب «لقاء كوهين»

وصول آليات عسكرية مفاجئة إلى طرابلس وقوات «الوحدة» تعزز مواقعها في الزاوية

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا جل الليبيين عبّروا عن مخاوفهم من عودة الاقتتال إلى البلد (أ.ف.ب)

ليبيون يتخوفون من احتمال انهيار «اتفاق وقف النار» بين الحكومتين المتنازعتين

عوامل عديدة دفعت الليبيين خلال الأيام القليلة الماضية للقلق والخوف من احتمالية من عودة الاقتتال بين السلطتين المتنازعتين على السلطة في شرق البلاد وغربها.

جاكلين زاهر (القاهرة )
تحليل إخباري وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)

تحليل إخباري بعد سقوط الأسد... روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها الأفريقية

أدى سقوط بشار الأسد في سوريا إلى عرقلة مشاريع روسيا في أفريقيا، وأرغمها على البحث عن نقطة إسناد بديلة بحوض البحر الأبيض المتوسط، متطلعة في هذا السياق إلى ليبيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا من عملية إنقاذ سابقة لمهاجرين غير نظاميين بغرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

تعذيب «مهاجرين» طلباً للفدية يذكّر مجدداً بـ«تجارة الرقيق» في ليبيا

يتداول حقوقيون ليبيون صوراً ومقاطع فيديو تظهر أشخاصاً من ذوي البشرة السمراء يتعرضون للضرب بخراطيم وأعواد خشبية وآخرين على أجسادهم آثار تعذيب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

هل وصلت العلاقات الجزائرية - الفرنسية لنقطة «اللاعودة»؟

الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
TT

هل وصلت العلاقات الجزائرية - الفرنسية لنقطة «اللاعودة»؟

الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

تشهد العلاقات المضطربة على مرّ التاريخ بين فرنسا والجزائر خضّات جديدة، إثر توقيف مؤثرين جزائريين على ذمة التحقيق في فرنسا، بسبب رسائل كراهية نشروها، ومواجهة دبلوماسية جديدة حول توقيف كاتب جزائري - فرنسي في العاصمة الجزائرية، وهو ما يجعل البعض يرى أن العلاقة بين البلدين وصلت فعلاً إلى «نقطة اللاعودة».

سلطات فرنسا شنت حملة توقيف مؤثرين جزائريين على ذمة التحقيق بسبب رسائل كراهية نشروها (أ.ب)

وأوقفت السلطات في باريس مؤخراً ثلاثة مؤثرين جزائريين للاشتباه في تحريضهم على الإرهاب، ووضع منشورات تحث على ارتكاب أعمال عنف في فرنسا ضد معارضين للنظام الجزائري. أحدهم أوقف الجمعة في ضواحي غرونوبل، بعد نشره مقطع فيديو، تم حذفه في وقت لاحق، يحث المتابعين على «الحرق والقتل والاغتصاب على الأراضي الفرنسية»، بحسب لقطة مصورة من شاشة لوزير الداخلية برونو ريتايو.

وزير الداخلية الفرنسية برونو ريتايو (أ.ب)

ونشر هذا الرجل: «أنا معك يا زازو»، مخاطباً مؤثراً جزائرياً آخر، يدعى يوسف أ، المعروف باسم «زازو يوسف»، كان قد أوقف قبل ساعات قليلة بشبهة الدعوة إلى شن هجمات في فرنسا ضد «معارضي النظام الحالي في الجزائر»، بحسب القضاء الفرنسي. ونشر الشخص الثالث، الذي تم اعتقاله على تطبيق «تيك توك»: «اقتلوه، دعوه يتعذب»، في إشارة إلى متظاهر جزائري معارض للنظام. وفتح القضاء أيضاً تحقيقات ضد اثنين آخرين من المؤثرين الفرنسيين الجزائريين، بسبب فيديوهات تنشر الكراهية. وقال المعارض الجزائري، شوقي بن زهرة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «العشرات» من مستخدمي وسائط التواصل الجزائريين، أو مزدوجي الجنسية «نشروا محتوى معادياً على الإنترنت».

محمد تاجديت ضحية تحريض بالقتل من مؤثر جزائري مقيم بفرنسا (حسابه الشخصي بالإعلام الاجتماعي)

كان لدى يوسف أ. أكثر من 400 ألف متابع على تطبيق «تيك توك»، وقد حذفت المنصة حسابه منذ ذلك الحين.

* اتهام الجزائر بالتحريض

اتهم بن زهرة، وهو نفسه لاجئ سياسي في فرنسا، السلطات الجزائرية بالوقوف وراء هذه «الظاهرة»، والدليل بحسبه أن المسجد الكبير في باريس، الذي تموله الجزائر، «يستقبل أيضاً مؤثرين» جزائريين. وردت مؤسسة مسجد باريس على هذه التصريحات «التشهيرية»، التي أدلى بها «مدون مغمور»، واعتبرتها جزءاً من «حملة افتراء غير محتملة»، لكنها أكدت على «دورها البناء في العلاقات بين البلدين». وحسب العديد من المعارضين الجزائريين المقيمين في فرنسا، الذين التقتهم «وكالة الصحافة الفرنسية»، فإن هذه الرسائل العنيفة بشكل خاص ازدادت حدة بعد أن غيرت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، موقفها من قضية الصحراء، التي كانت مسرحاً لنصف قرن من الصراع بين المغرب وجبهة «البوليساريو»، المدعومة من الجزائر. ففي نهاية يوليو (تموز) الماضي انحاز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جانب إسبانيا والولايات المتحدة الأميركية، معتبراً أن مستقبل الصحراء يكمن «في إطار السيادة المغربية»، وساعد ذلك في التقارب مع الرباط، واندلاع أزمة جديدة مع الجزائر، التي لم تعد تقيم علاقات دبلوماسية مع جارتها منذ أغسطس (آب) 2021.

الجزائر اعتبرت موقف الرئيس ماكرون من الصحراء المغربية «خيانة» لها (أ.ف.ب)

في صيف 2022، بدأ الرئيس الفرنسي خطوة «للتقارب» مع الجزائر بشأن «قضايا الذاكرة»، ومسألة «الماضي الاستعماري»، المرتبطة بحرب الاستقلال التي خلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى، لكن موقفه من الصحراء اعتبرته الجزائر «خيانة»، كما لاحظ ريكاردو فابياني، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية. سبب آخر من أسباب التوتر هو مصير الكاتب الفرنسي - الجزائري، بوعلام صنصال (75 عاماً)، الذي يقبع في السجن في الجزائر منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بتهمة المساس بأمن الدولة، وهو في وحدة العناية الصحية منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

* امتعاض جزائري

بحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية، فإن السلطات الجزائرية انزعجت من تصريحات أدلى بها الكاتب صنصال لموقع «فرونتيير» الإعلامي الفرنسي، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، تبنى فيها موقفاً مغربياً يقول إن أراضي مغربية انتُزعت من المملكة، في ظل الاستعمار الفرنسي لصالح الجزائر. وكان الرئيس الفرنسي اعتبر الاثنين أن «الجزائر التي نحبها كثيراً، والتي نتشارك معها الكثير من الأبناء والكثير من القصص، تسيء إلى سمعتها، من خلال منع رجل مريض بشدة من الحصول على العلاج»، مطالباً بالإفراج عن الكاتب المحتجز «بطريقة تعسفية تماماً».

الروائي المسجون في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)

ومباشرة بعد ذلك، عبرت وزارة الخارجية الجزائرية عن استغرابها من «التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي بشأن الجزائر، والتي تهين، في المقام الأول، من اعتقد أنه من المناسب الإدلاء بها بهذه الطريقة المتهاونة والمستهترة». ووصفتها بـ«التدخل السافر وغير المقبول في شأن جزائري داخلي». في هذا السياق، أشار مدير «مركز الدراسات العربية والمتوسطية» في جنيف، حسني عبيدي، في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إلى أن العلاقة بين البلدين وصلت إلى «نقطة اللاعودة». وأعرب عن أسفه لأن «تصريحات ماكرون القاسية وغير المألوفة» من شأنها «تعزيز دعاة القطيعة التامة بين البلدين، وتكشف عن فشل الرئيس (الفرنسي) في سياسته حيال الجزائر». أما كريمة ديراش، الباحثة في «المركز الوطني الفرنسي» للبحث العلمي في باريس، فقد اعتبرت أننا «أمام رئيس دولة فرنسي لا يعرف كيف يتصرف»، و«يترك انفعالاته تتغلب عليه ولا يحترم القواعد»، وأمام سلطة جزائرية «حساسة جداً تجاه كل ما يصدر عن الدولة الفرنسية». وشدّدت على أنه رغم هذه «المناوشات» المتكررة بانتظام، تظل العلاقة الفرنسية - الجزائرية «متينة» من الناحيتين الاقتصادية والأمنية، مضيفة بسخرية أن فرنسا والجزائر «ثنائي يتنازع بانتظام».