الرئيس التونسي يوجه المؤسسة العسكرية بتنفيذ مشاريع حكومية معطلة

سياسيون يتساءلون عن جدوى القرار في ظل انعدام الميزانيات الكافية

الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
TT

الرئيس التونسي يوجه المؤسسة العسكرية بتنفيذ مشاريع حكومية معطلة

الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)

طالب الرئيس التونسي قيس سعيد المؤسسة العسكرية، ممثلة في إدارة الهندسة العسكرية، بالإشراف على إعادة تهيئة المسبح البلدي بالعاصمة، الذي ظل مغلقاً لنحو 40 سنة، وانتقد بشدة السلطات البلدية خلال زيارة ميدانية قام بها مساء الخميس إلى هذا المسبح، موضحاً أنها الزيارة الثانية التي يقوم بها إلى هذا المسبح، دون أن تتحرك السلطات للقيام باللازم.

وقال سعيد منتقداً المسؤولين: «نحن في سباق ضد الوقت، فالأمر لا يستحق لجاناً ودراسات وهندسة جديدة، يجب إعادة تهيئة ما هو موجود، والانطلاق في التنفيذ والإنجاز في أقرب الأوقات تحت إشراف الهندسة العسكرية، وهناك من الوطنيين الذين سيتولون التكفل بتمويل أشغال إعادة تهيئة هذه المنشأة المغلقة منذ نحو 40 سنة».

لكن هذه الخطوة أثارت تساؤلات كثيرة وسط السياسيين حول أسبابها في هذا التوقيت بالذات وإن كانت تدخل في إطار حملة قبل الأوان يقوم بها الرئيس قبل الإعلان عن دخوله معترك الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهل يمكن أن تسبب تضارباً بين عمل المؤسسة العسكرية وبقية المؤسسات، التي تتولى في العادة إنجاز مثل هذه المشاريع؟ بينما أوضح البعض الآخر أن الأمر لا يتعلق بتهاون المسؤولين كما يشاع، بل بانعدام الميزانيات الكافية لإنجاز عدد من المشاريع المعلقة.

الرئيس سعيد أكد على ضرورة المحافظة على المؤسسات العمومية خلال زيارته لمصنع الحلفاء بالقصرين (موقع الرئاسة)

وبعد يوم واحد من زيارة الرئيس إلى المسبح البلدي بالعاصمة، بدأت صباح الجمعة، وحدات الجيش في أشغال الإصلاح، وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي صور وصول شاحنات عسكرية، تقل عدداً كبيراً من الجنود والمعدات اللازمة للقيام بعمليات الإصلاح، تنفيذاً لتعليمات الرئيس. كما انطلقت بلدية تونس العاصمة بدورها في أشغال تهيئة حديقة ساحة باستور التي تقع قبالة المسبح.

ويرى عدد من المراقبين أن خطوة الرئيس بتكليف المؤسسة العسكرية بتنفيذ بعض المشاريع المعطلة ليست الحل المطلوب، بل توفير وتأمين الميزانيات اللازمة لذلك، ويؤكدون أن الحكومات التونسية المتلاحقة ظلت تشكو باستمرار من عقبات إدارية ومؤسساتية، ومن مصاعب مالية عرقلت تنفيذ مجموعة كبيرة من المشاريع الكبرى، وهو ما جعل نحو 500 مشروع حكومي معطلة ومتوقفة حتى الآن، بعد أن انطلق العمل في إنجاز بعضها، لكنها توقفت فجأة بسبب عدم وفاء الحكومات التونسية المتتالية بالتزاماتها، وتوقفها عن دفع المستحقات المالية لمنفذي تلك المشاريع، علاوة على تراجع الاستثمارات المحلية والدولية. وقد قدرت بعض التقارير الحكومية قيمة المشاريع الحكومية المعطلة بنحو 17 مليار دينار تونسي (نحو 5.7 مليار دولار).

الرئيس سعيد في لقاء مع وزيرتي العدل والمالية لمناقشة عدد من المشاريع الحكومية (الرئاسة التونسية)

ومع ذلك، يرى بعض المتابعين لتطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية في تونس أن تفسير الرئيس سعيد، في عدد من تصريحاته لأسباب تعطل تنفيذ بعض المشاريع الحكومية «بوجود مندسين تسربوا إلى الإدارة التونسية خلال فترة حكم المنظومة السياسية السابقة»، فيه بعض الصحة، لكن التفسير الأقرب للواقع يتمثل في كثرة الصعوبات والمعوقات، التي وقفت حائلاً ضد تنفيذ عدد من المشاريع الحكومية، من بينها كثرة الاحتجاجات الاجتماعية، وطغيان الجانب المطلبي لدى الفئات الفقيرة، وعدم توفر الموارد الذاتية وتراجعها، نتيجة تراجع محركات الإنتاج عن لعب دورها الأساسي في خلق الثروة، وتوفير فرص العمل.

وكان سعيّد قد تحدث عن إدراج مشاريع أخرى مماثلة، مثل دار الثقافة «ابن خلدون»، ودار الثقافة «ابن رشيق» وسط العاصمة، في إطار جهود إعادة تهيئة مجموعة من المؤسسات العمومية، مؤكداً أن تونس «تخوض حرباً في كل الميادين، ومن غير الممكن أن نترك البلاد في حالة خراب في كل المجالات»، على حد تعبيره.

يذكر أن السلطات التونسية أحدثت «لجنة عليا لتسريع إنجاز المشاريع العمومية»، بمقتضى مرسوم من الرئيس سعيد في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، بهدف إيجاد حلول ملائمة لتسريع وتيرة إنجاز المشاريع الموزعة على أكثر من 7 وزارات، والمساهمة بالتالي في استعادة النمو الاقتصادي والاجتماعي.



استبعاد المئات من «قوائم الإرهاب» بمصر يجدد الجدل بشأن «مصالحة الإخوان»

أثار قرار تحديث قوائم الإرهاب جدلاً واسعاً (أ.ف.ب)
أثار قرار تحديث قوائم الإرهاب جدلاً واسعاً (أ.ف.ب)
TT

استبعاد المئات من «قوائم الإرهاب» بمصر يجدد الجدل بشأن «مصالحة الإخوان»

أثار قرار تحديث قوائم الإرهاب جدلاً واسعاً (أ.ف.ب)
أثار قرار تحديث قوائم الإرهاب جدلاً واسعاً (أ.ف.ب)

أدى قرار استبعاد المئات من الإدراج على «قوائم الإرهاب» في مصر، بقرار من محكمة الجنايات، إلى إعادة الجدل بشأن إمكانية «المصالحة» مع جماعة «الإخوان»، في ظل تضمين القرار أسماء عدد من قيادات الجماعة «المحظورة» رسمياً، أو محسوبين عليها، وعلى رأسهم يوسف ندا، ووجدي غنيم، وأمير بسام، ويحيى حامد، والأخير شغل منصباً وزارياً خلال حكم الجماعة بين عامي 2012 و2013.

وقررت محكمة الجنايات رفع أسماء 716 شخصاً من قوائم الإرهابيين استجابة لطلب النائب العام في قضية «تمويل جماعة الإخوان»، التي بدأ تحريكها عام 2014، بينما تضمنت حيثيات القرار إجراء «الأمن الوطني» تحريات تكميلية بشأن 808 أشخاص سبق إدراجهم في القضية البالغ عدد المتهمين فيها أكثر من 1500 شخص.

وشهدت منصات التواصل الاجتماعي في مصر جدلاً بشأن تداعيات القرار، فبينما فسره البعض بوصفه «يمهد لإمكانية التصالح مع الإخوان»، نفى آخرون ذلك وبينهم برلمانيون مصريون، مشددين على أن «الإجراء طبيعي وقانوني ولا يمثل بداية لأي مصالحة مع الإخوان»، التي صنفت «إرهابية» بأحكام قضائية.

وذكر عدد من المدونين تأكيدات على استمرار إدراج بعض الأسماء على القوائم، لكن في قضايا أخرى بخلاف القضية التي جرى رفع اسمهم فيها.

ودشن عدد من المتابعين وسم «لا تصالح مع الإخوان» للتعبير عن رفضهم القرار، مستذكرين الضباط والجنود الذين سقطوا ضحايا للعمليات الإرهابية.

ودخل عضو مجلس النواب (البرلمان) النائب محمود بدر على خط السجال مستبعداً في تدوينة عبر حسابه على «إكس»، أن يكون القرار مقدمة للمصالحة مع «الإخوان»، مؤكداً أن الإدراج على القوائم «إجراء احترازي» لم تعد هناك حاجة لتطبيقه على الأسماء التي صدر قرار برفعها.

وأضاف أن بعض الشخصيات رحلت عن الحياة على غرار القرضاوي ونجل الرئيس الأسبق محمد مرسي، والبعض الآخر صدرت بحقه أحكام قضائية نهائية، والبعض صدر بحقه قرار بالعفو الرئاسي ويمارس حياته بشكل اعتيادي، ولم تعد هناك ضرورة لتطبيق هذا الإجراء الاحترازي بحقه.

وهنا يشير الصحافي المتخصص بالملف القضائي محمد بصل لـ«الشرق الأوسط»، إلى صعوبة تحديد أعداد المدرجين على قوائم «الإرهاب» بسبب وجود كثير من القضايا وتكرار أسماء بعض الشخصيات في أكثر من قائمة، الأمر الذي يؤدي أيضاً لصعوبة تحديد الأعداد الفعلية التي استفادت من قرار المحكمة الأخير، مشيراً إلى أن الأعداد الفعلية للمدرجين تقدر بـ«الآلاف».

وأضاف أن النيابة العامة والجهات القضائية وحدهما القادرتان على حصر الأسماء غير المتكرر إدراجها في قوائم أخرى لتحديد استفادتها من قرار المحكمة، مشيراً إلى أن القضية التي فتح التحقيق فيها قبل سنوات، لم يصدر أي قرار بحبس أي متهم فيها حتى الآن، ولم تتم إحالة المتهمين فيها للمحاكمة، وكان الإدراج على قوائم الإرهاب الإجراء القانوني الوحيد المتخذ بحق المتهمين.

لكن النائب محمود بدر كشف في تدوينته، عن وجود 4408 أشخاص وكيانات مدرجة على القوائم، بحسب آخر تحديث في 12 أغسطس (آب) الماضي.

ويفرّق مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور عمرو الشوبكي، بين «الإجراء القضائي الذي يهدف إلى رفع الصفة عن أشخاص طبقت عليهم إجراءات استثنائية في ظروف محددة كانت الدولة تواجه فيها مخاطر وجودية، ومتورطين في جرائم عنف وتحريض من الجماعة، لا يوجد مجال للتصالح معهم».

ويؤكد مستشار مركز الأهرام لـ«الشرق الأوسط»، أن «خطوة رفع الأسماء من القوائم مهمة، خصوصاً مع وجود كثيرين يستحقون حذف أسمائهم من هذه القوائم».

ووفق بيان النيابة العامة، الأحد، فإن الـ716 الذين شملهم القرار، «ثبت توقفهم عن أنشطتهم غير المشروعة، ضد الدولة ومؤسساتها».

ويقول محامي عدد من المتهمين في القضية محمد عثمان لـ«الشرق الأوسط»، إن القانون لا يحدد مدة معينة لانتهاء الجهات المعنية من التحريات حول المتهمين، ومن ثم لا يمكن توقع أي توقيتات بشأن الفصل في مصير باقي الأسماء المدرجة على «قوائم الإرهاب» في القضية.

وعادة ما تتجاهل السلطات المصرية أي حديث عن مبادرة للتصالح مع «الإخوان»، التي كان آخرها ما طرحته الجماعة، في رسالة منسوبة لنائب القائم بأعمال «المرشد العام»، حلمي الجزار (مقيم في لندن)، في أغسطس الماضي، عن مبادرة تشمل إطلاق سراح سجناء الجماعة، مقابل اعتزال «الإخوان» العمل السياسي.

لكن الجزار عاد بعد شهر من طرح المبادرة، مؤكداً أن حديثه عبارة عن بحث لتسوية سياسية للوضع، لا يقتصر فقط على «الإخوان»؛ لكن يشمل كل الأطراف في الداخل والخارج.