استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأربعاء، نظيره التركي رجب طيب إردوغان، الذي وصل إلى القاهرة على رأس وفد رفيع المستوى، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من11 عاماً، عدها مراقبون «نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين، تدفع نحو تعزيز مسار التطبيع والمصالحة».
ورحب الرئيس المصري، خلال مؤتمر صحافي بقصر الاتحادية الرئاسي، بنظيره التركي، في القاهرة. وقال إن «الزيارة تفتح صفحة جديدة بين بلدينا بما يثري علاقاتنا الثنائية، ويضعها على مسارها الصحيح»، معرباً عن «تقديره للعلاقات التاريخية بتركيا، والإرث الحضاري والثقافي المشترك» بين القاهرة وأنقرة. كما أعرب السيسي عن تطلعه لتلبية دعوة إردوغان لزيارة تركيا في أبريل (نيسان) المقبل: «لمواصلة العمل على ترفيع علاقات البلدين في شتى المجالات بما يتناسب مع تاريخهما وإرثهما الحضاري المشترك».
وشهدت العلاقات المصرية - التركية خلال الأشهر الماضية اتجاهاً متصاعداً نحو التطبيع، بعد عقد كامل من الانقطاع والتوتر، بسبب دعم أنقرة تنظيم «الإخوان» الذي تصنفه السلطات المصرية «إرهابياً». وتسارع مسار التطبيع منذ مصافحة إردوغان والسيسي خلال افتتاح المونديال بقطر في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2022. وأعلن البلدان في يوليو (تموز) الماضي، ترفيع العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفراء، والتقى رئيسا البلدين مرتين خلال العام الماضي على هامش أحداث دولية، كما التقى وزراء ومسؤولون بارزون في البلدين مرات عدة.
لكن الرئيس المصري أشار، في كلمته الأربعاء، إلى «استمرار التواصل الشعبي بين البلدين خلال السنوات العشر الماضية، إضافة إلى نمو مطّرد في العلاقات التجارية والاستثمارية». وأوضح أن «مصر حالياً هي الشريك التجاري الأول لتركيا في أفريقيا، كما أن تركيا تعد من أهم مقاصد الصادرات المصرية». وقال: «نسعى معاً إلى رفع التبادل التجاري بين البلدين إلى 15 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة، وتعزيز الاستثمارات المشتركة، وفتح مجالات جديدة للتعاون».
وشهد الرئيسان المصري والتركي التوقيع على عدد من الاتفاقيات وعلى الإعلان المشترك حول إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين.
وأكد السيسي «اهتمام بلاده بتعزيز التنسيق مع أنقرة للاستفادة من موقع الدولتين بوصفهما مركزي ثقل في المنطقة، بما يسهم في تحقيق السلم، وتثبيت الاستقرار، ويوفر بيئة مواتية لتحقيق الازدهار والرفاهية»، مشيراً إلى أن «الدولتين تواجهان العديد من التحديات المشتركة، مثل خطر الإرهاب، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يفرضها الواقع المضطرب في المنطقة».
وتوافق الرئيسان المصري والتركي على «ضرورة وقف إطلاق النار في قطاع غزة بشكل فوري، وتحقيق التهدئة بالضفة الغربية حتى يتسنى استئناف عملية السلام في أقرب فرصة وصولاً إلى إعلان الدولة الفلسطينية ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، وعاصمتها القدس الشرقية».
في السياق، أعرب الرئيس المصري عن «اعتزاز بلاده بمستوى التعاون مع تركيا من أجل النفاذ السريع لأكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة»، مشيراً إلى أن «ما تمارسه السلطات الإسرائيلية من تضييق على دخول تلك المساعدات يتسبب في دخول شاحنات المساعدات بوتيرة بطيئة لا تتناسب مع احتياجات سكان القطاع».
وأكد السيسي أنه اتفق مع إردوغان على «ضرورة تعزيز التشاور بين البلدين حول الملف الليبي، بما يساعد على عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتوحيد المؤسسة العسكرية بالبلاد». وعد «نجاح القاهرة وأنقرة في تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا سيكون نموذجاً يحتذى به». ورحب الرئيس المصري بالتهدئة الحالية في منطقة شرق المتوسط، وقال: «نتطلع للبناء عليها وصولاً إلى تسوية الخلافات القائمة بين الدول المتشاطئة بالمنطقة، ليتسنى للجميع تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية المتاحة بها».
كما تطرقت المباحثات في القاهرة إلى أوجه التعاون المشترك في أفريقيا، وقال السيسي: «نعمل على دعم مساعي القارة للتنمية وتحقيق الاستقرار والازدهار».
من جانبه، أشار الرئيس التركي إلى «إمكانية تطوير علاقات بلاده العسكرية بمصر، إضافة إلى مجالي الطاقة والسياحة». وقال: «نستهدف زيادة حجم التبادل التجاري مع مصر إلى 15 مليار دولار». وأضاف: «عازمون على زيادة استثماراتنا في مصر، التي هي في حدود ثلاثة مليارات دولار حاليا».
وفيما يتعلق بالوضع في غزة، وصف إردوغان الأحداث بـ«المأساوية»، مشيراً إلى أن الحرب في غزة «تصدرت مباحثاته مع السيسي»، معرباً عن تقديره لدور مصر في إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وأكد الرئيس التركي أنه «لا يمكن القبول بتطهير قطاع غزة من سكانه، ونقدر موقف مصر حول هذا الأمر»، مشيراً إلى أن «مبادرات تهجير سكان غزة في حكم العدم»، وداعياً رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى أن «يكف عن نقل مجازره إلى رفح»، مناشداً المجتمع الدولي «بعدم السماح بهذا التصرف الجنوني».
وقال إردوغان «من أجل إيقاف إراقة الدماء في غزة سنظل على تعاون مع مصر، وعلى المدى المتوسط إعادة إعمار غزة يتطلب العمل المشترك مع مصر»، مشيراً إلى أنه «تطرق مع الرئيس المصري إلى مواضيع تخص ليبيا والسودان والصومال»، مؤكداً على «وحدة أراضي هذه الدول واستقرارها».
وكانت تركيا أعلنت بداية الشهر الحالي عن «تزويد مصر بطائرات مسيّرة»، وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في حينه، إن الصفقة تأتي في «إطار تطبيع العلاقات بين البلدين».
وعدّ الخبير بالشأن التركي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كرم سعيد، توقيت زيارة إردوغان للقاهرة «لافتاً ومهماً». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الزيارة تُمثل نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين، وإن لم تكن مفاجئة؛ حيث مهدت لها تصريحات تركية على مدار الشهور الماضية».
وأضاف سعيد أن «هناك جملة من المحفزات توفر (بيئة خصبة) لدعم التقارب على المستوى الإقليمي والدولي، لا سيما في ظل الحرب الروسية - الأوكرانية، والحرب على غزة»، لافتاً إلى أن «من بين هذه المحفزات طفرة في التبادل التجاري بين مصر وتركيا، وتجاوز بعض النقاط الخلافية بالنسبة للأزمة الليبية، إضافة إلى تقارب لافت بشأن الصراع في السودان، وكذا رفض البلدين مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وإقليم (أرض الصومال)».
وقال سعيد إنه «من الواضح أن هناك إرادة إيجابية من البلدين لتعزيز التعاون على مستويات عدة اقتصادية وعسكرية وسياسية، وظهر ذلك واضحاً خلال الإعلان عن صفقة المسيرات التركية لمصر، إضافة إلى الرغبة في التعاون العسكري على مستوى التدريب والتصنيع». وأضاف أن «هناك أيضاً رغبة في التنسيق على مستوى الملفات الإقليمية»، مشيراً إلى أنه «لا تزال هناك تحديات لكن الرغبات الإيجابية قد تدفع لإيجاد صيغة للتعامل مع تلك التحديات».