السودان: «ود مدنى» تحت القصف لليوم الثالث... والوضع الطبي «كارثي»

واشنطن تطالب «الدعم» بوقف التقدم... و«إيغاد» تدعو للحوار

سودانيون يفرون (السبت) من مدينة ود مدني بولاية الجزيرة جراء الحرب بين قوات الدعم والجيش (أ.ف.ب)
سودانيون يفرون (السبت) من مدينة ود مدني بولاية الجزيرة جراء الحرب بين قوات الدعم والجيش (أ.ف.ب)
TT

السودان: «ود مدنى» تحت القصف لليوم الثالث... والوضع الطبي «كارثي»

سودانيون يفرون (السبت) من مدينة ود مدني بولاية الجزيرة جراء الحرب بين قوات الدعم والجيش (أ.ف.ب)
سودانيون يفرون (السبت) من مدينة ود مدني بولاية الجزيرة جراء الحرب بين قوات الدعم والجيش (أ.ف.ب)

لليوم الثالث على التوالي، تواصلت الاشتباكات وعمليات القصف «الأحد» بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في شرق ولاية الجزيرة وسط البلاد، ومحيط جسر «حنتوب» الرابط بين شرق مدينة «ود مدني» (حاضرة الولاية) وغربها، في وقت قالت فيه «نقابة الأطباء» السودانيين إن الوضع في المدينة «كارثي» ويزداد تعقيداً جراء «إغلاق الصيدليات».

وأدى تجدد القتال بعد صمت مؤقت في الساعات الأولى من ليل «الأحد» إلى تزايد التوتر والقلق بين سكان مدينة ود مدني، وسُمعت أصوات تبادل القصف شرق المدينة صباحاً، فيما أغلقت الأسواق والمؤسسات الخدمية، ونزح عدد كبير من السكان بحثاً عن ملاذات آمنة.

وكانت «ود مدني» ملاذاً آمناً قبل الاشتباكات التي طالتها لمواطنين نزحوا من الخرطوم إليها فراراً من القتال الذي اندلع في العاصمة منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بين الجيش و«الدعم السريع».

وقال شهود عيان، تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، الأحد، إن الاشتباكات تجددت بنطاق جسر «حنتوب»، وسُمعت أصوات تبادل إطلاق النار وقذائف المدفعية في أنحاء واسعة من المدينة، وتواصل إغلاق الأسواق ومراكز الخدمات، وعلى وجه الخصوص المستشفيات والمراكز الصحية.

مواطنون ينزحون (السبت) من مدينة ود مدني السودانية جراء تواصل الحرب بين قوات الدعم والجيش (أ.ف.ب)

وأوضح الشهود أن «حركة النزوح من المدينة لا تزال مستمرة، وأن أعداداً كبيرة من المواطنين اتجهت إلى مدينة سنار، والحاج عبد الله، وقرى الجزيرة القريبة، فيما انتقل آخرون من شرق المدينة إلى غربها للابتعاد عن مناطق الاشتباكات وتبادل القصف».

ونقلت مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض المناطق التي سيطرت عليها (الدعم السريع) شهدت عمليات نهب وسلب طالت بنوكاً ومراكز شرطة، ومتاجر مواطنين وممتلكات عامة».

وأصدرت سلطات الولاية، الجمعة الماضي، قراراً لا يزال مستمراً بفرض «حظر تجول» بين الساعة السادسة مساء والسادسة صباحاً، واتخذت «إجراءات تأمينية أخرى»، للحد من تقدم «الدعم السريع» تجاه ود مدني، فأغلقت جسر «حنتوب» وجسر «رفاعة»، وأغلقت طريق الخرطوم مدني الغربي، وأوقف النقل النهري بين ضفتي النيل الأزرق.

مخاطر ممتدة

لم تقتصر مخاطر هجوم «الدعم السريع» على «ود مدني»، إذ أعلنت ولاية القضارف المحاذية لولاية الجزيرة من الشرق حالة الطوارئ وفرض حظر التجول من السادسة مساء حتى السادسة صباحاً أيضاً، وذلك بعد أن سيطرت «الدعم السريع» على جزء من الطريق الرابطة بين «ود مدني» والقضارف، فيما اتخذ النازحون إلى «القضارف» طريقاً غير ممهدة تنطلق من «سنار» جنوباً إلى القضارف، ومن ثم لشرق البلاد «كسلا، ثم بورتسودان».

وواجهت عملية «الدعم السريع» في «ود مدني» رفضاً محلياً ودولياً باعتبارها «تهديداً مباشراً للمدنيين، ولا سيما النازحين الذين فروا إلى المدينة في أوقات سابقة».

وطالبت «الخارجية الأميركية»، في بيان، مساء السبت، «الدعم السريع» بوقف تقدمها في ولاية الجزيرة فوراً، وعدم مهاجمة «ود مدني»، واعتبرت تقدم تلك القوات «تهديداً بتعطيل جهود توصيل المساعدات الإنسانية، لأن المدينة ملاذ آمن للمدنيين النازحين ومركز مهم لجهود الإغاثة».

كما دعت «الخارجية الأميركية» الجيش السوداني إلى «عدم الاشتباك مع (الدعم السريع)، بما يعرض حياة المدنيين للخطر».

دعوة للحوار

في تغريدة على صفحته على منصة «إكس»، دعا السكرتير التنفيذي للهيئة الحكومية للتنمية «إيغاد»، ورقني قبيهو، الجيش السوداني و«الدعم السريع» للاستجابة لقرارات قمة دول المجموعة الطارئة بالرقم 41 ووقف العمليات العدائية، وحلّ النزاع عبر الحوار، وقال: «نشعر بقلق بالغ إزاء تجدد الصراع في ولاية الجزيرة والفاشر في السودان، فالعنف يعرض حياة الناس للخطر ويعيق البحث عن سلام دائم».

تجدد الاشتباكات بين قوات الدعم والجيش أجبرت آلاف السوادنيين على الفرار من ود مدني (أ.ف.ب)

وتبريراً لهجومها على «ود مدني»، قالت «الدعم السريع»، في بيان بثّته على صفحتها الرسمية على منصة «إكس»، الأحد، إن العملية التي تقوم بها «وقائية ودفاعاً عن النفس، وذلك إثر إعلان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان استنفار 40 ألف لمهاجمة قوات الدعم السريع منطلقة من الولاية». وقالت: «كان واجب علينا الدفاع عن أنفسنا، ووقف الهجوم علينا والذهاب إلى معاقلهم بالولاية». مضيفة أنها ملتزمة بـ«القانون الدولي الإنساني، والتعاون مع الفاعلين في الحقل الإنساني ومساعدتهم على الاستمرار في القيام بمهامهم بمساعدة المتأثرين بالحرب».

محلياً، قالت اللجنة التأسيسية لـ«نقابة أطباء السودان»، إن «الوضع الصحي في (ود مدني) أصبح حرجاً، ويزداد تعقيداً بإغلاق الصيدليات، ما جعل الكوادر الطبية تواجه وضعاً كارثياً، إزاء توفير الخدمات الطبية والصحية لنحو نصف مليون شخص من النازحين الذين لجأوا للمدينة، إضافة إلى سكانها الأصليين».

وفي وقت سابق، ذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة «أوتشا» أن «عدد سكان (ود مدني) بلغ حالياً 700 ألف شخص، منهم 270 ألفاً بحاجة إلى مساعدات إنسانية».


مقالات ذات صلة

500 قتيل خلال 4 أيام في السودان

شمال افريقيا 
مشهد من المعارك التي تجددت قبل أيام في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)

500 قتيل خلال 4 أيام في السودان

أدانت أحزابٌ وقوى سياسية سودانية، أبرزها «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، القصف الجوي والمدفعي الذي سُجّل خلال الأيام الأربعة الماضية، وأدى إلى مقتل.

أحمد يونس (كمبالا)
العالم العربي آثار الدمار في العاصمة السودانية جراء الصراع المسلّح (د.ب.أ)

الأمم المتحدة: حرب السودان قد تزهق أرواحاً لا تحصى دون تحرك فوري لوقفها

قالت حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية بإقليم شرق المتوسط، اليوم (الثلاثاء)، إن حرب السودان قد تزهق أرواحاً لا حصر لها دون اتخاذ إجراءات فورية.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مشهد من المعارك التي تجددت قبل أيام في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)

مطالبة مدنية بتدخل دولي لوقف الانتهاكات في السودان

ذكرت منصات موالية لـ«قوات الدعم السريع» أنها سيطرت على منطقة الدم جمد، بولاية غرب كردفان، وتتجه إلى مدينة النهود، إحدى مدن الولاية الكبرى.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا توزيع الطعام من أحد المطابخ العامة في الخرطوم (رويترز)

طرفا الصراع في السودان يهاجمان متطوعين يكافحون المجاعة

«في أحياء كان لدينا فيها مطبخ واحد، نحتاج الآن إلى ثلاثة مطابخ أخرى... ومع استمرار الحرب، سنرى المزيد من الناس يصلون إلى الحضيض».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا البرهان مستقبِلاً نائبه شمس الدين الكباشي في بورتسودان (أرشيفية - الجيش السوداني)

نائب البرهان يتوعد بمواصلة القتال حتى «تطهير» السودان من «الدعم السريع»

الكباشي أشرف على العملية العسكرية من داخل منطقة النيل الأبيض العسكرية، وشاركت فيها قوات من ولاية سنار، وأخرى من ولاية النيل الأبيض.

أحمد يونس (كمبالا)

حملة مصرية كبرى لترشيد المياه بموازاة تصاعد نزاع «السد الإثيوبي»

تواضروس الثاني خلال استقباله وزيرَي الموارد المائية والأوقاف للمشاركة في حملة ترشيد استهلاك المياه (وزارة الموارد المائية المصرية)
تواضروس الثاني خلال استقباله وزيرَي الموارد المائية والأوقاف للمشاركة في حملة ترشيد استهلاك المياه (وزارة الموارد المائية المصرية)
TT

حملة مصرية كبرى لترشيد المياه بموازاة تصاعد نزاع «السد الإثيوبي»

تواضروس الثاني خلال استقباله وزيرَي الموارد المائية والأوقاف للمشاركة في حملة ترشيد استهلاك المياه (وزارة الموارد المائية المصرية)
تواضروس الثاني خلال استقباله وزيرَي الموارد المائية والأوقاف للمشاركة في حملة ترشيد استهلاك المياه (وزارة الموارد المائية المصرية)

بالتوازي مع تصاعد النزاع بين مصر وإثيوبيا بشأن «سد النهضة» على نهر النيل، حيث تخشى القاهرة من تأثيره في حصتها المائية، التي لا تلبي احتياجاتها، تستعد مصر لإطلاق حملة كبرى في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لترشيد الاستهلاك المحلي من المياه، بمشاركة علماء في الأزهر وكبار رجال الكنيسة.

وتعاني مصر من «عجز مائي»، بنحو 30 مليار متر مكعب سنوياً، حيث «تبلغ حصة مصر من مياه نهر النيل 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، في حين يتجاوز استهلاكها الحالي 85 مليار متر مكعب، ويتم تعويض الفارق من المياه الجوفية ومشروعات تحلية مياه البحر»، وفق وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم.

وتستهدف الحملة رفع الوعي بأهمية المياه، ونشر ثقافة ترشيد استخدامها، بحسب إفادة رسمية للوزير هاني سويلم، الثلاثاء، الذي قال إن الحملة تنطلق بمشاركة عدد من علماء الأزهر الشريف وكبار الأئمة، وكبار رجال الكنيسة المرقسية (الأرثوذكسية)، ورموز الفكر والثقافة، والقدوات المجتمعية؛ لدعوة المواطنين لترشيد المياه والحفاظ عليها.

وعقب زيارته لبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني، أشار سويلم إلى أنه «تم مؤخراً تدريب أكثر من 900 من أئمة وزارة الأوقاف؛ للمشاركة في الحملة، ونشر المعلومات الصحيحة عن قضية المياه، وأن الوزارة ترغب في تكرار مثل هذا النموذج الناجح بتدريب الآباء الكهنة».

وتتضمّن حملة ترشيد استخدام المياه «تنويهات توعوية بمختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والاتفاق مع وزارة النقل لعرض بوسترات توعية في محطات وعربات القطارات والمترو كافة، وفق وزير الموارد المائية المصري.

ويشترط أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، أن تشارك مؤسسات الدولة كلها في الحملة؛ كي تحقق أهدافها. يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحملة يجب أن تتم على المستوى القومي»، موضحاً أن «80 في المائة من الموارد المائية تذهب لقطاع الزراعة، و5 في المائة للصناعة، وما بين 12 و15 في المائة للشرب».

من جهته، رحّب البابا تواضروس الثاني بعقد لقاءات تدريبية للآباء الكهنة؛ لتوعيتهم بأهمية الاستخدام الرشيد للمياه ليقوموا بدورهم في توعية أبناء الكنيسة في العظات الكنسية»، مؤكداً خلال استقباله الوزير سويلم، ووزير الأوقاف المصري أسامة الأزهري، «استعداد الكنيسة الكامل للمشارَكة في دعم الفعاليات كافة التي تهدف إلى زيادة وعي المواطنين بقضية المياه».

في حين أكد الوزير الأزهري، أن الوزارة «تقوم بكثير من البرامج الدعوية والتوعوية بأهمية نعمة الماء والحفاظ عليها»، معرباً عن استعداده الكامل لـ«تكثيف البرامج التوعوية لترشيد استخدام المياه بالتعاون مع الكنيسة المرقسية ووزارة الري».

وتتزامن الحملة المصرية مع تصاعد التوترات بين القاهرة وأديس أبابا بشأن «سد النهضة»، الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل منذ عام 2011، بداعي توليد الكهرباء، لكن دولتَي المصب، مصر والسودان، تخشيان من تأثر حصتيهما من مياه نهر النيل.

وفي أحدث إفادة مصرية بشأن السد الإثيوبي، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، (الثلاثاء)، موقف بلاده «الداعي للتوصل لاتفاق ملزم قانوناً لتشغيل السد الإثيوبي، وإعمال قواعد القانون الدولي في هذا الشأن».

وشدّد عبد العاطي على أن «الأمن المائي المصري مسألة وجودية لن تتهاون مصر فيها»، في حين نقل بيان مصري، عن وزير الخارجية الأميركي تأكيده «التزام الولايات المتحدة بدعم الأمن المائي المصري».

وكان رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، أكد خلال لقائه عدداً من المفكرين والكُتاب المصريين، الأسبوع الماضي، أن «بلاده سعت للخروج بأقل الأضرار من مشروع السد الإثيوبي خلال السنوات الماضية، بإجراءات منها مشروعات فنية لمعالجة المياه»، مشيراً إلى أن «التحدي الأساسي حالياً هو حماية حصة مصر من مياه النيل، والحفاظ عليها»، لافتاً إلى أن «أي معطيات جديدة في قضية سد النهضة من شأنها أن تؤثر في حصة مصر المائية، سيقابلها توجه آخر تماماً».

وتأمل مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر، الدكتورة أماني الطويل، أن تُبنى على إعادة إثارة قضية «سد النهضة» مع الولايات المتحدة، «وساطة أميركية تحرك المياه الراكدة».

وقالت الطويل لـ«الشرق الأوسط» إن «القضية مطروحة على أجندة الإدارة الأميركية، وقد نشهد تحركات بشأنها عقب الانتخابات الرئاسية»، وبحسب الطويل فإن «أميركا والمجتمع الدولي أصبحا لديهما تفهم لمخاوف مصر ومطالبها بشأن سد النهضة»، كما أنه «بسبب التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط فإن أميركا تحتاج للجهود المصرية، فضلاً عن تراجع التفهم الدولي للجانب الإثيوبي؛ بسبب ما تثيره أديس أبابا من توترات في القرن الأفريقي».